أمريكا أم إيران: من يحتاج استئناف المحادثات أكثر؟
صرح المرشد الأعلى "علي خامنئي" بحظر كافة
أنواع المحادثات أو التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، رافضاً العرض الذى
قدمه الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بالرغبة في إجراء محادثات مع طهران
دون شروط مُسبقة. في السياق ذاته، أكد "خامنئي" على أن واشنطن أصبحت غير
جديرة بالثقة، ولن تفي بتعهداتها، فضلاً عن أنها لم تقدم سوي كلمات جوفاء لا تعمل في الغالب على تنفيذها(1).
الجدير بالذكر، أن إيران بدأت مؤخراً في التضامن مع تركيا؛
التي فرضت عليها الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات مماثلة وكوريا الشمالية؛ التي
من المحتمل أن توقع معها واشنطن اتفاق بشأن برنامجها النووي لتعزيز موقفها
الاقليمي في مواجهة واشنطن. و زار وزير خارجية كوريا الشمالية إيران مؤخراً، وحذر
"خامنئي" بيونج يانج من تكرار السيناريو الأمريكي مع طهران مرة أخري.
وتوجد
مجموعة من المنافع التي ستعود على طهران جراء المحادثات مع واشنطن منها؛ رفع
العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وتحسن الوضع الاقتصادي
بالداخل، الحد من الاحتجاجات والأزمة المتفاقمة سياسياً، مساندة طهران من قبل
أوروبا إزاء الابقاء على الاتفاق النووي الحالي أو امكانية بلورة اتفاق جديد.
من
المستفيد أكثر من الحوار ؟
عرض "ترامب" – بالتوازي مع فرض الحزمة الأولى
من العقوبات على طهران في السابع من أغسطس/أب الجاري - امكانية إجراء محادثات مع
الجمهورية الإسلامية بدون أي شروط مسبقة، لطرح النقاش حول كيفية تطوير العلاقات
بعد الانسحاب الامريكي من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 .
على
صعيد آخر، جاء الرد الإيراني رافضاً لوجود أي نوع من الحوار مع الولايات المتحدة
الأمريكية، وربطت طهران بين بدء المحادثات وعودة واشنطن للاتفاق النووي مرة أخرى،
احترام حقوق الأمة الإيرانية فضلاً الحد من الأعمال العدائية ضد الجمهورية
الإسلامية(2).
وحاول "خامنئي" التهدئة من حدة التلاسنات
المتبادلة بين الولايات المتحدة الأمريكية وطهران من خلال تصريحه بأن لا مجال
للحرب بين الطرفين، وأن المشكلة ليست خارجية بالأساس ولكنها داخلية أيضاً؛ تتمثل
في سوء إدارة العملية الاقتصادية وكيفية تعاطي المسئولين معها. كما أشار إلى إمكانية
تطبيق إجراءات عادلة من قبل محاكم جديدة، على أن يتمثل دورها الأساسي في توقيع
عقاب سريع على المدانين بالممارسات السياسية الفاسدة(3).
فعلى الرغم من أن إيران هي المستفيد الأكبر من المحادثات
مع الولايات المتحدة الأمريكية، أعلن "خامنئي" أن طهران ارتكبت خطاً
فادحاً بالتفاوض مع دول (5+1)، والقى
اللوم على الحكومة، مشيراً إلى أن هذه المفاوضات تجاوزت الخطوط الحمراء. كما يشكك
"خامنئي" في جدية المفاوضات التي يطرحها "ترامب"، لاسيما مع
ادعاء الإدارة الأمريكية بإمكانية عقدها بدون شروط مُسبقة.
على
صعيد أخر ، رهن وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" التفاوض مع إيران
بتحسين سلوكها في الشرق الأوسط، ومعاملة المواطنين الإيرانيين، وهو ما رفضته
الجمهورية الإسلامية باعتباره تدخل في شئونها الداخلية، و اقر "خامنئي"
بأنه لكي يتم الجلوس على طاولة المفاوضات، لابد من حصول إيران على قوة اجتماعية،
اقتصادية و سياسية مما يزيد حصانتها في مقابل الضغوط والتهديدات الأمريكية(4).
لماذا تعد
إيران هي المستفيد الأكبر من المحادثات؟
تعول إيران حالياً على امكانية الاستفادة من استئناف
المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال مجموعة من النقاط يمكن تفصيلها
فيما يلي:
1- رفع
العقوبات الأمريكية
تسعى طهران من خلال الجلوس على طاولة المفاوضات مع
واشنطن إلى رفع الحزمة الأولى من العقوبات الامريكية(العملات وبعض السلع المحلية)
المفروضة في السابع من أغسطس/أب الجاري على، قبل أن يتم فرض الحزمة الثانية(النفط
والغاز) بحلول نوفمبر القادم. أدى فرض العقوبات الأمريكية على طهران إلى تدهور وضع
الاقتصاد الإيراني؛ انخفاض سعر الصرف في مقابل الدولار الأمريكي.
وعليه،
خرجت عشرات الشركات الكبرى مثل "توتال الفرنسية" ، " هاني ويل
إنترناشونال"، "ودوفر كوربريشن"،
"جنرال إليكتريك"، بعد أن قامت واشنطن بإغلاق النافذة القانونية
الوحيدة المتبقية التي تسمح للشركات بالعمل مع طهران دون انتهاك العقوبات
الأمريكية، لاسيما بعد أن وضعت الإدارة الأمريكية مهلة تصفيه أعمال تبلغ 90 يوماً
للمشروعات العادية و 180 يوماً للمشروعات
النفطية(5).
في السياق ذاته، أدى فرض العقوبات إلى زيادة معدلات
التضخم، على خلفية ارتفاع أسعار السلع المستوردة الذي وصل لـ 13.7% ، نقص المياه
والطاقة بسبب تقلص الاستثمارات الأجنبية في هذه القطاعات بعد سنوات من فرض
العقوبات مرة أخرى. و خلق نقص المياه أزمة كبيرة، القت بظلالها على الوضع في
العراق مما أدي لتشكيل أزمة مماثلة(6).
2- تهدئة حدة
احتجاجات الداخل الإيراني
ألقت الأزمة الاقتصادية
الناشئة عن فرض العقوبات الأمريكية مرة أخرى بظلالها على الداخل الإيراني سياسياً،
مما أدى لزيادة وتيرة الاحتجاجات اعترضاً علي الدور الإقليمي لإيران في المنطقة،
وما وصفه البعض بإهدار الموارد الداخلية من أجل أهداف خارجية لا قيمة لها. ومن
هنا، سيكون للجلوس على طاولة المفاوضات مرة أخرى منفعة كبيرة لإيران، تتمثل في التهدئة
من حدة التوتر داخلياً.
واختلفت دوافع التظاهرات
بشكل عام داخل طهران فيما بين سياسي واقتصادي وربما بسبب التداخل فيما بينهم، لكن
المحفز الاقتصادي كان أقوى دائماً، وهو ما ظهر خلال الاحتجاجات الأخيرة فيما ورد
من هتافات تندد بالسياسات الاقتصادية للحكومة الإيرانية. كما ستؤدي الخسائر الاقتصادية،
لاسيما انخفاض سعر الصرف بتدهور مستوي المعيشة وتعزيز التضخم، فضلاً عن الحد من
قدرة الإيرانيين علي السفر للخارج، في حين أرجع البعض الاخر أسباب الاحتجاجات لغياب الشفافية و الوضوح بين
الحكومة، البرلمان والشعب(7).
3- البقاء على
الاتفاق الحالي أو بلورة اتفاق جديد
تسعى الجمهورية الإسلامية
حالياً للحصول على الدعم الأوروبي من أجل الحفاظ على الاتفاق الحالي أو دعم طهران
في حالة بلورة اتفاق جديد، لاسيما في ظل دعوة المانيا لرعاية قمة مشتركة فيما بين
الأطراف الموقعة على خطة العمل المشتركة لعام 2015 .
في السياق ذاته، تعد إيران
هي المستفيد الأول من بدء مرحلة جديدة من المفاوضات في ظل الدعم الأوروبي المقدم
لها، خاصةً في ظل تبني الدول الأوروبية لاستراتيجية جديدة بغرض حماية نفسها من
تبعات إعادة فرض العقوبات الأمريكية علي إيران، لاسيما الحزمة الثانية(قطاع
النفط)، التي من المقرر تنفيذها بحلول نوفمبر/تشرين الثاني القادم. ورأت أوروبا
أنها بحاجة لتدابير مقنعة للرد على العقوبات الأمريكية، وإبراز عزمها على حماية
الشركات والمؤسسات التابعة لها التي تقيم علاقات مشروعة مع إيران، من خلال إعادة
تفعيل قانون المقاطعة الأوروبي لمواجهة القوانين الأمريكية عابرة الحدود(8).
ختاماً: ستشهد الفترة المقبلة تحديات كبيرة لمستقبل الجمهورية الإسلامية، لاسيما في ظل حالة فرض العقوبات، ودعوة "ترامب" لاستئناف المفاوضات مرة أخرى، في ظل رغبة "خامنئي" للبقاء على الاتفاق النووي الحالي بالتوازي مع عدم التشجيع على محاولات التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية.
الهوامش:
1.
خامنئي يحظر اجراء أي محادثات مباشرة مع الولايات
المتحدة الأمريكية، 13/8/2018،" euronew "عربي، الرابط: http://cutt.us/exLwe .
2.
خامنئي يعترف: خطأ فادح السبب في مشكلات إيران،
13/8/2018، سكاى نيوز عربية، الرابط :
3.
خامنئي لن يحارب ولن يتفاوض مع ترامب، 14/8/2018، الشرق
الأوسط، الرابط http://cutt.us/wrozJ .
4.
شادي صلاح الدين، عشرات الشركات الأمريكية تستعد
للخروج من السوق الإيراني، صحيفة الاتحاد، 6/6/2018، الرابط:
https://www.alittihad.ae/Article/43172/2018/ .
5.
ظريف يحذر من مخاطر فشل الاتفاق النووي علي إيران، الشرق الأوسط،
25/6/2018، الرابط :
6.
أحمد سليمان، كيف تؤثر العقوبات الأمريكية على
إيران، أخبار العالم، 7/8/2018، الرابط :
7.
أوروبا تراهن على تدابير مضادة لمواجهة العقوبات
الأمريكية، الشرق الأوسط، 7/8/2018، الرابط:
8. Robertra Rampton, Trump says he is willing to talk to Iran’s leader without preconditions, 30/7/2018, Reuters, available at: http://cutt.us/w1SEp