مؤتمر وارسو .. حصار إيران، خلافات أوروبية وحسابات إسرائيلية
يعد مؤتمر وارسو أول محفل دولي يضم الدول العربية
وإسرائيل منذ تسعينيات القرن الماضي، ومثلت فكرة المؤتمر في البداية كمقترح أمريكي
لعقد اجتماع دولي من أجل الضغط على إيران، لكن عددًا من الحلفاء الأوروبيين للولايات
المتحدة لم يبدوا حماسًا للفكرة، وإن كان الواقع أثبت أن التركيز على إيران فقط من
شأنه أن يسلط الضوء على الانقسام في المعسكر الأوروبي في أعقاب قرار إدارة ترامب الانسحاب
من الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية.
ومن ثم تم التوسع في أجندة المؤتمر ليكون اجتماعًا على المستوى
الوزاري "يروج لمستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط." ولم يرد اسم إيران
في جدول أعمال المؤتمر بعد أن توسع ليشمل بعض القضايا العامة مثل تحديات الأوضاع الإنسانية،
وأوضاع اللاجئين، والحد من انتشار الصواريخ، وتهديدات القرن الحادي والعشرين مثل القرصنة
الإلكترونية والإرهاب.(1)
المدفع
صوب طهران
وضع مؤتمر وارسو للأمن والسلام في الشرق الأوسط موقعا جديدا
لإيران على الخريطة الدولية، حيث وجد نظام الملالي نفسه بين ضغط أميركي بقوة 60 دولة،
للتباحث في قضايا الأمن والسلام في الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب والتهديدات السيبرانية،
بحسب الأجندة الرسمية التي أراد واضعوها خفض سقف التوقعات الكبيرة، لكن ما حدث كان
العكس تمامًا.
وترى الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية المعتدلة
إيران كقوى خبيثة في المنطقة تريد أن توسع نفوذها في الشرق الأوسط وتستغل كل فرصة تواتيها
لتحقيق ذلك. كما أن هذه الدول لديها شكوك في مدى قدرة الاتفاق النووي مع طهران، الذي
توصلت إليه إيران وقوى الغرب في 2015، على كبح جماح الطموح النووي الإيراني في المنطقة.
ومن المؤكد أن وزراء الخارجية في لندن، وباريس، وألمانيا
لديهم مخاوف حيال النهج الإقليمي لإيران في المنطقة وتطويرها لبرامج صاروخية. لكن هناك
قدر من الضبابية لا يزال يغلف الإجراءات التي تعد لها تلك الحكومات لمواجهة ذلك.
وبالنسبة للأوروبيين، فيكفيهم أن يتمتع الاتفاق النووي بين
إيران وقوى الغرب بالقدرة على تقويض الأنشطة النووية الإيرانية، وهو ما يقع من الأهمية
بمكان بالنسبة لدول أوروبا. لكن على مستوى واشنطن وإسرائيل والدول العربية المعتدلة،
لا يُعد ذلك كافيًا، إلا أن المؤتمر تحول إلى منصة لتشكيل تحالف دولي لمواجهة السياسات
الإيرانية، خاصة تلك المتعلقة بدعم الميليشيات المسلحة في الدول العربية، والبرنامجين
النووي والصاروخي، إضافة إلى العمليات الإرهابية على الأراضي الأوروبية.
ومع تأكيد الولايات المتحدة على اتساع أجندة الحدث الدولي،
فقد استحوذت إيران على نصيب الأسد من كلمة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، الذي قال
إن النظام الإيراني يمثل أكبر تهديد للسلم والأمن الدوليين باتفاق المجتمعين، وجمع
المؤتمر الحلفاء والفرقاء على قضية لا خلاف عليها، هي أنشطة إيران التخريبية في الشرق
الأوسط.
وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأن "إيران
تخضع لعقوبات شديدة أثرت على صادراتها من النفط واثرت على دخلها وأثرت على قدرتها على
التجارة في العالم، الضغوط الاقتصادية تزداد والضغوط السياسية أيضا ستزداد، ونأمل أن
تقوم إيران بتعديل سياساتها وتحترم القوانين الدولية ومبدأ عدم التدخل في شؤون الدول
الأخرى ومبدأ حسن الجوار وتكف عن دعمها للإرهاب.."(2)
وانتهى مؤتمر وارسو لـ"تشجيع الأمن والاستقرار في الشرق
الأوسط"، ببيان ختامي شددت فيه الدولتان الراعيتان، الولايات المتحدة وبولندا،على
ضرورة أن يؤسس هذا المؤتمر للاستقرار في الشرق الأوسط، ودعا وزير الخارجية الأمريكي
مايك بومبيو إلى التعاون للتوصل إلى اتفاقية عالمية حول تهديدات إيران، مشيرًا إلى
أن "التحديات لن تبقى في الشرق الأوسط، بل ستتجه إلى أوروبا والغرب"، في
حين قال وزير خارجية بولندا ياتسيك تشابوتوفيتش: إن "تدخلات إيران في سوريا تؤثر
سلبًا في المنطقة".
وقال بومبيو: إن مؤتمر وارسو يؤسس لمعالجة الأزمات، مؤكدا
ان إيران و"حزب الله" وتفشي الإرهاب أخطار تهدد الشرق الأوسط، مضيفًا
"سنواصل عملنا من أجل السلام في الشرق الأوسط...نريد عقوبات أكثر وضغوطًا أكثر؛
لأن هذا سيمنع الديكتاتوريين في إيران من التمادي"، في حين قال وزير الخارجية
البولندي ياسيك تشابوتوفيتش إن التنافس الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط أدى إلى حدوث
نزاعات، مضيفًا "ندين سلوك إيران في الشرق الأوسط وإزاء الدول الأوروبية، وهناك
قلق أوروبي وأميركي بشأن البرنامج النووي الإيراني".
على الجانب الإيراني؛ بدورها أكدت الخارجية الإيرانية، أن
البیان الختامي لمؤتمر وارسو الذي نظمته الولايات المتحدة بمشاركة ستين دولة لمحاصرة
إيران، "يفتقر للمصداقية وأثبت فشل المؤتمر وخيبته، وأن سياسات أمريكا في المنطقة
ودعمها للإرهاب، وانسحابها من الاتفاق النووي، أثارت التوتر والنزاع والخلاف في المنطقة
وأدت إلى زعزعة الاستقرار والأمن وانتشار الفقر والحروب والتطرف، وأن إيران ستواصل مقاومتها حتى إعادة الأمن والاستقرار
إلى المنطقة وإخلائها من القوات الأجنبية المعتدية"، كما قامت إيران باستدعاء السفير البولندي للاحتجاج. لكن في مسعى لاستعراض
نفوذ بلاده الدبلوماسي.
خلاف
أوروبي أمريكي
على الرغم من أن الاجتماع يجري في الاتحاد الأوروبي، ستخفض
كبرى القوى الأوروبية تمثيلها فيه باستثناء بريطانيا التي ستوفد وزير خارجيتها جيريمي
هانت، الذي أشار إلى أن أولوياته تتمثل بالتطرق إلى الأزمة الإنسانية في اليمن.
وبعد أن أعلن الثلاثي الأوروبي عن عزمهم إنشاء الآلية المشتركة
المعروفة بـ”الانستكس”، للالتفاف على العقوبات الأمريكية بخصوص إيران وهما ألمانيا
وبريطانيا وفرنسا، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية تعويض الغياب الأوروبي بخصوص الحديث
عن إيران إلى وضع عدة عناوين أخرى لمحاولة اجتذاب دول الاتحاد الأوروبي للحضور
وإعطاء الزخم الدولي للمؤتمر خاصة في ظل الخلافات الأمريكية الأوروبية الأخيرة حول
الموقف من البرنامج النووي الإيراني.
وعلي صعيد آخر، اجتمع بومبيو مع فيدريكا موجيريني، مسئولة
السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي في بروكسل بعد يوم من اتهام مايك بينس نائب الرئيس
الأمريكي حلفاء واشنطن الأوروبيين بمحاولة تقويض العقوبات التي فرضتها واشنطن علي إيران.
وكان اجتماع بومبيو مع موجيريني مقررًا قبل انتقادات بينس للقوي الأوروبية خلال هذا
المؤتمر الذي لم تحضره بنفسها بسبب تعارض الموعد مع موعد آخر لحلف شمال الأطلنطي»الناتو».
ولم تعلق موجيريني علي تصريحات بينس في وارسو التي اتهم خلالها الاتحاد الأوروبي بمحاولة
تقويض أثر العقوبات الاقتصادية الأمريكية علي إيران. وأضاف وزير الخارجية بومبيو بأن : "أحد أهداف زيارتى
التأكيد على التزام الولايات المتحدة إزاء أمن دول أوروبا الشرقية، والاتحاد الأوروبى
وحلف الشمال الأطلسي."(3)
وحتى مضيفة المؤتمر بولندا، والتي تسعى لتعزيزعلاقاتها بالولايات
المتحدة أمام تنامي النفوذ الروسي، أكدت من
جانبها أنها لا تزال ملتزمة موقف الاتحاد الأوروبي
الداعم لاتفاق 2015 الذي تفاوض عليه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لتخفيف العقوبات
على إيران مقابل فرضها قيودًا على برنامجها النووي. فيما أعلن الرئيس
الأمريكي دونالد ترامب انسحابه من الاتفاق العام الماضي، واصفا إياه بـ"الرديء"
وأعاد فرض عقوبات تهدف لخنق اقتصاد إيران والحد من نفوذها الإقليمي، فبينما يشاطر كثيرون
في أوروبا الولايات المتحدة قلقها المتعلق بأنشطة إيران في المنطقة وبرنامجها للصواريخ
البالستية، لا يتفقون مع نظرة واشنطن أحادية الجانب والمبالغ فيها بأن إيران مصدر الشر
كله في المنطقة".
وكان انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني ومعاهدة الأسلحة
النووية متوسطة المدى من العوامل التي أسهمت في أن ترى القوى الأوروبية في الولايات
المتحدة عنصرا لا يمكن الاعتماد عليه، لذا مهما بلغ حجم المشكلات التي تعانيها منطقة
الشرق الأوسط، فسوف يخبرنا المؤتمر بالمزيد عن الانقسامات الكائنة في معسكر الغرب،
والتي يبدو أنها تتحول من سيء إلى أسوأ.
إسرائيل
على الطاولة
كانت المدافع الإسرائيلية تهاجم مواقع للحرس الثوري الإيراني
بالقنيطرة في سوريا، في رسالة إلى طهران، قبل أن تصل طائرة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو
في مطار فريدريك تشوبين في وارسو، بأنها لا تزال على طريق التصعيد العسكري، حتى تسحب
إيران ميليشياتها من هذا البلد.
إن الولايات المتحدة تهدف إلى تحقيق عدة مكاسب من المؤتمر،
أولها الضغط على إيران وحصارها، وإشراك إسرائيل في أعمال المؤتمر لفرض الكيان الصهيوني
كلاعب رئيس على الساحة في مواجهة النفوذ الإيراني. من خلال تمرير أجندة أمريكية لخدمة
إسرائيل على حساب العرب وقضيتهم الفلسطينية، كما أن الوجود الإسرائيلي في المؤتمر سيعزز
من إمكانية النقاش حول الدور الإيراني في سوريا والمنطقة، وأن المؤتمر قد يسفر عن تنسيق عربي - إسرائيلي ضد إيران.(4)
يأتي كل ذلك وفق استراتيجية الولايات المتحدة في وارسو لحشد
العالم وكسب تأييد أطراف جديدة حول رؤيتها للشرق الأوسط وتتلخص بممارسة أقصى درجات
الضغط على إيران وتعزيز الدعم لإسرائيل؛ حيث يشكل التجمع مناسبة لاستعراض وحدة الصف
كرد قوي على نظام إيران الديني الذي يحتفل هذا الأسبوع بمرور 40 عامًا على إطاحة الإسلاميين
المتشددين بالشاه المقرب من الغرب محمد رضا بهلوي وإقامة الجمهورية الإسلامية.
وبالتالي وفي ظل المقاطعة الفلسطينية بسبب ما تسرب من مزاعم
عن نية الإدارة الأمريكية، الكشف عن بعض بنود ما يعرف بـ"صفقة القرن"، ما
يعتبره الفلسطينيون تصفية للقضية الفلسطينية. وكشفت الولايات المتحدة في وارسو عن ملامح
تتعلق باقتراحاتها من أجل تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين خاصة بعد الانتخابات
البرلمانية الإسرائيلية في إبريل 2019، يضاف لذلك أن إدارة ترامب ستلاقي صعوبات في
إقناع السلطة الفلسطينية بأي اتفاق إذ أن الأخيرة لا تزال ممتعضة من قرار ترامب التاريخي
في 2017 الاعتراف بالقدس المتنازع عليها عاصمة لإسرائيل؛ حيث ورفضت الحكومة الفلسطينية
التي وصفت مؤتمر وارسو بأنه "مؤامرة أمريكية"، عقد أي محادثات مع الولايات
المتحدة ما لم تتبع الأخيرة سياسية متوازنة، على حد تعبير الجانب الفلسطيني.(5)
أجمالًا:
على الرغم من العديد من التوافقات حول العديد من القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط
مثل الدور الإيراني ومستقبل الإرهاب، والقضية الفلسطينية، إلا أن هناك العديد من الخلافات
التي ظهرت إلى السطح بين المؤتمرين، ولعل أهم مخرجات المؤتمر تشير إلى العديد من
الدلالات أهمها:
1) تسعى
الولايات المتحدة لتكوين حلف عربي إسرائيلي ضد إيران.
2) يشكل
المؤتمر لتل أبيب على أنه فرصتها التاريخية لتحقيق مزيد من النجاحات ضد القضية
الفلسطينية.
3) إيران تزداد نفوذًا وتزداد حضورًا خاصة في ظل الخلافات الأمريكية الأوروبية.
الهوامش
1) مؤتمر وارسو: أول محفل دولي
يضم عرباً وإسرائيليين منذ تسعينيات القرن الماضي، على الرابط:
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-47224800
2) موقع إيران الجديد.. من
قلب وارسو إلى تغريدة نتانياهو المثيرة، على الرابط: http://cutt.us/MntM0
3) مؤتمر وارسو: إيران الخطر
الأكبر فى المنطقة، على الرابط: http://cutt.us/Q4hJF
4) مؤتمر وارسو للشرق الأوسط:
واشنطن تسعى للضغط على إيران وتعزيز الدعم لإسرائيل، على الرابط:
5) تعرف على أهم 8 تصريحات
فى مؤتمر وارسو حول السلام والأمن بالشرق الأوسط، على الرابط: