تفسير من الداخل: "الدولار في إيران، الدولار في تركيا"
في ظل الأزمة المالية التي تشهدها إيران،
بالتزامن مع فرض العقوبات من جديد، بعد خروج الولايات المتحدة الأمريكية من
الاتفاق النووي، كتب الخبير الإيراني في الشؤون التركية، محمد علي دستمالي، في
صحيفة "اعتماد" الإيرانية الناطقة باللغة الفارسية مقالاً يتحدث فيه عن
الأزمة الإيرانية ويربطها بنظيرتها في تركيا مؤخراً. وحاول دستمالي أن يبرز نقاط
الاختلاف في كيفية مواجهة إيران وتركيا لهذه الأزمة المالية.
بالتزامن مع إعادة فرض العقوبات الغربية على إيران
وزيادة قيمة الدولار خلال الأشهر الماضية، والذي تسبب في مشاكل جمة للاقتصاد
الإيراني، فقدت الليرة التركية شيئاً فشيئاً قيمتها أمام الدولار الأمريكي وازدادت
قيمة الدولار يوماً تلو الآخر في تركيا. وهنا، ينبع سؤال حول لماذا تسبب ارتفاع
قيمة الدولار في إيران فيما نشاهده الآن من قلاقل وتوترات، إلا أنه وعلى الناحية
الأخرى في تركيا لم يتسبب في ذلك حتى الآن؟
نظرتنا
القومية ونظرة الأتراك القومية
خلال السنوات وحتى العقود الماضية، وجّهت
إلى القومية انتقادات كثيرة إلى حد كبير، وكُتب في ذلك الكثير. إلا أنه في
الإسلام، ومن خلال الرجوع في الغالب إلى الآيات الشريفة لسورة الحجرات والآيات
الأخرى في القرآن، سنجد أن هناك تأكيداً على مفهوم الأمة الواحدة.
أما
في المذاهب الفكرية الجديدة، سنجد أن هناك تأكيداً من ناحية أخرى على مفهوم
العولمة والكونية والانفتاحية وقبل ذلك على الاشتراكية وغير ذلك من المذاهب
الأخرى، كما سنرى أن هنا محاولات دائمة لتشبيه ووصف القومية على أنها مرض مهلك وسم
خطير يجب التصدي له.
ولكن يمكن القول إننا في هذا الصدد تصدينا لذلك
بشكل مبالغ فيه ومتطرف. حيث يمكن القول إنه وخلال العقود الأربعة الماضية في إيران
قد هاجمنا بشكل مبالغ فيه النزعة القومية واعتقدنا أننا يجب أن نركز أكثر على
الفكر والتوجه الديني والسلوك الفردي والاجتماعي، مما يمكن أن يعزز من مكانتنا،
حتى أننا كنا كمن يبني حائطاً شيئاً فشيئاً.
وعلى الجانب الآخر، فإن الدلائل والشواهد تشير إلى أنه
وعلى الأقل من الناحية الاقتصادية الوطنية ومن ناحية المشكلات المتعلقة بالاستثمار
والمصالح القومية والاجتماعية، فليس فقط الأشخاص، ولكن كذلك المنظمات والمؤسسات
كانت ترجح مفهوماً أكبر يُطلق عليه "المصالح القومية" و "المنفعة
العامة".
هل تريدون مؤشراً على ذلك؟ إنها الصفوف
الطويلة أمام محلات الصرافة لشراء الدولار! فليست نسبتهم قليلة هؤلاء الذين حولوا
أموالهم وثرواتهم إلى الدولار والذهب.
وهنا، نسأل ماذا يحدث في تركيا؟ هل حدث في تركيا ما حدث
في إيران؟ الإجابة لا. فالأخبار والأرقام والإحصاءات والتطورات لا تشير إلى ذلك. فعلى
الرغم من أن قيمة الدولار الأمريكي قد زادت كثيراً خلال العام الماضي في تركيا،
إلا أن المواطنين الأتراك لم يقفوا مثل الشعب الإيراني في صفوف طويلة لشراء
الدولار ولم يحولوا ثروتهم إلى ذهب ودولار وعملات أخرى، وحتى لو حدث ما وقع لدينا،
فإن الأمر لن يكون مثل ما حدث في إيران من حيث الأرقام.
أما لماذا حدث ذلك؟ أين في الواقع المشكلة؟ هل القضية
متعلقة فقط بالاستقرار الاقتصادي لتركيا، أو الدخل الذي تحصل عليه من السياحة
وقيمته 30 مليار دولار، أم من الدخل الكبير الذي تحصل عليه من التجارة؟ وعندما
نجيب سنقول لا. فكل ذلك يلعب دوراً. ولكن ليس فقط ذلك. فهناك عاملٌ آخر وهو العرق
والطائفة والرغبة في التنمية الاقتصادية والرد السلبي على سلوك الرئيس ترامب.
حيث إن الأتراك الذين حاولوا إبراز غضبهم من تهديد
وعقوبات الولايات المتحدة الأمريكية أمام الكاميرات ووسائل الإعلام، والذين قاموا
بحرق الدولار ليسوا أقلية مرفهة لا تعاني من المشكلات أو منفصلة. وهناك من الأتراك
داخل المجتمع من يتبنى نظرة معادية للولايات المتحدة، إلا أن الاختلاف هنا هو أن
المواطنين الأتراك لم يقوموا إثر خلافهم، في هذا المنعطف التاريخي والسياسي
الحساس، بحرق العلم الأمريكي بل حرقوا الدولار الأمريكي. وكان هذا الحر الأخير أوج تعبيرهم عن غضبهم.
وعلى النقيض من ذلك في إيران، فإلى جانب الكثيرين الذين
ينظرون للقضية من الناحية القومية والعاطفية، فهناك مجموعة أخرى حاولت الاستفادة
من هذه الفرصة حتى تزداد أموالهم وثرواتهم ولا تنقص ريال واحد. فهناك من لا يعاني
في إيران من تلك المشكلة ممن هم من أصحاب الأموال في البنوك وغيرهم. إنه من الحدير
لنا أن نعلم أن مثل هذه الأفعال المتعددة التي يقوم بها بعض المواطنين ستضر
بالتأكيد بإيران.
إن المواطن الذي يملك هذه الأشياء لن يكون لديه هذه
المخاوف الوطنية، ولن تعني لديه الكثير المصالح القومية والمنفعة العامة. وهناك
سؤال آخر، ألا وهو: هل يجب أن نلقي المشكلة فقط على هذه الطائفة الانتهازية من
المجتمع؟ الإجابة قطعاً لا. فنحن في إيران لدينا الملايين من المواطنين الذين
يحبون وطنهم ولا يفكرون في استغلال الفرصة والاحتكار وتخزين الأموال.
وهناك سؤال آخر، وهو كيف ستتعامل الحكومة
الإيرانية والمسؤولون والفريق الاقتصادي مع الأزمة؟ ماذا سيفعل الرئيس روحاني
ومستشاروه الاقتصاديون؟ هل سيقوم بدعم القطاع الخاص؟ ماذا ستفعل وسائل إعلامنا
وإذاعاتنا حيال الأزمة؟ هل سيستطيعون أن يساعدوا في نشر الأمن والثقة لدى
المواطنين؟ الإجابة لا للأسف.
وفي النهاية، بعيداً عن المواطنين العاديين والأشخاص فإن عشرات الشركات الحكومية والبنوك والمؤسسات الأخرى لدينا عندما قامت بشراء العملة من الدولار واليورو فإنهم ألقوا بالنزين على النيران وفي نفس الوقت حينما قاموا بالإضرار بالعملة الوطنية وواردات الدولة الأساسية، فإن مئات الأفراد والشركات والمؤسسات الاقتصادية في إيران قد تضرروا من ذلك. وعليه، فإنه وقبل كل شيء، على القطاع الإداري في إيران أن يعيد ترميم نفسه وأكثر من ذلك وألا تعتمد إيران على الحظ.