تفاقمت في الآونة الأخيرة على الحدود الأمريكية المكسيكية مشكلة أخذت في التضخم يوماً عن الآخر، ألا وهي مشكلة المهاجرين من دول أمريكا اللاتينية الذين قرروا اللجوء إلى الولايات المتحدة الأمريكية هرباً من بلادهم. إلا أن الإدارة الأمريكية تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب قررت عدم دخول هؤلاء المهاجرين والتصدي لهم على الحدود واتخاذ سياسات حازمة تجاههم.

    وفي والواقع، تسببت العديد من التطورات داخل دول أمريكا اللاتينية في هروب هؤلاء المهاجرين ورغبتهم في ترك بلادهم، وكان من أبرز هذه العوامل هي ارتفاع معدلات الجريمة داخل هذه الدول مما أجبر العديد من سكانها على مغادرتها طلباً للأمان في دول كالولايات المتحدة الأمريكية.

    وهنا، سنحاول فيما يلي إلقاء الضوء على واحد من أبرز الأسباب التي دفعت هؤلاء المهاجرين إلى مغادرة بلادهم والتوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التطرق إلى  تطورات هذا المشهد وكيفية تعامل الإدارة الأمريكية الحالية معه ثم الحديث عن هذا السبب الأبرز.

تفاقم مشكلة اللاجئين على الحدود الأمريكية وسياسات الرئيس ترامب تجاهها  

     وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشهر الماضي  المهاجرين المتدفقين من دول أمريكا الجنوبية إلى بلاده  بأنهم يشكلون "حالة طواريء" وأصدر أوامره بالتصدي لهم من خلال انتشار القوات الأمنية والجيش على الحدود. وحذّر ترامب من أن الاعتداء على القوات الأمريكية من قِبل المهاجرين التي صدرت لها  الأوامر بالتصدي لهم سيقابله رد مباشر من هذه القوات.

     كما انتقد الرئيس ترامب عدداً من الدول التي تقدم لها المساعدات في هذا الصدد وأشار في ذلك إلى هندوراس وجواتيمالا والسلفادور والتي جاء منها معظم المهاجرين متوعداً بوقف المساعدات عن هذه الدول. كما وجه سهام نقده إلى المكسيك التي قال إنها لم تتمكن من إيقاف المهاجرين من التوجه إلى الأراضي الأمريكية الشمالية.

    وتتعرض المكسيك في الآونة الأخيرة لمجموعة من الضغوط تفرضها عليها الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك من أجل إيقاف موجات الهجرة الجنوبية. وهدد الرئيس الأمريكي ترامب تهديداته بإمكانية إغلاق الحدود مع المكسيك جرّاء هذه التطورات.⁽¹⁾

   وقرر ترامب في أعقاب ذلك إرسال 15 ألف جندي إلى الحدود مع دولة المكسيك لمنع قدوم المهاجرين إلى الولايات المتحدة قائلاً في مؤتمر صحفي له "لن نسمح لقوافل المهاجرين من دول أمريكا الجنوبية بالقدوم إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

    ومن جهتها قررت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" أوائل الشهر الجاري إرسال 5200 جندياً إضافياً إلى الحدود المكسيكية للغرض نفسه ليلحقوا برفقائهم الذين أرسلهم الرئيس ترامب في وقت سابق من شهر أبريل الماضي وكان عددهم يبلغ حوالي 2100 شخص من الحرس الوطني الأمريكي.

    وأرجعت الإدارة الأمريكية أسباب عدم قبولها لطلبات المهاجرين بأنهم غير مؤهلين للتقدم بطلبات اللجوء للولايات المتحدة، ووصف ترامب هذه الهجرات بأنها تشبه "الغزو". وهددت وزارة الأمن الداخلي الأمريكي بأن من ينتهك القيود الرئاسية في البلاد فسوف يُحرم من دخولها.⁽²⁾

المهاجرون مصممون على دخول الولايات المتحدة الأمريكية

    رفض المهاجرون الجنوبيون إلى الولايات المتحدة الأمريكية عروضاً قدمتها دولة المكسيك ورئيسها أنريكي بينا نييتو حول إسكان هؤلاء المهاجرين داخل منازل صغيرة أو فنادق في البلاد وتمتعهم هم وأولادهم بالخدمات المختلفة على الأراضي المكسيكية في حال قدموا طلبات للجوء في ولايات مثل "أكوساكا" و "تشيباس" جنوب المكسيك.

   وأعرب المهاجرون عن رفضهم لذلك قائلين إنهم مصممون على المضي قدماً إلى الأراضي الأمريكية بعد رفضهم لعرض الرئيس المكسيكي نييتو.⁽³⁾

   أبرز دوافع هجرة مواطني أمريكا الجنوبية للولايات المتحدة الأمريكية

     تكمن العديد من الأسباب وراء هجرة مواطنين من أمريكا الجنوبية إلى الشمال وإلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتعد أبرز هذه الأسباب ما يلي:

    تُعد مشكلة الأمن من أبرز المشكلات التي تواجهها دول أمريكي اللاتينية بشكل عام، حيث تتصدر بعض دول أمريكا الجنوبية قائمة أكثر الدول التي تشهد معدلات عنف مرتفعة في العالم، حيث دخلت العديد من الدول في هذه القارة ضمن أعلى معدلات جرائم القتل على مستوى العالم عام 2012. وتشير العديد من المصادر إلى أن 19 دولة في أمريكا الجنوبية هي من يتصدر هذه القائمة. ومن ناحية أخرى، تقع، حسب هذه المؤشرات، حوالي 32% من مجموع جرائم القتل التي تقع في العالم داخل دول أمريكا الجنوبية.

     ولذ، يصل معدل ارتكاب هذه الجرائم في أمريكا الجنوبية إلى 26 لكل 100 ألف شخص من مواطني هذه الدول، وذلك في الوقت نفسه الذي بلغ 6.2 لكل 100 ألف على مستوى دول العالم ككل.

     وكانت دراسة أجريت في العام 2011 قد أظهرت أن 33% من سكان أمريكا الجنوبية قد وقعوا في ضحية لأعمال عدائية وأن 18% منهم كانوا ضحايا لأعمال عنف تقع من قِبل عصابات للجريمة المنظمة أو أعمال فردية، ولذا فإن هذا الجانب يشكل الخطر الأمني الأول لدى سكان أمريكا اللاتينية ويُعد من أبرز الأسباب التي تدفعهم لترك دولهم والتوجه شمالاً حتى دول المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية.

   وكانت هيئة الأمم المتحدة قد قالت في تقرير لها عام 2013 إن التهديدات الأمنية الرئيسية التي يتعرض لها مواطنو قارة أمريكا اللاتينية تتشكل في التالي:

-         الجريمة المنظمة.

-         الجريمة المرتكبة ضد الشباب.

-         جرائم الشارع.

-         الفساد.

-         العنف بين الجنسين.

-         العنف غير المشروع.

-         السرقة: وقد وُصِفت بأنها المشكلة الأبرز التي تواجه سكان هذه الدول ف الوقت الحاضر. وليست السرقة فقط ضد المواطنين، بل إنها تشمل كذلك السطو المسلح وسرقة مصارف أو بنوك أو مؤسسات كبرى.⁽⁴⁾

    والجدير بالذكر هنا هو تأكيد المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2017 بأن دول أمريكا اللاتينية تُعد الحاضن الأكبر لأخطر عصابات المافيا والجريمة المنظمة في العالم. وأشار المنتدى في هذا الصدد إلى أن السلفادور تُعد الأبرز بين دول القارة في انتشار هذه النوعية الخطيرة من العصابات وذلك في تقرير شمل 137 حول العالم. وتابع التقرير أن دولاً أخرى في القارة وقعت ضمن فئات الدول التي تشهد معدلات عنف محلية مرتفعة وذلك مثل فنزويلا وهندوراس وبيرو وغيرهم.⁽⁵⁾

   وعليه، فإن ارتفاع معدلات العنف في دول أمريكا الجنوبية، كما سبق ذكره، يُعد أحد أبرز الأسباب التي دفعت العديد من مواطنيها إلى الهجرة إلى الولايات المتحدة. ولكن الأمر لا يقتصر على الجريمة فقط، حيث إن هناك أسباباً أخرى وراء مثل هذه الهجرات، مثل الفقر والبطالة وغيرهما، إلا أنهما لا يشكلان دافعاً قوياً مثل الدافع وراء الهروب من العنف.

المصادر والمراجع

1-      "ترامب: المهاجرون من أمريكا الوسطى يشكلون حالة طوارئ وطنية"، بي بي سي البريطانية، 22 أكتوبر 2018.

http://cutt.us/71fgl

2-      "الجيش الأمريكي يرسل 5,200 جندي إلى الحدود مع المكسيك"، بي بي سي البريطانية، 30 أكتوبر 2018.

http://cutt.us/BgZ3l

3-      "الآلاف من أفراد قافلة المهاجرين بأمريكا الوسطى يرفضون عرض الرئيس المكسيكى"، اليوم السابع، 27 أكتوبر 2018.

http://cutt.us/wkPG2 

4-      "التداعيات السلبية للجرائم الفردية في أمريكا اللاتينية والكاريبي"، مرصد أمريكا اللاتينية، 26 مايو 2016.

http://cutt.us/wPeeV  

5-      "أكثر الدول خطورة في جرائم المافيا.. أين تقع؟"، الديار، 27 أكتوبر 2017.