دلالات زيارة وزير خارجية كوريا الشمالية إلى إيران
قام وزير
خارجية كوريا الشمالية، ري يانج هوو، في 7 أغسطس الجاري بزيارة إلى العاصمة
الإيرانية طهران التقى خلالها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ثم التقى
لاحقاً بالرئيس حسن روحاني. قالت تقارير إعلامية إن الطرفين ناقشا قضايا مشتركة
وملفات إقليمية ودولية، إلا أن زيارة هوو إلى طهران في الوقت الحالي وفي ظل
التطورات الدولية والإقليمية لها دلالات مهمة ينبغي تناولها.
حيث
إن زيارة وزير الخارجية الكوري الشمالي إلى إيران بعد خروج الولايات المتحدة
الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 في مايو الماضي، ثم مجيء هذه
الزيارة بعد انعقاد قمة تاريخية بين الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب والزعيم
الكوري الشمالي كيم جونج اون في منتصف يونيو الماضي تبعث بدلالات معينة من العاصمة
طهران والنظام الإيراني وكذلك من النظام الكوري الشمالي.
خصوصية العلاقات الإيرانية الكورية الشمالية
هناك عدة
مجالات للتعاون والتنسيق بين إيران وكوريا الشمالية تتمثل في:
التعاون والتنسيق في المجال الصاروخي
تتمتع
العلاقات الإيرانية مع كوريا الشمالية بخصوصية معينة تختلف عنها في طبيعة العلاقات
الدولية مع الدول الأخرى، حتى العلاقات الإيرانية نفسها مع معظم دول العالم التي
تربطها بها علاقات. حيث بدأت هذه العلاقات في ظل نشوب الحرب الإيرانية العراقية
(1980-1988) وذلك عندما قامت بيونج يانج بتزويد طهران بالصواريخ والمعدات العسكرية
أثناء فرض الحظر عليها من الخارج، وهو ما جعل العلاقات ما بين الدولتين شبيهة بتلك
العلاقات ما بين سوريا وإيران من زوايا معينة.
واستمرت كوريا الشمالية في تزويد إيران بالصواريخ التي
باتت، بعد حرب الخليج الأولى، تبني وتطور صواريخ محلياً في ظل تفاقم أزماتها
الإقليمية والدولية. قامت بيونج يانج بإرسال خبراء ومستشارين إلى طهران، فضلاً عن
المعدات العسكرية، للمساعدة في إنتاج الصواريخ التي كان منها صواريخ شهاب (1، 2 ، 3،
4) التي يبلغ مداها 1500 كم وصواريخ "بي إم 25" بحوالي 2000 كم.
وفي العام الماضي، رصدت تقارير أنشطة لما قالت إنه نشاط
لمهربي أسلحة كوريين شماليين يقيمون في طهران، مشيرة إلى أن هناك تشابهاً واضحاً
ما بين تصميمات لصواريخ في البلدين مثل صاروخ "خُرّمشهر" في إيران و
"موسودان" في كوريا الشمالية. كما أعلن جهاز الاستخبارات الأمريكي عن
أنه لاحظ تنظيم زيارات منتظمة لمسؤولين من البلدين؛ بهدف التنسيق في تطوير القدرات
الصاروخية لهما. وقالت الولايات المتحدة لاحقاً إن متخصصين من
"مجموعة الشهيد همت الصناعية" الإيرانية سافروا إلى كوريا الشمالية بغرض
التعاون الصاروخي.
كما لوحظ العام الماضي 2017 أن هناك تشابهاً في التصنيع
ما بين الغواصة "غدير" في إيران وأخرى مشابهة لها في كوريا الشمالية
تسمى "يونو"، وذلك أثناء قيام الجيش الإيراني بتدريبات عسكرية في الخليج
العربي.
الملف النووي والتعاون الاستراتيجي
ثم دخل الملف النووي في المشهد السياسي الإيراني. وهنا،
قامت بيونج يانج كذلك بتقديم مساعدات كبيرة لإيران في هذا المجال. وأبرزت التطورات
المتلاحقة بين البلدين استراتيجية العلاقة بين الطرفين، اللذان تربطهما علاقة
العداء مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وذلك انطلاقاً من التعاون اللاحق في الملف
النووي.
كررت بيونج يانج تجربتها الصاروخية إلى حد كبير مع إيران
في الملف النووي، حيث قامت بتبادل
المستشارين والخبراء للاستفادة الإيرانية من الخبرات النووية الكورية الشمالية. حيث
سافر العديد من الخبراء الإيرانيين في الملف النووي إلى كوريا الشمالية لتلقي
الخبرات هناك. وحضر العديد منهم بعض التجارب النووية الكورية الشمالية، والتي كان
منها حضور نوويين إيرانيين عام 2013 لتجربة نووية في كوريا الشمالية.
إلا أن ما أقلق القادة والساسة الغربيين حقاً في هذا
الصدد كان اتفاقٌ أبرمته طهران وبيونج يانج في العام السابق لذلك، أي عام 2012،
سُمّي باتفاق "التعاون العلمي"، وكان أبرز ما جاء فيه، وما أقلق الدول
الغربية، هو تعهد الدولتين في هذا الاتفاق بتقديم الدعم لكلاهما في مواجهة
الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
وعلى أي حال، إذا كانت الملفات العسكرية هي الأبرز في
مشهد العلاقات الإيرانية الكورية الشمالية، إلا أن هناك جوانب أخرى مهمة في هذه
العلاقات، منها، على سبيل المثال، تصدير النفط
والعلاقات الثقافية والعلمية. إلا أنه لا يمكن القول، بشكل عام، إن كوريا
الشمالية تلتزم في علاقاتها مع إيران بوجهات النظر المتقاربة.
فعلى سبيل المثال، وفي ظل نشوب الحرب العراقية
الإيرانية، وتزويد كوريا الشمالية لإيران بصواريخ ومعدات حربية، كما سلف ذكره،
حاولت بيونج يانج خلال ذلك أن تطور من علاقاتها مع الحكومة العراقية، أيام حكم
الرئيس صدام حسين، ودعت سراً وفداً من
العراق لزيارة كوريا الشمالية، إلا أن الحكومة العراقية آنذاك لم ترسل إلا شخصاً
واحداً لم يكن مسؤولاً رسمياً.
دلالات
زيارة وزير الخارجية الكوري الشمالي لإيران
تأتي زيارة وزير الخارجية الكوري الشمالي، ري يانج هوو،
إلى إيران في وقت شهدت، ولا تزال، فيه العلاقات الإيرانية الأمريكية والكورية
الشمالية الأمريكية تحولات جديدة خلال الأشهر القليلة الماضية. حيث قام الرئيس
الأمريكي دونالد ترامب بإعلان خروج بلاده من الاتفاقية النووية الإيرانية في مايو
الماضي، والتقى مباشرة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج اون في الشهر التالي له
في سنغافورة.
وفي ظل التطورات الأخيرة التي تم التطرق
إليها في العلاقات ما بين الدول الثلاث المذكورة، يمكن القول إن هذه الزيارة تحمل
الدلالات التالية:
أ-
عدم ثقة كوريا الشمالية بالولايات
المتحدة:
بعد خروج واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني
لعام 2015، بات أمام المسؤولين في كوريا الشمالية نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه
العلاقات أو الاتفاقيات في المستقبل مع واشنطن. إذ أن خروج الأخيرة من الاتفاق
النووي أقلقها كثيراً من احتمال تكرار ذلك إذا ما عقدت اتفاقية بين واشنطن وبيونج
يانج. ولذا، يساور مسؤولي كوريا الشمالية القلاقل من احتمالية التكرار.
ب- رسالة
للخارج باستمرار خصوصية العلاقات بين الجانبين:
تشير زيارة وزير خارجية كوريا الشمالية إلى
إيران إلى أن هناك تأكيداً من الجانبين على استمرار التعاون المشترك بين الجانبين،
حيث يريد أن يبعث مسؤولو البلدين برسالة إلى العالم أن التوترات الحادة الأخيرة في
علاقات واشنطن وطهران وما يُقال إنه تقارب في العلاقات بين بيونج يانج وواشنطن لا
يعني أن علاقات طهران وبيونج يانج ستشهد خلاف ذلك أو تدخل في مرحلة جمود نسبي.
ت- استمرار التعاون
في المجال التجاري:
بعد إعلان الولايات المتحدة بدء فرضها للعقوبات على
إيران وتطبيقها بشكل كامل على قطاع النفط الإيراني في 4 نوفمبر المقبل، تحاول
إيران أن تجد مخرجاً لها من أو طرفاً آخر تعمل من خلاله على تصدير النفط، حتى لو
بشكل سري غير علني. وفي هذا الصدد، من سيكون الجانب الكوري الشمالي خياراً مناسباً
لإيران؛ حيث إن وصول الصادرات النفطية الإيرانية إلى الصفر سيعني ضربة قاصمة
للاقتصاد الإيراني، إذا ما تم ذلك على أرض الواقع.
فعلى الرغم من انعقاد قمة ترامب- كيم الأخيرة
في سنغافورة، إلا أن الثقة المتبادلة بين واشنطن وبيونج يانج لم تصل بعد إلى
المستوى المطلوب. ولا تزال الولايات المتحدة تتهم كوريا الشمالية بالاستمرار في برنامجها
الصاروخي والنووي.
ث- رغبة إيران
في عدم وصول العلاقات بين واشنطن وبيونج يانج إلى مستوى مناسب من التعاون:
لا يرغب الجانب الإيراني في حدوث تطور لافت
أو ملموس في العلاقات الكورية الشمالية مع واشنطن؛ وذلك لأن ذلك سيمثل من ناحية
ضعف الموقف الإيراني عالمياً، وثانياً، سيجلب لها ضغوطاً داخلية تطالب النظام
الإيراني باتباع النموذج الكوري الشمالي في حل خلافاتها مع الولايات المتحدة
الأمريكية. حتى أنه من المتوقع، في مثل هذه الحالة، أن تطالب روسيا والصين إيران
بتقديم تنازلات أمام المفاوِض الأمريكي، بعد التشاور الأمريكي مع كليهما؛ رغبة في
التوصل إلى نتيجة ملموسة وتجنباً لاندلاع حرب جديدة ستضر بالتأكيد المصالح
التجارية الصينية.
ج- رسالة كورية
شمالية إلى الولايات المتحدة في ضوء المفاوضات الحالية:
أراد الساسة الكوريون الشماليون من خلال زيارة
وزير الخارجية إلى إيران أن يرسلوا إلى الولايات المتحدة رسالة مفادها أنه في ظل
التهديدات الأخيرة، فإن بيونج يانج يمكن لها أن تعدل عن قرارها بالمسير في درب
التصالح أو التقارب مع الولايات المتحدة، وأن تعود لسابق عهدها وتطور من العلاقات
مع خصوم واشنطن، وعلى رأسها إيران. ففي أعقاب الاتهامات الأخيرة إلى بيونج يانج
بالاستمرار في البرنامج النووي والصاروخي، أرادت الأخيرة أن تعلن أن بإمكانها العدول عن
ذلك المسار والعودة لما كانت عليه.
كيف
نظرت واشنطن إلى هذه الزيارة؟
تنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى الزيارات المتبادلة
بين المسؤولين الإيرانيين ونظرائهم من كوريا الشمالية بعين الشك والريبة، والتي من
بينها زيارة وزير الخارجية الأخيرة إلى طهران. حيث ينازع واشنطن القلق من احتمالية
التنسيق أو التعاون العسكري في المجال الصاروخي أو النووي بين البلدين، كما كان
عليه. حيث إنه من المعلوم أن بيونج يانج كان لها نصيب كبير من عملية إنتاج وتطوير
الصواريخ في إيران، فضلاً عن الملف النووي.
وفي هذا التوقيت، يزداد قلق واشنطن من مثل هذه الزيارات، في ظل التوتر المتزايد في العلاقات مع إيران ومحاولة التقارب مع كوريا الشمالية. فزيارة الوزير الكوري الشمالي من المتوقع أنها تحمل جانباً عسكرياً يتمثل في التعاون العسكري، أو تنسيقاً تجارياً لمرحلة ما بعد فرض العقوبات لنفطية، أو من المرجح أنها تتناول مسار العلاقات الأمريكية مع إيران وكوريا الشمالية، ومستقبل العلاقات بين هذه الدول الثلاث بعد التطورات المتلاحقة. إلا أنه وعلى أية حال، فإن هذه الزيارة أثارت فضول كثيرين سواء في الغرب أو غيره؛ لتوقيتها المهم وغير العشوائي.