مأزق بزشكيان...تحديات إدارة العلاقة بين الحرس الثوري والإصلاحيين في إيران
يواجه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان
معضلة صارخة كرئيس، إما استرضاء الحرس الثوري وأيديولوجيته أو تنفير دائرته
الانتخابية الإصلاحية، الأمر الذي يعرضه لخطر الشلل السياسي. لقد مر ما يقرب من شهر منذ ألقى بزشكيان خطابه الأول في الجمعية العامة
للأمم المتحدة في نيويورك، وأثار فكرة تخفيف حدة التوترات مع إسرائيل، وأشار إلى
أن النظام في إيران قد ينزع سلاحه إذا فعلت إسرائيل الشيء نفسه. وفي حين ركز بزشكيان
على جمهوره المستهدف في الغرب، إلا إنه تلقى رد فعل عنيفاً محلياً من بعض عناصر
الحرس الثوري ودائرته الانتخابية المتشددة على حد سواء.
وهنا يتضح أن إن رسالة
"السلام" التي أطلقها بزشكيان في نيويورك منفصلة عن أولئك الذين يتحكمون
في مصيره: المرشد الأعلى والحرس الثوري والإصلاحيين الذين جاءوا به إلى هذا المنصب.
وهذا يثير التساؤل الرئيسي: كيف سيبدو موازنة بزشكيان بين الحرس الثوري
والإصلاحيين؟
أولاً: سيطرة الحرس الثوري
على السياسة الإيرانية
لقد بدأ التوسع السريع لقوة الحرس
الثوري منذ تولي المرشد الأعلى علي خامنئي، والذي استغله كوسيلة لتوسيع سلطته
وإخماد أي تهديد - سواء من النخب أو الشعب الإيراني. ولتنمية الحرس كان خامنئي
يتنازل تدريجيا عن المزيد من السلطة في مقابل الطاعة العمياء له. وبالتالي، إذا
كان الماضي هو مقدمة لما سيحدث، فإن عاملين رئيسيين سيحددان في نهاية المطاف علاقة
بزشكيان بالحرس الثوري وكيف ستتكشف رئاسته، وهما مدى التوافق الإيديولوجي لإدارته
ومستوى الحماية التي يقدمها للمصالح الاقتصادية للحرس.
لقد أثبت الماضي أن الحرس الثوري سوف
يدعم أي إدارة، بغض النظر عن الرئيس، إذا التزمت بإطارها الأيديولوجي. ومن الممكن
أن نفهم من خلال هذه العدسة دعم الحرس الثوري لحكومتي محمود أحمدي نجاد وإبراهيم
رئيسي المتشددتين وعدم ود الحرس الثوري لإدارتي محمد خاتمي وحسن روحاني. وكانت
جهود حكومتي خاتمي وروحاني، للحد من السياسات الاجتماعية والثقافية الإيديولوجية
هي الأسباب الرئيسية وراء انتقاد الحرس الثوري لهاتين الإدارتين. ومطلب الحرس من بزشكيان
بسيط وهو ألا يتحدى أو يتخلى عن أي من الركائز الإيديولوجية الرئيسية للنظام.
ثانياً: جهود حكومة بزشكيان
لاحتواء الحرس
لقد بذلت إدارة بزشكيان قصارى جهدها
لإثبات التزامها بما سبق، بدءاً من احتضان الرئيس الجديد المبالغ فيه لقادة
"محور المقاومة" ، بما في ذلك العناق والقبلات للزعيم الراحل لحماس
إسماعيل هنية، إلى إعلان مرشحه لمنصب وزير الخارجية عباس عراقجي صراحة أن
"سياسة الحكومة تجاه أمريكا تدور حول إدارة الأعمال العدائية، ولكن ليس إنهاءها،
كما إنه يبدو أن بزشكيان تراجع عما أعلن
عنه في حملته الرئاسية بإنهاء دور دوريات الإرشاد المتعلقة بالحجاب، حيث أشار
مؤخراً إلى إنه لا يجد أي مشكلة في هذه الممارسة ولكنه يريد تغيير شكل تنفيذها.
ولكن مجرد التوافق مع النظرة العالمية
للحرس الثوري الإسلامي لا يكفي بالنسبة للرئيس الجديد لإرضاء الحرس الثوري. وسيكون
العامل الأساسي الآخر الذي سيحدد علاقته بالحرس الثوري هو مستوى الحماية التي
توفرها إدارته للمصالح الاقتصادية للحرس الثوري الإيراني. فيمكن تقسيم الكعكة الاقتصادية
التي يمتلكها الحرس إلى ثلاثة أجزاء؛ الجزء الأول ينبع من رأس المال الحكومي
الريعي، حيث يتم منح العقود والمشاريع الحكومية للحرس الثوري، الجزء الثاني يأتي
من إدارة أعمال التهرب من العقوبات المربحة في إيران بحكم الأمر الواقع، والجزء
الأخير ينبع من دوره في إدارة المصالح الاقتصادية الموازية للنظام، والذي يشمل
دوره في الاتجار العالمي بالمخدرات.
ثالثاً: تحديات إدارة
العلاقة بين الحرس الثوري والإصلاحيين
إن حماية وتعزيز أيديولوجية الحرس
الثوري والمصالح الاقتصادية لحكمه الأوليغاركي سوف تحدد علاقة الرئيس الجديد
بالقوة المسلحة الإيديولوجية لخامنئي. ومع ذلك، فإن المشكلة بالنسبة لبيزيشكيان هي
أن هذين العاملين هما أيضاً من بين المحركات الأساسية للأزمات الاجتماعية
والاقتصادية في إيران، مما يؤدي إلى تنفير الإيرانيين العاديين وجلبهم إلى
الشوارع. لقد أصبح من الواضح منذ فترة طويلة أن معظم الإيرانيين يرفضون أيديولوجية
الجمهورية الإسلامية ويسعون إلى دولة علمانية وليبرالية. هذا الرفض أكثر شراسة
فيما يتعلق بالمبادئ الأساسية للنظرة العالمية للحرس الثوري الإيراني.
هناك العديد من المؤشرات التي تثبت ذلك،
بداية من كون المجتمع الإيراني أحد أكثر المجتمعات تأييداً للولايات المتحدة في
العالم الإسلامي إلى المعارضة الشديدة لشرطة الأخلاق - كما تجلى خلال احتجاجات عام
2022 - والإدانة الشديدة لدعم النظام لجماعات مثل حزب الله وحماس. وعلى نحو مماثل،
أدى تدخل الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني واستهلاكه إلى تقويض القطاع الخاص في
إيران إلى حد كبير، مما أدى بدوره إلى جعل المواطن الإيراني العادي أكثر فقراً وتداعيات
ذلك المدمرة على سبل عيشه. ففي حين قاطع أغلب الإيرانيين الانتخابات الرئاسية ولم
يصوتوا لبزشكيان، فإن أولئك الذين صوتوا له فعلوا ذلك على وجه التحديد لوقف وتقليص
قبضة الحرس الثوري على المجتمع والاقتصاد والسياسة الإيرانية. وهنا تكمن مفارقة بزشكيان: إذا سعى الرئيس الجديد إلى تعزيز توقعات
دائرته الانتخابية، فسوف يخسر دعم الحرس الثوري، وإذا قرر إبقاء الحرس إلى جانبه،
فسوف يخسر دائرته الانتخابية.
ففي الحالة الأولى، أي عزل الحرس
الثوري، سوف يستخدم الأخير كل الوسائل المتاحة لمهاجمة وتقويض إدارة بزشكيان، بما
في ذلك تعبئة ميليشيا الباسيج الشابة المتطرفة وحزب الله (المتشددين أيديولوجياً).
واستناداً إلى التجارب السابقة مع إدارتي خاتمي وروحاني، فإن الذراع الثقافية
والدعائية للحرس الثوري سوف تشن أيضاً عملية حرب نفسية لا هوادة فيها ضد الرئيس.
وهذا من شأنه أن يزود جهاز الاستخبارات التابع للحرس الثوري بما يكفي من الأدلة
الملفقة لملاحقة واعتقال أعضاء ومنتسبي إدارة بزشكيان.
وعلى الجانب الآخر، إذا اختار الرئيس
الجديد البقاء في السلطة من خلال الحفاظ على رضا الحرس الثوري الإيراني، فسوف يضطر
إلى تقويض وعود حملته الرئاسية وتنفير ناخبيه وهي الخطوة التي ستكون المسمار
الأخير في نعش "الإصلاحيين". وكلا السيناريوهين يؤديان إلى نتائج خاسرة
للجميع وينتجان رئيساً غير كفء، إما بسبب القيود التي فرضها الحرس الثوري رداً على
معارضة بزشكيان لمصالحهم، أو بسبب فشل بزشكيان في تحقيق أهداف دائرته الانتخابية
نتيجة لاسترضاء الحرس الثوري.
في النهاية: يمكن القول إن هذه المعضلة كانت لغزاً لجميع الرؤساء
الإيرانيين السابقين في عهد خامنئي. دعم الحرس الثوري الإيراني أحمدي نجاد وحكومة
رئيسي، التي روجت للركائز الإيديولوجية للنظام وسمحت للحرس بممارسة نفوذ قوي على
الاقتصاد. في المقابل، حاولت الإدارتان بقيادة خاتمي وروحاني الحد من التدخل
الاقتصادي للحرس الثوري وتخفيف السياسات الأيديولوجية لخامنئي، مما أدى إلى صراع
مع الحرس الثوري.
حتى الآن اختار بزشكيان إرضاء الحرس
الثوري بدلاً من إرضاء ناخبيه؛ حيث كان الرئيس الجديد صريحاً في دعم هجمات الحرس
الثوري ضد إسرائيل، وتأييد عقيدة الميليشيات الشيعية لإسرائيل، فضلاً عن الإشارة
باستمرار إلى الخطاب الديني الإيديولوجي للحرس الثوري. ولعل الأهم من ذلك أن بزشكيان أوضح أيضاً أنه
يريد إبقاء معدة الحرس الثوري ممتلئة اقتصادياً. قبل رحلته إلى نيويورك مباشرة،
اصطحب بزشكيان وفده الاقتصادي إلى مقر خاتم الأنبياء للإنشاءات - وهي الرحلة التي
ألقت الضوء على نيته إرضاء الجشع الاقتصادي لكبار الأوليغارشيين في الحرس الثوري. وبعد
الرحلة، أعلن بزشكيان أن خاتم الأنبياء سوف تشارك في بعض المشاريع الحكومية، بما
في ذلك بناء المدارس في المناطق التي تحتاج إلى ذلك، ولكن نطاق المكاسب التي قد
يجنيها الحرس الثوري من هذه المشاريع لم يتضح بعد. وإذا لم يكن عرض بزشكيان جيداً كما
يريد الحرس الثوري بغض النظر عما إذا كان سيستمر في دعم خطاب الحرس الثوري، فإن
فترة شهر العسل بين الحرس الثوري والرئيس الجديد سوف تنتهي.