مؤتمر ميونخ للأمن .. حدود التوافق والخلافات
شهدت
ألمانيا منذ أيام انعقاد مؤتمر ميونخ للأمن في موعده السنوي والذي تواصل انعقاده
ثلاثة أيام بمشاركة عديد من دول العالم من أجل مباحثات الأمن والدفاع والسياسة
الخارجية، كما تناول المؤتمر العديد من القضايا الحالية التي تشغل الساحة الدولية وتهدد
أمن واستقرار القارة الأوروبية خاصة ودول العالم.
يذكر
أن المؤتمر شهد أول جلسات انعقاده في ستينيات القرن الماضي من أجل مناقشة أهم التحديات
العسكرية في القارة الأوروبية ودعم الخطط الدفاعية. بمشاركة عشرات من قادة الدول، لذلك
فهو أحد أهم
المنتديات لتبادل قضايا السياسة الأمنية في كل عام.
أجندة المؤتمر
حاولت
الدول المشاركة في المؤتمر أن تعرض رؤيتها فيما تتعرض له أوروبا في الوقت الحالي من
تهديد وأن تطرح جهودها المقترحة لإيقاف ذلك، حيث كان المؤتمر بمثابة فرصة لمناقشة
الكثير من القضايا الساخنة، وشهد المؤتمر هجوما أوروبي شامل على السياسة الخارجية
لترامب. حيث شكل جبهات موحدة وضعت أوروبا على جانب والأمريكيين من الجانب الأخر،
وكشف عن الخلافات العميقة بينهم.
على
الجانب الأمريكي، كرر نائب الرئيس الأمريكي "مايك بنس" مطالبه لأوروبا
بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وحظر المعدات الصينية من شبكات الاتصالات
العالمية وزيادة المساهمات الأوروبية في الناتو. وأشاد بنس ببعض أعضاء حلف شمال
الأطلسي لزيادتهم إنفاقهم الدفاعي. مشددا كذلك على المعارضة الأمريكية القوية لخط
أنابيب الغاز "نورد ستريم2" الروسي الألماني الذي يجري بناؤه والذي رأى
ترامب أنه يجعل ألمانيا رهينة لروسيا. (1)
على
الجانب الآخر؛ انتقدت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" رغبة الولايات
المتحدة في الانسحاب من معاهدة الأسلحة متوسطة وقصيرة المدى المنعقدة مع روسيا "اتفاقية
ستارت" والتي بموجبها فإن الترسانات الروسية والأمريكية لا يجب أن تزيد عن
1550 رأس حربي استراتيجي منتشر على ما لا يزيد على 700 من الصواريخ والقاذفات
الاستراتيجية، والتي من المفترض أن تنتهي صلاحيتها في عام 2021، وقد اقترحت روسيا
تمديدها إلى عام 2026، وعبر وزير الخارجية الروسي " سيرجي لافروف" عن
ذلك بقوله "إن إدارة ترامب لم توافق بعد، لكن روسيا ستواصل الضغط على
الولايات المتحدة بشأن هذه القضية".
كما
اتهمت ميركل الولايات المتحدة بتعزيز إيران وروسيا بخططها للانسحاب السريع من
سوريا، باعتبار ذلك يؤثر بشكل مباشر على الأمن الأوروبي. وأعربت عن صدمتها من
الإدارة الأمريكية التي اعتبرت أن السيارات الألمانية تمثل تهديدا للأمن القومي. بالإضافة
لذلك فقد أعلنت تمسكها بالاتفاق النووي مع إيران. كما دعت دول الاتحاد الأوروبي
إلى التماسك في ظل خروج بريطانيا.
فيما
ألقى حاكم ولاية كولورادو السابق "جون هيكنلوبر" محاضرة عن
"التجارة العالمية ومستقبل التحالف عبر الأطلسي"، كما شارك في المناقشات
التي ركزت على الأمن السيبراني وحلف الناتو والاستراتيجية العسكرية، وشهد المؤتمر
تواجد عربي أفريقي تمثل في حضور الرئيس عبد الفتاح السيسي ممثلًا لمصر وللاتحاد
الأفريقي. وكان المؤتمر بمثابة منصة لطرح استراتيجية مصر في مكافحة الإرهاب وقضايا
الشرق الأوسط.
الاتفاق الإيراني على الطاولة
انطلاقًا
من مبادئ السياسة الخارجية التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية منذ تولي الرئيس
دونالد ترامب والتي تعبر بشكل رئيسي عن مصالح أمريكا وحدها ( أمريكا أولًا) دون
النظر إلى مصالح حلفائها، شدد نائب الرئيس الأمريكي "مايك بنس" على رغبة
بلاده في انسحاب أوروبا من الاتفاق النووي مع إيران- وهو الاتفاق الذي تم التوصل
إليه في عام 2015 بهدف الحد من النشاط النووي الإيراني وقامت الولايات المتحدة بالانسحاب
منه في عام 2018 - معللًا ذلك بأن هذا الاتفاق لم يكن رادعًا كافيًا لإيران لإيقاف
برنامجها النووي وأنها مازالت تمثل مصدر تهديد للأمن الدولي، وتمارس الكثير من
الانتهاكات في ملف حقوق الإنسان في إيران، والعدوان في الشرق الأوسط، واختبارات
الصواريخ الباليستية ووصفها بأنها دولة داعمة للإرهاب.(2)
كما
عبر عن استيائه من استمرار فرنسا وألمانيا وبريطانيا في مواصلة عملياتها التجارية
في الجمهورية الإسلامية رغم العقوبات الأمريكية. موضحًا أن ذلك يعد تقويض للعقوبات
الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران.
وعلى
الجانب الأخر أكدت الدول الأوروبية رفضها تلك التصرفات الأحادية حيث أصبحت الصفقة
الإيرانية أبرز نقاط الخلاف التي تفصل بين أوروبا والولايات المتحدة. وأكدت مسئولة
العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي "فيديريكا موغيريني" على عزم
الاتحاد على المحافظة على "التطبيق الكامل" للاتفاق مع إيران لما في ذلك
ضمان لمزيد من الاستقرار والأمن في القارة. وهذا التصميم يحمل العديد من الدلالات
منها رغبة أوروبا في أن تكون قوة مستقلة بذاتها وتحدي للولايات المتحدة الأمريكية
في مواجهة وحدة الصف الأوروبي. وإبراز العديد من الخلافات العميقة بين أوروبا
وأمريكا
ومن
جانبها قدمت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" التزامًا واضحًا بالتعاون الدولي وبذل المزيد من
الجهود في مجال التعاون العسكري في أوروبا، والمساعدات الإنسانية، والتعاون
الإنمائي. وانتقدت تصرفات الرئيس ترامب ووصفتها بالفردية.
الانسحاب الأمريكي من سوريا
كان
إعلان الرئيس "ترامب" سحب القوات الأمريكية والبالغ عددها 2000 جندي من سوريا
من أهم القضايا التي تناولها المؤتمر. حيث أثار ذلك الإعلان مخاوف حلفاء الولايات
المتحدة من تزايد الفوضى المحتملة وعدم الاستقرار في الأراضي السورية وكيف سيتم التصدي
لتلك التهديدات والآلية التي سيتم بها سحب القوات.
وفي
إطار المصالح المتشابكة يمثل الوجود الأمريكي العسكري في سوريا دعمًا للقوات
الأوروبية المرابطة هناك مقابل أن تتخلي الدول الأوروبية عن الصفقة الإيرانية.
ولكن يبدو أن الولايات المتحدة لم تجد من ذلك طائلا فقررت سحب قواتها بهدف الضغط
على الدول الأوروبية. ومن المتوقع أن هذا الانسحاب سوف يترك المجال لآخرون من أجل
ملء الفراغ العسكري هناك ويتسبب في أخطار جديدة. (3)
وعلى
صعيد أخر تخشى القوات الكردية في شمال
سوريا أن يؤدي انسحاب القوات الأمريكية إلى تمكين تركيا من شنّ هجوم على المناطق
التي يسيطرون عليها والتي تبدأ من شرق الفرات إلى منطقة منبج بعد ان استطاعت
تخليصها من تنظيم داعش، حيث تنظر تركيا إلى الجماعات الكردية المسلحة في سوريا على
أنها تشكل تهديدًا لأمنها الوطني. وترى القيادات الكردية في سوريا أن انسحاب
القوات الأمريكية هو ضربة قاصمة لقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب
الكردي، مما دفع ذلك إلى مزيد من الهجوم على سياسة ترامب من أطراف عديدة كما عبرت عنه ميركل في المؤتمر قائلة "أرى
الأوروبيين في جانب والأميركيين في الجانب الآخر."
أزمة اللاجئين في أوروبا
تحمل
الدول الأوروبية ملف اللاجئين على عاتقها، حيث أعلنت ألمانيا أن تتعامل مع هذه
القضية بحرص شديد، فمن المعروف أن تفاقم تلك الأزمة يرجع إلى انسداد أفق التفاهم،
وتراجع النظام الدولي يخلق فراغاً قد تملأه قوى صاعدة خبيثة مما يتطلب مزيد من
التعاون للحول دون ذلك، وهذا ما دفع دول الاتحاد الأوروبي الـ28 إلى الاعتراف
بزعيم المعارضة " خوان غوايدو"رئيسا لفنزويلا للإسراع قبل وقوع أزمة
لاجئين جدد.
كما
طرح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رؤيته في هذا الشأن باعتبار مصر بوابة للاجئين
من الدول العربية والمجاورة، فهي تحتضن 5 مليون لاجئ تم استضافتهم، باعتبارها تحتل
موقع عربي وأفريقي يجعلها تتأثر بقضايا واستقرار الدول المجاورة.
مشاركة مصر في مؤتمر ميونخ
جاءت
مشاركة مصر برئاسة الرئيس السيسي في مؤتمر ميونخ تأكيدًا على عمق العلاقات
الأوروبية العربية والأفريقية. ووصفت بالتاريخية نظرا لدور مصر البارز في مسرح
الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وأيضا باعتبارها رئيس للاتحاد الأفريقي ولاقت هذه
المشاركة ترحيب رئيس مؤتمر ميونخ للسياسات الأمنية ولفجانج ايشينجر بالرئيس عبد
الفتاح السيسي.
ومن
جانبه، طرح الرئيس السيسي رؤيته في حل المشكلات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط مثل
أزمة تدفق اللاجئين ومكافحة الظواهر الإرهابية وجماعات الفكر المتطرف والتي يهدف
من خلالها الحفاظ على استقلال وسلامة الدول الوطنية، واحترام سيادة الدول على
أراضيها. كما تطرق "السيسي"، في كلمته إلي رؤية مصر لتعزيز العمل
الأفريقي خلال المرحلة المقبلة من خلال دفع التكامل الاقتصادي الإقليمي على مستوى
القارة، وتسهيل حركة التجارة البينية في إطار أجندة أفريقيا 2063 للتنمية الشاملة
والمستدامة بالإضافة إلى تعزيز جهود إعادة الإعمار والتنمية فيما بعد النزاعات.
وعلى هامش فعاليات منتدى ميونخ للأمن، التقى الرئيس السيسى مع بيترو بورشنكو رئيس جمهورية أوكرانيا، وكريستي كاليوليد رئيسة جمهورية إستونيا، وعدد من رؤساء الشركات الألمانية العملاقة، كما التقى مع عدد من رؤساء كبرى الشركات الدولية على المائدة المستديرة التى نظمتها مجموعة "أجورا" الاستراتيجية.
الهوامش
1- عدم
الاستقرار العالمى يهيمن على أعمال مؤتمر ميونيخ لعام 2019.. انطلاق أكبر تجمع
أمنى على مستوى العالم بمشاركة السيسي وميركل وعشرات من رؤساء الدول.. المؤتمر
يتيح الفرصة لمناقشات حية فى ظل هيمنة دبلوماسية:
2- خطاب السيسى بمؤتمر ميونخ يعكس الثقل السياسى لدولة عريقة:
3- قمة ميونخ للأمن 2019 | ميركل للرئيس السيسي: نحرص على تعزيز العلاقات
مع مصر: