الحياد الصارم: مرتكزات التواجد الهندي في سوريا
تشهد الدولة السورية عدد
من التهديدات والتحديات على غرار عمليات التحرير
التي تخوضها في المناطق التي تتمركز فيها الجماعات الإرهابية، والمعارضة
المسلحة في سياق الرغبة في إعادة توحيد الجهود الداخلية لإعادة الإعمار في مرحلة ما
بعد الحرب لعودة الاستقرار الداخلي بمساعدة بعض الحلفاء الاستراتيجيين من القوى
الإقليمية والدولية الفاعلة في النظام العالمي.
وعليه؛ فقد دعت الحكومة
السورية الهند للمشاركة في جهود إعادة الإعمار عبر تقديم تسهيلات خاصة تتمثل في
إعفاءات ضريبية، كما ستشارك نيودلهي في معرض دمشق الدولي الذي يقام خلال الفترة
بين 6 إلى 15 سبتمبر/ أيلول 2018؛ حيث قدمت 30 شركة هندية و"بعروض للمشاركة، وسيكون على رأس الوفد
المشارك "سوشما سواراج" وزيرة
شئون الخارجية الهندية للمشاركة في اجتماع لجنة الأعمال المشتركة بالتوازي مع حضور
المعرض(1).
لم تكن هذه الدعوة الأولى
التي تتلقاها نيودلهي من قبل دمشق فقد تجلت سابقًا في دعوة السفير السوري لدى الهند
يوم الأربعاء 1 أغسطس/ آب 2018 الشركات الهندية والمستثمرين إلى المساعدة في إعادة
بناء سوريا التي عانت ويلات الحرب، قائلًا "سوريا قادرة على هزيمة الإرهابيين
وجميع المؤامرات التي تُساق ضدها".
معربًا عن خطة
الحكومة السورية في إعادة بناء سوريا بمساعدة الحلفاء وفي مقدمتهم الهند، وذلك في
سياق تمكن الحكومة السورية من استعادة الكثير من الأراضي السورية التي سيطرت عليها
الجماعات المسلحة من خلال الخروج الآمن وتسليم أسلحتهم بدون تدخل عسكري، بالإضافة
إلى الدعم الروسي والإيراني للضربات الجوية السورية على معاقل التنظيمات الإرهابية
الرافضة للخروج والتفاوض مع النظام(2).
العلاقات الهندية السورية
تتمتع الهند وسوريا بعلاقات قوية وتاريخية، تم بلوراتها بعد
حصول الهند على الاستقلال، فقد حافظت نيودلهي دائمًا على استمرار وجود علاقات
مستقرة مع دمشق؛ حيث تعود العلاقات بين البلدين إلى عام
1948 عندما كانت سوريا العضو العربي في مجلس الأمن وقامت بدعم باكستان في قضية
كشمير بناءً على طلب من جمهورية مصر العربية، وفي المقابل قامت الهند بالاعتراف
بإسرائيل في عام 1950 الأمر الذي أثار مشاعر الاستياء العرب.
بدأت الشراكة
الهندية مع العرب بصفة عامة وسوريا بصفة خاصة مع صعود القومية العربية وتبني
"جمال عبدالناصر" الرئيس الراحل "للجمهورية العربية المتحدة حركة
عدم الانحياز ؛ حيث تمكن عبدالناصر من
توثيق العلاقات مع الهند برغم من جهود باكستان لتحقيق التضامن الإسلامي حول قضية كشمير.
ومع ذلك، دفع توطيد
السلطة من النظام الحاكم في عهد الرئيس الراحل "حافظ الأسد" في عام 1971
لإقامة شراكات جديدة خارج منطقة الشرق الأوسط كوسيلة لمواجهة العزلة الإقليمية الناتجة
عن التنافس السوري مع إسرائيل ودول الخليج.
خلال هذه المرحلة،
وجدت نيودلهي أنه من الأسهل العمل مع دمشق، مما أدى إلى التعاون والتوافق الهندي السوري
في كثير من القضايا السياسية التي لا تزال مثارة حتى الآن. هذا بجانب دعم سوريا
للهند في قضية كشمير وعلى الرغم من كون دمشق قوة غير رئيسة في المنطقة، إلا أن دعمها
لموقف الهند بشأن كشمير كان موضع ترحيب(3).
الموقف الهندي من الأزمة السورية
انتهجت
نيودلهي موقفًا موحدًا من الحراك الثوري في المنطقة العربية نابعًا من سياسة
واقعية خاصة مع سوريا تتوافق مع مصالحها الوطنية الرامية إلى تحقيق الاستقرار
الداخلي بالتوازي مع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، لذا جاء موقفها من سوريا غير
مبررًا بل جسد واقعية سياساتها الخارجية رغم تغير الأنظمة الحاكمة.
فمع اندلاع
الثورة السورية وتحولها إلى صراع مسلح بين الفاعلين من غير الدول والفاعلين
الدوليين، تعاملت الهند مع هذه الأزمة بحكمة واعتدال من خلال استمرار العلاقات
الدبلوماسية بين البلدين واستمرار بقاء السفارة مفتوحة من خلال تواجد القائم
بالأعمال، ومع ذلك، لا تخطط الهند في الوقت الحالي لتعيين سفير جديد في سوريا، معتبرة
الوضع خطيراً للغاية.
سعت الهند إلى
تقديم نفسها كحليف وشريك مهم لدمشق في مرحلة ما بعد الحرب من خلال المشاركة في
عمليات إعادة الإعمار تجسدت في مايو/ أيار 2014 في زيارة وفد من رجال أعمال من قبل
الغرفة التجارية الهندية التي تتخذ من دلهي مقًا لها ASSOCHAM
وتحت قيادة مجموعة Cosmos، لمناقشة الفرص التجارية المتحملة بين
الجانبين. كما سلطت الحكومة السورية الضوء على الدور المحتمل للهند في عملية إعادة
البناء بعد انتهاء الحرب الأهلية.
كما حافظت
الهند على صمتها في 4 أبريل/ نيسان 2017، إبان الهجوم الكيماوي على بلدة خان شيخون
الواقعة في إدلب -(محافظة في شمال سوريا يسيطر عليها تحالف الجماعات المتمردة)-؛
حيث شهد العالم أطفالًا وكبارًا اختنقوا حتى الموت، أسفر عنها قتل ما يقرب من 85 شخصًا (من بينهم 20 طفلاً) مما يدل على موقفها
"المتوازن" في مسألة الحرب الأهلية المستمرة(4).
وفي هذا الصدد
دعمت الحكومة الهندية برئاسة رئيس الوزراء "ناريندرا مودي" النظام
السوري بشكل مباشر وغير مباشر من خلال انتهاج مبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي
السوري مع دعم استمرار النظام الحاكم لعدم إثارة الفوضى وعدم الاستقرار على غرار الأوضاع في ليبيا، وعليه فقد دعمت
دمشق حضور نيودلهي مؤتمر "جنيف-2" كما تعتبر الحكومة السورية الهند
صديقًا هادئًا.
وفيما يتعلق
بموقفها من الضربات العسكرية الغربية في سوريا والانضمام للتحالف الدولي ضد
الإرهاب فقد نأت الهند بنفسها عن الضربات العسكرية في سوريا ودعت إلى الحوار والمفاوضات،
وعلى أساس مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وبما يتفق مع القانون الدولي وذلك تجنبًا
للتصعيد(5).
مرتكزات التعاطي الهندي مع سوريا
انتهجت
نيودلهي مبدأ عدم الانحياز في سياساتها
الخارجية؛ حيث عدم الانخراط في الصراعات الداخلية، كما استمرت على هذا النهج مع
قدوم الحكومة الجديدة في عهد الرئيس "مودي" بالرغم من اتباعها سياسات
أكثر انفتاحًا إلا إنها مازالت رافضة في الإشراك في سياسات دول المنطقة واتخذت نهج
مماثل في التعاطي معها باعتبارها شأنًا داخليًا ويرجع ذلك إلى عدد من المرتكزات
التي استندت عليها العلاقة بين الجانبين على النحو التالي:
1-
الحفاظ على الأمن القومي؛ يرجع ذلك إلى تخوف الهند من دعم الحراك
الشعبي في المنطقة أن ينعكس عليها بشكل سلبي خاصة فيما يتعلق بنقل حالة الصراع
وعدم الاستقرار إلى أراضيها، وفي نفس السياق تشعر الهند بقلق من تنامي الفاعلين
العنفين من غير الدول داخل المنطقة واحتمال تسربهم إليها خاصة إذا حاولت التدخل في
سياق التحالف الدولي ودعم بعض الأنظمة في مواجهتهم وخاصة إنها تعاني من تهديدات
إرهابية من دول الجوار مثل باكستان.
2-
حماية أمن الطاقة؛ تسعى الهند إلى حماية أمنها في مجال الطاقة
بعيدًا عن الصراعات الدولية تخوفًا من تعرض أسعار الطاقة العالمية إلى اهتزازات
تكاد تأثر على الاقتصاد والتنمية في الهند بشكل كبير؛ حيث يمثل ملف الطاقة من أهم
محددات العلاقة بين الهند ودول المنطقة العربية.
3-
مراعاة المصلحة الوطنية؛ تتبنى الهند سياسات خارجية تتوافق مع المصلحة
الوطنية للدولة وعليه تسعى إلى الحفاظ على الأوضاع الراهنة في المنطقة بعيدة عن
حالة الفوضى وعدم الاستقرار لضمان استمرار تدفق التحويلات المالية من العمالة
الهندية الوافدة إلى دول المنطقة.
4-
بناء علاقات متوازنة؛ تحاول الهند حماية مصالحها مع دول الخليج
العربي التي اتخذت مواقفًا متباينة من حالة الحراك الثوري الذي شهدته بعض الدول
العربية، لذا فقد سعت إلى تبني موقف موحدًا غير متعارض معهم للحفاظ على استقرار
العلاقات القائمة والمستندة إلى العاملين مهمين وهم تدفق تحويلات العاملة الهندية
واستمرار استقرار أسعار الطاقة وتدفقها.
5-
التقارب مع العالم الإسلامي؛ تحاول نيودلهي استغلال الصراع في المنطقة
العربية للتقرب بشكل حذر مع سوريا وذلك نتيجة حالة العزلة غير المباشرة التي
تواجهها من قبل العالم الإسلامي المتضامن مع باكستان. ومن المؤكد أن مخاوف نيودلهي
ستزداد، بعد أن فقدت اثنين من أهم حلفاءها الأساسيين - صدام حسين ومعمر القذافي – المؤيدين
لصالحها فيما يخص كشمير لذلك، سيظل الحفاظ على علاقاتها مع دمشق أداة للدبلوماسية الهندية.
وعليه من المتوقع أن تستمر العلاقات بين البلدين على هذا النحو من خلال
التعاطي الحذر الذي يدعم الاستراتيجية الوطنية للهند في المنطقة العربية، خاصة في
ظل اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في 2019 التي تلقي بتحديات جديدة على الحكومة
الحالية.
لذا تعد العلاقات الهندية السورية ذات طبيعة برجماتية تتحكم فيها أبعاد ذات طبيعة جيواستراتيجية وتستند إلى توازنات القوى فيما بينهم فكلا الجانبين يتخذ من الأخر حليف ليوازن علاقاته مع القوى الدولية الأخرى.
المراجع:
1- "مصالح ناشئة للهند في سوريا"، الشرق
الأوسط، العدد (14524)، 3 سبتمبر 2018. متاح على الرابط التالي: http://cutt.us/2iqoB
2- "Syrian ambassador invites Indian companies to rebuild war-torn country", the times of India, 1/8/2018.
3-
KETAN MEHTA,
"Understanding India’s response to the Syrian civil war”, Observer
Research Foundation.
https://www.orfonline.org/research/understanding_india_response_syrian_civil_war/#_edn25
4-
Surya Rajkumar, " Why India’s Silence
On The Chemical Attack In Syria Is Deeply Worrying", 17/4/2017.
https://www.youthkiawaaz.com/2017/04/where-does-india-stand-in-terms-of-the-syrian-civil-war/
5-
"Dipanjan Roy Chaudhury, "India distances itself from military
strikes in Syria", The economic times, 26/7/2018.