استراتيجية الردع: السياسات الأوروبية تجاه الحرب التجارية الأميركية
اختتمت قمة مجموعة الدول
الصناعية السبع - التي تضم ألمانيا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان
وبريطانيا التي تمثل أكثر من 60 % من صافي قيمة التجارة العالمية، سنوي_ في 9 يونيو/ حزيران 2018، التي استمرت على مدار يومين
في مقاطعة كيبيك بكندا، بموافقة دول المجموعة على الالتزام بـ"النظام التجاري
دولي قائم على القواعد"، ومكافحة الإجراءات الحمائية، كما اقتراح الرئيس
الأميركي إقامة منطقة تجارة حرة دون تعريفات جمركية.
علاوة على التوافق حول
مراقبة الطموحات الإيرانية. وفي حقيقة الأمر انتهت القمة دون توافق حقيقي من
الناحية الاقتصادية حول السياسات الحمائية الأميركية؛ وعليه فقد سحب
"ترامب" تأييده للبيان الختامي المشترك الصادر عن دول المجموعة، كما
اتهم الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" رئيس القمة ورئيس الوزراء الكندي "جاستن
ترودو" بعدم النزاهة، بسبب التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الكندي الخاصة
باعتزام كندا فرض رسوم جمركية على المزارعين والعمال الأميركيين(1).
وفي المقابل، نفى
"ترودو" ما تردد من تصريحات منسوبة له، موضحًا إنه حذر
"ترامب" من أن كندا ستفرض رسومًا جمركية من بدابة يوليو/ تموز 2018، على
البضائع الأميركية تعادل ما تم فرضه على "أوتاوا".
أبرز القضايا المُثارة في قمة "G7"
ناقشت القمة عدد من
القضايا المثارة في النظام العالمي التي أصبحت تُؤرق الدول الأوروبية في الآونة
الأخيرة تأتي في مقدمتهم الصعود الروسي المتنامي في أوروبا والشرق الأوسط، واتفاقيات
التبادل التجاري وما يتعلق بها من رسوم جمركية تم فرضها من قبل الإدارة الأميركية
على دول الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن الاتفاق النووي الإيراني فقد عارضت الدول
الأوروبية الخروج الأميركي من الاتفاق لأنه وضع بالأساس لكبح الطموح النووي لدى
طهران، بجانب اتفاقية المناخ التي انسحب منها "ترامب".
وتعد القمة الرابعة لدول
الـ" "G7التي تُعقد في ظل غياب روسيا بعد تعليق عضويتها على
خلفية توتر العلاقات مع الدول الأوروبية بسبب الأزمة الأوكرانية، فقد انضمت موسكو إليها
في عام 1998. وفي المقابل، علق الرئيس الأميركي على عدم تواجد موسكو معربًا عن أمله
لعودة موسكو مرة أخرى، الأمر الذي رفضته
المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" قائلةً "لن تتمكن موسكو من
العودة ما لم يحدث أي تقدم بشأن أوكرانيا"، في إشارة إلى استمرار توسيع
العقوبات إذا اقتضت الضرورة؛ حيث تم الربط بين العقوبات وتنفيذ اتفاقيات
"مينسيك" حول تسوية الأزمة الأوكرانية(2).
وعلى الصعيد الأخر؛ أعرب
"سيرجي لافروف" وزير الخارجية الروسي عن أن "موسكو لم تطلب العودة
إلى المجموعة، وتعتبر أن ""G20 الشكل الأنسب والواعد". من الواضح أن
موسكو لم تعد تهتم بالتعاون في ظل مجموعة الدول السبع التي باتت تفرض شروطًا على
السيادة الروسية، وعليه أضحت موسكو أكثر تقاربًا مع الصين وإيران؛ حيث التقى قادة
الدول الثلاث في إطار الاجتماع السنوي لمنظمة تعاون شنغهاي في مدينة "كينغداو"
بالصين(3).
والجدير بالاهتمام أن اليوم
الأول من اجتماع وزراء المالية في دول مجموعة السبع يوم 31مايو/ أيار 2018 في كندا،
تزامن مع انتهاء مهلة الإعفاء من رسوم بنسبة 25 % على الصلب و10 % على الألمنيوم، التي
منحتها واشنطن موقتاً للاتحاد الأوروبي.
دوافع "ترامب" لخوض الحرب التجارية على حلفاء واشنطن
بالنظر إلى الرسوم التي فرضها "ترامب"
فإنها مبالغ فيها ويرجع ذلك إلى إدراكه للمصالح الأميركية وكيفية تحقيقها، فرجل
الصفقات لا يعرف قواعد توازنات القوى السياسية، ولكنه يرتكز إلى مبدأ المكسب
والخسارة، وكيفية تحقيق أقصى استفادة ممكنه وفقًا لشعار "أميركا أولًا".
وفقًا لـ"ترامب" عانت واشنطن في الفترة
الأخيرة من عدد من التحديات والتهديدات الخاصة التي نبعت من تدخلها ومساعدتها لحلفائها
التقلدين في أوروبا والشرق الأوسط بدون مقابل فضلًا عن انفتاحها على الدول من
الناحية الاقتصادية دون أن تتعافى بشكل كامل من الأزمة الاقتصادية في 2008، تجلت
في استمرار تزايد عجز الميزان التجاري(4).
بجانب سماح واشنطن للدول الأجنبية بدعم منتجاتها،
وتخفيض سعر صرف عملاتها، مع استمرار انتهاك حقوق الملكية والغش في العلامات
التجارية مما أدى إلى تدفق المليارات من الدولارات وملايين الوظائف الأميركية إلى الخارج.
لذا فقد خسرت واشنطن أكثر من ثلث وظائفها الصناعية وفقًا لحسابات رجل الأعمال وذلك
على مدار العقدين الماضيين.
فمن وجهة نظر "ترامب" تعد الاتفاقيات
التجارية العالمية مثل "النافتا"، واتفاقية "الشراكة عبر الهادي"
من أسوا الاتفاقيات التجارية لما لها من تداعيات سلبية على الصناعة الأميركية
_فعلى سبيل المثال_ بموجب اتفاقية "الشراكة عبر الهادي" سيتعين على
واشنطن فتح أسواقها بشكل أكبر، كما ستجبر العمالة الأميركية على التنافس مع
نظيراتها الفيتنامية، وهى من أقل العمالة في معدلات الأجور. لذا فقد رفض التوقيع
على الاتفاقية معربًا عن رغبته في توقيع اتفاقات ثنائية بدلاً عنها(5).
ملامح الاستراتيجية الأوروبية تجاه السياسات الأميركية
تواجه واشنطن حربًا مضادة لسياساتها التجارية مع
القوى الاقتصادية الكبرى، وذلك بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع الرسوم الجمركية
على الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي والصين ودول أخرى لتصل إلى 25% على الصلب
و10 % على الألومنيوم. وتستورد واشنطن 51.3 % من الألمنيوم و 35.8 % من الصلب، من شركائها
في مجموعة السبع بحسب أرقام وزارة التجارة الأميركية عام 2017.
وعليه بدأت الدول الأوروبية باتباع استراتيجية
انتقامية مضادة تبلورت ملامحها على النحو التالي:
1- التنديد بالرفض؛
مع استمرار تهديد واشنطن الدول الأوروبية بفرض الرسوم الجمركية عليها، تعالت
الأصوات المنددة لهذا القرار، لأنها غير مبررة علاوة على تداعياتها على النمو
الاقتصادي، تمثلت _على سبيل المثال_ في الرفض الفرنسي على لسان وزير المالية
الفرنسي "برونو لومير" لوزير التجارة الأميركي "ويلبور روس" يوم
31 مايو/ أيار 2018، مؤكدًا على أن الاتحاد سيتخذ "كل الإجراءات اللازمة"
للردّ. فيما حذر "هايكو ماس" وزير الخارجية الألماني من عودة السياسات
الحمائية. كما أكد الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء الكندي إبان قمة "G7" إنهما ليسا على استعداد "لقبول أي شيء من أجل إصدار
بيان مشترك مع واشنطن".
2- إعادة التوازن؛
أعلنت العواصم الأوروبية وشركاء واشنطن التجاريين رفضهم بشكل صريح النهج
"الترامبي" في التعاملات التجارية، وعليه فقد قررت المفوضية الأوروبية
يوم الثلاثاء الموافق 6 يونيو/ حزيران 2018، بفرض رسوم جمركية على واردات أميركية بقيمة
إجمالية 8.2 مليار يورو، مع النظر في زيادة القائمة فيما بعد، بعد أن أعلنت المكسيك
عن رسوم مماثلة قبل أيام من انعقاد قمة "G7"، من بينها 20 % على لحوم الخنزير و25% على منتجات الصلب،
وذلك للتعامل بالمثل ولتعويض الأضرار الناجمة بما يتناسب مع قواعد منظمة التجارة
العالمية.
3- التحذير للردع؛
حاولت بعد القوى الصناعية الكبرى منح "ترامب" فرصة للتفاوض مرة ثانية
للتراجع، تمهيدًا لإعادة النظر في هذه السياسات تجنبًا لخوض حربًا تجارية ستنعكس
بشكل سلب على واشنطن والدول الصناعية الكبرى إلا إنه مازال مصرًا على موقفه. لذا سعت
بعض القوى الصناعية محذرة من تفاقم الأزمة، وجاءت في مقدمتهم كندا التي حذرت من
فرض رسوم موازية على واشنطن ابتداءً من يوليو/ تموز 2018 للتصدي للسياسات الحمائية
الأميركية.
4- تشكيل جبهة موحدة؛
تسعى دول الاتحاد الأوروبي للتفاوض مع "ترامب" بالتزامن مع التواصل مع
كل من اليابان وكندا والمكسيك وكندا لتشكيل تكتل موحد موازي للسياسات التجارية
التي فرضها "ترامب". بدأت الجبهة تتوحد بتعاطي الاتحاد بشكل عملي مع
الأزمة من خلال تقديم قائمة بالواردات-الفول السوداني، المشروبات الكحولية، عصير
البرتقال_ التي من المتوقع أن تتأثر بزيادة الرسوم الجمركية إلى منظمة التجارة
العالمية. وكان الاتحاد الأوروبي قد قدم بالفعل قائمة لمنظمة التجارة العالمية بالواردات
التي يمكن أن تتأثر بزيادة الرسوم الجمركية(6).
5- إصلاح منظمة التجارة العالمية؛ اعتبر الرئيس الفرنسي
"ماكرون" أن الأوضاع الحالية للسياسات التجارية من الممكن أن تؤدي إلى
حرب شرسة ستأثر على الاقتصاد العالمي، لذلك بدا بدعوة جميع الأطراف المعنية بإصلاح
منظمة التجارة العالمية لتكون ذات قواعد أكثر شمولًا تجنبًا للانجراف في حرب
اقتصادية مقبلة، وردًا على التوترات المستمرة، كما اقترح إعادة هيكلة المنظمة من
خلال عقد عدد من المفاوضات بين واشنطن ودول الاتحاد واليابان والصين(7).
الحمائية الأميركية ومآلاتها على الاقتصاد العالمي
مع بداية الألفية الثانية شهد النظام العالمي تنامي
لحركة التبادل التجاري والانفتاح الاقتصادي نتيجة ثورة المعلومات وتكنولوجيا
الاتصالات التي ساهمت في سهولة الحركة بين الدول على كافة الأصعدة، ولكن في ظل
التفاعل في سياق العولمة الاقتصادية وتداعياتها تأثرت بعض الاقتصاديات الكبرى.
توالت الدعوات الرامية بانتهاج سياسات أكثر
انغلاقًا تجنبًا لما حدث في 2008، وسعيًا لتحقيق أكثر قدرًا من الاستقلال. جاءت في
مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية والداعم الأساسي للانفتاح وعولمة الاقتصادات
الوطنية لتفرض سياسات تجارية ورسوم على الواردات من السلع والخدمات كحماية للمنتجين
والموردين الوطنيين.
بدا العديد من المحللون يتكهنون بتداعيات الحرب
التجارية الشرسة التي يشنها "ترامب" على الاقتصاد العالمي، ولكن في واقع
الأمر تعد السياسات التجارية التي اتخذها "ترامب" ليست بجديدة على
الإدارة الأميركية، كما إنها وفقًا للخبرات التاريخية لن تضر الاقتصاد العالمي.
والجدير
بالذكر في هذ السياق، أن السياسات الأميركية في عهد إدارة الرئيس رونالد ريجان وما
بعده، ولم تؤد إلى انهيار الاقتصاد الأميركي أو ركود الاقتصاد العالم على الرغم من
إنها أثرت عليه بشكل كبير.
ختامًا؛ لقد
ساهم "دونالد ترامب" في إعادة تشكيل السياسات الاقتصادية في النظام
العالمي بشكل كبير بما يتوافق مع المصالح الأميركية، ومن المتوقع أن يسير بنفس
النهج فبرغم من كونه يضر بالسياسات الدولية والاتفاقيات التجارية مع الدول
الصناعية الكبرى، ويضفي على واشنطن طابعًا من العزلة إلا إنه يمنحه شرعية داخلية
كبيرة، فضلًا عن اتساع قاعدته الانتخابية بشكل كبير.
وعلى الجانب الأخر؛ ستسعى العواصم الصناعية الكبرى
للتصدي للسياسات الحمائية حفاظًا على مصالحها الاقتصادية التي من الممكن أن تتأثر
سلبيًا، وهي ما تعرف بالإجراءات الإنقاذية لحماية صناعتهم المحلية من خلال تخفيض
الواردات الأوروبية من الفولاز والألومنيوم. وأخيرًا؛ لن تتوقف تلك الحرب إلا
بوجود مصالح مشتركة بين الجانبين يمكن التفاوض بشأنها وستنعكس باستفادة كبيرة على
واشنطن.
المراجع:
1)
زكريا عثمان، "
الرئيس الأمريكي يسحب موافقته على بيان قمة السبع.. ويصف ترودو بـ«الضعيف»"،
الأهرام، 11/6/2018. الرابط
2)
" البيان الختامي لقمة G7"، روسيا اليوم، 10/6/2018. الرابط
3)
" ترامب يغادر قمة مجموعة السبع في كندا
وسط أجواء تهدئة خصوصا حول ملف التجارة"، فرانس 24، 10/6/2018. الرابط
4)
"هل تضر
سياسات ترامب الحمائية بالاقتصاد العالمي؟"، سكاي نيوز عربي، 22 يناير
2017. الرابط
5)
مجدي صبحي، "
الحمائية وتصاعد القومية الاقتصادية"، السياسة الدولية، 2/4/2017. الرابط
6)
"أوروبا
تدخل حلبة الرسوم الانتقامية وتحشد حلفاً ضد حمائية ترمب"، الشرق الأوسط، رقم العدد
14436، 7 يونيو 2018. الرابط