إن القوي
الناعمة (soft power) هو مفهوم
صاغه جوزيف ناي من جامعة هارفارد لوصف القدرة على الجذب والضم
دون الاكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع، لم تعد القوة العسكرية فقط أو الاقتصادية
بل الأداة الإعلامية والثقافية أصبح أكثر تاثيراً من استخدام العنف إن عملية غزو العقول
معركة كبري يجب التصدي لها اذا أرادت أن تحافظ عن الحد الأدنى من الهوية الخاصة بوطنك.
ووجدنا أن
ثورة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أكبر دليل علي ان هناك وسائل غير تقليدية للسيطرة
علي الدول ونشر وفرض ثقافات اخري علي الشعوب او خلق صورة ذهنية محددة في عيون وعقول
أجيال صاعدة او تؤثر في صناعة الرأي العام والحل هو المواجهة وليس دفن رؤوسنا في الرمال
ووجدنا أن الإعلام بكل صورة سلاح قوي في التأثير علي الشعوب والربيع العربي خير دليل
علي ذلك. من احدي صور الإعلام الدراما وكيف يمكن من خلال الفن والثقافة تلميع رموز
وشخصيات محددة وبعينها ونظرا أصبح من النادر في الفترة الحالية أن تجد شخصا
يمسك كتابا يقرأ في التاريخ أو الحاضر
او المستقبل فالكل أصبح يستسهل الأمور والحصول علي المعلومة تحديدا اما عبر الشاشة
دراما سينما او عبر الموبيل السوشيال ميديا.
سلاح الدراما وتحذيرات من
الغزو الثقافي
استغلت أنقرة
الظروف السياسية في العالم العربي بعد واقعة دافوس والتقارب العربي التركي بابا لفرض
رؤيتها العالم العربي وبدأت في إنتاج مسلسلات تركية تلمع صورة العثمانيين او تهاجم
الاحتلال الإسرائيلي مثل مسلسل وادي الذئاب الذي تسبب بأزمة دبلوماسية بين تركيا وتل
أبيب ادت الي سحب السفراء علي الرغم ان العلاقات بين البلدين وردية طوال الوقت ثم حدث
استدارة للعالم العربي حيث
فتح المواطنين العرب شاشتهم للمسلسلات
التركي مثل سنوات الضياع وفاطمة والحب الأسود وكل هذه المسلسلات التي غزت سوق الدراما
العربية بشكل كبير قبل الربيع العربي تحديدا في عام 2007 وعندما اتي الطعم الذي القي
للمنطقة العربية ثماره تحولت المسلسلات التركية من الحب والرومانسية الي مسلسلات الحروب
والبطولة والتي تزرع ثقافة تمجيد الحقبة العثمانية تلك الحقبة السوداء في التاريخ التركي
والتي أراد مؤسس الدولة التركية كمال الدين أتاتورك محوها بالكامل او تتنحي جانبا عبر
إجراءات كثيرة معلومة للجميع هذه الحقبة يعلم سلبياتها الأتراك قبل العرب والقيادة
السياسية التركية قبل القيادات في العالم العربي والدليل علي ذلك حديث رئيس الوزراء
ووزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلوا عندما بدأ استراتيجية صفر مشكلات بداية من
المنطقة العربية قال صراحة علي العرب ان يطوي صفحة الإرث العثماني في المنطقة العربية
ولكن كانت الحكومة التركية تلقي فرس الرهان القوي الناعمة لديها للمسلسلات والسياحة
ثم دغدغة عواطف المسلمين في العالم العربي بالشعارات الإسلامية
أو بالأحرى
نحن أمام حكومة تركية تحيي التراث العثماني وتتباهي وتتفاخر بالإرث العثماني وأعادت
إحياء اللغة العثمانية وتزكي وتدعم كل المظاهر الخاصة بهذه الحقبة بل تقول صراحة أنها
تصنع عثمانية جديدة ولكن بأدوات العصر الحالي وتحولت المسلسلات كأداة من الأدوات وايضا
تحولت السياحة في تركيا لترويج أفكار معينة ثم مشروع حكومي لابتلاع إقليم بأكمله وصبغة
بصبغة محددة بعد أن استخدمت الدراما الاجتماعية في الترويج لتركيا استخدمت دراما التاريخ
والحروب لترويج لحكومة أنقرة كمنقذة للأمة العربية وقد حذرت كثيرا في لقاءات عدة ان
ما يحدث هو نوع من أنواع العزة الثقافي واستغلال تركيا أدوات القوي الناعمة التأثير
في العالم العربي مثلما أثرت أفكار الناصرية في الستينات في عقل المواطن العربي كما
أنه مازال الفن المصري مؤثرا في المنطقة العربية خاصة باللهجة المصرية هي إعادة استنساخ
للتجربة المصرية في الستينات ولكن بأدوات مختلفة وحيل اخري وبمساعدة جماعات الإسلام
السياسي التي تعتبر أداة في يد أنقرة حيث قال ذلك صراحة ياسين اقطاي مستشار أردوغان
للشئون الخارجية انهم عبارة كمروجين لتركيا ومشروعها في العالم العربي وإذا وصلوا الي
الحكم سيخدموا علي أجندتها الخاصة.
ممالك النار ومحاولة صد
الغزو
إن مسلسل
ممالك النار الذي عرضت أولى حلقاته في ١٧ نوفمبر 2019 علي شبكة MBC خطوة جيدة في الطريق هذا المسلسل الذي سيحكي قصة الأمير طومان باي ومعركة
مرج دابق وطبيعة الأطماع العثمانية في المنطقة العربية خاصة أن المعركة حدثت علي ارض
مصر ويبدو انها استحضار الماضي الحاضر بالإشارة للخلاف العميق بين القاهرة وأنقرة المستمر
منذ 2013 الي الآن هذا المسلسل سيكون محاولة لإعادة تذكير المواطن العربي بالمآسي والكوارث
التي جلبها الحكم العثماني للعالم العربي و ايضا نحن في لمسلسل بس قصة الوالي محمد
علي وتفوق الجيش المصري علي جيش الأستانة ووهن الدولة العثمانية وصولاً لمعاهدة (لوندرة)
أو لندن عام 1840 وأننا كعرب لا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي أمام الغزو الثقافي المدعوم
حكومياً واستخباراتيا لعالمنا العربي وعلينا أن نرد بالمثل ومن قبل ذلك قرار شبكة قنوات
mbc يمنع عرض المسلسلات التركية
على شاشتها في 2018 كان خطوة إيجابية ولكن تأخرت كثيرا حيث تنبهت القاهرة من قبل في
أواخر حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك الي طبيعة التدخلات التركية في المنطقة وأنها تشبه
التدخلات الإيرانية والإسرائيلية وهي على اساس تطويق العرب واستخدامهم لتحقيق منافع
كبري لبلادهم علي حساب البلاد العربية حيث قررت وزارة التعليم المصرية في عام 2010
وفي عهد الوزير أحمد زكي بدر استبدال كلمة الفتح التركي في كتب التاريخ في المدارس
المصرية إلى الغزو التركي في دلالة واضحة ان التاريخ يعيد نفسه وكان تيقن ويقظة من
مصر منذ بداية صعود نجم الدور التركي في الإقليم خاصة بعد حادثة سفينة مرمرة والتي
زايدت أنقرة علي الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية، ولقد دعيت علي قناة الحرة من قبل للتصدي
لغزو المسلسلات التركية للبيت العربي وسخر من كلامي برنامج في قناة الجزيرة يدعي فوق
السلطة قائلا ان تركيا تريد غزو العالم العربي بالمسلسلات ولكن هذا كان توصيف لواقع
حقيقي قبل يتخذ قرارا والمواجهة.
واليوم بدأ
بوادر تصدي لسياسات حكومة العدالة والتنمية وبدأ العرب يصفروا عداد العلاقات التركية
العربية في كافة المستويات وعلي رأسها الاستثمارات والسياحة اللتان هما رئة تنفس حكومة
أردوغان المتعثرة اقتصاديا هذه الأيام ووجدنا حملات مقاطعة واسعة ضد البضائع التركية
في الأسواق العربية وانه اتخذ قرارا بإعادة العلاقات العربية التركية الي ما قبل
2009 اي قبل حادثة دافوس التي استغلت من قبل رجب طيب أردوغان ويعتبر مسلسل مماليك النار
اول الغيث في مواجهة الغزو الثقافي التركي الذي يمجد التاريخ العثماني ومسلسلات أرطغرل
وعثمان وتحوليهم إلى شخصيات أسطورية على غير الواقع ولاشك أن هذه المسلسلات بدأت تجد
صدي كبير لدي المواطن العربي، والتي تعزز رؤيته الإيجابية نحو التاريخ العثماني المليء
بالأحداث الدموية المؤذية للعرب. والذي
يتابع حسابات الانترنت الخاصة بأعضاء بجماعة الإخوان المسلمين تجدهم المشاهدون لمثل
هذه المسلسلات ويرون وسيلة للتذكير الأمجاد الخلافة العثمانية.
الخلاصة، نحن أمام معركة وعي للعقل العربي
للتأكيد علي طبيعة الصراع بين الدولة العربية ودول الطوق الغير العربي صراع حضاري وفكري
بين العرب والفرس والترك والاسرائيلي ويجب أن تتنبه لكل هذه الممارسات حتي نحمي شعوبنا
من غزو ثقافي خارجي ويكون لدينا مناعة عربية داخلية قادرة علي صد اي غزو ثقافي وهذه
الأيام تظهر نواة صلبة وقوية للتصدي لمثل محاولات فرض الثقافة علي المنطقة العربية
سواء بالغزو الثقافي العسكري كما يحدث في الشمال السوري.