بولتون في تل أبيب: مستقبل القوات الإيرانية في سوريا
قام مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، مؤخراً
بزيارة إلى إسرائيل التقى خلالها برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. تناول
لقاء بولتون ونتنياهو العديد من المسائل التي كان أهمها الملف الإيراني، بما يشمله
من القضية النووي والصاروخي والعقوبات، وكذلك الملف الحيوي وهو الحضور الإيراني
للقوات العسكرية في سوريا، وخاصة مرتفعات الجولان.
ومنذ تولي الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب منصبه
عام 2017، ثم خروجه من الاتفاق النووي الإيراني منذ أشهر قليلة، عملت إسرائيل، بعد
رحيل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن البيت الأبيض، على توثيق التعاون مع
الإدارة الأمريكية الجديدة لمحاولة السيطرة على الأنشطة الإيرانية في منطقة الشرق
الأوسط، وخاصة في سورية ولبنان.
أهداف
زيارة بولتون لإسرائيل
قام مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، خلال
الأيام الماضية بزيارة إلى إسرائيل تبرز أهميتها في الوقت الحالي من خلال النظر إلى
التطورات الأخيرة في المنطقة، وخاصة في إيران وسوريا. وتُعد زيارة بولتون هي
الأولى له منذ توليه منصبه كمستشار للأمن القومي الأمريكي منذ أشهر قليلة.
وتم الإعلان من الجانبين أن هدف الزيارة هو
التنسيق بينهما ضد مواجهة الحضور الإيراني في سوريا. فقد أعلن بولتون صراحة أن السبب الرئيسي وراء
زيارته إلى إسرائيل هو التحديات الكبرى أمام الولايات المتحدة الأمريكية من جانب
إيران، وهو البرنامج النووي والصاروخي لإيران وهي على رأس تحدياته.
ومن ناحية أخرى، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين
نتنياهو، خلال لقائه ببولتون إن النشاط الإيراني في الشرق الأوسط يأتي على رأس الملفات
المطروحة على جدول أعمال نقاشاته مع المستشار الأمريكي، مشيراً إلى تركيزهما على
كيفية مواجهة الحضور الإيراني على الأراضي السورية المواجهة لإسرائيل.
أهمية توقيت زيارة مستشار الأمن القومي
الأمريكي لإسرائيل
تأتي زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي إلى إسرائيل في
توقيت وزمان مهمين للغاية؛ وذلك في بعد أن:
-
تولّى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئاسة الولايات
المتحدة الأمريكية العام الماضي 2017، وما يحمله ترامب من سياسات واضحة ضد إيران.
-
خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي
الإيراني خلال شهر مايو الماضي، وما تبعه من تصعيدات متلاحقة في العلاقات
الأمريكية الإيرانية وكذلك الأمريكية الأوروبية.
-
إعادة واشنطن فرض العقوبات على إيران بعد بعد خروج ترامب
من الاتفاق النووي.
-
التصعيدات المتلاحقة من الجانب الإيراني؛ رداً على
التوترات في العلاقات مع الولايات المتحدة.
-
زيارة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إلى إسرائيل
كذلك في شهر يونيو الماضي.
-
الهجمات الجوية الإسرائيلية على مواقع تابعة لإيران في
سوريا.
-
حركة التغييرات في القيادات العسكرية الإيرانية، سواء في
الجيش الإيراني أو الحرس الثوري الإيراني، وذلك على النحو التالي:
أ-
تعيين علي رضا تنجسيري في قيادة القوات البحرية للحرس الثوري
الإيراني.
ب- تعيين علي فدوي، القائد
السابق للقوة البحرية للحرس الثوري، مساعدا لقائد الحرس الثوري للشؤون التنسيقية.
ت- تعيين الجنرال عزيز ناصر زاده قائداً جديداً للقوات
الجوية الإيرانية .
وقد تناولت المواقع الإسرائيلية هذه الحركة الجديدة في
التعيينات داخل القوت المسلحة الإيرانية، خاصة الحرس الثوري.
فعلى سبيل المثال، ذكر موقع ديبكا الإسرائيلي أن زيارة المستشار الأمريكي
بولتون إلى إسرائيل لم يأت بالصدفة، بل إنه جاء تزامناً مع تعيين قائد جديد، في
ذلك الوقت، للقوات الجوية الإيرانية، ألا وهو الجنرال عزيز ناصر زاده، مشيرة إلى
أن منصب ناصر زاده، في إيران، يتشابه إلى حد كبير مع نظيره في إسرائيل، والذي
يتولاه حالياً عميكام نوركين، حيث إن منصبيهما هو المسؤول عن منظومة الدفاع الجوي
في بلديهما.
وعلى أي حال، فإن الركيزة الأساسي والهدف
المعلن لزيارة بولتون إسرائيل كان الملف الإيراني بما يشمله من برنامج نووي
وصاروخي، إلا أن الأهم في هذا الملف وفي هذه الزيارة كان طبيعة الحضور الإيراني في
سوريا، وكيفية التنسيق لمواجهته من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
طبيعة
الحضور الإيراني في سوريا
تمثل الأراضي السورية للاستراتيجية الإيرانية أهمية
خاصة، مثلما تمثل لروسيا على الرغم من الاختلاف النسبي في أهمية سوريا بالنسبة
إليهما. وبدأ التدخل الإيراني في سوريا عام 2012 تدريجياً عندما أبدت القوات المسلحة
السورية ضعفاً نسبياً في مواجهة المجموعات المسلحة والمعارضة المنتشرة على الأرض.
وفي
البداية، أرسلت إيران مستشارين وأفراداً عسكريين "إيرانيين" إلا أنها
أدركت أنها لن تستطيع الاستمرار في إرسال إيرانيين من قواتها المسلحة، فبدأت تعتمد
على استخدام وتوظيف الأجانب عن طريق تشكيل ميليشيات مسلحة يقودها عسكريون إيرانيون
وتتبع مباشرة للحرس الثوري الإيراني، وبشكل ادق تتبع لقوة فيلق القدس الإيراني،
الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني.
فشكلت إيران جماعات من المقاتلين الأفغان في
مجموعة ميليشيا "فاطميون" ومجموعة أخرى من المقاتلين الباكستانيين باسم
"زينبيون" الذين يتكون أغلبهم من الشيعة، وهذا إلى جانب قوات من دول
أخرى كالعراق. وحاولت إيران، أن تكون هي
القوة البرية الموالية للنظام السوري، إلى جانب القوة الجوية الروسية الأخرى،
وبذلك تكون قد تكاملت القوة المسلحة براً وجواً، بعد أن بدأ الروس في التدخل عام
2015.(1)
انتشرت
القوات الموالية لإيران من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب في سوريا، وحاولت
التنسيق مع القوات الروسية في سوريا، خاصة في ظل وجود تنظيم "داعش"
الإرهابي على الأراضي السورية.
ومنذ انتهاء خطر "داعش" الإرهابي
في سوريا، بدأ الخلاف بين الروس(2)
والإيرانيين في سوريا حول مستقبل الأخيرة وإعادة بناءها. كما ظهرت من ناحية أخرى
قضية ضرورة خروج القوات الإيرانية من سوريا، خاصة لدى إسرائيل والولايات المتحدة
الأمريكية.
خروج
القوات الإيرانية من سوريا
منذ انتهاء خطر تنظيم "داعش" الإرهابي في
سوريا، بدأ الحديث في الأوساط السياسية بين الروس والإيرانيين حول خروج القوات
الإيرانية من سوريا. حيث تطالب الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة
الأمريكية، بل وموسكو، طهران بالخروج من سوريا، وهو ما تعارضه إيران ونظامها إلى
حد لا نهاية له.
فكما سبق القول، تمثل سوريا وموقعها الجغرافي
أهمية خاصة لاستراتيجية النظام الإيراني الخارجية، فقربها الجغرافي من إسرائيل
يسمح للنظام الإيراني بمساحة كبيرة وواسعة من المناورة السياسية مع الدول الغربية.
وفي هذا الصدد، لطالما صرّح مسؤولون إيرانيون عن أهمية
سوريا الخاصة لديهم وفي استراتيجيتهم، حتى أن بعضهم صرّح قبل سنوات عديدة، في
بداية الأزمة السورية، بأن فقدان إيران لنفوذها في سوريا أخطر من فقدان إيران لإحدى
محافظاتها. إن فقدان طهران لنفوذها في سوريا يعني فقدانها تواصلها مع حزب الله
اللبناني، ذراع الحرس الثوري الرئيسي في الشام، مما يعني من ناحية أخرى فقدانها
لقدرتها على المناورة السياسية مع الغرب عن طريق نفوذها على الحدود مع إسرائيل.
وهنا، من المهم الإشارة إلى أن الخروج
الكامل لإيران من سوريا على أرض الواقع، وعملياً، على الرغم من أهميته لأمن سوريا
ولأمن المنطقة، إلا أن الخروج الكامل أمر يصعب تنفيذه عملياً على أرض الواقع،
بالنظر إلى التغلغل الإيراني الواسع الذي أحدثته عناصر إيرانية مسلحة ومدنيين
إيرانيين تابعين للحرس داخل سوريا خلا السنوات الماضية، والتي كان من بينها
تركيزهم على شراء العقارات في سوريا، و العاصمة دمشق تحديداً.
فقد أعلنت مصادر سورية منذ سنوات عن قلقها من شراء
مقاولين وتجار إيرانيين لعقارات وأراض في مناطق مختلفة بسوريا بدعم من الحكومة
الإيرانية وبتعاون الحكومة السورية، مثل دمشق وحمص. وقال سوريون إن النظام
الإيراني يحاول تغيير الطبيعة الديموجرافية عن طريق القيام بهذه العمليات.(3)
ومن
ناحية أخرى، فإن التغلغل الإيراني العسكري في سوريا من غير المتوقع أن ينتهي بين
ليلة وضحاها مثلما هو الحال في العراق، فإذا كان من السهل لإيران استغلال حالة
الحرب والأزمة أو الفوضى في بلد وإنشاء ميليشيات مسلحة إلا أنه ليس من السهل حل
هذه الميليشيات.
وأخيراً، فإن المسؤولين الإيرانيين، خاصة
العسكريين، يحاولون خلال الفترة الأخيرة تصدير وجهة نظرهم حول رفضهم للخروج من سوريا
عن طريق زيارة مسؤولين عسكريين كبار إلى سوريا والتي كان أبرزها ما تم إعلانه من
زيارة وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، إلى سوريا. حيث التقى وزير الدفاع
الإيراني خلال الزيارة بالرئيس السوري بشار الأسد ومسؤولين عسكريين آخرين، ووقع
الجانبان اتفاقية تعاون عسكرية بين الجانبين، كان أبرز بنودها ما تم الإعلان عنه
محاولة إيران المشاركة في إعادة بناء سوريا.
وعليه، فإن الخروج الإيراني من سوريا يحتاج إلى جهود دولية أكبر مما هي عليه، كما يحتاج بشكل أكبر إلى موافقة الشريك الروسي بشكل أساسي. ويحتاج بشكل أكبر إلى إعادة بناء سوريا نفسها وإلى استقرارها أمنياً.
المراجع
والمصادر
1- عبد الرؤوف مصطفى الغنيمي، "مستقبل الـتوغل
الإيراني في سوريا في ميزان نظرية الـدور في الـعلاقات"، مركز المعهد الدولي
للدراسات الإيرانية، 6 أغسطس 2017.
2- "ماندن یا خروج نیروهای ایران از سوریه تحت
اراده چه بازیگری است!؟"، تابناک، 31 مايو 2018.
3- عادل السالمي، " نشاط إيراني في سوق العقارات السورية..
وتحذير من مشروع استيطاني"، الشرق الأوسط، 26 مارس 2016.