الأسئلة الخمسة: ما وراء استدعاء روحاني إلى البرلمان
في
ظل تفاقم المشكلات داخل إيران، قام البرلمان الإيراني نهاية أغسطس 2018 باستدعاء
الرئيس حسن روحاني حتى يتم سؤاله حول خمسة محاور رئيسية جميعها تدور حول مسائلَ
وقضايا اقتصادية.
فقد قام الرئيس الإيراني حسن روحاني صباح
يوم الثلاثاء 28 أغسطس إلى جانب عدد من أعضاء حكومته بالحضور إلى البرلمان للإجابة
على أسئلة خمسة من جانب النواب الإيرانيين. وكان إلى جانب روحاني نائبه الأول
إسحاق جهانجيري ومحمد جواد ظريف وزير خارجيته وعبد الرضا رحماني فضلي وزير
الداخلية. كما حضر وزير الاستخبارات محمود علوي ووزير الصناعة محمد شريعتمداري وآخرين.
ووجه النواب الإيرانيون أسئلتهم إلى روحاني
إلا أن الأخير لم يستطع إقناعهم بإجاباته سوى حول السؤال الأخير.
أسئلة
البرلمان الخمسة
كانت
الأسئلة الخمسة التي وجهها النواب الإيرانيون إلى الرئيس روحاني كما يلي:
1- لماذا لم تنجح حكومة
روحاني في السيطرة على عمليات التهريب التي تُعد من أهم أسباب شلل الاقتصاد
القومي؟
2- ما هي أسباب استمرار
العقوبات المصرفية على الرغم من مرور أكثرَ من عامين وفي ظل التزام إيران
بتعهداتها في الاتفاق النووي لعام 2015؟
3- لماذا لم تتخذ الحكومة
الإيرانية إجراءً مناسباً لمحاولة خفض نسبة البطالة الواسعة بالداخل؟
4- ما هي أسباب الركود
الاقتصادي الحاد خلال السنوات الماضية بإيران على الرغم من الوعود التي قدمتها
الحكومة؟
5- ما هو السبب في الزيادة
السريعة لقيمة العملات الأجنبية والانخفاض الشديد في قيمة العملة المحلية؟ .
نلاحظ هنا أن الأسئلة تمحورت حول قضايا اقتصادية
بحتة، فهي لم تتطرق إلى مسائل سياسية بعينها، إلا أن الرئيس روحاني لم تقنع إجاباته نواب البرلمان الإيراني الذين قرروا
رفع الأمر إلى القضاء الإيراني، وذلك لأن:
-
138 نائب رفض رد روحاني، و اقتنع 123 بإجابته وامتنع 6
عن التصويت، وذلك في قضية عمليات التهريب.
-
169 نائب من
مجموع 271 حضروا الاجتماع لم يقتنعوا برد روحاني، وامتنع 6 نواب عن التصويت، في
قضية سياسات العملة.
-
137 نائب أيدوا روحاني مقابل معارضة 130 وامتناع 3 عن التصويت حول
سياسات العملة.
-
190 نائب لم يقتنعوا بردود روحاني حول أزمة البطالة واقتنع بإجابته
74 نائبا مع تحفـظ 8 على التصويت.
-
150 نائباً قالوا إنهم غير
مقتنعين بسياسات روحاني في قضية مكافحة البطالة وامتنع 6 عن التصويت حول ذلك.(1)
البرلمان
الإيراني يرفع الأمر إلى القضاء
أجاب
الرئيس الإيراني حسن روحاني على الأسئلة الخمسة للبرلمان والتي، كما سبق الذكر،
دارت حول استمرار العقوبات البنكية وتهريب السلع والركود الاقتصادي وغيرهم، إلا أن
النواب الذين اقتنعوا بإجابة واحدة من إجاباته قرروا لاحقاً إقالته الأمر إلى
القضاء الإيراني.
ومن ناحية أخرى، عمل روحاني خلال إجاباته على
توجيه الأمر إلى حد ما بعيداً عن القضايا الاقتصادية. فقد تحدث روحاني عن ما أسماه
"تراجع الأمل" بين الإيرانيين وكيف أن كثيراً منهم يشكك في النظام
الإيراني القائم بالفعل، قائلاً :" إن "نظرة الإيرانيين حيال المستقبل
تغيرت فجأة وهذا ألم كبير".
وعلى الجانب الآخر، دافع روحاني عن الاتفاق
النووي الموقع مع الدول الغربية لعام 2015، قائلاً إن هناك إنجازات تم التوصل
إليها بعد عقده يتواصل مع قادة أوروبيين لمحاولة
الخروج من الموقف الحالي. وكانت هذه المسألة مقدمة لقضايا توافق حولها البرلمان
الإيراني، ألا وهي قضية التصعيدات الأخيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
فعلى سبيل المثال، قال عضو لجنة الأمن القومي
الإيراني، حسين نقوي حسيني، إن البرلمان يقف إلى جانب الحكومة في مواجهتها مع
الولايات المتحدة، إلا أن حسيني نفسه أعلن اختلافه مع روحاني حول قضايا اقتصادية
محلية قائلاً له :" كيف تنام الليل في حين أن لدينا خمسة ملايين عاطل عن
العمل. المادة 34 من الدستور تلزمك بتوفير الوظائف والدخل للشعب". الجدير
بالذكر أنه، وفي وقت لاحق، قررت السلطات العليا في إيران عدم رفع هذه الأجوبة إلى
البرلمان.
إلا أنه وعلى أي حال، فإن السؤال الآن هو هل
فشل الرئيس الإيراني حسن روحاني في الوفاء بوعوده الانتخابية خاصة الاقتصادية
منها؟
هل فشل روحاني في الوفاء بوعوده الاقتصادية؟
على الرغم من أن حكومة الرئيس روحاني استطاعت
خلال السنوات القليلة الماضية التقليل من حجم التضخم الاقتصادي في البلاد، والذي
كان حوالي 40%، إلا أن المؤشرات الاقتصادية الأخرى، من حيث البطالة والفقر بقت كما
هي.
خلال فترة الانتخابات الرئاسية الإيرانية الماضية
التي فاز حسن روحاني، قدّم الأخير العديد من الوعود الانتخابية الكبرى التي تركزت
أهمها، إلى جانب الوعود السياسية، على القضايا الاقتصادية. حيث وعد الرئيس
الإيراني بالقضاء على الفقر في إيران وخفض نسبة البطالة بين الشباب إلى جانب خفض
معدل التضخم.
يمكن القول إن حكومة روحاني عملت على خفض نسبة التضخم في
إيران من حوالي 40% إلى ما يقارب 10%، حسب الإحصائيات الرسمية لإيران. إلا أن
الرئيس الإيراني، وعلى الجانب الآخر، لم يستطع التعامل بشكل فعّال مع مشكلة
البطالة والفقر. فقد بلغت نسبة البطالة حوالي 12%، حسب تقرير سابق لمجلة
"فوربس" الأمريكية.(2) وفي بعض المدن
الإيرانية، بلغت نسبة البطالة حوالي 60%.(3)
كما
أن معدل البطالة عمل على تفاقم مشكلة الفقر بإيران. حيث تقول تقارير اقتصادية
للبنك الدولي إنه بناءً على بيانات حول متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي
الإجمالي في إيران مقارنة بالقدرة الشرائية الحقيقة للعملة الإيرانية خلال الفترة
من 1976 إلى 2017 يتبين أن نسبة المواطن الإيراني بات أكثر فقراً بنسبة 32%.(4)
وفي تقارير أخرى، يتبين أن الفقر في إيران
حالياً قد شمل حوالي نصف سكان إيران، أي حوالي 40 مليون شخص، 11 مليون منهم يعيشون
في مناطق هامشية، وذلك إلى جانب حوالي 1.5
مليون شخص من مدمني المخدرات و600 ألف سجين بتهم جنائية أغلبه السرقة.(5)
وعليه، فإن هذه البيانات تظهر أن روحاني
استطاع فقط أن يعمل على خفض معدل التضخم إلا أنه لم يستطع التعامل بإيجابية مع
مستوى الفقر المرتفع والبطالة.
الاتفاق
النووي قضية أخرى تؤرق حكومة روحاني
وإلى جانب ذلك، تبرز إلى الساحة السياسية،
والاقتصادية كذلك، قضية الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الغربية والذي كان
روحاني يعده من أهم انجازاته، فقد تحول الاتفاق النووي مؤخراً إلى واحد من أهم
المشكلات التي باتت تواجهها إيران وحكومة
روحاني خلال الأشهر الماضية.
فقد كانت حكومة روحاني تعتمد بشكل رئيسي في
شعبيتها على الاتفاق النووي الذي كان يأمل الإيرانيون العاديون أن يغير من حالتهم
الاقتصادية إلى الأفضل، ولكن التطورات الأخيرة على الساحة الدولية جاءت على عكس ما
كان يريد الإيرانيون.
حيث خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من
الاتفاق النووي في شهر مايو الماضي، وتبع ذلك فرض ترامب العقوبات الأمريكية مجدداً
على إيران، وخاصة على قطاع النفط، الذي يُعد مصدراً رئيسياً لدخول الحكومة
الإيرانية. فقد أعلنت الشركات النفطية الغربية العاملة في إيران خروجها من سوقها؛
تجنباً للعقوبات الأمريكية عليها.
كما خرجت العديد من الشركات الأجنبية
والغربية الأخرى التي كانت تعمل في السوق الإيراني في مجالات أخرى، مثل السيارات
والمواد الثقيلة، مما يمثل خطراً كبيراً على الاقتصاد الإيراني يهدد بانهياره
كلياً أكثر مما هو عليه.
وعليه،
فمن الممكن القول إن حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني لم تستطع الوفاء بوعودها،
لأسباب من أهمها التطورات الدولية المتلاحقة والخلافات الإيرانية المتجددة مع
الدول الغربية، هذا إلى جانب المشاكل الداخلية في إيران ذاتها وتمويل النظام
الإيراني للعديد من الميليشيات في منطقة الشرق الأوسط، والذي يُعد من القضايا التي
يثيرها المتظاهرون الإيرانيون مؤخراً خلال احتجاجاتهم.
ولذا، فإن مستقبل حكومة الرئيس روحاني الاقتصادي ستحدده إلى حد كبير التطورات الدولية المتلاحقة والعلاقات الإيرانية الغربية ومستقبل الدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، أي سياسات النظام الإيراني ذاتها في دعم وتمويل جماعات خارجية في دول بعينها، وهو ما لا يتوقع أن يتحسن بشكل إيجابي خلال الفترة القادمة، وذلك في ظل الصعود البارز للمتشددين في إيران.
المصادر
والمراجع:
1- "نمایندگان مجلس شورای اسلامی از پاسخ های روحانی قانع نشدند"، مشرق نيوز، 28 أغسطس 2018.
2- "كيف سيتهاوى الاقتصاد الإيراني بفعل
العقوبات؟"، سكاي نيوز، 23 مايو 2018.
3- "الفقر ينهش 40 مليون إيراني ومدن نصفها عاطلون عن
العمل"، العربية، 1 يناير 2018.
4- "الاقتصاد الإيراني.. انتكاسة واضحة ومستقبل
مهدد"، دويشته فيله، 25 يوليو 2018.
5- "الفقر ينهش 40 مليون إيراني ومدن نصفها عاطلون عن
العمل"، العربية، الأول من يناير 2018.