تهديدات جديدة ...كيف يؤثر التصعيد الإيراني الإسرائيلي على قطاع الطاقة في المنطقة؟
بدأ الصراع الإقليمي الجاري على مدى ما
يقرب من عام كحرب بين إسرائيل وحماس، وكأنه يتناقض مع الصيغة القديمة التي طالما
اعتُبرت واحدة من الحقائق القليلة المؤكدة في أسواق النفط العالمية: "الحرب +
الشرق الأوسط = ارتفاع أسعار النفط.
وبينما أوقع الصراع خسائر لا تُحصى في
الأرواح البشرية وأثر سلباً على اقتصادات جميع الأطراف المشاركة، فقد نجا قطاع
الطاقة في المنطقة إلى حد كبير. وكانت هناك حوادث معزولة استهدفت ظاهرياً إنتاج
الغاز الطبيعي الإسرائيلي، لكن أطراف هذا الصراع أثبتت حتى الآن عدم قدرتها على شن
هجمات كبرى ناجحة ضد أي من منشآت الطاقة. ولكن تعطيل حركة الملاحة البحرية في
البحر الأحمر من قِبَل الحوثيين المدعومين من إيران يمثل في الواقع مشكلة مستمرة
بلا حل واضح، لكنها لا تشكل تهديداً كبيراً لتوافر إمدادات الطاقة من المنطقة،
وأصبحت إلى حد كبير حقيقة من حقائق الحياة التي أصبحت الأسوق الآن تضعها في
الحسبان.
ولكن مع التصعيد الإيراني الإسرائيلي
ظهرت بوادر إمكانية إحداث تأثير مباشر أكبر على الأسواق، فقد أخذت السوق التي بدت
محصنة إلى حد كبير ضد الصراع الاقتراحات الإسرائيلية بأن يصبح قطاع النفط الإيراني
هدفاً للانتقام، على محمل الجد، حيث تفاعلت أسعار النفط القياسية في شكل زيادة
بنحو 10 دولارات للبرميل في غضون أسبوع واحد. وعلى نحو مماثل، هددت إيران باستهداف
إنتاج الطاقة الإسرائيلي، كما اقترح البعض أن طهران أو وكلائها قد يضربون منشآت
الطاقة في دول الخليج العربي. وبالتالي، فإن مجرد احتمال حدوث هذه النتيجة يثير
شبح دورة من الانتقام التي قد تلحق أضراراً لا توصف بإنتاج الطاقة الإقليمي إذا
خرجت عن السيطرة.
امتداد الأزمة إلى الخليج
إن إمكانية استهداف إسرائيل لقطاع
التكرير الإيراني، الذي يبلغ إنتاجه 2.5 مليون برميل يومياً، قد تم تقديمها كخيار
من شأنه أن يكون له تأثير أكثر محدودية على الأسواق العالمية، حيث يخدم القطاع في
المقام الأول الطلب المحلي. ورغم أن إتلاف أو تدمير البنية الأساسية للتصدير من
شأنه بالتأكيد أن يكون الطريقة الأكثر مباشرة للحد من عائدات النفط الإيرانية، فإنه
سيكون من المستحيل تجنب ارتفاع الأسعار اللاحق. ولا شك أن واشنطن حريصة على تجنب
حدوث قفزة كبيرة في أسعار النفط نتيجة لفقدان الإمدادات الإيرانية، وخاصة مع
اقتراب موعد الانتخابات المتنازع عليها بشدة. تستورد الصين، المشتري الحقيقي شبه
الوحيد حالياً لصادرات النفط الإيرانية، حوالي 1.4 مليون برميل يومياً من إيران في
سبتمبر الماضي. ومن شأن حرمان المشترين الصينيين من هذا العرض أن يجبر بكين على
البحث عن براميل إضافية من أماكن أخرى، وإن كان هذا من غير المرجح أن يكون له
تأثير كبير على السوق التي تتمتع حالياً بإمدادات جيدة.
رغم أن هذا التطور في حد ذاته لن يكون
كارثياً بسبب العرض الوفير نسبياً والطلب الإجمالي الأضعف في عام 2024، فإن أي
تأثير لاحق على الإنتاج أو الشحن في منطقة الخليج هو مسألة أخرى تماماً. ففي إنه
يمكن لأوبك + بسهولة تعويض الإمدادات الإيرانية المفقودة والمقدرة بـ 5 إلى 6
ملايين برميل يومياً من الطاقة الإنتاجية الاحتياطية التي تمتلكها حاليا نتيجة
لتخفيضات الإنتاج العميقة المستمرة. ومع ذلك، إذا تطورت الأحداث بطريقة تجعل
الوصول إلى هذه المصادر صعباً أو مستحيلاً، بما يتضمن شن إيران أو وكلائها ضربة
انتقامية على قطاع الطاقة في الخليج، فإن احتمال حدوث صدمة كبيرة في العرض سيصبح
نتيجة محسومة تقريباً، وستتردد آثارها عبر الأسواق العالمية.
ويأتي ذلك بالتوازي مع مرور نحو 30% من
أحجام النفط الخام العالمية و20% من المنتجات المكررة (السوائل مثل البنزين
والديزل) من الخليج. وقبل أن تعبر الناقلات المحملة بالكامل التي تحمل هذه الأحجام
مضيق هرمز، الذي يروج له غالباً باعتباره نقطة اختناق محتملة لتجارة الطاقة في
حالة نشوب صراع، تتولى هذه السفن شحن البضائع في عدد قليل من محطات التصدير في
جميع أنحاء المنطقة، وقد تشكل هذه المرافق نفسها عنق زجاجة لتدفق الإمدادات من
الخليج.
وفي حين يمكن تصدير النفط من الخليج
عبر طرق أخرى غير المضيق، مثل خط أنابيب الشرق والغرب في المملكة العربية السعودية
أو خط أنابيب أدنوك الذي يمتد من أبو ظبي إلى الفجيرة، فإن البنية الأساسية التي
تجعل من هذه الطرق البديلة خياراً معقولًا ليست أقل عرضة للصراع، بالإضافة إلى
حقيقة أن قدرتها الإجمالية أقل بكثير من قدرة المنشآت الرائدة. في حالة المملكة
العربية السعودية، يربط خط أنابيب الشرق والغرب الذي يبلغ 5 ملايين برميل يوميًا
الإنتاج بمحطات على البحر الأحمر، وهو ما يتطلب بالإضافة إلى خنق صادراتها من
البضائع السعودية مواجهة عدم الاستقرار المستمر حول باب المندب، نظراً لأن حوالي
70٪ من إجمالي صادراتها من النفط الخام والمكثفات تتجه إلى الأسواق الآسيوية.
التصعيد في البحر الأحمر
من المتوقع إنه بالتوازي مع زيادة
التصعيد بين إيران وإسرائيل وامتداد تداعيات ذلك إلى قطاع الطاقة أن توسع جماعة
الحوثي اليمنية من هجماتها على ناقلات النفط في مضيق باب المندب، فمنذ أكتوبر 2023
هاجم الحوثيون أكثر من ثمانين سفينة تجارية، وانخفضت حركة البضائع السائبة عبر
قناة السويس بنسبة 50% على أساس سنوي. وفي حين تتجنب بعض ناقلات النفط الآن البحر
الأحمر، فإن معظمها استمرت في عبور قناة السويس على الرغم من ارتفاع تكاليف
التأمين.
وفي هذا السياق، يمكن اعتبار الهجوم
الأخير على ناقلة النفط التي تحمل العلم اليوناني، سونيون، بمثابة جرس إنذار، ولا
يمكن تجاهل نمط التصعيد في البحر الأحمر - فبينما كان الحوثيون في السابق يقتصرون
على هجماتهم على السفن التابعة لإسرائيل أو المواطنين الإسرائيليين، لم يعد هذا هو
الحال. ومنذ هجوم سونيون، ضاعفت شركات التأمين تقريباً علاوة المخاطر للسفن
المتجهة إلى البحر الأحمر. وتشير بعض التقديرات الغربية إلى إنه يبدو أن أن السفن
المملوكة للصين فقط هي الآمنة - حيث انخفضت أقساط التأمين الخاصة بها بنسبة 50%
منذ فبراير 2024.
وختاماً: يمكن
القول إنه في حين يبدو أن الهجوم على قطاع التكرير في إيران مُعَدَّل بقصد تجنب
صدمة العرض الأوسع في الأسواق العالمية، فإن ضمانات مثل هذه النتيجة ضئيلة أو
معدومة، وهي نتيجة تبدو أقل احتمالية مع مرور الوقت. في الواقع، إذا دخل هذا
الصراع مرحلة يصبح فيها الاستهداف المباشر لأصول الطاقة هو القاعدة، فلن يهم أين
بدأ، حيث أن المشهد الإقليمي بأكمله تقريباً من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج
مليء بما يمكن تفسيره على أنه أهداف عالية القيمة.
إن دورة التصعيد المستمرة في هذا الاتجاه تمثل تهديداً
خطيراً للأسواق العالمية التي تتعافى مؤخراً فقط من التقلبات الجيوسياسية لعام
2022 ومن شأنها أن تهدد إمدادات الطاقة اليومية وسبل عيش الملايين في المنطقة
نفسها. ستخسر الدول المنتجة التي تعتمد على عائدات التصدير لتمويل الميزانيات
الوطنية أو تنويع اقتصاداتها لعصر ما بعد النفط مليارات الدولارات من الإيرادات في
هذه العملية وتواجه انتكاسات لا حصر لها في الاستعداد للتحول في مجال الطاقة.
وكذلك منشأت الإسرائيلية معرضة للتهديد
أيضاً، بالنظر إلى يد إيران التي لا يمكن إنكارها في هجوم عام 2019 على منشآت
معالجة أرامكو السعودية في بقيق يمكن أن تؤكد على نحو مماثل قدرتها على استهداف
منشآت مماثلة بدقة ملحوظة. ونتيجة لهذا، ينبغي التعامل مع استخدام الضربات على
أصول الطاقة كوسيلة لممارسة شكل من أشكال النفوذ في هذا الصراع بحذر شديد؛ فقد
تؤدي المكاسب الاستراتيجية قصيرة الأجل على ما يبدو إلى مستويات غير مسبوقة من
الضرر لاقتصادات المنطقة وخارجها.