ترسيخ النفوذ: الدور الروسي في الشرق الأوسط
شكل
انهيار الاتحاد السوفيتي الأثر الكبير التي انعكست على مستقبل السياسة الخارجية
الروسية واستراتيجيتها تجاه منطقة الشرق الأوسط، ومن ضمنها المنطقة العربية، خاصة
بعدما تفردت الولايات المتحدة، وعلى ذلك عملت روسيا على التخلص من الأزمات السابقة
واستثمار الامكانيات لتعظيم عملية التنمية الداخلية بما يعزز المكانة الجديدة
لروسيا على مسرح السياسة الدولية والإقليمية.
وتسعى
روسيا إلى التأثير في مجريات النظام الدولي والنظم الإقليمية الفرعية، وفي السنوات
الأخيرة، تبنت روسيا مواقف في سياستها الخارجية أحيت التطلعات بعودة التوازن إلى قمة
النظام الدولي بما يحافظ على تحقيق مصالحها.
روسيا واستعادة المكانة
لعبت
العديد من التطورات الإقليمية والدولية الدور الأكبر في إعادة رسم خرائط توزيع
النفوذ في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث وجدت روسيا نفسها أمام العديد من الفرص الذهبية
التي من شأنها العودة لدورها المعتاد في السياسة الدولية، خاصة بعد أحداث الثورات
العربية وفيما يتعلق بتطورات الوضع في سوريا، وقد وقعت منطقة الشرق الأوسط وفي
قلبها المنطقة العربية بما فيها من تطورات في القلب من هذا الدور.
وفي نفس السياق، عملت
روسيا على توثيق علاقاتها مع دول المنطقة، وتحديث قائمة حلفاءها، بما يتضمن دول
عديدة حليفة أيضًا للولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث قدّم الروس نموذجًا أكثر قوة وإصرارًا
ووضوحًا اجتذب حلفاء قدماء وحاليين لأمريكا، وأعداء لها في الآن نفسه.
الجدير
بالذكر أن السياسة الروسية تجاه المنطقة تم استخدامها لتعظيم المكاسب الاستراتيجية
في مواجهة العديد من القوى الدولية الغربية، عوضًا عن تحسين الوضع الداخلي الخاص بها
اقتصاديًا وعسكريًا.
ونتيجة
لذلك باتت السياسة الخارجية الروسية مرتكزة في المقام الأول على تقديم الدعم
السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والعسكري لحلفائها الرئيسيين، ولعل هشاشة النظام
الإقليمي الشرق أوسطي، جعل من اليسير على روسيا استخدام أقل الامكانات لتحقيق
مكاسب عديدة، وروسيا لا تحتاج فعل الكثير حتى تؤكد نفوذها الحالي، خاصة في سياق ينظر
إلى تراجع التأثير الغربي داخل المنطقة.
وبرغم المشاكل الاقتصادية
التي تواجهها موسكو إلا أنها أصبحت ذات وجود مؤثر على خريطة السياسة العالمية؛ حيث
عادت روسيا لتلعب دورًا فاعلًا، وتتخذ مواقفًا واضحةً في العديد من القضايا الدولية
والإقليمية.
دوافع الدور والنفوذ
يتمثل الدافع
الرئيسي للدور الروسي الجديد في المنطقة في بعدين أساسيين؛ أولهما: تحقيق مكاسب داخلية على مستوى الاقتصاد والاستقرار الداخلي الروسي،
وثانيهما: هو دعم ومساندة الحلفاء البحث عن حلفاء جدد وتشكيل خريطة من العلاقات التي
تخدم المصالح الروسية داخل المنطقة في المقام الأول، وقد شملت دوافع ومحددات داخلية
وأخرى خارجية نابعة من المصالح الاستراتيجية لروسيا، ويندرج من الهدفين
السابقين العديد من السياسات الروسية التي من شأنها الولوج لتحقيق هذين الهدفين
ولعل أهم تلك السياسات هي:
1) إعادة رسم الخريطة الإقليمية
والدولية وخلق تحالفات إقليمية ودولية وتطوير الروابط بينها وفق المتغيرات
المستجدة على الساحة.
2) تمثل المنطقة العربية من المناطق
الجيوستراتيجية الهامة من حيث توزيع المقدرات النفطية والثروات الطبيعية، ووفق ذلك
أدرك روسيا بأن هذه المنطقة تمثل مفتاح السيطرة على العديد من مجريات الملفات
الإقليمية والدولية.
3) السياسة المتعلقة
بتوريد الأسلحة لتأمين حلفاؤها وضمان استمرارية ولائهم، وتأتي التوجهات الروسية في
هذا الإطار على خلفية حساسية المنطقة تجاه الصراعات التي قد تغير موازين القوى في
المنطقة في لحظات.
4) حاولت روسيا استدعاء
القوى الدولية المتوافقة معها سياسيًا وعسكريًا، والعمل على زحزحة العديد من القوى
الغربية المناوئة للوجود الروسي في المنطقة، بما يضمن لموسكو نصيب الأسد فيما
يتعلق بالملفات الموجودة على الساحة وما يستجد منها.
5) إنهاك الولايات
المتحدة سياسيًا وعسكريًا عن طريق مزاحمتها في العديد من الملفات المثارة في
المنطقة.
العودة مجددًا
عند
تحليل الدور الروسي في المنطقة العربية، لابد من التعرض إلى علاقات روسيا
وتفاعلاتها مع دول المنطقة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، وفي هذا الشأن تطول
اللائحة بين أنماط العلاقات الثلاثة المختلفة، إلا أنه وفي المجمل استطاعت موسكو
أن تنسج خيوط علاقاتها على الساحة العربية وسحب البساط بصورة كبيرة من قبضة
واشنطن.
ويمكن
تفسير العلاقات السياسية الروسية بأنها جاءت مناوئة في معظم مخرجاتها للتوجهات الأمريكية
في توجه روسي بالسعي لإنشاء نظام عالمي ديموقراطي أو بالأدق متعدد الأقطاب.
وعلى ذلك
تباينت السياسة الروسية تجاه العديد من القضايا في منطقة الشرق الأوسط والتي كانت في
معظمها مناهضة للسياسة الأمريكية. فالسياسة الروسية في المنطقة العربية كالسياسة الروسية
تجاه محيطها الجغرافي القريب في آسيا وأوروبا الشرقية، بما يحافظ على تحقيق البعد
الأمني بتعزيز النفوذ الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في 1991.
· سوريا
بدت روسيا
محركًا فاعلًا في مجريات الملفات المتعلقة بمستقبل سوريا السياسي والاقتصادي
والعسكري؛ حيث عملت روسيا على تعميق تحالفاتها مع النظام السوري وحافظت على علاقات
ودية مع النظام التركي المناهض للأسد، كما عمقت علاقاتها السياسية مع طهران الحليف
الأكبر للنظام السوري، وجاءت سلسلة الاجتماعات والمؤتمرات في أستانة وسوتشي بجانب محادثات
جينيف ليكلل الوجود الروسي بالنجاح.
كما ساندت
موسكو دمشق في العديد من المحافل الدولية وبلورت الحلول السياسية التي تتناسب وخياراتها
مع المصالح الروسية وحلفائها. وتُعَدّ سوريا دولة محورية بالنسبة إلى التطلّعات الروسية
الجيوسياسية، كما تحتفظ البحرية الروسية بقاعدة عسكرية لإعادة التموين والصيانة في
ميناء طرطوس السوري، عوضا عند قواعد أخري في حميميم.
ويضاف
إلى كل ذلك أن دول الشرق الأوسط هم أكثر الزبائن لشراء السلاح الروسي حيث تعتبر سوريا
أكبر المستوردين للسلاح الروسي، حيث زودت موسكو دمشق بمعدات عسكرية تصل إلى 26 مليار
دولار كما ساهم الاتحاد السوفيتي سابقًا في بناء الترسانة الكيميائية السورية، عوضًا
عن ما حددته روسيا تجاه سوريا في شأن إعادة الإعمار بقيمة مئتي مليار دولار، والتي
سترعاها روسيا مع كوريا الشمالية والصين وإيران. إضافة إلى التنقيب عن الغاز والنفط
في البحر، والذي كانت قد بدأته موسكو بموجب اتفاق مع وزارة النفط السورية بقيمة 90
مليون دولار.
وهناك
هدفان استراتيجيان كبيران هما الدافع وراء التدخّل الروسي في الصراع السوري؛ الهدف
الأول: تحدّي هيمنة الولايات المتحدة في الشؤون العالمية، فيما الهدف الثاني: مساندة
نظام الرئيس السوري بشار الأسد الذى يمثل أقرب الحلفاء للنظام الروسي.
· إيران
وقفت
روسيا بجانب إيران في العديد من الملفات أبرزهم الملف النووي، الذي يمثل أحد أهم
الملفات التي تواجهها الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولعبت
موسكو دورًا محوريًا حاسم في القضايا الدولية الحساسة، كما وأخذت عبر دورها في الأزمة
السورية بصورة رئيسية تحتل الصدارة في الحراك السياسي الدولي، إذا كانت في المحادثات
مع واشنطن أو مع الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن مواقفها في مجلس الأمن الدولي، وبعد النجاح
الروسي الإيراني في سوريا ومحاصرة المشروع الأمريكي، يتجه الثنائي الروسي الإيراني
إلى توسعة مروحة التعاون في الفضاءات الأخرى كالتعاون العسكري والاقتصادي إلى جانب
مزاحمة الولايات المتحدة في الملفات الإقليمية، لإنهاء عصر القطب الأمريكي الواحد،
حيث أصبح هذا الثنائي أمرًا واقعًا في منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها المنطقة
العربية.
ويمكن القول أن روسيا عززت وجودها في المنطقة وذلك عن طريق التعاون
مع كل من القوى التي تمثل خطًا معارضًا لسياسات واشنطن هناك.
· العراق
في العراق
عارضت روسيا الاحتلال الأمريكي وطرحت إمكانية تسوية القضية العراقية بالطرق السلمية،
كما طالبت بإلغاء الحظر الجوي في شمال وجنوب العراق وإيقاف الغارات الأمريكية والبريطانية
على العراق، ووصفت روسيا الاحتلال الأمريكي بالانتهاك المباشر للقانون الدولي، كما
رفض بوتين ما أسمته الولايات المتحدة بمفهوم محور الشر الذى طرحه جورج بوش في وصفه
العراق وإيران وكوريا الشمالية. كما أن روسيا كان لها دور مهم في تسليح العراق لمواجهة
داعش، وقد ترافق ذلك مع بروز سياسة روسية خارجية واضحة المعالم تقوم على تفعيل دور
روسيا على الصعيد الإقليمي والدولي بحيث لا تخضع لهيمنة أو ابتزاز.
وفى عام 2012م وقع الكرملين
على صفقة مع الحكومة العراقية تصل قيمتها إلى 4 مليار دولار، ويعد هذا الاتفاق أكبر
صفقة تمت بدفعة واحدة فى عهد بوتين، حيث ساهم هذا الاتفاق فى جعل العراق ثانى أكبر
مشتر للأسلحة الروسية.
· مصر
شهدت العلاقات الروسية مع مصر تطورات على صعيد العلاقات السياسية والعسكرية
حيث تتعامل مع مصر منذ عام 2001م حيث شهدت مصر زيارتين من الجانب الروسي وكذلك إلى
الجامعة العربية وكان هدف زيارته إظهار النوايا وعكست رغبة القيادة الروسية فى إحياء
التعاون مع الدول العربية فى شتى المجالات. وبعد أحداث 30 يونيو وقفت روسيا دعمًا للدولة
المصرية حيث فقدت مصر علاقاتها بروسيا خاصة وأن روسيا أعلنت فى 2003م حظر جماعة الإخوان
المسلمين بسبب اتهامها بدعم التمرد شمال القوقاز، وشهدت البلدان زيارات على مستوى الرؤساء
أو الوفود العسكرية كما تم توقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين منها إنشاء محطة الضبعة
النووية، وتعزيز سبل مواجهة المخاطر الناتجة عن انتشار الإرهاب والتطرف، حيث اتفق الجانبان
على أهمية تعزيز الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.
كما أيد بوتين خطة الرئيس السيسي لتولى الحكم فى مصر، وعلى الجانب الآخر
كان الكريملين يتطلع لتعزيز العلاقات مع مصر لضمان نجاح مؤتمر جنيف للسلام المتعلق
بسوريا، على اعتبار أن السيسي هو خليفة الرئيس عبدالناصر الذى يقف أمام الغرب الامبريالي
بالقومية العربية.
· ليبيا
بالنسبة
لليبيا وقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد تدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا، فبعد
أن كانت قد استعادت لنفسها موطىء قدم في ليبيا في نهاية التسعينات من القرن الماضي
أُقصيت روسيا منها لفترة من الزمن بعد التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي والإطاحة بالعقيد
معمر القذافي سنة 2011م.
ولعل زيارة
القائد العسكري الليبي خليفة حفتر لحاملة طائرات روسية بمثابة دفعة رمزية له وتذكرة
دخول روسيا مجددًا لليبيا وفي الوقت نفسه أظهرت اهتمام موسكو بالقيام بدور أكبر في
المنطقة في أعقاب تدخلها في سوريا ويتمتع حفتر بعلاقات وثيقة مع بعض الدول العربية،
كما عمل على تعزيز صداقته مع روسيا فزار موسكو مرتين لطلب العون في حملته المناهضة
لفصائل الإرهابيين.
· السعودية
اتفقت
السعودية وروسيا خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود
إلى موسكو فى أكتوبر 2017م، على توريد عدد من أنظمة التسليح، حيث وقعت وزارة الدفاع
السعودية مع روسيا عقودًا لتوريد نظام الدفاع الجوي المتقدم (S-400)، وأنظمة (Kornet-EM)، وراجمة الصواريخ (TOS-1A)، وراجمة القنابل (AGS-30)، وسلاح (كلاشنكوف AK- 103) وذخائره. ووقعت السعودية
مذكرة تفاهم مع روسيا لزيادة توطين الصناعات العسكرية. ويمكن القول بأن طرق الرياض
أبواب موسكو عبر مطرقة صفقات التسليح والشراكة الاقتصادية يهدف إلى نية السعودية توسيع
دائرة علاقاتها الخارجية مع روسيا بعد موجات المد والجذر في العلاقات بين الجانبين.
لعل تلك
العوامل السابق ذكرها مهدت الطريق لروسيا لاستعادة جزء كبير من دورها على الساحة الدولية،
وتنطلق روسيا في هذا الدور من الحفاظ على مصالحها في مناطق نفوذها الرئيسية والعمل
على فتح أطر جديدة للعلاقات في المرحلة القادمة.
1-
ديميترى تيرنين، المصالح
الروسية فى سوريا، معهد كارنيجى، بتاريخ 14 يونيو 2014م، على الرابط:
http://carnegie-mec.org/2014/06/11/ar-pub-55899
2- طه عبدالواحد، روسيا القوة العالمية وقيادة بوتين، جريدة
الشرق الأوسط، العدد 13911، بتاريخ 29/12/2016م، على الرابط:
3- الناصر دريد سعيد
ولقمان حكيم رحيم، دوافع التدخل الروسى فى الأزمة السورية، مجلة جامعة التنمية البشرية،
المجلد 2، العدد 4، ديسمبر 2016م، ص ص 75-106.
4- رزسيا تبحث عن دور فى ليبيا عبر بواية حفتر، العين، بتاريخ
17/1/2017م، على الرابط:
https://al-ain.com/article/russia-libya-khalifa-haftar