خلافات وعزلة .. منتدى الدوحة والعلاقات القطرية العربية
على مدار 18 عامًا تستضيف قطر منتدى الدوحة السنوي لهدف
تعزيز الحوار وتبني السياسات الراشدة، وتوفير منصة حضارية للحوار الحضاري بين
الدول، إلا أن هذه المرة ينعقد المنتدى في ظل أجواء من التوترات الخلافية بين
البيت العربي بفعل الدور القطري الذي يلقى العديد من جوانب النقد والمواجهة من بين
الدول العربية، خاصة السعودية والإمارات والبحرين ومصر؛ الذين أعلنوا مقاطعة
دبلوماسية وسياسية واقتصادية لقطر في الخامس من يونيو 2017، على خلفية العديد من
الاتهامات الموجهة للدوحة والمتعلقة بدعم الجماعات الإرهابية، والتدخل في الشئون
الداخلية للدول العربية، عوضًا عن علاقاتها مع العديد من الأنظمة السياسية
المعادية للدول العربية مثل علاقاتها مع إيران، ويأتي هذا المنتدى في ظل استمرار الأزمة
القطرية واقترابها من العام الثاني دون وجود أي حلول تلوح في المستقبل القريب.
منتدى
الدوحة الأهداف والمسارات
انعقد المؤتمر الأول لهذا المنتدى في عام 2001، بعنوان
المؤتمر القطري – الأمريكي للديموقراطية والتجارة الحرة، ويتناول المنتدى تحديات
الطاقة وقضايا النمو والتنمية ومشاكل اللجوء والهجرة، وفي نسخته الحالية والمنعقدة
في 15 ديسمبر 2018، يناقش المنتدى المعنون "صنع السياسات في عالم متداخل"،
لمناقشة القضايا الدولية والبحث في آليات صنع القرار. كما جاء في إعلانه قضايا
الأمن والاستقرار، وجهود السلام الإقليمية والدولية والوساطة، وأطر التنمية الاقتصادية
والأمن الغذائي، والبحث في التغيرات العالمية في بنية النظام الدولي.
يضم المنتدى مجموعة من الشركاء الاستراتيجيين، كمؤتمر ميونخ
للأمن، ومجموعة الأزمات الدولية، والمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، معهد "راند"،
والمركز الدولي لدراسة التطرف والعنف، ومؤسسة "أوبزرفر" للأبحاث، ومركز
"ناشونال إنترست"، ومركز تنمية الشرق الأوسط في جامعة كاليفورنيا، ومعهد
"راجارتنام" للدراسات الدولية، ومعهد الدوحة، ومنتدى "فالداي"
الدولي، ومنظمة التحالف العالمي للأراضي الجافة، ومركز "بروكنجز" الدوحة.
ويناقش المنتدى على مدار فترة انعقاده صناعة السياسات وتداعياتها
وآثارها على الشعوب، ضمن 4 محاور رئيسية: الأمن، والسلام والوساطة، والتنمية الاقتصادية،
والاتجاهات والتحولات.(1)
قطر
بين منتدى الدوحة ومجلس التعاون الخليجي
في التاسع من ديسمبر 2018، عقدت القمة الخليجية الــــــ
39 بحضور كافة ممثلي الدول الخليجية على مستوى القادة والرؤساء، إلا أن الدوحة
بعثت وزير الدولة للشؤون الخارجية سلطان بن سعد المريخي، على الرغم من توجيه الملك
سلمان دعوة إلى أمير قطر لحضور القمة، في ظل الأزمة الخليجية المُستعرة منذ نحو عامين
بعد أن قطعت دول السعودية ومصر والإمارات والبحرين علاقاتهم مع قطر في 5 يونيو
2017، مُتهمين إيّاها بدعم وتمويل الإرهاب. الأمر الذي تنفيه الدوحة بشدة.
وبحثت جلسات القمة عددًا من الموضوعات المهمة في مسيرة العمل
الخليجي المشترك، وما أُنجِز في إطار تحقيق التكامل والتعاون الخليجي في المجالات السياسية
والدفاعية والاقتصادية والقانونية.(2)
الجدير بالذكر في هذا الشأن أن الدوحة أعلنت عن لسان الشيخ
تميم بن حمد، أمير قطر ، إن موقف بلاده لم يتغير من الأزمة الخليجية التي تشهدها قطر
من جهة، والدول الأربعة المقاطعة من جهة أخرى، إلا أنها لم تبادر بدعوة الدول
العربية التي هي في خلاف معها كما فعل الملك سلمان معها بدعوتها للقمة الخليجية،
مما يدلل على أن قطر لم تبدي أي خطوة نحو تهيئة المسار التفاوضي بينها وبينهم.
ويأتي منتدى الدوحة وفق إعلانه لتحقيق التوافق الحضاري
بين الدول والشعوب وتحقيق الأمن والاستقرار كما هو معلن، إلا أن الأزمة القطرية مع
الدول العربية المقاطعة لم تأتي ضمن هذه السياسات، وبعد الأزمة مباشرة أعلنت الدول
المقاطعة العديد من الشروط التي من شأنها العمل على تهيئة البيئة التفاوضية لتحقيق
شروط المصالحة، والتي تضمنت اشتراطًا بإغلاق قاعدة تركية في قطر وإخراج القوات التركية
من أراضي الإمارة الخليجية، وإغلاق قناة الجزيرة الإخبارية التابعة للدولة، وتقليص
العلاقات مع إيران، وقطع العلاقات مع جماعة الإخوان وحزب الله اللبناني، كما وصنفت
تلك الدول، عشرات الأشخاص ممن لهم علاقة بقطر، على أنهم إرهابيون، ووضعت 12 كيانًا
على قائمة بالمنظمات المرتبطة بالإرهاب، إضافة إلى ذلك مغادرة العناصر التابعة والمرتبطة
بالحرس الثوري الإيراني من الأراضي القطرية، وقطع أي تعاون عسكري أو استخباراتي مع
إيران.
وفي تصعيد جديد من جانب البحرين على
كلمة أمير قطر، ردّ وزير خارجية البحرين، الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، بهجوم مضاد
على كلمة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد في منتدى الدوحة 18، واتهم الوزير البحريني
دولة قطر بالتآمر، وغرد الوزير البحريني فى حسابه على "تويتر" اليوم
السبت: "قطر تدعو للحوار ولا يحضر أميرها إلى قمة دول مجلس التعاون الخليجي
الذي استضافته العاصمة السعودية، الرياض".
وأضاف في تغريدة أخرى "قطر تدعو للاحترام المتبادل وهي تهاجم قياداتنا
ودولنا على مدار الساعة، وتدعو لعدم التدخل في الشؤون الداخلية وهي التي تتدخل ولا
تكف عن التآمر. وفوق ذلك لا ندري عن أي حصار يتكلمون".(3)
إيران
من جديد
شهدت العلاقات الإيرانية القطرية في الفترة الأخيرة مزيدًا
من التقارب، خاصة بعد المقاطعة الخليجية ومصر لها في 5 يونيو 2017م، وذلك على خلفية
اتهامات بدعم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية المختلفة، وبالرغم من وجود خلافات سابقة
بين دول الخليج وقطر تجاه سياسة الأخيرة، إلا أن هذه الخلافات شهدت تصعيدًا وتفاقمت
بشكل غير مسبوق في هذا الوقت، والسبب هو تصريحات أدلى بها أمير قطر ينتقد خلالها السياسة
السعودية ويعتبر معاداة إيران باعتبارها قوة إقليمية مؤثرة لا فائدة منها، إضافة إلى
رفضه نعت جماعة حزب الله على أنها إرهابية معتبرًا إياها جماعة مقاومة.
وتبذل إيران جهود حثيثة حثيثة للارتقاء بعلاقاتها مع الدول
المجاورة لها، ولعل الخلافات بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى، شكل
المحرك الأساسي للتقارب الإيراني القطري، والذي توج بعودة السفير القطري الى طهران
في 23 أغسطس 2018م.
على الجانب الآخر، وخلال منتدى الدوحة الـــــــ 18، تمت
دعوة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وأكد ظريف، ورئيس الوزراء القطري عبد
الله بن ناصر آل ثاني، دعمهما للتقدم الحاصل في مفاوضات السلام في اليمن والأمن والاستقرار
في المنطقة، بالإضافة إلى الجهود المتعلقة بتمتين الأواصر الثنائية خلال محادثاتهما.
إن العلاقات الإيرانية – القطرية، شهدت مزيدًا من التوتر
على خلفية التصعيد المتبادل بين السعودية وإيران من طرف، ومجلس التعاون الخليجي وإيران
من طرف آخر، وذلك عقب هجوم مجموعة من الإيرانيين على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها
في مشهد واحراقهما، احتجاجًا على اعدام الرياض الشيخ نمر النمر و47 آخرين في 2 يناير
2016، بسبب التحريض على الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها منطقة القطيف، شرقي السعودية
عام 2011.(4)
تركيا
وخط المواجهة
بعدما أعلنت الدول الأربع العربية (السعودية والإمارات والبحرين
ومصر)، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، أعلنت على الجانب الآخر تركيا مساندتها لقطر
في مواجهة الحكومات العربية؛ حيث ساعدت تركيا الدولة الغنية بالغاز على مواجهة هذه
العقوبات التي شملت أيضًا اغلاق المجالات الجوية والبحرية أمام الطائرات القطرية.
أشاد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، بدولة قطر،
في تعاملها مع أزمة المقاطعة التي فرضتها السعودية والإمارات والبحرين إضافة إلى مصر. وقال الوزير التركي: "أحيانا تكون تجربة سيئة أفضل من نصيحة، فقطر
فاعلة على الصعيد العالمي، واقتصادها ينمو، وهي تزداد قوة"، وذلك خلال إجابته
على أسئلة صحفيين، على هامش مشاركته في منتدى الدوحة الـ 18 بالعاصمة القطرية".
ولفت تشاووش أوغلو أن قطر باتت تكتفي ذاتيًا أكثر مع مرور
كل يوم عبر تنويع اقتصادها، في معرض رده على سؤال حول العقوبات الاقتصادية المفروضة
على قطر من قبل الدول المقاطعة لها، ونوه أوغلو أن منتدى الدوحة يعد من أهم المنتديات
في العالم.(5)
وفيما يتعلق بالمنتدى القطري المنعقد مؤخرًا فمن المؤكد أن توظيف كلا من تركيا وإيران لهذه المحافل لتحقيق التقارب مع قطر، سينعكس بالضرورة على جهود التقارب بين قطر والدول المقاطعة لها، بل إن ذلك قد يمتد إلى العديد من الدول العربية الأخرى، وبذلك ووفق تلك المؤشرات فمن المرجح أن تتسبب تلك السياسات من جانب الدوحة على تعميق الخلافات بينها وبين العديد من الدول العربية لما تتسب به من سياسات تؤثر على أمن واستقرار المنطقة العربية وتعريض أمنها القومي للخطر.
الهوامش:
1) أمير قطر يفتتح منتدى الدوحة بحضور عدد كبير من الخبراء الروس،
على الرابط:
2) أمير قطر يتلقى دعوة من
السعودية لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، على الرابط:
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-46449786
3) وزير خارجية البحرين يرّد
على أمير قطر ويتهم الدوحة بالتأمر، على الرابط: http://cutt.us/WDdqp
4) مصطفى صلاح، بعد عام من
المقاطعة: الأزمة الخليجية وتداعيات التدخل التركي الإيراني، المركز العربي للبحوث
والدراسات، على الرابط: