شراكة متنامية...كيف تدعم أذربيجان إسرائيل في ظل الحرب على لبنان وغزة؟
خلال العام الأخير وبعد بدء عملية
اقتحام الأقصى، ورغم أن العديد من الدول الإسلامية أدانت إسرائيل رداً على الإبادة
الجماعية لشعب غزة وكان لها تأثيرها على علاقاتهم مع هذا النظام، إلا أن علاقات
باكو مستمرة مع تل أبيب أكثر من ذي قبل، وزاد التعاون العسكري بين باكو وتل أبيب
بشكل ملحوظ منذ العقد الماضي.
وفي هذا السياق، وقعت شركة "Azersalah" الحكومية من جمهورية أذربيجان، في 27 سبتمبر الفائت مذكرة
تفاهم استراتيجية مع شركة AAS الإسرائيلية القابضة وشركتها الفرعية "Ary Arms. والقائمة على إنتاج الأسلحة الصغيرة والخفيفة وفقًا
لمعايير الناتو. ولذلك لتطوير التعاون الثنائي في هذا المجال.
وسيتم
العرض فيما يلي لأبرز مجالات الشراكة بين باكو وتل أبيب:
أولاً: المجالات العسكرية
تعتبر إسرائيل مصدراً مهما للأسلحة إلى
باكو وبحسب بحث معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، استحوذت إسرائيل على 27% من
إجمالي واردات الأسلحة لجمهورية أذربيجان في الفترة من 2011 إلى 2020. وفي عام
2012، وقعت إسرائيل وجمهورية أذربيجان اتفاقًا تبيع بموجبه شركة الطيران المملوكة
للدولة في إسرائيل إلى باكو طائرات بدون طيار وأنظمة دفاع صاروخية ومضادة للطائرات
بقيمة 1.6 مليار دولار.
كما قررت باكو إنتاج بعض الأسلحة محلياً
(مثل الطائرات بدون طيار) من خلال مشروع مشترك بين وزارة الصناعات الحربية وشركة
أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية. وبعد نجاح القوات العسكرية لجمهورية
أذربيجان في الاستيلاء على كاراباخ، وردت تقارير تفيد بأن إسرائيل قد بدأت في بناء
منشآت أمنية سرية في كاراباخ. وفي عام 2023، وقع الطرفان عقدا لتزويد أذربيجان
بقمرين صناعيين من قبل إسرائيل بقيمة 120 مليون دولار، فضلا عن شراء نظام تتبع
الصواريخ Barak MX بقيمة 1.2 مليار دولار.
ويأتي هذا التعاون المتنامي بين
البلدين في سياق تعزيز سيطرة تل أبيب الحدود الأذربيجانية مع إيران، الأمر الذي
اتضح في بناء محطات تجسس إلكترونية على الحدود الجنوبية لجمهورية أذربيجان
وبالتالي مراقبة أنشطة إيران. ويأتي ذلك بالتوازي مع توافر أنباء عن سماح باكو
للموساد بإنشاء قاعدة عملياتية حديثة على أراضيها لإجراء عمليات داخل إيران، مع
تزويد إسرائيل بمطاراتها الجوية إذا احتاجتها تل أبيب لتنفيذ هجمات على المواقع
النووية الإيرانية، الأمر الذي أدى لاعتبار أذربيجان هي أصل العديد من العمليات
التخريبية داخل إيران.
وتخدم هذه العلاقة الأهداف
الإستراتيجية الأذربيجانية؛ فقد مكنت الأسلحة الإسرائيلية باكو من استعادة أراضيها
المحتلة في إقليم ناغورني-قره باغ المُتنازع عليه سابقا بين أذربيجان وأرمينيا،
وذلك في غضون 44 يوما من الحرب بين الطرفين عام 2020، ثمَّ أنهت أذربيجان المهمة
بحلول عام 2023 بإعادة إحكام قبضتها على الإقليم وتهجير سكانه الأرمن.
ثانياً: المجالات الاقتصادية
تعتبر جمهورية أذربيجان هي المورد
الرئيسي للنفط لإسرائيل؛ ووفقا للبيانات المتاحة، يتم توفير أكثر من 60% من النفط
الخام الإسرائيلي من باكو عبر خط أنابيب النفط باكو-تبليسي-جيهان. وعلى الرغم من
الإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة وضغوط الرأي العام العالمي، حافظت جمهورية
أذربيجان على دورها الفعال في توفير الطاقة لإسرائيل.
ورغم إنه توفر اكتشافات الغاز الطبيعي
قبالة سواحل إسرائيل معظم احتياجاتها من الطاقة، لكن تل أبيب لا تزال بحاجة إلى
واردات النفط، لقد كانت أذربيجان مورداً موثوقا للغاية للنفط لسنوات عديدة. وفي
السنوات الأخيرة، تم تطوير العلاقات الاقتصادية والتعاون في مجالات مثل الطيران
والسياحة والتكيف مع تغير المناخ.
ومن ناحية أخرى، يشكل التحالف المتزايد
بين روسيا وإيران مصدر قلق كبير من وجهة نظر إسرائيل، ولاسيما فيما يتعلق بممر
شمال جنوب، ولاسيما في ظل استخدام إيران بعض الطرق التجارية والشاحنات التجارية
والطيران والشحن لإرسال أسلحة إلى حزب الله. ونتيجة لذلك، من المرجح أن تكون
إسرائيل أكثر دعماً لطرق التجارة التي تبدأها جهات فاعلة ذات توجهات غربية أو
الطرق التي تمر عبر دول تتمتع بعلاقات ودية مع الغرب.
في كثير من الأحيان لا تتفق روسيا
وإيران وتركيا على التطورات في القوقاز. وقد تم تسليط الضوء على هذه القضية مؤخراً
من خلال انتقادات إيران لروسيا لدعمها موقف أذربيجان (وتركيا) بشأن ممر زانغزور.
وبشكل عام، فإن الأداء المتوازن لأذربيجان يعني أنه من غير المرجح أن تدعم أي حل
في القوقاز من شأنه أن يستبعد تماما الجهات الغربية الفاعلة من المنطقة. إن الحفاظ
على مجموعة متنوعة من الشراكات الدولية أمر حيوي بالنسبة لأذربيجان، والتخلي عن
الغرب من شأنه أن يقوض مصالحها الاستراتيجية. وفي هذا الصدد فإن اهتمام أذربيجان
بالحفاظ على التوازن في علاقاتها الخارجية يشكل حافزاً للحفاظ على علاقات وثيقة مع
إسرائيل.
ثالثاً: المتغير التركي
اتخذت أنقرة موقفاً حازماً ضد
الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين، منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية
على غزة، حيث تصاعدت ردود الفعل التركية بدءًا من الإدانات والاستنكارات العلنية
وصولاً إلى وصف الرئيسِ رجب أردوغان رئيسَ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
بأنه "هتلر العصر".
وفي هذا السياق، تعد تركيا من أكثر
العوامل الضاغطة على أذربيجان في علاقتها مع إسرائيل، فلم يكن القرار الذي اتخذته
تركيا في مايو2024 بوقف التجارة مع إسرائيل يستند إلى حسابات اقتصادية عقلانية،
حيث أن ثلاثة أرباع التجارة الثنائية قبل الحرب كانت تتألف من صادرات تركية إلى
إسرائيل. وبدلا من ذلك، يمكن تفسير هذا الإجراء أكثر من خلال التركيز على العوامل
الداخلية والأيديولوجية. لكن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي يثير مشاعر دولية
قوية، يشكل حالة فريدة من نوعها؛ حيث إن العديد من البلدان، وخاصة في ضوء مشاكلها
الاقتصادية، تنتهج سياسة منطقية اقتصادياً بشكل عام، على الأقل من حيث الرغبة في
الحفاظ على العلاقات مع الشركاء التجاريين الحاليين.
وحتى في حالة تركيا وإسرائيل، سمح كلا الجانبين
فعلياً بمواصلة بعض التجارة عبر طرق وشبكات تابعة لأطراف ثالثة. وعلى الرغم من أن
هذه الطرق جعلت التجارة لا ترقي إلى مستويات ما قبل الحرب، إلا أنها حافظت على بعض
الروابط التجارية حية.
وفي النهاية: يمكن القول إن العلاقات بين باكو وتل أبيب تقوم على
الأسس الثلاثة: النفط والسلاح والمعلومات. تشتري إسرائيل النفط من أذربيجان وتبيع
لها معدات عسكرية متطورة. وفي المقابل تسمح باكو لتل أبيب بالوصول إلى حدودها
البرية والبحرية مع إيران. ومن هنا تأتى واقعية التقديرات التي تتحدث عن إمكانية
استغلال إسرائيل لنفوذها الأمني والعسكري في أذربيجان للرد على عملية "الوعد
ال صادق2" التي شنتها إيران على إسرائيل في الثاني من أكتوبر 2024.