العلاقات المصرية السودانية.. جذور مُمتدة وثمار منتظَرة
ركزت زيارة الرئيس السيسي الأخيرة
للخرطوم، والتي تُعد السادسة من
نوعها، على مجموعة من المحاور، في سبيل الارتقاء بمستوى
العلاقات الثنائية والمسار التاريخي لها، باعتبار أن السودان هي بوابة أفريقيا
لعودة مصر لعمقها الأفريقي، وعلى هامش هذه الزيارة عُقد الاجتماع الثاني للجنة
العليا المشتركة (ESHC) بين
البلدين، على غرار الأول أكتوبر 2017، وشهد الاجتماع من تمثيل رؤساء الوزراء إلى
القادة، ما أدى لانعكاس هذه الزيارة على تعاظم آمال وطموحات الشعوب في شمال وجنوب
وادي النيل.
وفي هذا الصدد تثار قضايا وأسئلة عديدة؛ هل ترتقي
العلاقات بين البلدين إلى تعدد الزيارات فقط أم تصل للشراكة الاستراتيجية؟ وماهي
المعوقات الحقيقية أمام التكامل الاقتصادي بين البلدين؟ ولماذا يبقى حجم التبادل
التجاري بين البلدين إلى مستويات ضعيفة؟ وكيف يمكن تعظيم الرؤى في كيفية الاستفادة
من الثروات المائية؟ وهل يوجد معيار ثابت لتقييم العلاقة بين البلدين؟ وما هو
الاختلاف في هذه الزيارة؟
أولاً- نتائج قمة
الخرطوم. .دبلوماسية القمة
تم توقيع حزمة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم
والمشروعات الاستراتيجية في كافة المجالات سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو
اجتماعية أو إعلامية بين مصر والسودان اعتمدتها اللجنة الوزارية المشتركة، فتم
التصديق على 12 اتفاقية وبروتوكول وهي على النحو التالي:
1- إلغاء الحظر على المنتجات المصرية في
الخرطوم، وذلك لأن الاقتصاد هو العامل الحاضر (1)، فضلاً عن الاجتماعات مع المجالس
التصديرية لزيادة الصادرات ليس فقط للسوق السوداني وإنما لأسواق الكوميسا من خلال
المنافذ والمعابر البرية. حيث بلغ حجم التبادل التجاري في العام الحالي بين
البلدين 364 مليون دولار، منها 222 مليون صادرات مصرية، 142 مليون دولار.(2)
2- دمج خطوط السكك الحديد والربط الكهربائي
بين البلدين، لخطوات تمهيدية لتكوين مركز إقليمي للطاقة في القارة السمراء.(3)
3- الاتفاق على الاستثمار في مجال الزراعة من
خلال: إقامة مزارع نموذجية، إيجاد أنواع جديدة من البذور، تفعيل دور مراكز البحوث
الزراعية، الصناعات الغذائية المرتبطة بالمنتجات الزراعية، ورفع القدرات بين
البلدين. ومن المقرر بنهاية عام 2020 إنشاء 22 مزرعة في السودان لتحقيق الاكتفاء
الذاتي زراعياً(.(4)
4- عمل شراكات صناعية في مجال صناعة الدواء،
من خلال معرض المنتجات الطبية، الاستفادة من الخبرة المصرية في مكافحة فيروس سي،
توحيد معايير الأدوية، وزيادة المنح العلاجية والبرامج التدريبية والسياحة
العلاجية.
5- توقيع مذكرة تفاهم في مجال الهجرة وإشراك
المغتربين في مجالات التنمية وذلك بالتنسيق بين جهاز تنظيم شؤون السودانيين في
الخارج في السودان ووزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج.
6- إقامة مناطق لوجستية مشتركة.
7- هيئة وادي النيل للملاحة النهرية.
8- إقامة المنطقة الصناعية المصرية في السودان.
9- مشروع اللحوم الاستراتيجية: بالتنسيق بين
القطاع الخاص من البلدين لتوفير الاكتفاء الذاتي وتدعيم الأمن الغذائي في مصر
والسودان ومن المقرر إقامته في ولاية النيل الأبيض، وفى حيثيات المشروع إنتاج
الأعلاف والمحاصيل الزراعية واللحوم الحمراء ثم القيام بتسويقها.
وفقاً لهذه النتائج، فما هي انعكاسات هذه المشروعات
على البلدين؟ وهل للقطاع الخاص دور في الاستثمارات التنموية بين مصر والسودان؟
أضحت هذه المشروعات رابطاً مشتركاً بين البلدين،
فالربط الكهربائي بين مصر والسودان، فمن المتوقع في نهاية ديسمبر من العام الحالي
أن تحصل مصر على 300 ميجاوات من إنتاج الكهرباء في سد مِروي (5)، وهو ما يعادل ربع
إنتاج السد من طاقته الإنتاجية. فيما يسمى بالإصلاحات الاقتصادية الجديدة.
ولتنفيذ هذه الاتفاقيات، لابد من توافر الإرادة
السياسية لدى القيادات السياسية، والتحرك بتنسيق كامل وترك الملفات الشائكة
جانباً، والاعتراف بدور السودان الهام في تقريب الفرقاء في جنوب السودان، إزالة
الشوائب بين إريتريا وإثيوبيا، ودورها في تحقيق الأمن في تشاد. ونلاحظ من أهم
نتائج الزيارة الأخيرة هي الدخول في مرحلة تشغيلية في تحديد المشاريع ذات الأولوية
في البلدين والنظر في كيفية تنفيذها.
ثانياً- تحديات العلاقات
تواجه مصر والسودان، تحديات اقتصادية واجتماعية
وسياسية مشتركة، والتي أدت هذا التقارب، وهي على النحو التالي:
• تهديدات أمنية مشتركة: في
الغرب: الأوضاع في ليبيا ومنطقة الساحل الأفريقي، في الشرق: الأوضاع في الصومال
والقرن الأفريقي والبحر الأحمر، ولخطورة البعد الأمني هناك لجان وزراية ورئاسية
بين البلدين لمواجهة هذه التهديدات بالإضافة إلى التنسيق مع الدول العربية لتأمين
البحر الأحمر وتحقيق الأمن الإقليمي، وذلك لأن ما يجرى في ليبيا وجنوب السودان
يؤثر على كلاً من مصر والسودان.
• المتغيرات الإقليمية،
الوضع بين إثيوبيا وإريتريا وتأثيره على استقرار الصومال والقرن الأفريقي.
• المتغيرات العالمية، في ظل
انهيار القطبية الثنائية وتحول البيئة الدولية إلى عالم لا قطبي وظهور موجة
التكتلات الإقليمية وصعوبة العودة إلى مبدأ عدم الانحياز، وانهيار السيادة القطرية
لبعض الدول، فكان لازماً التقارب بين مصر والسودان لتحقيق الأمن القومي والحفاظ
على وحدة وادي النيل (.(6)
• الظاهرة الإرهابية في
أفريقيا (تشاد، ليبيا، الصومال)، من خلال التعاون في إنشاء اكاديمية شرطية لمحاربة
هذه الجماعات الإرهابية والتوعية بالأزمات.
• أزمات الحدود.
• التحديات والتفاعلات
الداخلية.
• الأمن المائي.
• التغير المناخي.
ثالثاً- الآليات
المُثلى لتحقيق التكامل
• خلق أجواء إيجابية
لاتفاقيات الحريات الأربع :( التملك، التنقل، الإقامة، والعمل).
• تعزيز العلاقات الشعبية
والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
• دراسة أوجه القصور في
برامج التكامل السابقة (السادات والنميري، مبارك والبشير).
• الاستفادة من فترة
التسعينيات وبداية الألفية الثالثة من المشكلات والمؤثرات من خلال ضبط الخطاب
الإعلامي (ميثاق شرف إعلامي والتركيز على إعلام المواطن).
• إعادة صياغة أمن البحر
الأحمر وجنوب السودان والتغيرات في المنطقة لتحقيق الاستقرار.
• تفعيل مقومات المجتمع
المصري والسوداني.
• إقامة علاقات مباشرة
مشتركة بين برلماني البلدين (إعادة إحياء برلمان وادي النيل من خلال تشريعات
جديدة).
• ربط أجندة التنمية في مصر
2030 بأجندة التنمية في أفريقيا 2063.
• تعميق العلاقات بين
الجامعات المصرية _ السودانية والهُوية الأفريقية من خلال المناهج التعليمية
والتبادل الثقافي.
• تفعيل التواصل بين الشباب
في البلدين سواء كان في مراكز الأبحاث أو الجامعات.
• تعزيز الشراكة
الاستراتيجية في التكامل الزراعي من خلال معالجة مشكلات الأمن الغذائي والمياه
وتيسيراً للعلاقات التجارية والاستثمارات في مصر، وإقامة نظام الصفقات المتكافئة
لتوفير السيولة من العملة الحرة الصعبة في البنوك والتجارة.
• تفعيل الربط والملاحة
النهرية على غرار الربط للسكك الحديدية.
• محاربة الإرهاب من خلال
التنمية وتوفير فرص عمل.
• تشكيل لجنة رباعية للتغلب
على أزمة الإعلام المضلل في العلاقات بين مصر والسودان سواء كان على مستويات القمة
أو المستوى الشعبي.
وختاماً، ستشهد الفترة المُقبلة مزيداً من التعاون وفقاً للوثيقة الاستراتيجية المشتركة بين البلدين منذ عام 2016، فالعلاقات بين مصر والسودان ترتقي إلى الشراكة الاستراتيجية، الدولتان معاً تتمتعان بثقل من الموارد والكوادر البشرية، فضلاً عن الموقع الاستراتيجي الهام ودورهما في العالم العربي والقارة الأفريقية، ولذلك تحتاج العلاقة نوعاً من التعاضد والحنكة لتحقيق التكامل والانتقال من التعاون الثنائي بين مصر والسودان إلى التوافق الإقليمي ثم القاري، والاتفاقيات الثنائية إلى المشروعات القارية ، وسنلاحظ ذلك في ظل رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي العام القادم ، وستكون هناك دول من وادي وحوض النيل داعم لهذه المشروعات. ولذلك المُستقبل في التكامل الأفريقي.
الهوامش
1-
السودان يلغى حظر استيراد
منتجات مصرية “، الأنباط، تاريخ الدخول 27-10-2018، متاح على الرابط التالي:
http://www.alanbatnews.net/article/index/209017
2-
ولاء مرسى، " نصار: التبادل التجاري بين
مصر والسودان سجل 364 مليون دولار في 8 أشهر “، بوابة الأهرام، تاريخ الدخول: 27
-10-2018، متاح على الرابط التالي:
http://gate.ahram.org.eg/News/2027100.aspx
3-
من المزمع الانتهاء من
إنشائه في نهاية العام الجاري، وتقوم فكرة الربط بهذا المشروع على أساس إمداد
الدول الأفريقية بالكهرباء، ويضُم 300 برج على الأراضي المصرية ، للمزيد أنظر :
عواد شكشك ، حنان الصاوي ، " 8 معلومات عن مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان " ، بوابة أخبار اليوم ،
تاريخ الدخول : 27-10-2018 ، متاح على الرابط التالي:
https://akhbarelyom.com/news/newdetails
4-
عمر صديق البشير، “أهمية التعاون
الاقتصادي بين السودان ومصر بعد ثورة يناير “، ورقة بحثية مقدمة لمؤتمر حوض النيل
الشرقي، جامعة القاهرة: معهد البحوث والدراسات الأفريقية، 2012.
5-
سد مِروي، من أهم المشاريع
الاقتصادية في السودان، حيث قامت الحكومة المصرية بتقديم الدراسات الأولية للسد
عام 1946، وتوجد مجموعة من المشاريع المصاحبة لهذا السد، ومنها الطرق والجسور
والكباري، للمزيد أنظر: جمهورية السودان: وزارة الموارد المائية والري والكهرباء،
وحدة تنفيذ السدود، تاريخ الدخول 29-10-2018، متاح على الرابط التالي:
http://www.diu.gov.sd/ar/home/pages/url/14
6- " العلاقات المصرية السودانية: آفاق الحاضر والمستقبل “، ندوة في النادي الدبلوماسي المصري، 2016.