"أوروبا" في مرمى التنافس الأميركي الصيني
تشهد العلاقات الأميركية الصينية توتر جديد نتيجة التقدم
التكنولوجي والانتشار الواسع الذي تحققه بكين خارج الأسواق الآسيوية؛ حيث ساهمت
شركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تعثر العلاقات بين الجانبين، تجلى ذلك في
الهجوم الأميركي الذي شنه وزير الخارجية "مايك بومبيو" على شركة
"هواوي"، في الوقت الذي كثف فيه الضغط على بريطانيا، محذرًا من أن تعرض
معلومات الاستخبارات الأميركية لخطر التجسس من قبل الشركة الصينية، نتيجة
استخدامهم تقنيات الخاصة بها في نقل المعلومات.
الدوافع
الأميركية
تشكل الصين من وجهة نظر الإدارة الأميركية تهديدًا
اقتصاديًا وأمنيًا كبيرًا، فضلاً عن استمرار تقدمها التكنولوجي الذي يعد تحديًا
جديدًا، كما ترى واشنطن أن الصين تعد نظامًا استبداديًا استطاع الاندماج في
الاقتصادي الغربي بجانب أن "الصين تسرق الملكية الفكرية لأغراض عسكرية".
"لإنها تريد السيطرة على تكنولوجيا الفضاء والصواريخ البالستية والعديد من المجالات
الأخرى.
فيما تكمن المخاوف الأميركية في أن القانون الصيني يسمح للحكومة
بطلب الوصول إلى البيانات المتدفقة عبر أنظمة Huawei. الأمر الذي
قد يساهم في الوصول إلى كميات هائلة من البيانات التي ستنتقل في نهاية المطاف عبر
5G، مما يسمح لبكين بالتجسس على الشركات والأفراد والحكومات، وحدوث اختراق
أمني للدول العاملة مع نظام هواوي، فسيؤدي ذلك إلى تقييد قدرة الولايات المتحدة على
تبادل المعلومات الاستخباراتية الحساسة مع شركائها، وإلى إعاقة قدرتها على مشاركة بعض
المعلومات داخل شبكات موثوق بها. هذا هو ما تريده الصين تقسيم التحالفات الغربية.
(1)
لذا تدرك الإدارة الأميركية مدى قوة الصين التي تتمدد
بشكل سلمي حتى الآن على الصعيد الاقتصادي والتكنولوجي، ولكن هنا التخوف من تحويل
هذه القوة بشكل تقليدي إلى قوة عسكرية منافسة للولايات المتحدة تعمل على الهيمنة
على التفاعلات العالمية، تزامنًا من تنامي النفوذ الصيني في آسيا لمواجهة أي تواجد
أميركي تجسد ذلك في المواجهات غير المباشرة في بحر الصين الجنوبي الذي يعد من أهم
المعابر الدولية.
وعليه تسعى الإدارة الأميركية إلى تطويق هذا النفوذ على
كافة الأصعدة من خلال فرض عقوبات اقتصادية على الصين، وعلى واردتها من المعادن
ومواد التصنيع، علاوة على التصدي للاستثمارتها الخارجية خاصة مع الدول الأوروبية. بما
في ذلك منع الشركات الأمريكية من تزويد هواوي بالمكونات الرئيسية التي تحتاجها لبناء
شبكات 5G في جميع أنحاء العالم.
الضغط
الأميركي على بريطانيا
حذرت الولايات المتحدة العديد من الحكومات في جميع أنحاء
أوروبا من العمل مع شركة Huawei؛ حيث قررت بعض الدول التعاون مع الحكومة
الصينية في إنشاء شبكات الجيل الخامس الخاصة بها. وفي مقدمتهم بريطاينا بعد تسريب قرار
من مجلس الأمن القومي البريطاني السري قرار الموافقة لشركة Huawei بتزويد تقنية 5G بعد اجتماع متنازع عليه أثار فيه خمسة من أعضاء مجلس
الوزراء اعتراضات. (2)
الأمر الذي اعتبره بعض المسئولين بانه يهدد التعاون الاستخباراتي
مع الولايات المتحدة، مما أثار المزيد من الانتقادات من قبل النواب المحافظين المعارضين
للخطة. فيما أعرب "روبرت سترر" نائب مساعد وزيرة الخارجية في وزارة الخارجية
الأميركية عن إن شركة "لم تكن بائعًا موثوقًا به" وأن أي استخدام لتكنولوجيتها
في شبكات 5G يمثل مخاطرة، وهو ما يتعارض مع الموقف البريطاني.
في المقابل أوضح المتحدث باسم "تيريزا ماي"
رئيسة الوزراء "لقد كان موقفنا دائمًا هو أنه عندما تنشأ مخاوف
تتعلق بالأمن القومي في أي استثمار أجنبي، ستقوم الحكومة بتقييم المخاطر والنظر في
مسار العمل الذي يتعين اتخاذه". تقول Huawei إنها شركة خاصة، مستقلة عن الدولة الصينية، مملوكة
إلى حد كبير من قبل موظفيها، وعملت على توفير تكنولوجيا الهاتف في المملكة المتحدة
لمدة عشر سنوات ونصف دون مشاكل.
كما تعتقد وكالات الاستخبارات البريطانية عمومًا أن شركة
Huawei بحاجة إلى مراقبتها -وهي مهمة تم تفويضها إلى وحدة تابعة لـ GCHQ تُعرف باسم "الخلية"، والتي تفحص البرنامج الذي تستخدمه لمعرفة
ما إذا كانت هناك أي أماكن خلفية خفية أو نقاط ضعف أخرى يمكن أن تستغلها الصين.
(3)
تزامنت الضغوط الأميركية على بريطانيا مع حالة عدم
الاستقرار الداخلي الذي تشهده الساحة السياسية نتيجة عدم التوافق حول ملف الخروج
من الاتحاد الأوروبي، ورغبة الحكومة في التواصل مع القوى الاقتصادية الكبرى لتحقيق
مع مصالحها وإقامة علاقات تجارية قوية معها مع الاعتماد أيضًا على علاقاتها الدبلوماسية
والتجارية الوثيقة مع الولايات المتحدة. وذلك مع تعهد "بومبيو" بحجب المعلومات
الاستخبارية من الدول التي تواصل استخدام معدات الاتصالات الصينية.
المخاوف
الأوروبية
تعتمد الشبكات اللاسلكية الأوروبية بشكل كبير على
Huawei، لذا فإن حظر
معداتها سيكون له تبعات سلبية عليهم، وقد يؤدي فرض حظر واسع النطاق إلى تغييرات باهظة
في الثمن. كما
تكمن المخاوف الأوروبية من تراجع العلاقات التجارية مع الصين، وخاصة
بريطانيا التي تسعى إلى إبرام شراكات تجارية جديدة تزامنًا مع مفاوضات الخروج من
الاتحاد الأوروبي، وذلك بالرغم من أن المسؤولين الأوروبيين أصبحوا يشككون بشكل متزايد
في القوة الاقتصادية المتنامية لبكين، إلا أن الصين لا تزال ثاني أكبر شريك تجاري للاتحاد
الأوروبي بعد الولايات المتحدة.
الأمر الذي برهنت عليه عضو البرلمان الأوروبي "كارولين
ناجتيجال" التي ساعدت في كتابة قرار حول مخاطر الأمن السيبراني التي تمثلها الصين
التي تجنبت الدعوة إلى حظر هواوي: "لست متأكدًا أن الحظر هو الحل".
"علينا أن نكون حذرين للغاية في اتخاذ خطوة من هذا القبيل." العديد من الدول
التي تواجه ضغوطا أميركية لم تتخذ أي قرارات نهائية. في بريطانيا، على سبيل المثال،
يقول مسؤولو المخابرات إن التهديد يمكن إدارته، لكن الحكومة يمكنها في نهاية الأمر
نقضها. (4)
لذا فمن المتوقع أن تصمد بعض الدول الأوروبية في وجه
القرارات الأميركية خاصة فيما يتعلق بأمن المعلومات، لإنه أصبح تحديدًا كبيرًا
لابد من التنسيق والتعاون بشأنه، فبالرغم من أن هناك تخوف من الصين، هناك قلق
متزايد من التحول الاستراتيجي في السياسة الأميركية تجاه الحلفاء الأوروبيين.
في المقابل من المتوقع أن تنساق بعض الدول لهذه القرارات
أملاً في إبرام اتفاقيات جديدة مع واشنطن تمكنها مع تلبية احتياجاتها من التقنيات
الحديثة، لمواجهة التمدد الصيني، وهو ما حاول "ترامب" الترويج له إبان
زيارته للمملكة المتحدة في 3 يونيو/ حزيران 2019، معربًا عن إمكانية عقد شراكات
جديدة مع بريطانيا في حالة الخروج من الاتحاد الأوروبي.
الأمر الذي يجسد سعى الإدارة الأميركية في كسب ود الحلفاء الأوروبيين لمواجهة الصين ولكن ظاهريًا؛ حيث أن إدارة "ترامب" تسعى لتوظيف إمكانيتها للضغط على أوروبا لتبني سياسات مغايرة مع باقي الدول الكبرى خاصة الصين وروسيا فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي والطاقة لخدمة مصالحها.
الهوامش
1-
Stephen Castle, “Pompeo
Attacks China and Warns Britain Over Huawei Security Risks”, New York Times,
8/5/2019. https://www.nytimes.com/2019/05/08/technology/pompeo-huawei-britain.html
2-
Dan Sabbagh, Daniel Boffey, “US to put
pressure on UK government after leaked Huawei decision”, The Guardian,
26/4/2019. https://www.theguardian.com/politics/2019/apr/26/huawei-leak-inquiry-philip-hammond-national-security-council
3-
“Huawei tech would put UK-US intelligence
ties at risk, official says”, The Guardian, 29/4/2019. https://www.theguardian.com/technology/2019/apr/29/drop-huawaei-or-we-could-cut-intelligence-ties-us-warns-uk
4-
Julian E. Barnes, Adam Satariano, “U.S.
Campaign to Ban Huawei Overseas Stumbles as Allies Resist”, New York Times,
17/5/2019. https://www.nytimes.com/2019/03/17/us/politics/huawei-ban.html?action=click&module=RelatedCoverage&pgtype=Article®ion=Footer