معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية: أسباب الفشل وآليات التطبيق
وسط تجدد المخاوف الدولية
من انتشار الأسلحة النووية، وتهديدها للسلم والأمن الدوليين، عقدت منظمة معاهدة
الحظر الشامل للتجارب النووية (CTBTO)، اجتماعاً لها في الفترة من 28 أغسطس إلى 2 سبتمبر 2018، في
كازاخستان، وقد طالب بضرورة انضمام بقية دول العالم إلى المعاهدة، ووقف التجارب
النووية، إلا أن الكثير من الدول خاصة القوى الكبرى والقوى الإقليمية ترفض التوقيع
عليها، ومن وقع لم يصدق، لحسابات استراتيجية وصراع على النفوذ والبقاء، ورغم ذلك
لم تمنع هذه الدول المنظمة والهيئات الدولية من طرح هذه الدعوات لمنع انجرار
العالم إلى المزيد من الصراعات المدمرة.
أهم ملامح معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية
حظرت
معاهدة " CTBT) "Comprehensive Nuclear-Test-Ban Treaty) اختبار الأسلحة النووية
وجميع أنواع التفجيرات النووية سواء لأغراض سلمية أو عسكرية في أي مكان، وهي تختلف
عن معاهدة "الحد من انتشار الأسلحة النووية"( NPT) (Treaty on the
Non-Proliferation of Nuclear Weapons) التي بدأ التوقيع عليها عام 1968، وتضم 189 دولة، ومن بين الدول
الغير موقعة عليها حتى الآن الهند وباكستان ودولة الاحتلال الإسرائيلي، بجانب
انسحاب كوريا الشمالية من الاتفاقية عام 2003، وفيها تعهدت الدول المنضمة
للاتفاقية بعدم نقل التكنولوجيا النووية إلى دول أخرى، والامتناع عن تطوير
ترسانتهم من الأسلحة النووية، ومنع الدول التي تمتلك هذا السلاح من استخدامه إلا
إذا تعرضت إلى هجوم نووي من دولة أخرى، بجانب بنود أخرى، لكن معاهدة الحظر الشامل
للتجارب النووية " CTBTO" تختلف عنها(1).
أعلنت منظمة الأمم المتحدة عن
معاهدة حظر التجارب النووية في 24 سبتمبر 1996 في الولايات المتحدة، ولم تدخل الآن
حيز التنفيذ مثل معاهدة " NPT"، فمن أجل سريان المعاهدة يجب على 44 دولة معنيين
"بالملحق رقم 2" أن يصدقوا على المعاهدة. في عام 2012 وقعت 41 دولة من
الـ 44 المعنيين بالملحق الثاني على الاتفاق، وصادقت 36 دولة من الـ41، فيما بقيت
ثلاث دول لم توقع نهائيا، ولم تصادق 8 دول من الـ44 عضوا، وهذه الدول الـ44
قالت المنظمة القائمة على الاتفاق إنها تمتلك منشآت وتكنولوجيا تتيح لها
تنفيذ برامج نووية ذات طابع عسكري(2).
والدول الثمانية ضمن قائمة الـ44 المعنيين بالملحق
الثاني ولم يصدقوا عليه هم، الصين و مصر والولايات المتحدة وإيران
ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وهؤلاء وقعوا ولم يصدقوا، فيما لم توقع أو تصدق كل من
كوريا الشمالية والهند و باكستان، وهذه الثمانية تعوق دخول المعاهدة حيز التنفيذ
حتى الآن.
وتتكون المعاهدة من 17
مادة، ومرفقان بالمعاهدة، بجانب بروتوكول إضافي ملحق بالمعاهدة، وتنص المادة
الأولى منها على تعهد كل دولة طرف بعدم إجراء أي تفجير من تفجيرات تجارب الأسلحة
النووية أو أي تفجير نووي آخر، كما تتعهد كل دولة طرف بالاتفاق، الامتناع عن
التسبب في إجراء أي تفجير من تفجيرات تجارب الأسلحة النووية أو أي تفجير نووي آخر،
أو التشجيع عليه أو المشاركة فيه بأي طريقة كانت، فيما نصت المادة الثانية على أن
يكون مقر المنظمة القائمة على تطبيق المعاهدة في فيينا عاصمة النمسا، وحظرت
الاتفاقية منع انضمام أي دولة لها فأي دولة لها الحق في الانضمام إليها(3).
وحددت
الاتفاقية أيضا الهيكل التنظيمي للمنظمة ويتكون من، مؤتمر الدول الأطراف، والمجلس
التنفيذي، والأمانة الفنية التي تتضمن مركز البيانات الدولي، كما نظمت الاتفاقية
الحصص المالية المفروضة على كل عضو، وطرق عقد المؤتمرات الخاصة بالمنظمة من أجل
دعم أهدافها.
هل نجح اجتماع آستانا في تحقيق أهداف المعاهدة؟
جاء انعقاد
"المؤتمر الدولي حول مناهضة الانتشار النووي" في العاصمة آستانا
بالتزامن مع اليوم الدولي لمكافحة التجارب النووية الموافق 29 أغسطس، الذى أطلقته
الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2009 بمبادرة من الرئيس الكازاخى نور سلطان نزار
باييف، للفت الأنظار إلى مخاطر الانتشار النووي وممارسة نوعا من الضغوط
السياسية والشعبية على الدول الرافضة تفعيل المعاهدة.
شارك
كثيرون في الاجتماع الدولي وصدر بيان مشترك عن وزير خارجية كازاخستان خيرت
عبد الرحمنوف، ولاسينا زيربو الأمين التنفيذي لمنظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب
النووية (CTBTO) جاء فيه الآتي(4):
- مطالبة
بقية دول العالم بالانضمام إلى معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، ووقف التجارب
النووية.
- على
الدول الموقعة بذل كل ما في وسعها لضمان دخول حظر التجارب النووية حيز الإلزام
القانوني، وذلك بالبدء بتطبيق بنود معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.
- مطالبة
جميع الدول بمواصلة وقفها الاختياري لتفجيرات التجارب النووية.
- حث الدول
التي لم توقع المعاهدة أو تصادق عليها بعد، على المسارعة في ذلك. خاصة الدول
الثماني في الملحق رقم 2 من معاهدة الحظر الشامل للتجارب، والتي تلزم مصادقتها
لبدء نفاذ المعاهدة.
وبالتزامن
مع انعقاد المؤتمر، أكد العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في رسالة له للعالم
بشأن الحظر الشامل للتجارب النووي، كشف تنفيذ أكثر من 2000 تجربة نووية خلال
السبعين عاما الماضية في مختلف دول العالم، مما ألحق الضرر البالغ ببعض أشد الشعوب
ضعفا والنظم البيئية، وليس هذا فقط بل من المحتمل أن يتسبب عدم توقيع وتصديق الدول
على المعاهدة في تعريض القواعد الدولية المناهضة للتجارب النووية للخطر
وكذلك ونظام التحقق العالمي التي طورت خلال العقدين الماضيين(5).
وبخلاف
البيان الصادر عن مؤتمر آستانا لم يتوصل المجتمعون أو المنظمة إلى تفاهمات أو
اتفاقات وترتيبات جديدة للحد من التجارب النووية، لأن العديد من الأعضاء لها أهداف
خاصة يفرضها عليها موقعها الجغرافي والدولي، بجانب الخلافات التي توجد بين بعض
الدول ذات العداءات التاريخية، مما يمنعها من الانضمام للاتفاقية خوفا من تحركات
معادية من الطرف الآخر، بجانب أن الدول الرافضة للتصديق على المعاهدة تريد تنازلات
من أطراف أخرى تمتلك بالفعل السلاح النووي، تستخدمه كأداة ضغط وابتزاز.
لماذا ترفض بعض الدول تفعيل المعاهدة؟
يلاحظ
أن الدول الثمانية المطلوب تصديقها على المعاهدة لتدخل حيز النفاذ لها ترتيبات
وأهداف خاصة، فبالنسبة إلى الولايات المتحدة منذ الإعلان عن الاتفاقية رفض مجلس الشيوخ
التصديق عليها عام 1999، وحينما جاء الرئيس السابق باراك أوباما إلى البيت الأبيض
وعد بالتصديق عليها، إلا أنه لم يفعل، وبالتأكيد لن يفعلها الرئيس الحالي دونالد
ترامب، الذي طالب بتطوير الترسانة النووية بشكل خاص بخلاف تطوير باقي الأسلحة
لمواجهة، تصاعد النفوذ والتهديد الروسي والصيني للولايات المتحدة وحلفائها.
واعتبرت استراتيجيتي الأمن
القومي الأمريكي والدفاع التي أقرها ترامب عند قدومه للبيت الأبيض، موسكو وبكين
التهديد الأول للولايات المتحدة قبل الإرهاب، كما اعترفت بتراجع القوة العسكرية
الأمريكية مقارنة بخصومها، وتركز بشكل أساسي الآن على قطاع الفضاء وتطوير السلاح
النووي، لمجابهة هذه التهديدات، وهو ما يتطلب المزيد من التجارب النووية، التي
ستمنع إذا انضمت واشنطن إلى المعاهدة(6).
وفي
مايو 2018، كشف سلاح الجو الأمريكي عن تحقيق تقدم كبير في تطوير مشروع "B61-12" وهي قنبلة نووية
جديدة، مدفوعة بالجاذبية، وخضعت هذه القنبلة وحدها لـ26 تجربة، بخلاف تطوير
القنابل الاستراتيجية الصغيرة، فواشنطن تخطط لصرف أكثر من تريليون دولار على تحديث
ثلاثيتها النووية، وهي القاذفات النووية، والصواريخ النووية، والغواصات النووية(7).
أما
بالنسبة للصين تعلن أنها لن توقع على المعاهدة ما لم توقع واشنطن، فبكين تتخوف من
التشكك الأمريكي تجاهها، والكثير من الخطط والتحديثات الأمريكية تعلنها صراحة أنها
لمواجهة النفوذ الصيني، وهو ما يجعلها في موضع الاستعداد والتطوير دائما، يأتي
البرنامج النووي على رأس الآليات التي ستستخدمها في ردع الولايات المتحدة، ينطبق
هذا الأمر على باكستان والهند فهما يمتكلان تاريخا من العداء المتبادل، وكلاهما
غير منضم بالأساس لاتفاقية "NPT" التي تعتبر الاتفاقية الأم لتقييد الأنشطة النووية،
وبالتالي لن يقدما على الانضمام لاتفاقية تعتبر مكملة لها.
وانتقالا
إلى منطقة الشرق الأوسط، تستند مصر إلى أسباب منطقية واستراتيجية تمنعها من
التصديق على المعاهدة، فالقاهرة وجميع دول المنطقة عضو في اتفاقية "NPT" بينما دولة
الاحتلال الإسرائيلي غير منضمة لها، وتمتلك بالفعل أسلحة نووية تهدد بها دول
المنطقة، لهذا طالبت مصر منذ سنوات بوضع اتفاقية دولية لإنشاء منطقة خالية
من الأسلحة النووية وكافة أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وبهذا تضم دولة
الكيان وكذلك إيران إليها، وهو ما عرقلته الولايات المتحدة منذ عام 1990، من أجل
حماية البرنامج النووي لدولة الاحتلال، الذي يشهد كل فترة عمليات من التحديث
والتجارب(8).
أما
طهران حدثت مشروعها النووية وأجرت اختبارات كثيرة بالفعل قبل توقيعها الاتفاق
النووي عام 2015، وبعد أن خرج ترامب الاتفاق من المستبعد انضمامها لمعاهد حظر
التجارب، بل تهدد الآن بالعودة لاستكمال برنامجها النووي الذي تصفه بالسلمي لكنه
في الواقع لن يكون كذلك، وستستعين في ذلك بكوريا الشمالية التي دعمتها منذ البداية
في مشروعها النووي، فبيونج يانج غير منضمة لأي اتفاقية نووية ومفروض عليها عقوبات
بسبب تجاربها النووية، والآن تخوض مفاوضات مع واشنطن لوقف برنامجها وعلى رأسها
التجارب النووية، إلا أن هذا من الصعب حدوثه على المدى القصير، فما زال هناك تشككا
كبيرا من قبل الطرفين، رغم لقاء ترامب برئيس كوريا الشمالية.
الخاتمة
يمكن القول، إن معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، من غير المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ خلال السنوات المقبلة، فعلى المستوى الدولي هناك حالة من التنافس والاضطراب في النظام العالمي وسط تصاعد الخلافات بين واشنطن وخصومها، ويأتي السلاح النووي على رأس الآليات التي يتم توظيفها كأحد آليات الردع وهو ما يستلزم التطوير المستمر بما يعني تجارب نووية أكثر، وعلى المستوى الإقليمي، ما زالت الخلافات قائمة بين الهند وباكستان، وكذلك إيران وخصومها الغربين والشرق أوسطين، أما دولة الاحتلال ما زالت مستمرة في سياستها العدوانية التي زادت أكثر مع قدوم ترامب، وهو ما يجعل الدول العربية وعلى رأسها مصر متمسكة بإعلان منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وليس فقط الإنضمام لمعاهدة فرعية وإن كانت مهمة.
المصادر:
1- معاهدة عدم انتشار
الأسلحة النووية، مجلة الوكالة الدولية للطقاة الذرية، مارس 2005، https://bit.ly/2NQZhis.
2- فعاليات المؤتمر العالمي لمكافحة التجارب النووية تنطلق في أستانا
غداً الاربعاء، وكالة سما، 28/8/2018، https://bit.ly/2NfUHNL .
3- معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، اللجنة التحضيرية لمنظمة
معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، https://bit.ly/2wObTiS .
4- كازاخستان ومنظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية: لوقف
انتشار الأسلحة النووية، لبنان فايلز، 30/8/2018، https://bit.ly/2MOkT2p.
5- الأمين العام يدعو إلى توحيد الجهود لضمان تنفيذ معاهدة الحظر الشامل
للتجارب النووية، موقع الأمم المتحدة، 29/8/2018، https://bit.ly/2CkZXLw .
6- محمد عمر، الإستراتيجية الدفاعية الأمريكية
لعام 2018.. وحماية نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، مركز البديل للتخطيط
والدراسات الاستراتيجية، 30/1/2018، https://bit.ly/2oIAxhj .
7- الولايات المتحدة تجري 26 تجربة ناجحة لتطوير
قنبلة نووية جديدة، روسيا اليوم،3/5/2018، https://bit.ly/2MOlUaW .
8- منير زهران، معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية من منظور دول منطقة الشرق الأوسط، المجلس المصرى للشئون الخارجية، 4/9/2018، https://bit.ly/2MStTUk .