المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

تحجيم طهران...نحو استعادة النفوذ السعودي في العراق

الأربعاء 08/مايو/2019 - 04:57 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمود جمال عبد العال

رغم التقارب الجغرافي والثقافي بين العراق والمملكة العربية السعودية إلا أن العلاقات بينهما شهدت محطات من التوتر منذ حرب الخليج الثانية بفعل سياسات "صدام حسين" العدوانية تجاه دول الخليج لا سيما الكويت والسعودية، وما تلاها من سياسات التبعية لطهران التي نحتها الحكومات العراقية في مرحلة ما بعد سقوط صدام. وتعمل السياسة الخارجية للرياض حاليًا على تجاوز خلافات الماضي والتقارب مع العراق بهدف محاصرة النفوذ الإيراني، وذلك في سياق السياسة الدولية التي يقودها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لمواجهة الأطماع الإيرانية في المنطقة. في هذا الاتجاه، يحاول التقرير دراسة الأبعاد الاستراتيجية لتحركات المملكة العربية السعودية الأخيرة تجاه بغداد، والاسهامات التي يُمكن أن تضيفها هذا التحركات بمختلف مستوياتها السياسية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية في سياسة إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة.

مؤشرات التباعد بين طهران وبغداد

تشهد العلاقات العراقية الإيرانية مؤخرًا حالة من التغيير الاستراتيجي للجانب العراقي الذي يتبرأ من سياسات التبعية والأحلاف التي اتبعتها الحكومات السابقة. أدى ذلك إلى تحفيز الرياض للتقارب مع بغداد من مدخل التعاون الاقتصادي، والتنسيق الأمني والسياسي، وفي هذا الصدد نشير فيما يلي إلى محطات التوتر التي أصابت العلاقات العراقية الإيرانية مؤخرًا:

1.      رفض العراق إلغاء نظام التأشيرات بين البلدين: رغم التعاون العراقي الإيراني في محاربة تنظيم الدولة إلا أن بغداد غير مطمئنة لدعم طهران للحركات الطائفية المسلحة. وفي سياقٍ آخر، رفضت بغداد اقتراح الجانب الإيراني بإلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين، ولكنها استجابت في الوقت نفسه لمقترح إلغاء الرسوم على تأشيرات الدخول. وتُعد العتبات المقدسة في العراق مقصدًا لمئات الآلاف من الإيرانيين الذين يذهبون للعراق بهدف السياحة الدينية(1). ورغم رفض الرئيس العراقي للاقتراح الإيراني بالإلغاء الكامل لتأشيرات الدخول بين البلدين، ما زالت تعارض  الأوساط النيابية العراقية خطوة إلغاء رسوم التأشيرة معتبرين أنه جاء بدوافع سياسية بعيدًا عن المصالح الاقتصادية المشتركة خاصة أنه لا جدوى اقتصادية من اتخاذ هذه الخطوة في ظل الحصار الدولي المفروض على طهران بفعل إصرارها على تطوير برنامجها النووي.

2.      التخلي عن سياسة الأحلاف: تقوم سياسة الحكومة العراقية الحالية بقيادة "عبد المهدي" على تبني سياسة الحياد في الصراع الذي تشهده العلاقات الخليجية الإيرانية؛ حيث تنأى بنفسها عن هذه التجاذبات مُركزة اهتمامها على تحقيق المصالح الاقتصادية خاصة بعد مرحلة الإنهاك التي مرَّ بها الاقتصاد العراقي منذ بداية الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية التي استنزفت عملته الصعبة في إعادة بناء الجيش والقوات الأمنية لاستعادة الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة.

3.      التنافس على المرجعية: بعث آية الله "علي السيستاني" برسائل حادة لدى استقباله الرئيس الإيراني "حسن روحاني" مطلع مارس /آذار 2019؛ حيث طالبه "السيستاني" بضرورة احترام سيادة العراق، ومصالحه في الحفاظ على علاقات متوازنة مع جيرانه. وانتقد "السيستاني" دعم طهران للميليشيات المسلحة التي ما زالت تتبع إيران، ودعا إلى ضرورة أن يبقى السلاح في يد الدولة العراقية وحدها(2). ويُعد اللقاء الذي جمع بين "روحاني" و"السيستاني" هو الأول من نوعه، وتُرجع التقارير والتحليلات هذا الاستقبال إلى النهج العقلاني الذي يمثله الرئيس "روحاني"، ومرجعية النجف مقارنة بالنهج المتشدد الذي يُمثله "علي خامنئي" ومرجعية قُم. لذا يُعد هذا الاستقبال دعمًا للإصلاحيين في إيران. ويتأكد هذا الطرح بعدم استقبال مرجعيات النجف للرئيس "أحمدي نجاد" الذي يمثل التيار المحافظ في إيران رغم زيارته للعتبات المقدسة في خضم زياراته السياسية للعراق. ودلَّ ذلك وقتها على عدم رضا "السيستاني" ومرجعيات النجف على السياسة المتشددة التي يتبعها "نجاد"، وأدت لتوتير علاقاته مع جيرانه من دول الخليج. ويرفض "السيستاني" الدور المشبوه الذي تلعبه طهران لتقويض نفوذ المرجعيات النجفية لصالح زعماء دينيين تابعين لطهران التي تمول المدارس والجمعيات الخيرية وبناء المساجد بهدف توطيد سلطة رجالاتها من علماء الدين في وجه المرجعية الرسمية.

مؤشرات التقارب السعودي العراقي

شهدت الفترة التي تلت حكومة "حيدر العبادي" تطورًا كبيرًا في العلاقات العراقية السعودية سواءً على مستوى تبادل الزيارات الرسمية أو زيادة الاستثمار المباشر بين البلدين.

1.      تبادل الزيارات الرسمية: مثَّلت زيارة رئيس الوزراء العراقي "عادل عبد المهدي" نهاية أبريل/نيسان الماضي للرياض نقطة تحول في تاريخ العلاقات العراقية السعودية التي شهدت توترًا منذ عام 1990. واكتست هذا الزيارة أهميتها من الاتفاقيات التي تم توقيعها بين الجانبين؛ حيث وصل عددها إلى حوالي 13 اتفاقية في مجالات الطاقة والنفط والاستثمار والزراعة، وذلك لأول مرة منذ عقود(3). وقد ضم الوفد العراقي وزراء النفط، والمالية، والخارجية، والتخطيط والتجارة، والتعليم، والشباب والرياضة، والزراعة، والكهرباء والنقل، وعدد كبير من المحافظين وأعضاء مجلس النواب ورجال الأعمال. واعتبر "المهدي" نفسه أن زيارته للمملكة تمثل نقطة تحول بالنسبة للتعاون والتفاهم مستقبلًا بين البلدين(4).

2.      توسيع نطاق التعاون الاقتصادي: شهدت الفترة الأخيرة نموًا هائلًا في تطور العلاقات الاقتصادية بين الرياض وبغداد؛ حيث اشتملت الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين على وضع برامج عمل للربط الكهربائي، وكذلك الربط البري والبحري، والتعاون في القطاع النفطي، وتوقيع العديد من مذكرات التفاهم في مجال المشاورات السياسية، والتعاون في مجالات الزراعة، والتعليم، والصناعة، والثروة المعدنية. في السياق ذاته، تبرع الملك "سلمان بن عبد العزيز" ببناء مدينة رياضية عالمية، وهو ما اعتبرته التحليلات السياسية أنه محاولة ناجحة من الرياض لبناء الثقة مع الشعب العراقي الذي خضع للخطابات الطائفية والتحريضية النابعة من طهران ضد المملكة خلال الفترات السابقة.

3.      افتتاح معبر عرعر البري: تعمل السلطات السعودية والعراقية على إعادة تهيئة معبر عرعر الواصل بين الحدود البرية للبلدين لافتتاحه في يونيو/حزيران المقبل بعد إغلاقه لأكثر من 28 عامًا، وذلك بهدف زيادة حجم التبادل التجاري بينهما. وتعمل الرياض على أن يكون المعبر تجاريًا بنسبة 90% خاصة فيما يتعلق بالترويج لسلعها من المواد الغذائية والكهربائية والإنشائية. وبهذه الخطوة، تصل المملكة إلى السوق العراقية مباشرة بعد ان كانت تعتمد على الأردن والكويت لضمان وصول منتجاتها للسوق العراقي. ومن المتوقع أن يُسهم المعبر في تحريك حركة التجارة بين الجانبين لا سيما في محافظة الأنبار العراقية وذلك من خلال توفير الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.

4.      تيسير الحج، وزيارة العتبات المقدسة: عملت كل من الرياض وبغداد على تطبيع علاقاتها الدبلوماسية من خلال تبادل افتتاح السفارات والقنصليات لأول مرة منذ غزو الكويت. وتعتزم الرياض افتتاح 3 قنصليات جديدة بالمدن العراقية بعد افتتاح قنصليتها في بغداد أواخر أبريل/نيسان 2019. واعتبر الجانب العراقي أن تبادل افتتاح البعثات الدبلوماسية والقنصلية يُسهم في تسهيل خدمات الأفراد والشركات بين البلدين بما في ذلك التيسير على مواطني الدولتين الراغبين في الحج والعمرة، أو زيارة العتبات المقدسة. ويعمل العراق في الوقت الحالي على افتتاح قنصلية بالدمام بالمنطقة الشرقية لتسهيل زيارة العتبات المقدسة على المواطنين السعوديين الشيعة الذين يرغبون في الزيارات الدينية للعراق.

ختامًا؛ تهدف الرياض من خطوات التقارب مع بغداد على العمل لمحاصرة النفوذ الإيراني في المنطقة؛ حيث استغلت طهران مراحل الضعف العربي لبسط نفوذها في صنعاء، ودمشق، وبيروت، وبغداد، وهو ما تعمل على مواجهته الرياض في الوقت الحالي من خلال عاصفة الحزم في اليمن، وتبادل الزيارات والعلاقات الدبلوماسية مع العراق بهدف إعادتها إلى محيطها العربي والخليجي. 

الهوامش

1.       مرﭬت زكريا، تنفيس الضغوط .. ما وراء زيارة روحاني للعراق، المركز العربي للبحوث والدراسات، على الرابط:

 http://tiny.cc/flkb6y

2.       العراق: السيستاني يستقبل روحاني في النجف ويؤكد له ضرورة احترام سيادة العراق، فرانس 24، على الرابط:

http://tiny.cc/n9kb6y

3.       العراق والسعودية يوقعان 13 اتفاقية في مجالات عدة، وكالة أنباء الأناضول، على الرابط:

 http://tiny.cc/qbib6y

4.       عادل عبد المهدي يصل إلى الرياض في زيارة تستمر يومين، وكالة سبوتنيك للأنباء، على الرابط:

 http://tiny.cc/p6hb6y

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟