تحول استراتيجي .. سياق وأهداف زيارة "نتنياهو" للبرازيل
توجه رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين
نتنياهو" إلى العاصمة البرازيلية "برازيليا"، يوم الجمعة الموافق
28 ديسمبر/ كانون الأول 2018 لحضور حفل تنصيب الرئيس البرازيلي "جاير
بولسونارو"، بعد فوزه في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في أول زيارة
يقوم بها رئيس للحكومة الإسرائيلية. (1)
تأتي الزيارة بالتزامن مع حل البرلمان الإسرائيلي، على
خلفية انسحاب بعض السياسين من الائتلاف الحاكم، والإعلان عن انتخابات مبكرة في
أبريل/ نيسان 2019 بدلاً من نوفمبر/ تشرين الثاني، مع استمرار عمل الحكومة لحين
تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات البرلمانية.
تحول
جديد
لقى "نتنياهو" استقبالًا كبيرًا من الرئيس
الجديد وحكومته؛ حيث أصدرت ولاية الأمازون البرازيلية طابعًا تذكاريًا رسم عليه
صورة "نتنياهو"، يتضمن ذكرى الميلاد السبعين للدولة الإسرائيلية، وكلمة
"مزال توف" وكلمة "منقذ" مكتوبة على نجم يهودي، يفترض إنها
تشير إلى "نتنياهو" مدعمة من قبل المسيحين الإنجيلين في مدينة
"ماناوس".
فيما أبلغه "بولسونارو" أن قرار نقل السفارة
البرازيلية على القدس هي "مسألة وقت"، على خلفية وعد "بولسونارو"
إبان حملته الانتخابية، بجانب الإشارة بمرور 70 عامًا على نشأة الدولة لإسرائيلية.
كما التقى بما يسموا "بأصدقاء إسرائيل" وهم المجتمع الإنجيلي داخل
البرازيل.
وإبان الزيارة أعرب "نتنياهو" فى بيان مشترك عقب
الاجتماع "بولسونارو" "إنها زيارة تاريخية، وهي المرة الاولى التى يزور
فيها رئيس وزراء إسرائيلي البرازيل، كما إنه بصدد إقامة تحالف كبير مع قوة عظمى ضخمة
قاربت ربع مليار شخص". في المقابل أوضح "بولسونارو" إنهم "أكثر
من شركاء، سيكونوا إخوة في المستقبل، في الاقتصاد والتكنولوجيا، وكل ما يمكن أن يعود
بالفائدة عليهم". كما تحدث عن التعاون على الصعيد العسكري والزراعي. (2)
خطاب
"نتنياهو"
حاول "نتنياهو" يخطب ود المجتمع البرازيلي
وخاصة المسيحيين الإنجيلين بالترويج بأن "تل أبيب" هي أفضل دولة صديقة
في العالم، وأكثر الأماكن أمنًا في الشرق الأوسط؛ حيث يستطيع المسيحيون العيش فيها
بدون خوف، أو يضطرون للتصرف بحذر، معربًا عن دافع "تل أبيب" عن كل
المسيحيين في العالم في إطار الدفاع عن الديانات الأخرى.
مستندًا بذلك إلى خطاب ديني تاريخي يحمل في طياته الرغبة
في كسب تعاطف القوميات المسيحية التي تحمل نفس التاريخ المشترك والقيم والمعتقدات
المتشابكة مع القومية اليهودية، لتكون بذلك أداة ضغط على الحكومة، مذكرًا بذلك
ارتباط اليهود بالمقدسات الدينية والاكتشافات التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية
بالقدس، للبحث عن الكُنس القديمة، ليوضح أن هناك ترابط تاريخي مستمر بينهم حتى
الآن.
هذا بجانب محاولة احتواء "بولسونارو"، من خلال
الإشادة باسمه وأن ترجمته بالعبرية تعني "يائير" ومعناها الجالب للنور.
لم يكن هذا مجرد خطاب سياسي يتم إلقاءه في حفل تنصيب ولكنه رسالة مباشرة من
القيادة السياسية الإسرائيلية لنظيراتها البرازيلية لانتهاج سياسة جديدة تتوافق مع
مصلحة الجانبين بما يعزز النفوذ الإسرائيلي في برازيليا، ليس هذا فحسب بل في
أميركا اللاتينية.
والجدير بالذكر؛ أن عدد السكان الإنجيلين يبلغ خُمس عدد
السكان، ووفقًا للمحليين قد نُسب إليهم الفضل في فوز "بولسونارو". (3)
نهج
مُغاير
تمثل هذه الخطوة تغير في السياسة الخارجية البرازيلية
تجاه الصراع العربي الإسرائيلي فهي بذلك تتخلى عن العلاقات العربية، والمصالح
الاقتصادية المشتركة، فضلاً عن تخليها عن فكرة حل الدولتين للصراع الإسرائيلي
الفلسطيني، وذلك في مقابل التقارب مع "تل أبيب" الحليف الأقوى للولايات
المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط.
فقد تميزت العلاقات البرازيلية الإسرائيلية في عهد
التيار اليساري، وتحديدًا مع تولي حزب العمال الذي هيمن على السلطة لمدة تقارب
أكثر من عقد، متوترة نتيجة الانحياز للشعب الفلسطيني، وتأييد استقلالهم عن دولة
الاحتلال. لذا فقد استغل "نتنياهو" التحول في السياسة الداخلية بتولي
"بولسونارو" اليميني المتطرف، لتوثيق العلاقات بين الجانبين على نحو
متزايد، لخلق دائرة نفوذ جديدة داخل أميركا اللاتينية.
وتجلت بداية العلاقات بينهم في أرسل "بولسونارو"
مساعدين إلى إسرائيل لدراسة تكنولوجيا تحلية المياه، وللتحقق من إمكانية شراء طائرات
بدون طيار لاستخدامها من قبل قوات الأمن البرازيلي. (4)
وعليه فقد أبلغت الجامعة
العربية الرئيس اليميني أن عملية نقل السفارة تمثل نكبة للعلاقات مع الدول العربية. (5) كما هددت بعض الدول العربية بمقاطعة
المنتجات الزراعيةـ واللحوم الحلال من البرازيل التي تمثل أكبر مصدر لها في
العالم.
والجدير بالذكر، أن ما يقرب من 20 % من صادرات البرازيل من
لحوم الأبقار بقيمة 5 مليارات دولار تذهب إلى 17 بلدًا عربيًا بينما يبلغ حجم التجارة
بين البرازيل وإسرائيل حالياً 1.2 مليار دولار.
(6)
مستقبل
العلاقات
تشهد البرازيل تحول نوعي جديد بتولي
"بولسوناور"، أول رئيس يميني متطرف منذ تخلي البرازيل عن الحكم العسكري
قبل ثلاث عقود. يتنمي الرئيس الجديد إلى "الحزب الإشتراكي الليبرالي" الذي
يمثله في البرلمان منذ عام 1991؛ حيث انتخب في البرلمان سبع مرات. كما يُعرف
بمساندته الفترة الحكم العسكري في البرازيل واصفًا بإنها فترة تاريخية "مجيدة"
خلال فترة من عام 1964 إلى 1985.
لذا يسعى "بولسونارو" إلى انتهاج سياسة خارجية
أكثر انفتاحًا مع القوى الدولية الكبرى وأبرزهم الولايات المتحدة الأميركية،
والأكثر تقدمًا بعيدًا عن حلفاءها من الدول النامية لإعادة هيكلة السياسة الخارجية
البرازيلية بما يتوافق مع مصالحها الوطنية، ويعزز من مكانتها الدولية. لذا فقد
وصفه البعض بإنه "ترامب البرازيل" على غرار رغبته في نقل السفارة
البرازيلية إلى القدس. (7)
وعليه من المتوقع أن يستغل الرئيس اليميني التحولات التي
يشهدها النظام العالمي لصالحه من خلال توثيق العلاقات مع إسرائيل والاستفادة من
تقدمها في مجال التكنولوجيا والاتصالات والزراعة، متخليًا من الموقف التاريخي
لبلاده في مساندة القضية الفلسطينية.
في المقابل يعمل "نتيناهو" على تعزيز شرعيته
الداخلية من خلال إقامة تحالفات جديدة مع القوى الصاعدة مثل البرازيل، لتكون نقطة
ارتكاز لوجيستية في منطقة أميركا اللاتينية. كما ستساهم في خلق موطئ قدم
لـ"تل أبيب" يمكن الانطلاق منها إلى باقي دول المنطقة، علاوة على رغبته
في الخروج من أزمات الشرق الأوسط وحلفاءه التقليدين في المنطقة، تجنبًا من أي ردة
فعل سلبية من قبل الدول العربية نتيجة سلوكها العدائي تجاه الشعب الفلسطيني.
كما يُكمن في هذا التوجه ملامح الاستراتيجية الهجومية لدولة الاحتلال في سياسياتها الخارجية، التي ترتكز في نقل الصراع خارج أراضيها، مع انتهاج سياسة الحرب الخاطفة. وبالنظر إلى دول المنطقة فإنها ترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران. فقد تميزت العلاقات الإيرانية البرازيلية بالترابط والتعاون، فضلاً عن توافقهم حول العديد من القضايا تأتي في مقدمتها موقفهم من الأزمة السورية، ودعم برازيليا لامتلاك طهران برنامج نووي سلمي. ومن الواضح أن برازيليا ستكون ساحة جديدة للصراع بين إيران وإسرائيل خارج حدود الشرق الأوسط، بآليات غير عسكرية. الأمر الذي سينعكس على العلاقات مع البرازيل بشكل إيجابي.
الهوامش
1- "
نتنياهو يتوجه إلى البرازيل في أول
زيارة له"، سبوتنيك عربي، 27/12/2018. http://cutt.us/3n3F2
2-
"Brazil moving its embassy
to Jerusalem matter of 'when،
not if': Netanyahu", Reuters، 1/1/2019. https://www.reuters.com/article/us-brazil-israel/brazil-moving-its-embassy-to-jerusalem-matter-of-when-not-if-netanyahu-idUSKCN1OT0G5
3-
"Netanyahu speaks to
Brazil Evangelicals، presented with
‘savior’ stamp” , Times of Israel, 1/1/2019. https://www.timesofisrael.com/netanyahu-speaks-to-brazil-evangelicals-presented-with-savior-stamp/
4-
"Israeli
PM visits Brazil ahead of Bolsonaro inauguration” , Washington Post,
28/12/2019. https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/israeli-pm-visits-brazil-ahead-of-bolsonaro-inauguration/2018/12/28/99813448-0aeb-11e9-8942-0ef442e59094_story.html?noredirect=on&utm_term=.6fda4e13333e
5-
"Brazil moving its embassy
to Jerusalem matter of 'when،
not if': Netanyahu", Ibid.
6-
"Netanyahu arrives in
Brazil's capital for Bolsonaro's inauguration” , Israel News 24,
1/1/2019. https://www.i24news.tv/en/news/international/americas/192229-190101-netanyahu-arrives-in-brazil-s-capital-for-bolsonaro-s-inauguration
7- " بولسونارو.. أول رئيس برازيلي ينتمي لليمين المتطرف"، سكاي نيوز عربي، 2 ديسمبر 2019. http://cutt.us/Svsni