اتجاهات الدعم: الخيارات الفرنسية في دعم لبنان ووقف التصعيد مع إسرائيل
نظمت فرنسا في 24 أكتوبر 2024 وبمبادرة
من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "المؤتمر الدولي لدعم لبنان" في
محاولة جديدة من باريس للتأثير على مستقبل الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله،
ويتمثل الهدف الرئيسي للمؤتمر في إعادة تأكيد ضرورة وقف إطلاق النار والتوصل إلى
حل دبلوماسي وإنهاء الأعمال العدائية، وحشد المساعدات الإنسانية من أكبر عدد ممكن
من البلدان ودعم المؤسسات اللبنانية، وفي مقدمتها الجيش اللبناني، وهو ما يأتي ضمن
السياسة الفرنسية التي تستهدف ضمان استمرار جهودها لتحقيق أمن واستقرار لبنان من
خلال عقد المؤتمر الدولي لدعم شعب لبنان وسيادته وفق مسار ضرورة حل الأزمة على
أساس قرار مجلس الأمن 1701 الذي أنهى حرب العام 2006 بين حزب الله وإسرائيل، وأن
هذه التسوية تعني العودة إلى الوضع القائم قبل الحرب الأخيرة مع انتهاكات لهذا
القرار الدولي. وترى باريس أن العبرة ليست في تعزيز القرار 1701 بل في تطبيقه.
وقد غاب عن الاجتماع إسرائيل، وإيران الداعمة
لحزب الله، وكذلك وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي تعدّ بلاده الحليف الأول
لإسرائيل، وهو ما ينذر بوجود فرص ضئيلة بأن يحرز تقدمًا نحو وقف إطلاق النار، وإن
كان أسفر عن مبادرات على صعيد المساعدات الإنسانية باعتبار أن هذا المسار بمثابة
الآلية الدبلوماسية الوحيدة التي يتم العمل عليها، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة
عدم وضع المبادرة الفرنسية لتسوية الأزمة على طاولة المفاوضات من جديد.
ووفق التصور اللبناني فهناك ضرورة
لتوفير المساعدات الإنسانية وتوفير المساعدة الأمنية للجيش وقوى الأمن الداخلي
لتعزيز عتاد الجيش في الجنوب من أجل السيطرة على المنطقة الحدودية في حال التوصل
إلى وقف إطلاق نار مع إسرائيل، وذلك بعدما كانت فرنسا قريبة من تحقيق أهدافها قبل
أن تعيد الحرب بين إسرائيل وحزب الله خلط الأوراق.
ويأتي هذا المؤتمر كاستجابة للنداء
الذي أطلقته الأمم المتحدة من أجل جمع 400 مليون دولار على الأقل لمساعدة النازحين
الذين اضطروا لمغادرة منازلهم هربا من القصف ومن العنف اليومي المتزايد في ظل
الحرب بين إسرائيل وحزب الله. وتستهدف المساعدات في المقام الأول النازحين في
قطاعات الصحة والغذاء والمياه والنظافة والتعليم، على أساس أن لبنان تحتاج إلى 250
مليون دولار شهريًا لمعالجة الأزمة التي أدت إلى نزوح ما بين 500 ألف ومليون شخص
من جنوب لبنان.
أهداف متعددة
تتراوح أهداف المؤتمر الذي دعا إليه
الرئيس إيمانويل ماكرون وكثف اتصالاته على أعلى المستويات لتوفير سبل إنجاحه ما
بين توفير الدعم الإنساني للبنان الذي يعاني من حالة من الهشاشة الاستثنائية التي
فاقمتها الحرب، ودعم الجيش اللبناني باعتباره العنصر الرئيسي للاستقرار والمؤهل
للعب الدور الأول في المرحلة المقبلة لجهة تطبيق القرار الدولي رقم 1701، إضافة
إلى الدفع باتجاه ضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وتعبئة الأسرة الدولية لهذا
الغرض؛ حيث تريد باريس أن يكون المؤتمر بمثابة عامل ضغط على الطبقة السياسية
اللبنانية لكي تتحمل مسئولياتها وتعمل على ملء الشغور الرئاسي والذهاب بعده إلى تشكيل
حكومة كاملة الصلاحيات تعالج الأوضاع اللبنانية، وتقوم بالإصلاحات التي يحتاج
إليها اللبنانيون، وهو الأمر الذي يطالب به المجتمع الدولي منذ سنوات.
ووفق الإليزيه، فإن المستهدف من
المؤتمر أنه يسعى لتعبئة الأسرة الدولية للتعبير عن تضامنها مع لبنان، والتشديد
على أهمية التوصل إلى حل سياسي للحرب المتصاعدة، وتعزيز عناصر السيادة اللبنانية
التي من شأنها توفير الاستقرار والمساعدة على التوصل لوقف لإطلاق النار بأسرع وقت
وتسهيل الحل السياسي على قاعدة القرار 1701.
مبادرة فرنسية
تهدف فرنسا من المؤتمر إلى تنسيق الدعم الدولي لتعزيز القوات
المسلحة اللبنانية حتى تتمكن من "الانتشار على نطاق أوسع وبكفاءة" في
جنوب البلاد، كجزء من صفقة محتملة لإنهاء الصراع بين حزب الله وإسرائيل، وتحاول فرنسا إيجاد حل دبلوماسي
للحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان من دون أن تنجح في ذلك بعد، كما لم تؤد
مساعيها منذ عامين إلى إخراج البلاد من مأزق الشغور في منصب رئيس للجمهورية، إلا
أن في هذه المرحلة تسعى ضمن خطة قدمتها للبنان إلى الوصول لتسوية بشأن الحدود
المتنازع عليها مع إسرائيل وضمان نزع فتيل العنف عبر انسحاب محدود لقوات حزب الله بهدف
منع نشوب صراع يهدد بالخروج عن نطاق السيطرة وفرض وقف محتمل لإطلاق النار عندما
تكون الظروف ملائمة، ويتصور في نهاية المطاف إجراء مفاوضات حول ترسيم الحدود
البرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل. وتسعى الخطة المكونة من ثلاث خطوات إلى
عملية تهدئة مدتها 10 أيام تنتهي بمفاوضات بشأن الحدود. ويقضي المقترح أيضًا بأن
يتم نشر ما يصل إلى 15 ألف جندي من الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية بجنوب
لبنان، وهي معقل سياسي لحزب الله.
كما سيخوضان مفاوضات حول خارطة طريق لضمان إنشاء منطقة خالية من
أي جماعات مسلحة غير تابعة للدولة بين الحدود ونهر الليطاني. كما يدعو الاقتراح
إلى بذل جهد دولي لدعم انتشار الجيش اللبناني بالتمويل والعتاد والتدريب والشروع
في التنمية الاجتماعية الاقتصادية لجنوب لبنان. وتقترح الخطة أن توقف الجماعات
المسلحة اللبنانية وإسرائيل العمليات العسكرية ضد بعضهم البعض، بما يشمل الغارات
الجوية الإسرائيلية في لبنان.
ولكن لم يحرز الاقتراح الفرنسي، الذي تمت مناقشته مع الشركاء
خاصة الولايات المتحدة، تقدمًا. ومع ذلك تريد باريس الحفاظ على زخم المحادثات
والعمل على كسر الجمود السياسي في لبنان الذي يعاني من شغور منصب الرئيس، كما أن
الحكومة لا تتمتع بصلاحيات كاملة منذ انتهاء ولاية ميشال عون كرئيس في أكتوبر
2022. وبالتالي تصاعدت التساؤلات حول قدرة المؤتمر على إحداث اختراق لوقف الحرب
الدائرة بين إسرائيل وحزب الله، والدفع باتجاه وقف إطلاق النار لفتح الباب
للدبلوماسية.
تحديات عديدة
فشلت باريس في تقديم نفسها وسيطًا لمنع
اندلاع الحرب بين إسرائيل وحزب الله في ظل عدم قدرتها على ممارسة ضغوط بأي شكل على
الحزب أو التوصل إلى تفاهمات مع إيران لإثنائه عن حرب إسناد غزة. ويرى البعض إن
عجز فرنسا عن التأثير في لبنان يعود بالأساس إلى كونها تعتمد فقط على حضورها
التاريخي في لبنان، وهي لا تمتلك أوراق ضغط، وحتى حين تعرض مبادرة أو مؤتمرًا لدعم
لبنان تراهن على تمويلات الدول الأخرى وليس الدور الفرنسي.
لا يزال من غير الواضح الأثر الذي سيخلفه تبادل إطلاق النار
المباشر بين إيران وإسرائيل على المشهد اللبناني دبلوماسيًا أو عسكريًا خاصة بعدما
تجاوزت الاشتباكات الإسرائيلية وحزب الله عتبات جديدة وتصاعد إطلاق النار عبر
الحدود بشكل مستمر. وفي الواقع، تبدو إسرائيل عازمة على مواصلة عملياتها ضد الحزب
حتى تغيير الوضع الراهن، وهو الهدف الذي ربما تسعى إلى تحقيقه حتى لو استمر وقف
التصعيد مع إيران، وهو ما يعني أن الجهود الدبلوماسية الفرنسية محفوفة بالمخاطر
وقد تفشل في أي لحظة.
من ناحية أخرى، وفي الأسابيع الأخيرة، بدا أن ماكرون شدد موقفه
ضد إسرائيل، بينما دعا مرارًا إلى وقف النار في كل من لبنان وغزة، وأدان الخسائر
البشرية الكبيرة بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية، كما دعا ماكرون إلى وقف
صادرات الأسلحة لإسرائيل لاستخدامها في غزة. بالإضافة إلى ذلك أدان ماكرون بشدة
الاستهداف المتعمد من قبل إسرائيل لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة
(اليونيفيل) في جنوب لبنان، وهو ما نفته إسرائيل. وما زاد التوتر بين الجانبين إعلان تل أبيب مقاضاة ماكرون بسبب قراره
بمنع الشركات الإسرائيلية من عرض منتجاتها في معرض "يورونافال".
وضمن هذا السياق، تضغط باريس على الأطراف الرئيسية في لبنان،
رغم ممانعة البعض، للمساعدة في المضي قدمًا لانتخاب رئيس لملء الشغور المستمر منذ
عامين قبل التوصل لوقف لإطلاق النار، وبالرغم من تعقد المشهد وما يمكن تحقيقه على
الصعيد السياسي، إلا أن فرنسا تروج لاتصالاتها المباشرة مع حزب الله وإيران،
مقارنة بجهود الوساطة الأميركية، فيما يبدو أن التنسيق بين باريس وواشنطن ضعيف
ويتسم بعدم التوافق.
في الختام: يمكن القول إن هذا المؤتمر
برغم تعدد أهدافه سواء على مستوى وضع أجندة عمل لاستكمال المبادرة الفرنسية لحل
الأزمة على المستوى المتوسط أو من خلال تقديم المساعدات الأولية لمواجهة الأزمة
الإنسانية المتفاقمة على وجه السرعة، ولعل تعقد المشهد الداخلي اللبناني وتصاعد
التوترات الإقليمية أسهم في ظهور تحديات مركبة أمام المؤتمر والمبادرات الفرنسية
لحل الأزمة.