بوتين وأردوغان وإعادة تعريف الأدوار الاقليمية والدولية في سوريا
شكل إعلان الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، في
17 سبتمبر 2018، أنه توصل مع نظيره التركي "رجب طيب أردوغان"، إلى قرار بشأن
العملية العسكرية على إدلب، يتمثل في إقرار منطقة عازلة منزوعة السلاح بين مقاتلي
المعارضة وقوات النظام السوري، وذلك خلال قمة ثنائية عقداها في منتجع سوتشي، على
أن يتم تنفيذ هذه المخرجات بحلول منتصف شهر أكتوبر 2018، على أن يتم مراقبة تنفيذ
هذه البنود بمشاركة من القوات الروسية والتركية عوضًا عن مراقبة المناطق منزوعة
السلاح، يأتي هذا الاتفاق على خلفية موقفهما المتناقض تجاه النزاع المستمر في
سوريا منذ سبع سنوات –اندلاع الأحداث السورية- ، وموقف أنقرة من النظام السياسي
السوري ودعم المعارضة السورية في مواجهته.
ووفق الاتفاق فإن المناطق منزوعة السلاح ستكون بعرض
يراوح ما بين 15 إلى 20 كيلومترًا، على أن يتم سحب الأسلحة الثقيلة، وانسحاب
التنظيمات الإرهابية المتطرفة كجبهة النصرة والميليشيات المتشددة من هذه المنطقة،
عوضًا عن ضمان إعادة فتح طريقي (حلب - حماة)، و(حلب - اللاذقية) قبل نهاية العام
الحالي 2018، وكنتيجة لهذا الاتفاق سيتم وقف الهجوم البري الذي كانت قوات الأسد
تعتزم شنه على المعارضين والجماعات الإرهابية المتشددة في إدلب.
المناورة
الروسية
يمثل هذا الاتفاق بالنسبة لروسيا انتصارًا مرحليًا
تمهيديًا، قد يعقبه هجوم بري موسع على إدلب بعد تهيئة الأوضاع هنالك، خاصة في ظل
الرؤية الروسية المتعلقة بضرورة الفصل بين جماعات المعارضة المعتدلة للأسد وبين
الجماعات الإرهابية المتشددة، خاصة تلك المنضوية تحت لواء ما يسمى (هيئة تحرير
الشام - جبهة النصرة سابقًا). وبناء على ذلك، فمن المرجح أن تتعرض الجماعات
المتشددة المسلحة خارجها لضربات جوية وبرية، مما قد تنتهي بنزع سلاح المقاتلين
وتهجيرهم مع اسرهم.
بالنسبة لتركيا أعلن الرئيس التركي "أردوغان"،
بأن الخطوات التي اتفق عليها مع نظيره الروسي ستسهم في حل الأزمة السورية بشكل
عام، وستمهد لتفاهم الأطراف السورية المختلفة لمناقشة مستقبل بلادهم ووضع حد للحرب
القائمة.
ومن ثم فهذا يعني أن معركة إدلب قد تم تأجيلها، وتبقى
المهمة الأساسية لدى الأتراك هي ضمان عدم قيام المعارضة بأي استفزازات للنظام، وفي
المقابل تضمن روسيا عدم استفزاز قوات النظام للمعارضة، أي أنا روسيا هي الناظم
لتلك العلاقات ومجريات الأمور الميدانية.
وتهدف روسيا من وراء هذا الاتفاق التفاهم مع الجانب
التركي بصورة مرحلية على وجود ضمانات متعلقة بأن الأتراك ضمنوا للجانب الروسي
حماية قواعدهم على البحر الأبيض المتوسط، وتحديدًا قاعدتي حميميم وطرطوس، مقابل أن
تحتفظ المعارضة السورية بمواقعها الأخيرة في إدلب، مما يدفع بالعملية السياسية على
مساري أستانا وجنيف نحو حل سلمي للأزمة السورية.
تركيا
والمجتمع الغربي
بعد توقيع هذا الاتفاق بين روسيا وتركيا، وفي ظل
المحاذير الدولية المتزايدة يومًا بعد يوم، على خلفية التخوفات الدولية المتعلقة
بوجود كتلة كبيرة من السكان المدنيين الذين قد يتضرروا من تبعات تلك الهجمات
العسكرية، وما يتسبب ذلك في زيادة معدلات اللجوء والنازحين من المدنيين سواء إلى
الدول المجاورة أو الدول الأوروبية بشكل خاص.
بالنسبة للمجتمع الغربي قد يمثل توصل أنقرة مع موسكو إلى
حل توافقي مؤقت للأزمة في إدلب، مفتاح جديد لدعم الجهود الغربية لتركيا، خاصة وأن
أنقرة الآن باتت أحد مرتكزات العملية السياسية في الميدان بدعمها جماعات المعارضة
المسلحة، وفي نفس الإطار يشكل هذا الاتفاق ورقة أخرى للغرب في مواجهة التمدد
الروسي في سوريا وإن كان على المدى القريب، فإن الدول الغربية قد تعمل على تعزيز
هذا الاتفاق عبر مساندة تركيا في هذا الشأن.
حيث يرى الغرب أن هذا الاتفاق يمكن أن يكون نواة لدور
يتم توظيف تركيا من خلاله للتأثير في المسار السياسي والعسكري وفق تصور أن هذا
الاتفاق يمثل مكسب متبادل يعزز التعاون بين البلدين فيما يتعلق بمسارات سوريا
السياسية والعسكرية، وأن هذا الاتفاق سيتيح لأنقرة كذلك أن تعزز من وجودها العسكري في إدلب
وهو ما يعني أنّها حاضرة على المستوى القريب في سوريا ميدانيًا، بغض النظر عن
المآل الذي ستتجه إليه الأمور لاحقًا.
وعليه، فإنّ المسؤولية ستكون مشتركة بين تركيا وروسيا
وفق هذا الاتفاق، حالها حال الضمانات، وهو ما يفترض زيادة التعاون والتنسيق بين
الجانبين التركي والروسي، إلا في حالة رغبة روسيا وهي الضلع الأهم في المعادلة
تغيير هذا المسار، وهو ما يمكن وصفه بالتوافق المرحلي وإعادة رسم الدور التركي في
سوريا من خلال البوابة الروسية.
ولعل التصور الدولي يأتي على خلفية ويحشد النظام السوري
المدعوم من روسيا قواته حول محافظة إدلب منذ أسابيع، مما يثير مخاوف من هجوم جوي
وبري وشيك لاستعادة السيطرة على المعقل الأخير للفصائل المسلحة، وعليه حذرت الأمم
المتحدة ومنظمات غير حكومية مرارًا من أن هجومًا مماثلًا يمكن أن يتسبب
"بحمام دم" و"كارثة إنسانية" في إدلب التي يعيش فيها 3 ملايين
شخص، خاصة بعد عمليات القصف الجوي الروسية والسورية ونيران المدفعية التي تم
توجيهها إلى العديد من الجماعات في إدلب، كما أن هذا الاتفاق يمثل للغرب إيقاف
مؤقت لعمليات تدفق اللاجئين السوريين إلى بلدانهم.
إيران
بين خلاف الجولان وتوافق إدلب
أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية "بهرام قاسمي"،
بالترحيب بالاتفاق الروسي – التركي، بحسب وكالة "تسنيم" الإيرانية؛ حيث
صرح قاسمي: " بأن إعلان الاتفاق حول كيفية تسوية قضية إدلب في سوريا خطوة
مهمة وأساسية في القضاء على فلول الإرهابيين". وأضاف:" إن الاتفاق
سيساعد على تسريع عملية الاستقرار في سوريا وإنهاء وجود الجماعات الإرهابية، كما
أنها نجحت في تجنب الحرب في إدلب مع تأكيد التزام الأطراف محاربة الإرهاب المتطرف،
مؤكدًا حرص طهران على حل مسألة إدلب على نحو لا يلحق الضرر بالمدنيين، وشدّدت على
أن الموضوع الإنساني مهم جدًا بالنسبة إليها".
وبالرغم من ذلك القبول، إلا أن العلاقات الإيرانية
الروسية شهدت محطات عدة حول مستقبل الوجود العسكري الإيراني في الجولان بالقرب من
الحدود السورية الإسرائيلية؛ حيث تعتمد قدرة إيران على البقاء قرب حدود الجولان
إلى حدّ كبير على روسيا، التي توفّر غطاء جويًا وقدرًا من الردع لإسرائيل. لكن،
وكما يبدو الآن، وبعد التفاهمات الروسية الإسرائيلية الأخيرة فإن إيران وجدت نفسها
في وضع لا يسمح بوجود قواتها العسكرية هناك.
وعليه فإن قبول إيران الاتفاق الثنائي بين موسكو وأنقرة يؤكد
على عمق التفاهم بينها وبين روسيا وتركيا فيما يتعلق بتسوية الأزمة في إدلب وتسوية
الأزمة السياسية في سوريا.
إجمالًا: يمثل الاتفاق الروسي التركي الورقة الأخيرة لدى كلاهما لتسوية الأزمة في سوريا سياسيًا، إلا أن هذا الاتفاق لا يمكن أن يكون حاجز أمام التدخلات العسكرية خاصة في ظل إصرار النظام السوري على إنهاء هذه الأزمات الناتجة عن وجود العديد من الجماعات المسلحة، ويعتقد بأن هذا الاتفاق لم يقدم حلول جذرية بقدر ما يفرض على الساحة السورية حجم التحديات المقبلة.