المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

محددات التغيير: قراءة في الرؤية الإسرائيلية لمنطقة الشرق الأوسط

الأحد 10/نوفمبر/2024 - 04:38 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

بعد مرور عام على الحرب بين إسرائيل وغزة واتساع نطاقها لتشمل بعض دول المنطقة العربية في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي رؤيته لما يعرف بالشرق الأوسط الجديد خلال كلمته في اجتماع الأمانة العامة للأمم المتحدة والتي تقوم على دمج إسرائيل فيما يعرف بالتكامل الإقليمي مع دول المنطقة، خاصة أن ما حدث في السابع من أكتوبر 2023 كان بمثابة جرس إنذار بالنسبة للعيوب التي تواجه الاستراتيجية التقليدية التي تنتهجها تل أبيب والقائمة على أسس ثلاث هم الوحدة الداخلية، والانقسام الخارجي، والدعم الغربي، وهو ما أدى إلى اتباع إسرائيل نهج جديد في تطبيق ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد بعدما تعرضت كل من هذه الركائز لإخفاقات كبيرة لم تظهر إلا في أعقاب الصراع الدائر.

اتجاهات المعالجة الإسرائيلية

غير هجوم السابع من أكتوبر 2023 بصورة جذرية مسار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وحطم الافتراضات السائدة منذ فترة طويلة حول قوة إسرائيل، خاصة أن هذا الهجوم كشف عن نقاط الضعف العميقة في استعداد إسرائيل العسكري، وأجهزتها الاستخباراتية، ونظرتها الاستراتيجية الأوسع نطاقًا. وقد أعاد الصراع الذي أعقب ذلك الهجوم تشكيل مكانة إسرائيل في المنطقة وعلاقاتها مع كل من الحلفاء والخصوم. وعلى مستوى أعمق، أكد هذا الهجوم على حقيقة أساسية وهي أن إسرائيل لابد وأن ترسم مسارًا جديدًا للمضي قدمًا، بعيدًا عن اعتمادها التقليدي على القوة العسكرية، والدعم الغربي، واستغلال الانقسامات بين الخصوم الإقليميين، وأن هذه المحددات لم تعد قادرة على توفير ضمانات لأمن إسرائيل وازدهارها في الأمد البعيد.

وفي ضوء هذه المعالجة وفي محاولة لتجاوز استراتيجيتها التقليدية، اتجهت إسرائيل إلى تبني استراتيجية ترتكز على التكامل الاقتصادي الإقليمي بما يتماشى مع مصالحها ومصالح جيرانها، وتحد من التوترات، وتخلق إطارًا للاستقرار في الأمد البعيد، وهو ما دفع إسرائيل إلى معالجة ركائز استراتيجيتها التقليدية، فالركيزة الأولى القائمة على الوحدة الداخلية تعرضت لصدمات عديدة فبعد أن كانت هذه الركيزة ضرورة لتماسك المجتمع الإسرائيلي وقدرته على البقاء ومواجهة التهديدات الخارجية بشكل فعال، إلا إن الاستقطاب السياسي والتغيرات الديموغرافية قد عرضت هذه الوحدة للخطر بعدما أدى النفوذ السياسي المتزايد لمجتمع الحريديم إلى خلق توترات اجتماعية وأمنية بعدما رفضوا القيام بمهام الخدمة العسكرية، كما أدى سوء تعامل حكومة نتنياهو مع هجوم السابع من أكتوبر، واستراتيجيتها في زمن الحرب، ومجموعة من القضايا الأخرى إلى احتجاجات جماهيرية ودعوات لإجراء انتخابات جديدة، وهو ما كشف عن وجود اختلالات عميقة في المجتمع.

وفيما يتعلق بالركيزة الثانية، فقد استفادت إسرائيل من التنافسات والانقسامات بين الدول العربية، الأمر الذي منع تشكيل جبهة موحدة ضدها، إلا أن مسار التحركات الإقليمية تغيرت، وتغيرت معها النتائج، فبعد أن قدمت اتفاقيات إبراهيم مسارًا لمزيد من التكامل مع الدول العربية، إلا أن حرب إسرائيل وغزة عرضت هذه العلاقات للخطر. بل وأدت إلى تنامي النفوذ الإقليمي الإيراني والتي تهدد أمن إسرائيل أكثر من أي وقت مضى.

وبالنسبة للركيزة الثالثة والقائمة على الدعم الغربي، وخاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والتي تمثل حجر الزاوية للأمن الإسرائيلي منذ قيامها وعلى مدى عقود من الزمن؛ حيث سمحت المساعدات العسكرية والدعم الدبلوماسي القوي لإسرائيل بالحفاظ على ميزة عسكرية غير متناسبة مع ما قد يسمح به اقتصادها وحجمها، إلا أن الحرب في غزة أدت إلى تآكل ملحوظ في الدعم الأمريكي لإسرائيل داخل قطاعات رئيسية من المجتمع الأمريكي، وخاصة بين الأمريكيين الأصغر سنًا؛ حيث أسهم التأثير الإنساني للحرب، وصور الدمار في غزة، وارتفاع عدد القتلى المدنيين إلى انتقادات داخلية متزايدة وتصاعد وتيرة الاحتجاجات، وقد واجهت إدارة بايدن نفسها معارضة داخلية، وهو ما يؤشر على وجود تغييرات أوسع في المواقف الأمريكية تجاه إسرائيل. كما أن هناك تراجع مماثل في دعم الدول الأوروبية، وهذه التحولات تهدد استمرار هذا الدعم على المدى الطويل - وهي نقطة ضعف حرجة لإسرائيل.

الشرق الأوسط الجديد كبديل للمعالجة

نظراً لتراجع وضعف الاستراتيجية التقليدية الإسرائيلية بركائزها الثلاثة، اتجهت إسرائيل أن تتبنى استراتيجية جديدة للتكامل الاقتصادي الإقليمي. وهذا النهج، الذي يهدف إلى خلق الترابطات المتبادلة التي تعزز السلام والاستقرار، وبما يوفر لإسرائيل أفضل فرصة لتأمين مستقبلها في منطقة تتسم بالاضطرابات.

ويمكن الإشارة إلى أن هذه الرؤية ليست جديدة، ولكنها يمكن أن تكون البديل الأكثر قابلية للتنفيذ لمعالجة أخطاء الاستراتيجية السابقة، خاصة وأنها تأتي في ظل إدراك صناع السياسات الإسرائيليون لضرورة تنويع تحالفات إسرائيل والحد من اعتمادها على القوى الغربية. وقد كانت اتفاقيات إبراهيم، التي طبعت العلاقات مع دول مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين، خطوة مهمة في هذا الاتجاه القائم على بناء شراكة اقتصادية من شأنها أن تقلل من التوترات السياسية وتخلق منافع متبادلة وأن إسرائيل وفق هذه الرؤية تهدف إلى جعل الاقتصاد الإسرائيلي تنافسيًا إلى الحد الذي يسمح ليس فقط بالاستقلال عن الضغوط الأميركية (أو الأوروبية)، بل وتحويل إسرائيل إلى قطب إقليمي للمصالح الاقتصادية.

وقد أسهمت الحرب المشتعلة منذ عام إلى إيجاد معوقات وعراقيل أمام هذا النهج وحدوده ومسار تطوره، خاصة أنها لا يبدي اهتمامًا بإيجاد مسار سياسي لحل القضية الفلسطينية، وهو ما أوقف التقدم على طريق التكامل الإقليمي الذي أدى بصورة غير مباشرة إلى دخول إيران على خط المواجهة كما أن الرأي العام العربي يرفض هذه الإجراءات الأمر الذي قد ينأى بالحكومات عن التعاون مع إسرائيل برغم الحوافز المقدمة للتعاون.

استمرار المواجهة أو اللجوء للتسوية

تواجه إسرائيل خيارات حاسمة بين مسارين مختلفين، يتمثل الأول في استمرار المواجهة، وهو ما ينطوي على سيناريو تصعيدي لطرد الفلسطينيين بالقوة من غزة وربما الضفة الغربية، الأمر الذي من شأن أن يسعى إلى إنهاء القضية الفلسطينية، ولكن هذا الخيار يحمل الكثير من المخاطر بما في ذلك الإدانة الدولية، والعقوبات الاقتصادية، وانهيار الاتفاقيات مع كل من مصر والأردن، بالإضافة إلى ذلك، قد يشعل هذا الخيار مواجهة إقليمية أوسع نطاقًا تشمل إيران ووكلائها كما هو الآن مع تصاعد القتال بين إسرائيل وحزب الله في لبنان. وعلى الرغم من هذه المخاطر، فقد يرى بعض القادة الإسرائيليين أن هذا هو السبيل الوحيد لضمان الأمن على المدى الطويل، وخاصة مع تزايد عدم اليقين بشأن الدعم الغربي.

ويتمثل الخيار الثاني في حل الدولتين، وهو الهدف الذي نوقش لعقود من الزمان ولكنه لا يزال غير مفعل، ويتضمن هذا الخيار إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 تحت حكم السلطة الفلسطينية وبإشراف إقليمي ودولي. وربما يقدم هذا النهج المسار المستدام الوحيد نحو الاستقرار الإقليمي الذي يتطلب وجود دعم غربي عربي جماعي لإعادة بناء البنية الأساسية الفلسطينية، والأهم من ذلك، تجديد الالتزام من الجانبين بالتفاوض بحسن نية.

إن احتمالات تلبية أي من هذه الشروط المسبقة ضئيلة في الوقت الحاضر. فحماس، على الرغم من تدهورها الشديد، إلا أنه ما تزال راسخة بعمق في غزة وتهدد بالتحول إلى تمرد ضد الجيش الإسرائيلي. كما ينظر قادة إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية على أنها ضعيفة وغير فعالة، من جانب آخر، فقد أدى العنف المستمر على مدار عام كامل إلى تصلب المواقف على إسرائيل وحماس، وهو ما يجعل احتمال التعايش مستبعد في ظل قيادة إسرائيلية ملتزمة بتدمير حماس. وعلى نحو مماثل تمسك زعيم حركة حماس يحيى السنوار بمواجهة إسرائيل وتوريطها في صراع إقليمي أوسع.

التكامل الإقليمي وإقامة دولة فلسطينية

وفق الرؤية الإسرائيلية، يمثل التكامل الإقليمي ليس مجرد ضرورة استراتيجية؛ بل إنه فرصة لإعادة تعريف إسرائيل دورها في الشرق الأوسط وبناء مستقبل من السلام والازدهار القائم على معالجة القضية الفلسطينية، وتقديم التنازلات اللازمة، والاستثمار في الشراكات الاقتصادية مع جيرانها، للتحول من دولة في حالة حرب دائمة إلى لاعب حاسم في منطقة أكثر استقرارًا وازدهارًا.

إن المضي قدمًا في تحقيق هذه الاستراتيجية يكمن في معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار وخاصة القضية الفلسطينية، ولكي تحقق إسرائيل هدفها المنشود، فيجب أن تكون على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة مثل وقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وفك الحصار المفروض على غزة، إذا كانت إسرائيل راغبة في اكتساب ثقة جيرانها. وسوف تشكل هذه التنازلات تحديًا سياسيًا كبيرًا، ولكنها ضرورية لبناء هذا النوع من العلاقات القادرة على إفساح الطريق أمام السلام الدائم.

ويمكن الإشارة هنا، أن مفهوم الدولة الفلسطينية لا يزال أكثر واقعية من حيث الاعتراف الدولي من أي وقت مضى، فخلال العام الماضي، تزايد التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية، وهو ما أدى إلى زيادة الدعوة إلى إقامة الدولة، كما تحركت العديد من البلدان للاعتراف بفلسطين دبلوماسيًا وحتى الحلفاء التقليديون لإسرائيل وخاصة في أوروبا، كما شهدت الأمم المتحدة دعمًا متزايدًا للقرارات التي تؤكد على الحقوق الفلسطينية وإقامة الدولة. وأنه إذا كانت إسرائيل ترغب في تحقيق التكامل الإقليمي، فيجب عليها إيجاد طريقة لمعالجة القضية الفلسطينية بطريقة تسمح بظهور جار مسالم وقابل للحياة وقائمًا على التكامل الإقليمي وبعيدًا عن الهيمنة العسكرية الأمر الذي يمكن لإسرائيل الانتقال من كونها دولة معزولة إقليميًا إلى أن تصبح شريكًا لدول المنطقة.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟