مصالح متناقضة .. دلائل وانعكاسات امتلاك كوسوفو لقوات مسلحة على دول الجوار
عززت جمهورية كوسوفو في السنوات الأخيرة من مساعيها
لامتلاك قوات مسلحة، رغم أنها دولة معترف بها جزئيًا، بعد أن كانت تحظى بحكم ذاتي
حتى عام 2008، وقد أثارت هذه التحركات مخاوف دول الجوار خاصة صربيا الدولة التي
كانت تتبعها كوسوفو في السابق، وعبرت عن رفضها لهذه الخطوة، وسط رفض روسي أيضا
للخطوة وترقب أوروبي أمريكي من تجدد الصراع في منطقة البلقان بجنوب شرق أوروبا،
الذي سبق أن تدخل فيه حلف شمال الأطلنطي
"ناتو" عام 1999.
أسباب
مساعي كوسوفو لامتلاك قدرات عسكرية
تعتبر كوسوفو دولة معترف بها جزئياً، من أكثر من 110
دولة عضو في الأمم المتحدة، وتأتي أهميتها من أنها تقع في جنوب شرق أوروبا (منطقة
البلقان)، وتمتلك حدودًا مع مقدونيا وصربيا والجبل الأسود وألبانيا وهذه المنطقة
سبق أن شهدت صراعات إثنية قتل فيها عشرات الآلاف وتهجير وتشريد مئات الآلاف عقب
تفكك الاتحاد السوفيتي، ويبلغ عدد سكانها أكثر من مليوني نسمة
غالبيتهم من المسلمين الألبان ويعيش
فيها 120 ألف صربي في مناطق في شمال الجمهورية وجنوبها.
كانت كوسوفو منطقة ذاتية الحكم ضمن صربيا حتى فبراير
2008، حينما أعلن برلمان كوسوفو بالإجماع استقلالها واتخاذ برشتينا عاصمة لها، إلا
أن صربيا ودولا أخرى أبرزها روسيا والصين لم تعترف بها، فسبق أن حاول الكوسوفيين
الحصول على استقلالهم سلميًا عام 1990، إلا أنهم فشلوا في ذلك لتبدأ مرحلة الكفاح
المسلح في الفترة من عام 1997 حتى 1999، حينما تدخل حلف الناتو بقرار من مجلس الأمن الدولي وشن هجوما عسكريًا
ضد صربيا والجبل والأسود لأكثر من شهرين، وخاصة بعد وقوع مذبحة سربرينيتسا التي
قتل فيها أكثر من 10 آلاف مدني من الألبان بخلاف المجازر الأخرى وتهجير واعتقال
عشرات الآلاف على يد القوات الصربية تحت قيادة الرئيس الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش،
الذي ألغى في عام 1989 الحكم الذاتي الذي كان يتمتع به إقليم كوسوفو منذ عام 1946
ضمن دولة يوغوسلافيا الاتحادية.(1)
بدأت السلطات في كوسوفو في مارس 2017، التحرك بشكل فعلي،
وسبق ذلك محاولات عام 2014، لإنشاء قوات مسلحة قوية بدلًا من قوات الأمن خفيفة
التسليح التي يقتصر دورها على حفظ النظام الداخلي، لكنها غير قادرة على الدخول في
مواجهة مباشرة، وكان مشروع القرار عام 2017 الذي أرادت الحكومة طرحه على البرلمان
يقضي تخصيص حوالي 51 مليون يورو لإنشاء جيش قوامه 8 آلاف عسكري بينهم 3 آلاف جندي
على قوة الاحتياط، وتحديد مهام القوات المسلحة الجديدة في الدفاع عن استقلال
جمهورية كوسوفو ووحدة أراضيها، لأن قوات الأمن دورها محدود في عمليات الدفاع
المدني بخلاف تسليحها الخفيف فقط.(2)
ونتيجة لرفض الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي
"ناتو" وقتها هذا الأمر، أعلن رئيس كوسوفو هاشم تقي في أبريل 2017،
تأجيل هذه الخطوة التي قد تؤثر على السلام الهش بين البلدين، فقد طلب تقي من
البرلمان عدم التصويت على تعديلاته لإقرار القانون الخاص بالقوات المسلحة لإتاحة
الفرصة للقوى الكبرى لإقناع الصرب الموجودين في كوسوفو بالموافقة على هذه الخطوة،
إلا أنه حذر أقلية الصرب وبلغراد في تصريحات له قائلا "على ممثلي الصرب ألا
يعتقدوا ولو لثانية واحدة أن كوسوفو لن تؤسس قواتها المسلحة".(3)
لكن يبدو أن كوسوفو لم تنتظر كثيرًا، ليصوت برلمانها يوم
18 أكتوبر 2018 بأغلبية الأصوات على حزمة مشاريع قوانين جديد تتفادى تعديل الدستور
من أجل تشكيل جيش وطني، لأن الأقلية الصربية ستفشل هذا الأمر، وبالفعل حظي
المشاريع الجديدة بموافقة 101 نائب من أصل 102 عضو، فيما غادر ممثلي حزب القائمة
الصربية الذي يمثل الأقلية القومية قاعة البرلمان قبل التصويت احتجاجا على مشروع
القانون، ونصت ثلاثة مشاريع القوانين التي صادق عليها البرلمان على تحويل
"قوة أمن كوسوفو" إلى قوة طارئة مدربة للاستجابة للكوارث، ومن المقرر
إقرار هذه المشاريع بشكل نهائي نهاية نوفمبر 2018.(4)
وهذا الأمر التفاف من البرلمان، لتقوية قوة الأمن إلى
مرحلة أكثر تقدما وجعلها فعليا في إمكانات القوات المسلحة بغض النظر عم مسماها،
إلا أن الأقلية الصربية أدركت هذا الأمر الذي جعلها تنسحب من جلسات التصويت على
مشاريع القانون اعتراضا عليها، الأمر الذي قد ينذر بمخاطر مستقبلية، وسط ترقب دولي
لهذه الخطوة، التي ستصب في صالح الأوروبيين الذين يخوضون صراعًا مع روسيا في مناطق
عدة أبرزها أوكرانيا وأزمة جزيرة القرم، بخلاف أعمال التجسس والتدخل في الشؤون
الداخلية.
وعززت كوسوفو مساعيها من امتلاك قوات مسلحة، وسط اضطراب
الأوضاع الدولية وتزايد التدخلات الروسية في دول الجوار، ومحاولة التأثير على
الدول السوفيتية السابقة من بينها كوسوفو، وتخشى كوسوفو تكرار المجازر التي تعرضت
لها على يد القوات الصربية حينما طالبوا باستقلالهم، ولم ينقذهم الناتو إلا بعد
عامين من المجازر المتواصلة، رغم وجود "جيش تحرير كوسوفو" الذي نجح في
قيادة حركة الانفصال رغم المجازر التي طالت الألبان، بالتالي يخشى الألبان من
تكرار انتهاكات الماضي، ويحاولون إيجاد
قوة مسلحة تتصدى لأي تهديدات خارجية مستقبلا، لن تقدر على مجابهتها قوات الأمن
الحالية، كذلك هناك حالة من تراجع الثقة في التزام حلف الناتو بتوفير الحماية لهم،
وسط التغيرات التي تعصف بالنظام الدولي.
مخاوف صربيا من تسليح كوسوفو
قبل تصويت
برلمان كوسوفو بأغلبية الأصوات على تحويل
قوة أمن كوسوفو إلى جيش كامل، أعلن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيش، نهاية سبتمبر
2018 حالة التأهب القصوى في الجيش، عقب استيلاء قوات تابعة لكوسوفو على أرض قيل
أنها صربية، قرب بحيرة غازيفود الاصطناعية، حيث سيطروا على مركز خاص بنظافة البيئة
والرياضة قرب البحيرة، يحتوى على محطة للطاقة الكهرومائية تسيطر عليها صربيا،
الأمر الذي يوحي بالقلق من تجدد الاشتباكات بين قوات البلدين رغم الرفض الدولي
والمخاوف من تجدد النزاعات الإثنية مجددا في منطقة البلقان(5).
وإزاء استمرار
مساعي كوسوفو للمضي قدمًا في امتلاك قوات مسلحة متقدمة، حذر
الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش يوم 19 أكتوبر 2018، من إقدام كوسوفو على تأسيس جيش
خاص بها خلافًا للاتفاقات السابقة، معتبرا أن ذلك سيجعل السلام والاستقرار في
منطقة البلقان معرضا للخطر، وقد جاءت هذه التصريحات عقب لقائه مسؤولًا بوزارة
الخارجية الأمريكية، لبحث هذه الخطوة التي سبق أن سعت إليها كوسوفو إلا أنه مع
التطورات الأخيرة استلزم الأمر تحركات عاجلة(6).
كما حذر
وزير الدفاع الصربي ألكسندر فولين من خطوة برلمان كوسوفو، معتبرا أن ذلك سيشكل
"خطرا على السلام" يهدف بالأساس إلى تهديد صربيا والأقلية الصربية في
كوسوفو، وأكد أن بلاده لا تقبل بوجود قوة
مسلحة في كوسوفو غير القوات الدولية بقيادة الحلف الأطلسي "كفور" وفق
قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1244 الذي وضع حدا للحرب بين البلدين التي قتل فيها
عشرات الآلاف.
وتتخوف
صربيا من امتلاك كوسوفو قوات مسلحة، لأنها ما زالت تطمع في العودة للسيطرة بشكل
كامل على الإقليم مجددا فهي لا تعترف بانفصاله حتى اليوم، بالتالي في حال حاولت
مستقبلا السيطرة عليه ستتكبد خسائر فادحة لأنه بمرور الوقت ستطور كوسوفو قواتها
المسلحة، فلن تكتفي بما تعلنه للملأ وإنما سيكون هناك تحديثات بدعم غربي، وسط
استمرار الخلاف مع روسيا، كما تتخوف صربيا من إضعاف أقلية الصرب في كوسوفو التي
تمنحها نفوذا سياسيًا عبر عرقلتهم للعديد من القرارات السياسية ومشاريع القوانين
السياسية التي قد تؤثر على صربيا.
الموقف الدولي من تجدد الصراع
سبق أن
حذرت الولايات المتحدة وحلف الناتو في مارس 2017، حكومة كوسوفو حينها بتحويل
قواتها الأمنية، المسلحة تسليحا خفيفا إلى جيش نظامي، بعد تقديم رئيس كوسوفو هاشم
ثاتشى مقترح قانون معدل للبرلمان يطلب فيه تحويل القوة الأمنية إلى جيش نظامي، مع
زيادة عدد القوات من 4 إلى 5 آلاف جندي وزيادة قوات الاحتياط أيضا من 2500 إلى 3
آلاف جندي، مع استمرار وجود القوات الدولية بقرار من الأمم المتحدة المنتشرة في
كوسوفو منذ عام 1999، وقد هددت واشنطن كوسوفو من هذه الخطوة، مؤكدة أنها ستعيد تقييم التعاون المشترك بين
البلدين والمساعدات المقدمة إلى قوات الأمن في كوسوفو(7).
لكن
واشنطن لم تغلق الباب أمام هذه القوة، فقد اشترطت أن يتم اتخاذ قرار كهذا في إطار
عملية سياسية شاملة وتمثيلية، وقام بالشيء ذاته حلف الناتو، ويبدو أن من صالح
الولايات المتحدة والناتو في وقت كهذا تمرير هذا الأمر وإن كان بحذر، لأن كوسوفو
رغم قلة مساحتها التي تبلغ حوالي 10كم2، إلا أنها قد تشكل ورقة ضغط
مستقبلا أمام روسيا التي لا تعترف بها من الأساس رغم اعتراف أكثر من 100 دولة عضو
في الأمم المتحدة بها بخلاف المنظمات الدولية، لهذا لا تعارض الولايات المتحدة ومعها الناتو من حيث المبدأ
تأسيس كوسوفو لقوات مسلحة، فقد طالبوا بتعديل الدستور أولا الأمر الذي يستلزم
موافقة 11 نائبًا صربيا في البرلمان على المقترح من أصل 120 عضو في البرلمان.
ومع الدعم الأوربي الحذر لهذه الخطوة إلا أن هناك دولا
رافضة لهذه الخطوة مثل ألمانيا وإسبانيا، خوفا من اندلاع الصراعات الاثنية مجددا
في منطقة البلقان، الأمر الذي لن تقدر دول الناتو أو الولايات المتحدة على
الانخراط فيه في الوقت الحالي، فهم منشغلون بتطورات الأوضاع في أوكرانيا وجزيرة
القرم، ولم يقدروا على التدخل عسكريا هناك، رغم تدخل روسيا في المقابل ودعمها
الانفصالين هناك، إلا أنه يمكن مستقبلا للدول الغربية توظيف الجمهوريات السوفيتية
الصغيرة القريبة منهم ضد روسيا كما في حالة كوسوفو، فموسكو ترفض التواجد العسكري
في دول الجوار الروسي والجمهوريات السوفيتية السابقة لما له من تهديد على المصالح
الروسية وحلفائها.
وما زال الاتحاد الأوروبي يخوض وساطات بين كوسوفو وصربيا لإعادة ترسيم الحدود بين بلغراد وبريشتينا، وتطبيع العلاقات بينهما تدريجيًا، منعا لتجدد الصراعات مستقبلًا، كما تريد صربيا ومعها دول منطقة البلقان الانضمام للاتحاد الأوربي الأمر الذي تواجهه عقبات كثيرة من بينها خلافاتها مع كوسوفو التي يشترط الاتحاد الأوروبي تسويتها للنظر في انضمامها إليهم، ويستخدم الاتحاد الأوروبي هذه الورقة لجذب دول البلقان إليه وتسوية الصراعات فيما بينهم الأمر الذي يصب في صالحه، واستقطابهم بعيدا عن روسيا.
الهوامش
1ـ سفيان كحاحلية، دور حلف الناتو في استقرار منطقة
البلقان: كوسوفو أنموذجا، رسالة ماجستير، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية،
جامعة العربي التبسي، الجزائر 2016.، متاح على الرابط:
http://www.univ-tebessa.dz/fichiers/masters/06160066.pdf
2ـ كوسوفو تعتزم إنشاء جيش
بـ51 مليون يورو، روسيا اليوم، بتاريخ 13/3/2017، على الرابط:
3ـ كوسوفو تؤجل خططا لتأسيس جيش وطني، صحيفة عمان،
بتاريخ، 7/4/2017، على الرابط:
http://www.omandaily.om/459415/
4 ـ كوسوفو تخطو خطوة أولى
لإنشاء جيشها الخاص، بتاريخ 19/10/2018، على الرابط:
swissinfo، https://bit.ly/2yscatw
5ـ
استنفار الجيش الصربي إثر استيلاء انفصاليي كوسوفو على أرض جديدة، روسيا اليوم،29/9/2018،
الرابط: https://bit.ly/2NVBJYX
6ـ صربيا تحذر من
تأسيس جيش في كوسوفو، قناة فرانس 24، 19/10/2018، على الرابط:
7ـ الناتو والولايات المتحدة يحذران كوسوفو من تحويل قوتها الأمنية إلى جيش، اليوم السابع، بتاريخ 8/3/2017، الرابط: https://bit.ly/2Sa5KYu