المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

تراجعات مرتقبة: تداعيات فوز ترامب على الناتو وروسيا

الأحد 10/نوفمبر/2024 - 04:26 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

تفرض نتائج الانتخابات الأمريكية في حال فوز ترامب تداعيات كبيرة على حلف الناتو والسياسة الأوروبية، وعما إذا كانت رئاسة دونالد ترامب ستضر بحلف شمال الأطلسي. وأنه على الرغم من ظهور خطاب قائم على حماية حلف شمال الأطلسي من ترامب، فإن تماسك حلف شمال الأطلسي سوف يكون في خطر بسبب التهديدات الأمريكية السابقة بالانسحاب من الحلف إذا لم يزيد الإنفاق الدفاعي الأوروبي.

ويمكن الإشارة إلى إن الإنفاق الدفاعي الأميركي بلغ 968 مليار دولار أميركي في عام 2024 في حين تبلغ ميزانيات الحلفاء الأوروبيين الثلاثين بالإضافة إلى كندا 506 مليار دولار أميركي، أي 34% من الإجمالي. وأن هناك 23 من أصل 32 عضوًا تتوقع إنفاق أكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع العام 2024، ولكن في عام 2014، عندما تم تحديد الهدف، كان الإنفاق الدفاعي غير الأميركي في حلف شمال الأطلسي 24%. وهو أقل من الآن ولكن ليس بشكل كبير.

من ناحية أخرى، فإن التهديد الروسي المستقبلي لأوروبا يعتمد إلى حد كبير على نتائج حربها مع أوكرانيا. فالانتصار الأوكراني من شأنه أن يعزز الأمن الأوروبي وربما يقود أوكرانيا نحو التكامل مع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وهو ما من شأنه أن يردع أي عدوان روسي في المستقبل. ولكن الانتصار الروسي من شأنه أن يشجع طموحات الرئيس فلاديمير بوتن لاستعادة النفوذ على الأراضي السوفييتية السابقة، وهو ما يشكل خطرًا متجددًا على أوروبا.

تهديدات متصاعدة

تشكل روسيا اليوم تهديدًا عسكريًا كبيرًا يواجه أوروبا والمجتمع عبر الأطلسي وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا الخطر لا يمكن المبالغة في تقدير انعكاساته، فالجيش الروسي يسيطر على مساحة من الأراضي الأوكرانية أكبر قليلًا مما سيطرت عليه في يناير 2024، وأقل كثيرًا من المساحة التي سيطرت عليها في منتصف عام 2022. وهذا لا يعني أن أوكرانيا تفوز لكن الأوكرانيين يظلون مصممين على ما يعتبرونه معركة وجودية. وسيكون من الخطأ استبعادهم.

من جهة أخرى، فإن انتصار أوكرانيا سيؤدي إلى خروج الروس من كل أو حتى أغلب أراضي أوكرانيا، وهو ما من شأنه أن يعزز الأمن والاستقرار في أوروبا وستكون على المسار الصحيح نحو التكامل مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. وهذا من شأنه أن يقلل من احتمالات الصراع مع روسيا في المستقبل. إلا أن الانتصار الروسي من شأنه أن يشكل تهديدًا أشد خطورة لأوروبا. وسوف يثير هذا السؤال ما إذا كانت طموحات بوتن ستنتهي عند أوكرانيا أو سيتجه إلى استعادة الأراضي الروسية التاريخية لتشمل فنلندا ودول البلطيق وجزءً كبيرًا من بولندا وهو أعضاء الآن في حلف شمال الأطلسي.

وعلى افتراض أن أوكرانيا خسرت الحرب بعد قطع المساعدات الأميركية أو الأوروبية، ولم يمت جندي أميركي أو جندي من حلف شمال الأطلسي. فهل يحسب بوتن حينها، أو يخطئ في حساباته، أن التوغل الروسي في شرق إستونيا على سبيل المثال من شأنه أن يدفع حلف شمال الأطلسي إلى خوض حرب ضد روسيا، وهذا هو نوع التهديد الذي قد يشكله انتصار روسيا على أوكرانيا على الحلف وأوروبا. ومن أجل استقرار أوروبا وأمنها، فمن الأفضل وقف التدخل الروسي في أوكرانيا. وبالتالي أنه قد يكون من الممكن ربط أهمية دعم حلف شمال الأطلسي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا بالمخاوف الأميركية الأطول بشأن الصين التي عبر عنها المحافظون الأميركيون حتى يتم توحيد الرؤى.

وبالنسبة لترامب فهناك خطة أمريكية للتعامل مع أزمة أوكرانيا وتتضمن الخطة عدم تزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة الأميركية، إلا إذا دخلت في محادثات السلام مع روسيا، كما سيتم إقناع موسكو بالانضمام إلى المفاوضات، مع تأجيل وعد أوكرانيا بعضوية الناتو لفترة طويلة، وأنه في حال عدم موافقة موسكو ستتجه واشنطن إلى تقديم زيادة في الدعم العسكري لأوكرانيا. وفي أحد الخطوات سيكون هناك وقف لإطلاق النار على أساس خطوط المعركة الحالية خلال محادثات السلام.

الناتو وترامب

على عكس بايدن الذي يرى أن الناتو يعتبر جزء أساسي من موقف الولايات المتحدة العالمي ورصيد ضخم في أمن الولايات المتحدة وازدهارها. فإن ترامب يعتبر أن حلف الناتو مثّل عبء على مدى عقود للولايات المتحدة وأنه صفقة سيئة بالنسبة لأميركا؛ حيث يرى أن واشنطن دعمت أمن حلفاء أغنياء ولا تحصل على الكثير في المقابل.

ومن ثم، يشكل احتمال ان يتجه ترامب في حالة عودته مجددًا للبيت الأبيض إلى الانسحاب من حلف شمال الأطلسي (الناتو) مصدر قلق كبير لدول الحلف. وكان جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق في رئاسة ترامب، قد قال إنه مقتنع بأن الأخير سوف ينسحب من الناتو. وفي حالة فوزه، قد يسعى ترامب إلى التقارب مع معسكر اليمين المتطرف أو من السياسيين الذين يتقاسمون معه الأفكار في أوروبا، ما سيعزز من مكاسب هذه الكيانات السياسية على حساب القوى الوسطية أو الأكثر ليبرالية التي تميل إليها الإدارة الأمريكية الحالية. وفي هذا السياق تساهم الولايات المتحدة بقدر كبير في القدرات العسكرية لحلف الناتو وبعض هذه القدرات تعد ركيزة مهمة في الدفاع عن أوروبا ولا يمكن للأخيرة تعويض المساهمة الأمريكية داخل الحلف.

ولعل هذه التوجهات أدت إلى شعور العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي بالقلق من أن يقدم ترامب في حالة عودته إلى البيت الأبيض على التخلي عن أوكرانيا وربما الناتو، وهو ما دفع الكثير من السياسيين الأوروبيين إلى السعي في الوقت الحالي إلى الخروج بطريقة للتعامل مع ترامب في حالة عودته إلى السلطة، وفق افتراض أن الحلف سيكون في مأمن في حال فوز كاملا هاريس باعتبارها ستكون مستعدة لمواصلة العمل مع الناتو والاتحاد الأوروبي لتحقيق النصر في أوكرانيا، لكنها لن تتراجع عن الضغط على أوروبا فيما يتعلق بالإنفاق العسكري.

وخلال رئاسته السابقة، تعامل ترامب مع القضايا المتعلقة بأوروبا بطريقة قائمة على تشجيع قادتها على إدارة المزيد من المسائل الدفاعية بشكل مستقل رغم أنه جرى وضع القدرات الأمريكية والدعم الثابت في الاعتبار في مرحلة التخطيط. ويبدو أن ترامب ليس وحده ما يقلق أوروبا وإنما أيضا السيناتور الجمهوري جيمس ديفيد فانس الذي اختاره ترامب لتولي منصب نائب الرئيس في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر 2024. وقد أعلن من قبل أنه لا يهتم بالقضايا الأوروبية وأن التركيز الأمني ​​للولايات المتحدة سيتحول إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، داعيًا أوروبا إلى إدارة شئونها بنفسها. ويمكن إرجاع المخاوف الأوروبية من فانس ثلاث أسباب يتمثل الأول في معارضته بشدة زيادة الدعم الأمريكي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا والثاني في دعمه فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات من أوروبا والسبب الثالث انتقاده اعتماد أوروبا المفرط على اليورو.

وبالتالي ووفق تصور مغاير فهناك تعارض في سياسة ترامب وفانس الانعزالية مع مصالح الدفاعية والعسكرية الأمريكية، وأنه إذا أراد ترامب سحب الحماية الأمريكية، فقد يدفع ذلك الدول الأوروبية إلى الميل إلى عدم شراء أسلحة أمريكية بنفس الوتيرة السابقة إن الإنفاق الدفاعي كان وسيلة غير مباشرة لشراء لاستمرار الدعم الأمريكي، لذا قد يكون من الصعب على ترامب التوفيق بين سياسة أمريكا أولًا من جهة وسياسة الاقتصاد أولًا من جهة أخرى.

في الختام: إن استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا المتاخمة لحدود الناتو والتي لديها طموح بالانضمام إليه، وتحديات زيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي، وتصاعد التشكيك بالتزام الولايات المتحدة تجاه الحلف، خلقت مخاوف لم يسبق أن واجه مثلها على مدار تاريخه. ومن شأن اهتزاز التزام واشنطن بحلف الناتو إحداث زلزال إستراتيجي لمفهوم الأمن الأوروبي ومستقبل الحلف العسكري، وعلى غرار ولايته السابقة، يبدو ترامب مصمّما على إعادة توجيه اهتمام بلاده إلى شرق آسيا. ولمّح فانس إلى هذا التوجه من قبل، ورغم ذلك، ستحتفظ الولايات المتحدة بقوتها النووية في أوروبا بالإضافة إلى الحفاظ على قوتها الجوية وقواعدها في كل من ألمانيا وإنجلترا وتركيا.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟