التمدد الشيعي .. "حركة الزكزاكي" واستنساخ "حزب الله" جديد في نيجيريا
يرى مدير مجموعة "Africa center" البحثية "بيتر فام"، "أن طهران لا تكتفي
بمعاركها الصريحة في الشرق الأوسط، بل تسعى لمزيد من تمدد النفوذ داخل أفريقيا،
عبر دعم وتمويل جماعات شيعية على غرار "حزب الله" اللبناني، وبعض الكتل
السياسية العراقية واليمنية والبحرينية". وبالفعل تمكنت إيران من انجاز هذا
الهدف في نيجيريا؛ فجماعة "الزكزاكي" الشيعية تشكل كتلة سياسية خطيرة،محاكية
لنموذج "حزب الله" اللبناني، تسعى باستمرار نحو تكوين قواعد محلية
مناصرة للتوجهات الإيرانية الشيعية؛ بزعم مواجهة الإمبريالية الغربية وممارسات
الحكومة النيجيرية الموالية للنفوذ الغربي .
ولعل ما حدث يوم السبت
الموافق 27 أكتوبر 2018 من مواجهات محتدمة بين قوات الأمن النيجيرية وأعضاء ينتمون
"للحركة الإسلامية الشيعية"
الممولة من طهران ، على خلفية مطالبات من أعضاء الحركة بالإفراج عن رجل
الدين الشيعي "إبراهيم الزكزاكي" المعتقل في السجون النيجيرية منذ ثلاثة
سنوات، من أبرز المؤشرات على خطورة الوضع في نيجيريا، واستمرار التوجه الإيراني نحو إحداث مزيد من الانقسامات
داخل المجتمع النيجيري، استغلالًا لفشل الحكومة في تحقيق اندماج وطني حقيقي، وعجزها
عن القضاء على مهددات استقرار الدولة.
شيعة نيجيريا.. النشأة
والتطور
تعد
"الحركة الإسلامية" في نيجيريا بزعامة "إبراهيم الزكزاكي"
من أبرز دعائم نشر المذهب الشيعي هناك، وقد
تأثرت الحركة بمبادئ الثورة الإيرانية منذ عام 1979. أما عن جذور التشيع في نيجيريا، نجد انتشاره بين
فئة الطلاب لاسيما طلاب العلوم غير الشرعية الذين سهل إقناعهم بمبادئ التشيع، نظرًا
لكونهم قليلي المعرفة بالإسلام وتاريخه وعقائده، وكان ذلك ضمن الدوافع التي عززت
التواجد الشيعي بعدما تم تكوين جبهة من
المدافعين عنه، مُلتفين حول "التيار
الشيعي الرافضي" الوافد من إيران بعد الإطاحة بحكم الشاه، حيث عمل أنصاره على
نشر الشعارات البراقة بشأن تحرير المسجد الأقصى، ورفع الظلم عن الشعوب المستضعفة،
ومواجهة النفوذ الأمريكي، والإمبريالية الغربية(1).
ولمع اسم
زعيم "الحركة الإسلامية الشيعية" "إبراهيم الزكزاكي" خلال
حقبة الثمانينات، بعدما رفض أداء الخدمة الوطنية مدعيًا أن هذه الخدمة "بمثابة
خدمة لصنم يدعى الوطن"، وحينذاك كانت حرب الخليج الأولى لا تزال مشتعلة، حيث عملت طهران على استقطاب
الموالين والمتعاطفين مع شعاراتها، عبر استضافتهم لحضور المهرجان السنوي لذكرى
انتصار الثورة، وكان اختيار الحضور ينصب على معيار رئيسي وهو تجنب المثقفين
والتركيز على قيادات الطلاب والشباب المتحمس، وفي تلك المرحلة كان
"الزكزاكي" من ألمع رموز التشيع ، بعدما نجح في أن يكون له مريدين
وأنصار، لدرجة أن هؤلاء الشباب المصطفين حوله بدءوا يتعاملون معه باعتباره عالمًا
مجاهدًا وعلى الجميع إتباعه والانصياع لأوامره، ومن لم يفعل ذلكـ فهو خارج عن الإسلام. وبمرور الوقت أصبح
"الزكزاكي" من أهم رموز الشيعة
والمؤثرين في نيجيريا، بل بدأ أتباعه ينظمون مظاهرات حاشدة في المناسبات الشيعية،
مرددين شعارات تنادي بالتشيع، ما دفع الحكومة النيجيرية إلى
اعتقاله أكثر من مرة خلال الثمانينيات والتسعينيات.
أسباب انتشار التشيع
تعددت
الأسباب التي ساهمت في انتشار التشيع في نيجيريا، لعل أبرزها :
1. ضعف المؤسسات الدينية
السنية، وتراجع علماء الدين عن القيام بالدور المنوط بهم، فيما يتعلق بإرشاد الأمة
وصلاحها، ونشر الثقافة الدينية المعتدلة، وتحصين المسلمين من إتباع البدع والفتن.
2.
انقسام علماء
الدين إلى طوائف؛ الأولى وهم التقليدين، لعل ابرز سلبيات تلك الفئة تكمن في
محدودية تأثيرها وعجزها عن مواجهة الظواهر التي
نتجت عن تطورات الحياة ، في حين تأتي الطائفة الثانية لتتألف من عدد من
خريجي الكليات العادية الذين لم يتلقوا من علوم الدين سوى القليل، ومع الوقت أصبح
هؤلاء من أهم المدافعين عن التشيع، ومن أبرز رموز تلك الفئة "إبراهيم الزكزاكي"،
بينما تأتي الطائفة الثالثة لتمزج ما بين التقليدية والعصرية، بين ثقافة الدين
وتطور المدنية، وتحمل تلك الطائفة على عاتقها مواجهة البدعة وأنماط التشيع، ورغم
الجهود التي تبذلها إلا أن ذلك لم يمنع انتشار التشيع(2).
3. الاتجاه السائد منذ أحداث 11 سبتمبر من حيث تقليل
دعم النشاط الدعوي السني تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، بعدما تم فرض قيود على الدول
العربية لمنع تمويل جمعيات خيرية خوفًا من دمج العمل الخيري مع النشاط الدعوي،
مستغلين التفجيرات المتوالية التي حدثت بنيجيريا خلال العشر سنوات الأخيرة، إلى
جانب استشراء تنظيم "بوكوحرام".
4.
انتشار الفقر والجهل، وتراجع الثقافة الدينية
وانزواؤها.
5.
انحسار الدور العربي، وهو ما شجع قوى إقليمية
لاسيما إيران في استغلال هذا الفراغ، عبر انتهاجها سياسات ساعدت على التوغل داخل
الدولة من خلال تقديم مساعدات، والتقدم
بمبادرات تنموية في مجالات مختلفة لعل أبرزها
مجال الطاقة والتنقيب عن البترول وإنشاء السدود، ما أدى إلى شرعنة وجوده داخل
الدولة عبر تلك المشاريع. وأسهمت تلك السياسات في نمو التبادل التجاري بين
البلدين. في حين بدأت طهران بتطويع الأداة
الدينية، عبر استقطاب قيادات إسلامية فاعلة، إلى جانب دعم وتمويل مؤسسات تعليمية
وبحثية وصحافية، تهتم بنشر التشيع، على سبيل المثال "المركز الاجتماعي
الإسلامي"، و"نادي الرسول"، و"جمعية الهدى الخيرية"، إلى
جانب قيامها بإبرام عدد من الاتفاقيات مع
الجانب الإيراني تضمن بناء مساجد وتشييد المدارس الدينية لتهيئة الوضع لتحقيق
الهدف المرجو وهو نشر الشيوعية(3) .
صدامات مستمرة
توالت
الصدامات بين قوات الأمن النيجيرية، والحركة الشيعية بزعامة "إبراهيم
زكزاكي" التي يرجع نفوذها إلى التمويلات الضخمة التي تتلقاها من طهران، والتي يتم إنفاقها على تنفيذ تدريبات عسكرية
لأعضائها، فيما أصبح "زكزاكي" مع الوقت وفي ظل تنامي نفوذه من أبرز
مهددات الدولة، وهو ما دفع قوات الأمن النيجيرية
إلى اعتقاله خلال مشاركته في إحدى المناسبات الدينية بمدينة زياريا شمال
نيجيريا في ديسمبر 2015،وأدى اقتحام قوات الأمن حينها إلى مقتل وإصابة العشرات من
المواطنين، فيما ألقي القبض على آخرين من الحركة، وحينها اتهم الجيش النيجيري الحركة
بمحاولة اغتيال قيادات سياسية بارزة.
ويمثل عام 2011 ذروة
تنامي الشيعة في نيجيريا ، بعدما بدأ "الزكزاكي" تشكيل جناح
عسكري موالي لطهران تحت مسمى "جيش المهدي"، حيث أفادت تقارير استخباراتية
عن تقديم طهران تمويلات ضخمة بغية إنشاء
مناطق لتصنيع الأسلحة الخفيفة، وإخضاع عدد من العناصر الشيعية لتدريبات عسكرية،
وكشفت التقارير عن وجود مستودعات لأسلحة هربها "حزب الله" إلى شمال نيجيريا، وعن تواجد عدد من الشيعة
اللبنانيين في بعض الولايات الشمالية لتدريب
عناصر شيعية نيجيرية على تصنيع الأسلحة، وتهريبها إلى أماكن النزاع في أفريقيا،
وهو ما يستدل عليه من عملية تهريب الأسلحة إلى غامبيا التي تم إحباطها من قبل
السلطات النيجيرية ، وعكست المواجهات الدموية التي وقعت عام 2014 بين الحركة
الشيعية والجيش؛ القدرات العسكرية التي يمتلكها الشيعة.فيما وصفت تقارير أمنية
نيجيرية بأن مجموعة "الزكزاكي" تمثل الوجه الآخر لـ "بوكوحرام"
مع اختلاف المنطلقات المذهبية(4).
وجاء
اعتقال"الزكزاكي" عام 2015، لتدخل البلاد في طور جديد من الصراع، بعدما نجح
في جذب العديد من الأتباع لصفه، حيث ذكرت تقارير أن الفترة المقبلة ستشهد إعلان
"الحركة الاسلامية" حربًا شرسة في نيجيريا ، تتعدد وقائعها بدءًا من الحرب
على "بوكو حرام" القائمة على منطلقات مذهبية، لا على أساس التصدي
للتشدد، مرورًا بمواجهات حادة مع الحكومة
النيجرية تنفيذًا لأجندات إيرانية، وصولًا إلى مواجهات مباشرة مع مواطنين سُنة.
وكان
آخر تلك الصدامات ما حدث يوم 29 أكتوبر 2018، من مواجهات دامية بين أعضاء ينتمون
إلى "الحركة الإسلامية" في نيجيريا احتجاجًا على اعتقال زعيمهم
"ابراهيم زكزاكي"، ما أدى إلى
مقتل ثلاثة من أنصار "الزكزاكي"، في حين أفاد المتحدث باسم الجيش
النيجيري "جيس ميام" أن عناصر من الحركة هاجموا جنود كانوا ينقلون
أسلحة؛ عبر إقامتهم لحاجز غير قانوني لمنع السيارة من التحرك، ما أدى إلى مواجهات
بين الجانبين أسفرت عن مقتل عدد من عناصر الحركة، بينما اعترضت الحركة في بيان لها
على رواية الجيش، ووصفت ما حدث بأن الجيش تعمد الهجوم على مراسم جنازة، في حين
ترددت روايات أخرى تفيد بأن عدد من عناصر الحركة كانوا ينظمون مسيرة للمطالبة
بالإفراج عن زعيمهم بينما رفض الجنود السماح لهم عندما اقتربوا من نقطة تفتيش
عسكرية ما أدى إلى مواجهات(5).
فتصريحات الأطراف متضاربة، والاقتتال لازال مستمر، كما أن الدعم الإيراني للانقسامات لا ينقطع ، وهو ما ينذر بطور جديد من الخطر ، ربما تنجح الحركات الشيعية خلاله في تكوين دولة داخل الدولة. وعزز من هذا السيناريو تراجع الدعم الرسمي من الدول السنية، إلى جانب الخناق المفروض على الأنشطة الدعوية، ما يعكس استمرار فراغ الساحة للمؤسسات الشيعية، ونجاح إيران في ضم غنيمة جديدة إلى قائمة الغنائم التي أحرزتها خلال العقدين الأخيرين.
المراجع
(1)من هم شيعة نيجيريا وماذا
يريدون؟،موقع قناة الحرة، بتاريخ 21/1/2016، متاح على الرابط:
https://www.alhurra.com/a/who-are-the-shias-of-nigeria/292783.html
(2) د. معتصم صديق عبد
الله،الوجود الإيراني في أفريقيا.. الدوافع والاهداف، المعهد الدولي للدراسات
الإيرنية، بتاريخ 28/9/2016 ، متاح على الرابط: https://bit.ly/2yYCDzd
(3) سالي يوسف، تاريخ المد الشيعي وأثره على
الغرب الأفريقي، المرجع، بتاريخ 10/8/2018، متاح على الرابط:
http://www.almarjie-paris.com/3198
(4)عبد الباسط غبارة، شيعة
نيجيريا: دولة داخل الدولة، بوابة أفريقيا الاخبارية،بتاريخ 14/12/2015، متاح على
الرابط:
(5)الجيش النيجيري يفتح النار
على محتجين شيعة في العاصمة أبوجا، هيئة الاذاعة البريطانية، بتاريخ 29/10/2018،
متاح على الرابط: