الملاذ الأخير .. الإرهاب وقوانين اللجوء القطري
شكل إعلان أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل
ثاني"، في الـرابع من سبتمبر 2018، العديد من القوانين المتعلقة باللجوء
السياسي والإقامة الدائمة في الإمارة، ولعل هذه التشريعات أبرزت العديد من الأسئلة
حول الدوافع السياسية من وراء تلك القوانين في ظل العديد من الانتصارات التي
تحققها الدول العربية في مواجهة الجماعات الإرهابية، وما إذا كانت هذه القوانين
بمثابه الملاذ الآمن لتوجه العديد من العناصر الإرهابية الموضوعين على قوائم
الإرهاب للدوحة؟
الدوحة الملاذ الجديد القديم للإرهابيين
إن رعاية النظام القطري الحالي للإرهاب أمر ليس بالجديد؛
فقطر تحتضن على أراضيها «بلال فيليبس» المعروف بـ«أبوأمينة»، المتورط في تفجيرات
مركز التجارة العالمي في الولايات المتحدة عام 1993، ورغم طرد «فيليبس» من 12 دولة
حول العالم، بسبب آرائه المتشددة التي اكتسبها من «محمد قطب» -الشقيق الأصغر لسيد
قطب المرجع الفكري لجماعة الإخوان- فإن «الدوحة» وفرت له ملاذًا آمنًا.
والمُتابع للسياسة التي تتبناها الدوحة تجاه الجماعات
المتطرفة، يجدها تقوم على منح تسهيلات للعديد من القيادات والأسماء البارزة في تلك
الجماعات، وعلى رأسها جماعة الإخوان، ويُعد يوسف القرضاوي -أبرز المرجعيات الفكرية
للجماعة- وعاصم عبدالماجد -أحد قادة الجماعة الإسلامية، المتورط في العديد من
أعمال العنف- مثالين يُجسدان بوضوح مدى الرعاية التي توفرها قطر لقادة الجماعات
المتشددة.
كما أن الدوحة لم تكتفِ بتوفير ملجأ آمن فوق أراضيها
للعديد من قادة وعناصر الجماعات المتشددة؛ بل تجاوز الأمر هذا الحد ليشمل دعمها
-بشتى وسائل الدعم- العديد من جماعات العنف والتطرف، التي تستبيح دماء الأبرياء،
وتروع الآمنين، وتنشر الفوضى والدمار في الدول العربية والأوروبية؛ وذلك على خلفية
ما أعلنته وزارة الخزانة الأمريكية في تقرير لها، في 18 يونيو 2017، عن تورط عائلة
«آل ثاني» الحاكمة في قطر، في تمويل ودعم المنظمات الإرهابية المتطرفة بحجم تمويل
وصل إلى نحو 64 مليار دولار، في الفترة من عام 2010 وحتى 2015.
ومن ثم فإن التشريعات الجديدة التي أقرتها قطر لا تمثل
سوى امتداد لسياسة الدوحة في هذا الإطار، اشترطت الدوحة لمنح الأجنبي حق اللجوء
السياسي عدة شروط أبرزها ألا يكون سبق أن ارتكب جريمة حرب، ولا يحمل أكثر من
جنسية، وألا يمارس نشاطاً سياسياً داخل قطر، فى حين أنها أعلنت عن حصول اللاجئ
السياسي على امتيازات بينها، حصوله على وثيقة سفر تمكنه من السفر إلى أي مكان،
والتمتع بحماية الأجهزة السيادية في قطر، وأن يحظى بالرعاية الصحية الكاملة.
اللافت للانتباه أن الدوحة أعلنت تغاضيها عن الجرائم
الإرهابية التي ارتكبها عناصر جماعة الإخوان الإرهابية، بزعم أن هذه الجرائم
مُسيسة، وذلك للتحايل، وتقنين حماية الإرهابين داخل الإمارة، بمنحهم صك اللجوء السياسي.
تقنين قانوني
يفتح القانون الجديد ذراعيه أمام عدد من الكوادر
الإرهابية الهاربة للخارج للتمتع بحق اللجوء السياسي، سواء الحاليين أو الوافدين
الجدد إليها بفعل الانتصارات العربية والدولية في ملف الإرهاب، ولم تكتف قطر بتلك
القوانين على منح حق اللجوء فقط، بل التمتع بالعديد من الامتيازات الداخلية مثل
تولي المناصب العامة والحصول على كافة الخدمات، وبذلك خطت الدوحة خطوة جديدة في
مسارها لدعم الإرهاب بإصدارها ما يعرف بقانون تنظيم اللجوء السياسي. ويفتح القانون
الجديد الباب أمام تجنيس مئات من القيادات الإرهابية التي تأويها قطر وتحصينها من
الملاحقة القضائية.
يأتي ذلك وفق القانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الإقامة
الدائمة في البلاد، والقانون رقم 13 لسنة 2018 الخاص بتعديل بعض أحكام القانون رقم
21 لسنة 2015 حول تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم في أراضي قطر، وكذلك القانون
رقم 11 لسنة 2018 بتنظيم اللجوء السياسي في الإمارة.
ووفقًا لتلك القوانين، فإن الدوحة أن القانون يمثل غطاءً شرعيًا مزيف للإرهابيين ومرتكبي
الجرائم الإرهابية بل والصادر ضدهم أحكام جنائية في قضايا إرهابية في دول عربية،
فضلاً عن أنه يصطدم بالاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي عقدتها الدول العربية
عام 1998، للتعاون بين الدول العربية للتصدي للإرهاب الذى هو جريمة عبر وطنية
ومتنقلة من دولة إلى دولة .
قطر والقطيعة مع العرب
تواصل قطر التغريد خارج السرب العربي والدولي، ففي الوقت
الذي يكافح فيه العالم الإرهاب، تبادر قطر بمثل هذا القانون الذي قد يدفع الكثير
من الإرهابيين للفرار إلى الدوحة، تطبيقا لما أضحى مفهوما قطريًا للجوء السياسي.
وأمام هذا الدعم القطري للإرهاب، أعلنت مصر، والسعودية،
والبحرين، والإمارات، صباح الخامس من يونيو عام 2017، قطع جميع العلاقات
الدبلوماسية مع الدوحة، ووقف نشاط الحركة البحرية، والبرية، والجوية معها، وهو ما
عُرف بـ«المقاطعة العربية»، وذلك عقب ثبوت تورط قطر في دعم الجماعات الإرهابية
المنتشرة في العديد من الدول العربية، خاصة سوريا ومصر.
يذكر أن المقاطعة العربية لقطر جاءت على خلفية اتهام
الأخيرة بممارسة سياسات داعمة للإرهاب والتنظيمات الإرهابية المختلفة مما يهدد
استقرار المنطقة، كما تضمنت المطالب الثلاثة عشر من قطر لعودة العلاقات من جديد،
انتهاج سياسة من جانب الدوحة تساهم في مواجهة الجماعات الإرهابية وعناصرها وهو ما
رفضته قطر.
على المستوي الدولي طالبت واشنطن الدوحة بوقف دعم
الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران؛ وفقًا لصحيفة التيلغراف في عددها الصادر
بتاريخ 13 مايو 2018؛ حيث دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قطر إلى وقف تمويل
المليشيات الموالية لإيران وذلك بعد الكشف عن عدد من رسائل البريد الإلكتروني
مُرسلة من مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة القطرية إلى أعضاء قياديين في منظمات
كحزب الله وإلى كبار القادة في الحرس الثوري الإيراني من بينهم حسن نصر الله وقاسم
سليماني.
وفي ظل وجود العديد من المعطيات والأدلة التي تثبت بما لا يدع مجالًا للشك، تورط النظام القطري في دعم ورعاية الجماعات والتنظيمات الإرهابية؛ باتت الدوحة تعاني في الوقت الراهن من أزمة استعادة الثقة الخليجية والعربية والدولية؛ خاصة بعد إصرارها على انتهاج سياسة التآمر على العرب، وتهديد أمنهم القومي.