"حرب المحار"... اشتباكات كاشفة لمستقبل القوات البحرية البريطانية
نشبت مواجهات بين الصيادين الفرنسيين والبريطانيين على
ساحل النورماندي، وتفاقمت الأوضاع بإلقاء بعض السفن الفرنسية قنابل دخانية على عدد
من السفن البريطانية، في المقابل رد البريطانيون بالتصادم بسنفهم الأمر الذي أسفر عن
خسائر مادية ألُحقت بالسفن وذلك خلال
رحلات الصيد المشتركة.
جاء ذلك نتيجة الخلاف القانوني حول موسم الصيد الذي
أصدرته البحرية الفرنسية القاضي بتنظيم عمليات الصيد في الخليج الفرنسي لمواجهة
لحالات التصادم بين البحارة، يسمح بالصيد لبريطانيا طول العام بينما يحظر الصيد
على فرنسا للسماح للمحار بالتكاثر بين 15
مايو/ أيار وحتى 1 أكتوبر/ تشرين الأول، لذا فقد اتهم البحارة الفرنسين
البريطانيين بسرقة المحار واندفعوا
للمشاركة معهم في الصيد(1).
والجدير بالذكر؛ إنها لم تكن المرة الأولى التي تشهد
تصادمًا بين البحارة الفرنسيين والبريطانيين، فقد تم ذلك في عام 2012، وتم استدعاء
البحرية الفرنسية للتدخل بعد أن قامت 40 سفينة فرنسية محاصرة خمس سفن بريطانية في
نفس المنطقة.
التعاطي
الفرنسي البريطاني مع الحادث
حاولت كلًا من فرنسا وبريطانيا تهدئة الأوضاع من خلال
عقد لقاءات بينهم لإنهاء النزاع بينهم المتعلق بحقوق الصيد المشترك وذلك يوم
الجمعة الموافق 7 سبتمبر/ أيلول، إلا أن اللقاءات التي دارت بين المسئولين فشلت في
تسوية الأوضاع بشكل ملموس، نتيجة المطالب البريطانية القاضية بالحصول على تعويضات مرتفعة.
فيما أوضح "هوبرت كار" مدير لجنة الصيد الوطنية
الفرنسية إن المباحثات مازالت مستمرة حتى
تصل إلى الحد المأمول الذي يحافظ على حقوق البحارة في كلا الجانبين دون المساس
بانتهاكات للسيادة البحرية لأي منهم، في إشارة إلى أن السلطات البلدين قد تمكنت في
وقت سابق إلى التوصل إلى اتفاق يقضي بموجبه على حظر دخول القوارب البريطانية الأطول
من 15 مترًا إلى المناطق المعنية قبالة سواحل نورماندي في الفترة من منتصف مايو/
أيار إلى نهاية شهر سبتمبر/ أيلول، وذلك تمشيًا مع الحظر الفرنسي.
فيما أعلنت الحكومة الفرنسية عن جاهزية قواتها البحرية للتدخل
المباشر، في حال استمر الاقتتال بين البحارة الفرنسيين والبريطانيين على صيد المحار،
في خليج "لا سين" شمالي فرنسا.
في المقابل دعا "مايكل جوف" وزير البيئة
البريطاني باريس منع تكرار الحادث الذي
وصفه بـ "المشاهد الرهيبة" الناجمة من تصادم السفن، وإصابة بعضها
بالحجارة. وطالب البحارة البريطانيون البحرية الإنجليزية بالتدخل قائلين، "هل
حكومتنا متساهلة للغاية مع الاتحاد الأوروبي، بأنها لن تتصرف على الوضع في القناة؟".
و"إذا كان الأمر كذلك فكيف سيطبقون سيادتنا على مياهنا بموجب القانون الدولي بعد
بريكست؟"(2).
القوات
البحرية البريطانية وحماية المياه الإقليمية
صوتت المملكة المتحدة في 23 يونيو/ حزيران 2016 على الخروج من الاتحاد الأوروبي، والدخول في
مفاوضات معه للتوصل إلى تسوية سلمية تستفيد منها جميع الأطراف بما يحفظ الأمن
والاستقرار داخل القارة التي ستتأثر فعليًا بخروجها من الاتحاد؛ لأن أمن أوروبا
عبارة عن تشابكات معقدة من الاتفاقيات والتوافقات بين الدول الأعضاء كل منهم تساهم
في حماية الأمن الأوروبي، وفقًا لمقدراتها الداخلية، كما تنصهر هذه المقدرات في
سياق أكبر داخل هذا الاتحاد لتُعبر عن قوة إقليمية مستندة إلى قدرات خاصة تُؤهلها
لدفاع عن نفسها.
وعليه سينعكس بالتأكيد الخروج البريطاني من الاتحاد على
القوات البحرية البريطانية بشكل كبير؛ حيث تمتلك بريطانيا أسطولًا بحريًا قويًا
يساهم في حماية أمنها القومي والأمن الأوروبي علاوة على إنها تعتمد عليه من
الناحية الاقتصادية في نقل البضائع تصل نسبتها إلى ما يقرب من 95٪ من بضائعها المتداولة
عن طريق البحر، وتستورد 40٪ من احتياجاتها الغذائية من الخارج.
لذا ستستمر القوات البحرية الملكية في لعب دور حيوي لن
يتغير بغض النظر عن المتغيرات المتلاحقة على الصعيد الاقتصادي والسياسي يتمثل في
منع الصراعات، وحماية الأمن البحري، وتقديم المساعدات الإنسانية؛ حيث يعد الدور حاسمًا
لحماية "مكانة المملكة المتحدة" كدولة تجارية تواجه الخارج ولها حصة كبيرة
في الهياكل الأمنية الدولية.
وعليه فقد ألقى الحادث الضوء على التحديات الداخلية التي
ستواجهها المملكة المتحدة في أعقاب خروجها من الاتحاد الأوروبي، ومدى انعكاس ذلك
على ترسيم الحدود البحرية، وتقاسم المصالح الاقتصادية في المياه الإقليمية، كما أثار تساؤلًا حول إلى أي مدى تستطيع البحرية
البريطانية حماية مياهها الإقليمية، الأمر الذي عبر عنه اللورد "آلان ويست"
الرئيس السابق لأركان القوات البحرية البريطانية؛ حيث أقر بأن بلاده لا تستطيع ضمان
الدفاع عن مياهها الإقليمية.
مُبررًا أن الحادث كان بمثابة انكشاف استباقي لأوجه
القصور في تنظيم عمل الهيئات العسكرية، كما أوضح أن هناك جهات مختلفة تشرف على
توجيه السفن، وأشار إلى وجود جهات مختلفة تشرف على توجيه هذه السفن، لكن لا توجد
بينهم تنسيق عبر مركز قيادي واحد يستطيع التمكن من إصدار أوامر للمؤسسات الحكومية لاتخاذ أي إجراء. لذا
فيجب علينا بريطانيا بعد بمغادراتها الاتحاد الأوروبي أن تسيير دوريات خاصة بها في
مناطقها الاقتصادية لحمايتها(3).
مآلات البريكسيت على القوات البحرية
البريطانية
من المرجح أن ينعكس البريكسيت على القوت الملكية بشكل
غير مباشر وخاصة فيما يتعلق بميزانية المعدات؛ حيث أن القوى العاملة ستستمر بالفعل، ومن المرجح أن تسعى القوات المليكة لحماية
التحسينات الصغيرة التي حققتها على تلك منذ المراجعة الاستراتيجية للدفاع والأمن لعام
2015.
ومن غير المحتمل أن تتأثر بعض برامج المعدات الجارية التي
تشمل الناقلات، وناقلات الطبقة المد والجزر لـ RFA، و River Batch 2 OPV و Astute class SSN. أما غيرها، مثل الفرقاطة من النوع 26، والفرقاطة
الخفيفة من طراز 31 ، وسفن الدعم الثابتة MARS ، و SSBN "اللاحق"
، فإنها معرضة لخطر أكبر إذا اقترن انخفاض الأداء الاقتصادي بالتزام صارم 2٪ فإنها
ستنعكس عليها نتيجة الانكماش الاقتصادي.
وبجانب هذا من المحتمل أن تتأثر صناعة السفن العسكرية
التي يتم تصنيعها في شمال بريطانيا على المدى القصير والمتوسط في سياق تنفيذ
بريطانيا لمفاوضات ستضطر نقل منشآت بناء السفن العسكرية التي تركز حاليًا على كلايد
إلى الانتقال بثبات إلى الجنوب، فضلاً عن المرافق المتخصصة لتشغيل أسطول المملكة المتحدة
من الغواصات المسلحة التي تعمل بالطاقة النووية؛ حيث أن تكلفة نقلهم ستمثل عبئًا
إضافيا على ميزانية الدفاع(4).
وهنا لابد من الإشارة إلى نقطة مهمة أن هناك محددات آخرى
يمكن أن يكون لها تأثير كبير على برنامج المعدات ويأتي في مقدمتهم العملة الوطنية
للمملكة المتحدة "الجنيه الاسترليني" الذي سيفرض ضغوطًا خاصة على برامج المعدات
ذات المحتوى المرتفع بالدولار. مثل شراء طائرات بوينغ من طراز P-8 Poseidon، وهي طائرات
حربية بحرية من طراز P-8 ، التي ستشكل جوهر مجموعة شركات الطيران المصممة
والمطورين الأمريكي الصنع، فضلًا عن نظام إطلاق رأسي للفرقاطات 26.
في المقابل؛ ستصبح واردات السلع الأجنبية أكثر تكلفة، وتصبح
صادرات المملكة المتحدة أرخص نسبياً وأكثر تنافسية في السوق الدولية. يمكن أن تعني
الزيادة في تكلفة شراء المعدات من الخارج أيضًا زخمًا متجددًا للبناء في المملكة المتحدة،
وقد يؤدي هذا إلى إمكانية تحقيق التوازن لصالح بناء السفن المحلية، خاصة بالنسبة إلى
RFA.
الفاعلين
الجدد في حماية الأمن البحري الأوروبي
مع مواصلة بريطانيا لتحضيرات الخروج من الاتحاد
الأوروبي، تسعى في المقابل عدد الدول الأوروبية التي تقديم بعض الخيارات المتاحة
وفقًا لمقدراتها الداخلية لتكون لاعبًا رئيسًا في حماية الأمن البحري الأوروبي بعد
خروج بريطانيا.
شرعت الدول الباقية
في الاتحاد بالفعل في خطط كبرى لبناء ما يعتبره البعض المرحلة الجنينية لجيش "الاتحاد
الأوروبي". وعليه تريد إسبانيا أن تكون في صميم الجيش من خلال تولى قيادة عملية
"أتالانتا"، وهي مهمة لمكافحة القرصنة على طول القرن الإفريقي تم
إطلاقها في 2008، وأسفرت عن انخفض عدد الهجمات قبالة سواحل الصومال في المحيط الهندي
من ذروة بلغت 176 في عام 2011 إلى سبعة في عام 2017.
وفي هذا السياق؛ تسعى مدريد إلى تولي مركز القيادة، الذي
يتخذ من لندن مقراً له حالياً، وتأمل في جعل روتا مقر العمليات الخامس للاتحاد الأوروبي.
ولكي تبرهن على ذلك قامت بتمرين عسكري يحاكي إنقاذ قارب صيد اختطفته مجموعة من القراصنة
المحتملين، في "سيناريو بحري أكثر تعقيدًا من أتالانتا التي تغطي جميع جوانب التخطيط
لعملية على مستوى استراتيجي" لإقناع المسؤولين في الاتحاد الأوروبي بقدراتها
في تحمل مسئولية القيادة المركزية لهذه المهمات البحرية واعترافًا منها بالتزامها
بحماية الأمن الأوروبي.
وردًا على ذلك قال متحدث باسم المفوضية الأوروبية إن مقر
أتالانتا سيبقى في "نورثوود" حتى تغادر المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي
في مارس 2019. لدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حتى ذلك الوقت أن تقرر أين سيقيم
مركز القيادة الجديد(5).
استطاعت الاشتباكات بين البحارة الفرنسين والبريطانيين
تسليط الضوء على مستقبل القوات البحرية البريطانية ومدى قدراتها على حماية أمنها
ومياهها الاقتصادية، فضلاً عن مآلات البريكسيت عليها في ظل تراجع نفقات
الدفاع.
الهوامش:
1. "نشوب الحرب بين فرنسا وانجلترا حول المحار
الثمين"، 5/9/2018. متاح على الرابط التالي: https://marocbleu.com/news9870.html
2.
"بعد اشتباكات
عنيفة قرب شواطئ إنجلترا... البحرية الفرنسية تهدد بالتدخل"، سبوتينك عربي،
5/9/2018. متاح على الرابط http://cutt.us/xEGiB
3.
"رئيس أركان
البحرية البريطانية السابق يحذر من "كارثة" تتربص بأسطول بلاده"، روسيا
اليوم، 5/9/2018. متاح على الرابط التالي: http://cutt.us/zs6II
4.
"Brexit –
possible impacts on the Royal Navy", Save the Royal Navy,
28/6/2016. https://www.savetheroyalnavy.org/brexit-possible-impacts-on-the-royal-navy/
5. "Spain's navy wants big role in post-Brexit European defence", tribune, 28/4/2018. https://tribune.com.pk/story/1697490/3-spains-navy-wants-big-role-post-brexit-european-defence/