المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

تحول جغرافيا النفوذ: خيارات السياسة الأمريكية والتصعيد الإيراني الإسرائيلي

الأحد 10/نوفمبر/2024 - 04:32 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

تستهدف إسرائيل غزة وسوريا ولبنان وتحضر استراتيجيتها للرد على إيران، وهو ما ساهم في فقدان النفوذ الأمريكي على عملية صنع القرار الإسرائيلي منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023، بما يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، فالرؤية الأمريكية قائمة على افتراض أن إسرائيل قد تتمكن من الهيمنة عسكريًا مؤقتًا، ولكنها لن تساهم في إحلال سلام دائم في المنطقة،

ولعل هذه التطورات وضعت الإدارة الأمريكية الحالية بل والمستقبلية أمام خيارات محدودة في ظل ضعف الرئيس الأمريكي جو بايدن في تعامله مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وربما يكون نتنياهو قد أضر بشكل غير مقصود بحملة كامالا هاريس في الوصول للبيت الأبيض في ظل استمرار ارتفاع أسعار المواد النفطية وتصاعد احتمالات اندلاع حرب إقليمية في الشرق الأوسط.

على الجانب الآخر، تبدو خطة ترامب السابقة لإحلال السلام في المنطقة من خلال العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والدول العربية والضغط الأقصى على إيران ضعيفة في ظل التقارب بين كل من روسيا والصين وإيران.

خيارات محدودة

سيواجه من يفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية خيارات صعبة في محاولة إعادة الاستقرار إلى الشرق الأوسط والمخاطرة بتجاهل الأولويات الأخرى في أوروبا وآسيا أو السماح لأزمات المنطقة بالتفاقم تحت الهيمنة العسكرية الإسرائيلية، وهو ما يخلق الظروف لصراع أكبر في المستقبل خاصة وأن الصراع الإسرائيلي الإيراني اتخذ منحنى تصعيدي بعدما قامت إيران في الأول من أكتوبر 2024 باستهداف إسرائيل بأكثر من 200 صاروخًا وهو ما يمثل أحد أكبر الهجمات الصاروخية الباليستية في تاريخ الصراع الإيراني ضد إسرائيل. وبحسب البيان الصادر عن الحرس الثوري، فإن الهجمات كانت رد فعل على قتل إسرائيل لقادة حماس وحزب الله في الأشهر الأخيرة، كما هددت طهران بأنه إذا ردت إسرائيل على القصف الإيراني الأخير، فإن إيران ستهاجم مرة أخرى بشكل أقوى. لكن الجيش الإسرائيلي قال إن الهجوم الإيراني سيكون له عواقب مؤكداً أن إيران ارتكبت خطأ فادحًا وستتحمل المسئولية عنه.

وتأخذ الولايات المتحدة هذه التهديدات على محمل الجد، وهو ما دفعها إلى تعزيز دعمها العسكري لإسرائيل للمساعدة في صد الهجمات الإيرانية. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها ستزيد من عدد الطائرات المقاتلة في المنطقة وستأمر حاملة الطائرات يو إس إس أبراهام لينكولن بالبقاء في الشرق الأوسط.

شكوك إسرائيلية بشأن الدعم الأميركي

بعد أن تعاملت إدارة بايدن بحذر مع الهجمات الإيرانية ضد إسرائيل في منتصف أبريل 2024، لم تعد تل أبيب تشعر بأنها ملزمة باتباع توصيات واشنطن وممارسة ضبط النفس في المستقبل، والواقع أن ثقة إسرائيل في عزم بايدن على اتخاذ إجراءات ملموسة ضد إيران ومنشآتها النووية منخفضة، كما حث بايدن على اتخاذ رد متناسب من إسرائيل، ونصح بعدم شن هجمات على المنشآت النووية الإيرانية. إلا أن إسرائيل تتخوف من أن تتمكن إيران من تحويل امتلاكها للقنبلة النووية إلى قوة ردع نووية، الأمر الذي يسمح لإيران بأن تصبح أكثر عدوانية وأمانًا في ظل علمها بأنها لن تتعرض للهجوم من إسرائيل بسبب الرفض الأمريكي.

من ناحية أخرى، فإن تصعيد المواجهة بين إسرائيل وإيران يشكل خطرًا كبيرًا على إيران خاصة بعدما تراجعت قدرات حركة حماس وغياب زعامة حزب الله وتفكك تنظيمه؛ حيث لم يعد بإمكانهم مساعدة إيران كما كانوا يفعلون في السابق، إلا أن هذه ال قد تدفع إيران إلى تسريع برنامجها للأسلحة النووية.

ولقد أشار المسئولون الإيرانيون إلى أن الموقف العدواني الذي تنتهجه إسرائيل من الممكن أن يدفع إيران إلى استكمال تطوير الأسلحة النووية. واقترح البعض أن يقوم آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، بإلغاء فتواه السابقة التي تحرم امتلاك الأسلحة النووية. ولقد عمل النظام على زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم وتوسيعها، والآن أصبح لديها كمية كبيرة من المواد التي تقترب من درجة تصنيع الأسلحة النووية.

وعلى الرغم من تأكيد كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل أنهما لن يسمحا لإيران بتطوير قنبلة نووية، إلا أن إسرائيل لا تمتلك بيانات استخباراتية دقيقة عن البرنامج النووي الإيراني، وهو ما قد يدفعها إلى مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية كما فعلت في عام 2011. ومع ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كانت تل أبيب ستنجح في تدمير المواقع النووية العديدة، والخطر هنا هو أن يؤدي مثل هذا الهجوم إلى تحفيز إيران على بناء سلاح نووي.

وضمن هذا السياق، هناك تأرجح في مواقف الولايات المتحدة؛ حيث ألمح بايدن إلى أن الولايات المتحدة قد تدعم هجومًا إسرائيليًا على منشآت النفط الإيرانية، لكنه قال مؤخرًا إنه يعارض مثل هذه الهجمات، ولا شك أن ذلك يرجع جزئيًا إلى أن أسعار الخام الأمريكي بدأت في الارتفاع بنسبة تزيد عن خمسة في المائة إلى 77 دولارًا للبرميل بعد تصريحاته السابقة، وتأتي هذه التناقضات في ظل تحذيرات من أن ضرب المنشآت النفطية الإيرانية قد تؤدي إلى زيادة أسعار النفط بأكثر من 12 دولارًا، وأن حصار مضيق هرمز من قبل إيران قد يرفع الأسعار إلى 28 دولارًا. ومن شأن صراع كبير في الشرق الأوسط أن يرفع أسعار الطاقة بشكل كبير وقد يؤدي إلى فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الحالية.

معضلة إيران

لا تريد طهران الترويج لانتصار ترامب المحتمل في الانتخابات من خلال تصعيد الصراع، خاصة أنه أنهى الاتفاق من جانب واحد في 8 مايو 2018 بعد الاتفاق الذي أبرمه الرئيس السابق أوباما في عام 2015. وعلى الرغم من أن إيران أوفت بالتزاماتها، زاد ترامب من ضغوطه الاقتصادية على إيران، محذرًا الشركات الأوروبية من التعامل مع إيران إذا كانت تريد تجنب العقوبات الثانوية.

ويمكن الإشارة هنا إلى أن المستفيدين الرئيسيين من العقوبات الأمريكية على إيران هم روسيا والصين؛ حيث كثفت موسكو وطهران تعاونهما العسكري، في حين تستفيد الصين من النفط الإيراني الرخيص الذي لم يعد يُسمح لأوروبا وحلفاء أميركا الآسيويين بشرائه. ومع ذلك، لا يمكن للقيادة الإيرانية أن تتأكد من أن روسيا أو الصين ستحمي النظام إذا ما اتجهت إدارة ترامب في حال وصوله مرة أخرى في تغيير النظام في طهران.

مصالح روسيا

تواجه إيران وروسيا عقوبات غربية، وهو ما دعهما إلى المحافظة على علاقات اقتصادية قوية. كما عزز الرئيس فلاديمير بوتن التعاون العسكري الروسي مع إيران ودعم نظام الأسد في سوريا إلى جانب إيران. وعلى الرغم من أن إيران تستخدم أسلحة محلية الصنع، إلا أنها لا تزال تشتري بعضها من روسيا، كما دعمت روسيا بتكنولوجيا الطائرات بدون طيار أثناء حربها مع أوكرانيا؛ حيث زودت إيران روسيا أيضًا بصواريخ "فتح 360" قصيرة المدى وقام مدربون إيرانيون بتدريب أفراد عسكريين روس على استخدام تلك الصواريخ، وقد سمحت هذه الامدادات لروسيا بالاحتفاظ بصواريخها الأخرى طويلة المدى الأكثر تقدمًا لأغراض أخرى في حرب أوكرانيا.  ولكن إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض بصفته صانع صفقات، فقد يطلب تنازلات من روسيا فيما يتصل بإيران في حين قد يستسلم للمطالب الإقليمية الروسية في أوكرانيا، وهو ما أشار إليه بالفعل.

فرصة الصين

في خضم تصاعد التوترات مع إسرائيل تعهدت بكين بدعم طهران لكن هذا لا يعني الكثير في الممارسة العملية نظرًا لأن إيران ليس لديها فرصة كبيرة لإشراك الصين في صراع طويل الأمد مع الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من اعتماد الصين على أكثر من 90 في المائة من وارداتها من النفط الخام. وفي عام 2021 أبرمت الدولتان اتفاقية مدتها خمسة وعشرون عامًا وعدت فيها الصين باستثمارات كبيرة لتأمين إمدادات النفط. وفي حال هاجمت إسرائيل البنية التحتية النفطية الإيرانية ودمرتها، فمن المحتمل أن تعد بكين بإعادة بنائها، وعلى الرغم من ذلك، لن تدعم الصين إيران إلا دبلوماسيًا في معارضة السياسات الأمريكية لكنها لا تُظهِر اهتمامًا كبيرًا بدور أمني في الشرق الأوسط. وهناك أيضًا عامل مهم آخر يتمثل في المصالح الجيوسياسية للصين: إذ تغتنم الصين الفرصة لترسيخ نفسها كقوة موازنة للولايات المتحدة في منطقة الخليج كما فعلت في مارس 2023 وتقريب وجهات النظر بين المملكة العربية السعودية وإيران.

في الختام: تعهد ترامب باتباع نهج أكثر صرامة تجاه إيران، دون أن يكون واضحًا كيف سيحقق ذلك. في حين التزمت هاريس الصمت إلى حد كبير باستثناء إعلانها إنها تدعم إسرائيل ولكنها تريد بشدة وقف إطلاق النار.، كما يمكن القول إن عزل إيران ـوهو الموقف التقليدي للولايات المتحدةـ لن يؤدي إلا إلى زيادة اعتماد طهران على موسكو وبكين، وتعزيز أدوارهما. وسوف يكون خلق توازن القوى في الشرق الأوسط بمثابة اختبار إقليمي لما إذا كانت القوة الأميركية قادرة على حفظ نفوذها في عالم متعدد الأقطاب.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟