مراوغة استباقية... حل الكنيست وإعلان انتخابات مبكرة في أبريل 2019
تواجه الحكومة
الإسرائيلية برئاسة "بنيامين نتنياهو" تحديات متتالية؛ حيث وافق الكينست
الإسرائيلي يوم الأربعاء الموافق 26 ديسمبر/ كانون الأول 2018 على حله، وعقد
انتخابات مبكرة على أن تكون في أبريل/ نيسان 2019، بدلًا من نوفمبر/ تشرين الثاني بأغلبية
أكثر من 100 نائب من أصل 120 نائبًا مقابل صوتين عارضا مشروع القانون أحدهما من حزب
الليكود.
مما أدى إلى
توقف أعضاء البرلمان عن مناقشة وإقرار مشاريع القوانين، بخلاف المشاريع التي تم
إقرارها من قبل الائتلاف الحاكم والمعارضة؛ وعليه ستبدأ الحملة الانتخابية التي
انطلقت بشكل رسمي بالفعل منذ إعلان حل البرلمان، تمهيدًا لخوض الانتخابات في
أبريل/ نيسان، بالتزامن مع استكمال الحكومة عملها لحين تشكيل الحكومة الجديدة، مع
فقدان الائتلاف الحاكم الأغلبية داخل الكنيست بفارق مقعد واحد. (1)
أسباب القرار
جاء قرار حل
البرلمان على خلفية انسحاب "أفيغدور ليبرمان" وزير الدفاع زعيم الحزب
القومي "إسرائيل بيتنا"، من الحكومة احتجاجًا على التعاطي مع الأوضاع في
غزة، وموافقة الحكومة على الهدنة وقف إطلاق النار بعد الاشتباكات الدامية بين
الجانبين وأسفرت عن مقتل إسرائيليين، واستشهاد 14 فلسطينًا، معتبرًا أن الموافقة
على الهدنة ما هي إلا "استسلامًا لإرهاب الفصائل الفلسطينية في غزة". (2)
وافقت حكومة
"نتنياهو" على وقف إطلاق النار بعد اشتباك بعض الفلسطينيين مع وحدة
عسكرية إسرائيلية قامت بالتسلل إلى غزة متخفية، مما أدى إلى زيادة حدة الغارات
الإسرائيلية التي أسفرت عن استشهاد سبعة فلسطينيين، ومقتل واحد من أفراد الوحدة.
في المقابل،
أطلقت حركة "حماس" ما يقرب من 460 صاروخًا على "تل أبيب" خلال
48 ساعة، وفي سياق حالة السجال ردت إسرائيل 160 غارة جوية، نجم عنها استشهاد سبعة أشخاص
آخرين في غزة ومقتل واحد في إسرائيل.
لذا فقد سعت
القيادة المصرية إلى تهدئة الأوضاع من خلال عقد هدنة لوقف إطلاق النار. وعليه فقد
اعترض "ليبرمان" معربًا عن رفضه الاستمرار في منصبه بعد ذلك. فيما طالب
"نفتالي بينيت" وزير التعليم وزعيم حزب "البيت اليهودي" تولي
الحقيبة الوزارية خلفًا لـ "ليبرمان" حتى "تعود إسرائيل إلى موقع الانتصار".
(3)
والجدير
بالذكر، أن "بينيت" زعيم حزب "البيت اليهودي" الذي ينتمي إلى
التيارات الدينية الداعمة للصهيونية، من أهم السياسيين اليهود المتشددين، والرافضين
لفكرة إقامة دولة فلسطينية، فضلاً عن انتهاجه سياسة أكثر تتطرفًا وعنصرية ضد
الفلسطينيين والعرب، وخاصًة مع تولي الرئيس الأميركي "دونالد ترامب".
(5)
انقسامات داخلية
لم يكن قرار
انسحاب "ليبرمان" الوحيد الذي كان يحمل في طياته حل البرلمان
الإسرائيلي، فقد هددت من قبله الأحزاب الدينية بالانسحاب على غرار مشروع قرار خاصة
بالتجنيد الإجباري على الطلاب الجامعيين المتدنيين؛ حيث سعى "نتنياهو"
لتمريره من خلال استغلال أغلبية الائتلاف الحاكم.
يساهم القرار في إلزام المتدينين اليهود بأداء
الخدمة العسكرية –التي تعد إلزامية على كل من بلغ 18 عامًا، وتختلف مدتها بالنسبة
للشباب وتصل إلى 36 شهرًا، بينما تبلغ مدتها بالنسبة للبنات24 شهرًا، ويُعفى منها غير
اليهود ماعدا الدروز، بالإضافة إلى المتدينين- بدون استثناءات، مما أدى إلى اعتراض
الأحزاب الدينية لإنهم يعتبرون أن دراسة أسس اليهودية وتعاليمها أهم من الالتحاق
بالجيش الإسرائيلي. (6)
وعليه، فقد أعلن بعض الزعماء
السياسيين وقادة الأحزاب داخل الائتلاف الحاكم إلى الانسحاب بعد فشل التوصل إلى
توافق حول مشروع القانون. جاء في مقدمتهم "يائير لابيد" زعيم حزب
"هناك مستقبل" الذي أعلن عن نيته لتصويت ضد مشروع القرار، بجانب
"بينيت" الذي هدد أيضًا بانسحابه من الائتلاف الحاكم إلا إنه تراجع عن
قراره بعد ذلك. (7)
وفي هذا الإطار؛ أعلن بعض
المحاربين القدامى عن رغبتهم في تأسيس حزب جديد لإيجاد قيادة قوية وبديلة للدولة،
يعد أبرزهم "موشيه يعلون" وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق. وقد أعرب "يعلون" عن رغبته لخوض
الانتخابات ومواجهة حزب "الليكود" للتنافس على رئاسة الحكومة خلفًا لـ "نتنياهو". (8)
دلالات القرار
بالرغم من
التحديات التي يواجهها رئيس الحكومة الإسرائيلية إلا إنه مازال صامدًا أمامها،
وذلك لإنه يدرك كيف تدار الدولة الإسرائيلية، علاوة على قدرته في كسب تعاطف وتأييد
الرأي العام الداخلي لصالحه. فقد تفوق في توظيف الأوضاع الداخلية والمخاطر
الخارجية لتحقيق مصالحه الخاصة والبقاء في السلطة.
لذا يعد
القرار حل البرلمان في صالح رئيس الحكومة، ويمثل فرصة له لتعزيز موقفه السياسي
لإنه سيحاول استغلال القرار لصالحه من خلال الترويج لإنجازاته التي تعد أبرزها في
الحصول على الاعتراف الأميركي بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.
وذلك في سياق
ما يواجهه من أزمات داخلية متتابعة، تكاد تعصف بمستقبله السياسي، تأتي في مقدمتها
اتهامه في ثلاث قضايا فساد، وعدم قدرته من السيطرة على الائتلاف الحاكم لتمرير
القرارات المتعلقة بأمن واستقرار تل أبيب، فضلاً عن تنامي المنافسين من التيارات
السياسية الأكثر تتطرفًا لإزاحته من السلطة.
والجدير
بالكر، أن الائتلاف الحاكم يتألف من منذ تشكليه في 2015 من أحزاب يمينية ودينية
متطرفة في سياساتها تجاه الفلسطينيين، وهنا لابد من توضيح نقطة مهمة وهي أن
الحكومات الإسرائيلية في الأغلب ما تكون ائتلافية، لأن نظام التمثيل النسبي لا
يسمح للأعضاء الحزب الواحد تشكيل الحكومة والسيطرة على السلطة. (9)
لذا فمن المتوقع أن تتألف الحكومة القادمة من سياسيين من تيار اليمين واليمني المتشدد لتكون بمثابة ردعًا للتحالفات المضادة لسياسات "نتنياهو" على الصعيد الداخلي والخارجي، بجانب كونها الأكثر عداءًا للفلسطينيين والعرب. يدرك نتنياهو مدى خطورة الانتخابات المبكرة، ولكنه يعلم من الفائز فيها وبذلك سيكون أول رئيس وزراء يستمر في الحكم لأكثر من عقد ونصف، متفوقًا بذلك على "ديفيد بن جريون"؛ حيث يتجه الرأي العام الإسرائيلي إلى التعاطف الحكومات الأكثر تطرفًا في تعاطيها مع الفلسطينيين، وهو ما يتمثل في التيار اليميني الذي يترأسه واليمين المتطرف المشارك معه في الائتلاف الحاكم.
الهوامش:
1.
" الكنيست يصادق على
حل نفسه تمهيدا لإجراء انتخابات مبكرة"، روسيا اليوم، 26 ديسمبر 2018.
http://cutt.us/zlxwa
2. "الكنيست الإسرائيلي يتخذ
"خطوة" تمهيدا للانتخابات"، سكاي نيوز عربي، 27/ 12/ 2018. http://cutt.us/ydPgy
3. " نتنياهو محذرا: الانتخابات المبكرة "كارثة على
إسرائيل"، هئية الإذاعة البريطانية، 18 نوفمبر 2018. http://www.bbc.com/arabic/middleeast-46253495
4. " نفتالي بينيت هل سيكون قريبا أول رئيس وزراء متدين لا يؤمن
بإسرائيل"، العرب، 20/5/2017. http://cutt.us/kxpgn
5. "الكنيست الإسرائيلي: الحكومة تعلن عن
انتخابات مبكرة في أبريل المقبل"، هيئة الإذاعة البريطانية،
24/12/2018. http://www.bbc.com/arabic/middleeast-46673663
6. "الكنيست الإسرائيلي يصوت على حل
نفسه"، سبوتينك عربي، 26 ديسمبر 2018.
7. " يعالون
يؤسس حزبا سياسيا لمنافسة خصمه نتنياهو"، روسيا اليوم، 25 ديسمبر
2018. http://cutt.us/O7Yt7
8. أنظر " نتنياهو محذرا: الانتخابات المبكرة "كارثة على إسرائيل"، مرجع سبق ذكره.