حكومة الشاهد: مكاسب جولة جديدة، وانعكاساتها على معالم الرئاسة التونسية القادمة
جاءت موافقة البرلمان التونسي بأغلبية مريحة على اختيار
هشام الفوراتي وزيراً للداخلية خلفاً للطفي براهم الذي أقيل من منصبه قبل نحو شهر
ليكسب رئيس الحكومة يوسف الشاهد جولة جديدة في مواجهة معارضيه المطالبين باستقالة
حكومته، وتمنح البلاد فرصة للهدوء في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الشاهد،
وتزايد جبهة المطالبة بإقالته في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها
تونس مؤخرا.
مستقبل
الشاهد
التصويت على وزير الداخلية التونسي الجديد في البرلمان
التونسي هو بمثابة أصعب اختبار مر به الشاهد منذ وصوله لهذا المنصب قبل حوالي ثلاث
سنوات، خاصة مع تزايد الجبهات الرافضة لبقائه في السلطة، ومن ثم تداعيات ذلك على
طموحه السياسي، حيث يرغب في ترشيح نفسه للرئاسة التونسية في الانتخابات المقبلة،
وتزعم هذه الجبهة حزب نداء تونس بقيادة حافظ السبسي نجل الرئيس التونسي الباجي
قايد السبسي، إلا أن الشاهد راهن على توافقه مع حركة النهضة التونسية والتي تملك
69 نائبا في البرلمان وعدد من ممثلي الأحزاب الأخرى والمستقلين، والإعلان صراحة عن
تشاور الشاهد مع حركة النهضة بخصوص ترشيح الفوراتي، بينما نفي "نداء
تونس" تشاور الشاهد معه بهذا الأمر ، وهو ما جعله في النهاية يعبر من النفق
المظلم من خلال تصويت 148 عضوا بالبرلمان بالموافقة على وزير الداخلية الجديد ،
فيما اعترض 13 عضوا بينما امتنع ثمانية أعضاء عن التصويت.
كانت النية محسومة تجاه الشاهد والمطالبة بإقالة الشاهد في
حال عدم حصوله على تأييد غالبية النصف زائد واحد "109 من أصل 217"، وهو
ما دعا الشاهد لتعزيز تواصله مع حركة "النهضة" وغيرها من الأحزاب
والحركات وغيرها للحفاظ على موقعه ومستقبله السياسي في نفس الوقت.
الانتخابات
الرئاسية
الجديد فى الأمر اتضاح معالم الانتخابات الرئاسية
التونسية المقبلة، وبالرغم من مطالبة حركة النهضة، شريك الائتلاف الحاكم في تونس،
رئيس الوزراء يوسف الشاهد إلى الالتزام بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقرر
تنظيمها فى نهاية 2019، إلا ان التوافق بين الشاهد والحركة مؤخرا، يكشف عن تزايد
احتمالية التنسيق بينهم فى الانتخابات المقبلة، خاصة وان الحركة لا تريد تقديم
مرشح لها في الانتخابات الرئاسية، وإنما ركزت على انتخابات البلدية، وتستعد
للانتخابات التشريعية، ولكن هذا لا يمنع من التوافق مع المرشح الأكثر حظا ونفوذا
في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وخلال الفترة الأخيرة قدمت حركة النهضة دعمًا غير للشاهد، ودعته إلى
استخدام صلاحياته، في مواجهة الانتقادات التي تستهدفه من أطراف سياسية بعضها كان
في الحكومة ثم انسحب منها، وأعلنت صراحة عن رضاها بترشيح الفوراتى لوزارة الداخلية
رغم انتقادات نداء تونس والأحزاب اليسارية، والشاهد نفسه كان يعلم بخطورة المرحلة التي
تمر بها حكومته والاختبار الصعب من ترشيح الفوراتى، وأن الاقالة أو الاستقالة هما
الخياران المتاحان أمامه إذا فشل في الحصول على دعم البرلمان، خاصة وأنها المرة الأولى
التي يتم فيها التصويت على شخص معين دون معرفة النتائج مسبقا، وهو ما زاد من غموض
الموقف.
كما أعلنت الحركة وبقوة عن رفضها لأى محاولات لتغيير رئيس الحكومة والاكتفاء بإجراء تعديل
جزئي حفاظا على الاستقرار السياسي في مرحلة تحتاج فيها البلاد لإصلاحات اقتصادية،
وهو ما يكشف عن درجة التناغم والتوافق، بل والترتيب المستمر بينهم، حيث تخشي
الحركة من إعلان موقفها بالانضمام للجبهة الرافضة للشاهد، وهو ما يعني انضمامها
لجبهة حافظ السبسي، وهو ما يعنى تقوية نفوذه على مؤسسات الحكم التونسية، وبالتالي
تحجيم نفوذ النهضة مستقبلا، وهى كلها حسابات تضعها حركة النهضة، ويدركها زعيمها
راشد الغنوشي، لما له من خبرة ودراسة بتشابكات القوى والمصالح في المجتمع التونسي،
ودائما ما يفكر في الخطوة القادمة وتداعيتها، قبل التسرع في إعلان موقفه تجاه هذا
او ذاك.
حياد
السبسي
رغم موقفه المحايد خلال الفترة الماضية، إلا أن الرئيس
التونسي الباجي قايد السبسي مال إلى الفريق الذى ينتقد الشاهد، معتبرا أن رئيس
الحكومة التونسية عليه الاستقالة من منصبه أو التوجه إلى البرلمان لطرح تجديد
الثقة في حكومته إذا استمرت الأزمة السياسية ، وهو ما يعد خروجا عن حياد السبسي
طوال الفترة الماضية، وانحيازا لجبهة نجله حافظ السبسي الذى قدم انتقادات عديدة
لرئيس الحكومة، ومن ثم لم يعد هناك مزيد من الرفاهية أمام الحكومة التونسية، فإما
إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية وإما انتكاسة كبيرة لا يمكن توقع نتائجها.
ورغم موافقة البرلمان التونسي على وزير الداخلية الجديد،
إلا أن الأزمة لن تنتهي، في ظل الأزمات الكبيرة والعميقة التي تمر بها تونس، وهذه
التصريحات سيكون لها نتائج مستقبلية أيضا، وسوف يزيد التوافق والتنسيق بين السبسي
ونجله، في إطار تنامى نفوذ حافظ السبسي على مقاليد "نداء تونس"، وهيمنته
المطلقة عليها، وهو ما كان سببا في انشقاق البعض منها، وتحول الأغلبية في البرلمان
إلى حركة النهضة.
طموح
الشاهد
الفترة المقبلة ستشهد محاولات أخري من يوسف الشاهد رئيس
الحكومة التونسية من أجل ضمان سيطرته على كواليس السياسة وأصحاب المصالح والنفوذ،
حيث يخشي اغضاب هؤلاء لأنه يحتاجهم في الانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة،
وسيكون عدد غير قليل منهم مسئول عن الانفاق لحملاته الدعائية، كما انها سيعمل على
توطيد علاقته مع حركة النهضة بشكل موسع، حتى يضمن تزكيتها له في هذه الانتخابات،
وألا تكتفي بالتشاور أو التنسيق خلف الأبواب، وهو ما سيكون ضربة كبيرة لتحالف حافظ
السبسي والأحزاب اليسارية، وبالتالي ضمان توسيع نفوذه حتى ولو على حساب عدم اتخاذ
خطوات عاجلة تنتشل المجتمع التونسي من مشكلاته السياسية والاقتصادية، والتي توسعت في
الأسابيع الأخيرة، وزيادة الاحتجاجات والاعتصامات التي ضربت البلاد نتيجة تأزم
الوضع الاقتصادي.
بينما يرى الشاهد أن استمرار وجوده يساعد على تحسن
الاصلاحات الاقتصادية التي تعمل على تنفيذها حكومته بالتشاور مع المنظمات الدولية،
وخاصة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وأن أي محاولات لإبعاده أو اقالته،
معناها ضرب المشروع الذى يقوده من أجل اصلاح الوضع الاقتصادي التونسي، وعدم ثقة
المجتمع الدولي في الخطوات التونسية والالتزامات التي سبق وأن قدمتها من قبل.
يأتى ذلك فى الوقت الذى سبق وطالب فيه البنك الدولي تونس بالدخول في إصلاحات عاجلة جدا تخص المؤسسات
العمومية والتغطية الاجتماعية، وهي ملفات الدولة التونسية على وعي بها، خاصة وأن الوضع
الاقتصادي التونسي دقيق ولا يتحمل اضاعة الوقت
.وعلى الحكومة التونسية أن تثبت أنها موجهة للقيام بالإصلاحات الضرورية، بعد ان
سبق وتم دعم الحكومة بـ 500 مليون دولار إضافية لدعم الاصلاحات الرئيسية في تونس بهدف
تشجيع الاستثمار الخاص وخلق فرص للشركات الصغيرة
و130 مليون دولار كمساندة اضافية لتطبيق برنامج اللامركزية وتلبية حاجيات التنمية .
ماذا
بعد
على حكومة الشاهد إثبات انحيازها لعموم المواطنين
التوانسة، وأنها لا تقوم بخدمة مشروعه الشخصي فى الرئاسة، وعلى حكومته كسب ثقة
المجتمع الدولى وخاصة المؤسسات المانحة، خاصة وأن أى تهاون أو تقصير يزيد من
المأزق الاقتصادي التونسي، وهو ما ينعكس فى احتجاجات واعتصامات عديدة سيدفع الشاهد
ثمنها ، نتيجة تأزم الوضع الاقتصادي بشكل كبير، وعدم قدرة الحكومة على كسب ثقة
الشارع، واتساع الفجوة بين الطرفين بشكل أصبح مكشوفا للجميع.
الرهان الحقيقي على مدى توافق الأحزاب والحركات المتصارعة سياسيا على تنحية هذه الخلافات جانبا من أجل إنجاح الحكومة فى انجاز مشروع سياسي واقتصادي وتنموي حقيقي بعيدا عن الشعارات، ففى ظل الاقتراض المتسمر من المؤسسات المانحة، ومع عدم وجود توافق سياسي حول الشاهد، كلها أمور تصب فى النهاية إلى افشال الحكومة ومحاولة انقاذ الوضع التونسي، وبالتالي الانفجار هو البديل الوحيد، خاصة وأن الشارع التونسي لم يشعر بأى تحسين حقيقي منذ الاطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن على، وبالتالي الفرصة مواتية لتحقيق انجاز حقيقي والتوافق خلف شخصية رئيس الحكومة، أو الإسراع فى تغيير الحكومة واختيار شخصية أكثر توافقا قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، خاصة وأن انتخابات البلدية كشفت عن مدى تزايد الياس والقنوط بين الناخبين وخاصة الشباب من العمل السياسي، وأنهم لا يرون أى نتائج إيجابية مبشرة من الحكومة الحالية، او منا لنخبة السياسية الحاكمة فى تونس حاليا، وبالتالي لم تعد هناك خيارات عديدة متاحة، وعلى الساسة فى تونس التقاط هذه الرسالة قبل الاعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية، وبعدها الانتخابات التشريعية، الت ستعود حركة النهضة للفوز بها فى ظل استمرار الأوضاع الحالية بكل أشكالها وغموضها.
المراجع
1. ممثل البنك الدولي: على تونس الدخول في إصلاحات عاجلة للمؤسسات العمومية، الرابط
2. الشاهد يدافع عن “إنجازاته” أمام البرلمان وسط انتقادات لاذعة،
الرابط
3. تونس: الشاهد يعبر امتحان الثقة، الرابط
4. الشاهد يكسب جولة ضد معارضيه مع وزير الداخلية الجديد، الرابط
5. البرلمان التونسي يصادق على تعيين وزير الداخلية الجديد، الرابط