التحدي الأكبر: التداعيات الاقتصادية للخروج الأمريكي من الاتفاق النووي
نفذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعهداته التي رددها أكثر من
مرة، وأعاد الملف الايراني الى نقطة ما قبل الاتفاق النووي 2015 بما يترتب على ذلك
سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وبعيدا عن التأثيرات السياسية لقرار ترامب على المستوى
الإقليمي والعالمي، ستكون العقوبات الاقتصادية هي التحدي الأكبر للنظام الإيراني
داخليا، وذلك نظرا للوضع الاقتصادي الهش الذي تعيشه إيران الآن، وبمجرد إعلان
ترامب عن قراره، بدأ تنفيذ إجراءات عقابية ضد الحكومة الإيرانية ضمن برنامج
العقوبات الاقتصادية.
إجراءات فورية
يقضي قرار ترامب بالامتناع فورا عن أي عقود جديدة مع الحكومة
الايرانية، ويعطي مهلة من 90 إلى 180 يوم حتى انهاء أي تعاملات أو عقود عالقة،
ومنذ لحظة صدور القرار تم حظر أي تعاملات مع البنك المركزي الإيراني، وعقب قرار
ترامب أعلن منوتشين وزير الخزانة الأمريكي الغاء الصفقات التي تم توقيعها بين
شركتي بوينج وايرباص مع شركات الطيران الإيرانية، وهي صفقات بلغت قيمتها 38.6
مليار دولار.
وفي 11
يوليو سيتم استئناف العمل بالعقوبات ضد 400 شركة ومؤسسة تابعة لإيران، وخلال الستة
أشهر القادمة تدخل عقوبات أخرى حيز التنفيذ وفق الترتيب التالي:
بحلول السادس من أغسطس(90 يوم منذ صدور القرار) يُمنع
التعامل مع أي سندات حكومية أو عملات إيرانية، ويتم معاقبة أي شخص أو كيان يساعد
الحكومة الإيرانية على شراء الدولار الأمريكي، كما يبدأ العمل بالعقوبات المقيدة لتجارة الذهب والمعادن النفيسة
والفحم، والألومنيوم والصلب، وقطاع السيارات والمنتجات الفاخرة مثل السجاد الإيراني
والكافيار.
وقال وزير الخزانة منوشين إن الشركات الأمريكية التي تريد أن
تطلب استثناء أو ترخيص خاص لتجنب العقوبات، يجب عليها تقديم طلب وسيتم دراسته
والرد عليه.
وبتاريخ 4 نوفمبر (180 يوم منذ صدور القرار) يبدأ العمل بالعقوبات التي
تستهدف قطاع الطاقة، ويتم فرض عقوبات على أي شخص أو شركة تتعامل مع قطاع الطاقة الإيراني
أو شركات النفط الإيرانية، وهو ما يعني تأخر تطوير الحقول الإيرانية وتقليص وجود
النفط الإيراني في السوق العالمي، وتجميد اتفاقيات أبرمت بين شركات غير أمريكية
وبين ايران، مثل اتفاقية شركة "توتال" مع شركة الصين الوطنية للبترول لتطوير
المرحلة الـ11 من حقل غاز جنوب فارس البحرى ، وذلك بالإضافة إلى فرض عقوبات على المؤسسات
المالية الأجنبية التي تجري معاملات كبيرة مع البنك المركزي الإيراني.
ونصحت الولايات المتحدة الدول التي ترغب في تجنب العقوبات على مؤسساتها
المالية تخفيض حجم مشترياتها من النفط الخام الإيران خلال فترة 180 يومًا، ورغم
إعلان ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تمسكهم بالاتفاق النووي الموقع مع إيران، إلا أن
اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية حذر من أن الشركات الأوروبية ستواجه عقوبات في
الولايات المتحدة إذا وضع شركاؤها الإيرانيون على قوائم العقوبات الأميركية، كما
دعا السفير الأمريكي في برلين "ريتشارد غرينيل" الشركات الألمانية التي تتعامل
مع إيران، أن تخفض فورا مستوى عملياتها حتى الوقف التام.
ولقد أثبتت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من مرة على قدرتها
على تنفيذ مثل هذه العقوبات الاقتصادية، كان آخرها حين أجبرت بنك Commerzbank وبنك Paribas الفرنسي على دفع أكثر من 10 مليار دولار في عام
2014، بسبب خرق العقوبات المفروضة على إيران.
هل يستطيع الاقتصاد الإيراني
الصمود؟
مر الاقتصاد الإيراني في الثلاث سنوات الأخيرة بتغيرات كبيرة
وفترات صعود وهبوط، فعقب توقيع الاتفاق النووي عام 2015، تحسنت الأرصدة الخارجية وأرصدة
الموازنة لدى الحكومة الايرانية، وذلك نتيجة نمو الصادرات النفطية، وأشارت التقديرات
إلى زيادة فائض الحساب الجاري إلى 6.5% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2016 بسبب
رفع العقوبات المفروضة على الصادرات النفطية، وسيطرة مناخ التفاؤل الذي كان موجودا
وقتها حيث بدا أن طريق الاستثمارات الأوروبية والأمريكية إلى إيران مفروشا
بالورود.
كما انخفض عجز الموازنة عام 2016 بسبب النمو القوي في الإيرادات،
ووصل العجز إلى حوالي 1.5% من إجمالي الناتج المحلي، وشهد العام نفسه انخفاض معدل التضخم
السنوي لأقل من 10%، وهي المرة الأولى منذ 25 عام يصل فيها التضخم لهذه المستويات،
كما انتعش الاقتصاد الإيراني ووصل معدل النمو إلى حوالي 6.4%.
ولكن بوصول ترامب للبيت الأبيض وتهديده بالانسحاب من الاتفاق
النووي، أحجمت شركات عديدة عن تنفيذ تعهداتها بالاستثمار في ايران وامتنعت عن نقل أموالها
فعليا إلى البلاد، وفضلت الانتظار لمعرفة إن كان سيتم فرض العقوبات الأميركية مجددا.
وكان الرئيس الإيراني روحاني قد توقع أن تجذب إيران استثمارات
بقيمة 50 مليار دولار في العام الأول عقب توقيع الاتفاق، ولكن بحسب البنك الدولي، بلغت
قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في ايران 3,4 مليارات دولار في 2016، وهو ما
مثل خيبة أمل كبرى أمام الشعب الإيراني، وحتى الآن لا تزال الكثير من البنوك
الأجنبية تخشى أي تعامل مالي حتى ولو كان ارتباطه بايران عرضيا، وهو ما أدى إلى
انخفاض قيمة العملة الإيرانية بشكل حاد في مقابل الدولار الأمريكي، ودفع الحكومة
الإيرانية لأن تتخذ قرارا بتثبيت سعر الصرف، وانعكس ذلك في زيادة أسعار السلع،
وأدي لخروج عشرات الاحتجاجات في عدة مدن خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وتبدو الدولة الإيرانية الآن في صورة حرجة حين نتحدث عن الاقتصاد الإيراني، ولكن تتغير هذه الصورة عند الحديث عن النفوذ الإقليمي، وهو ما يُظهر المشكلة التي يراها بوضوح المواطن الإيراني، الذي يدرك أن المغامرات الإقليمية لنظام الملالي لن تولد إلا المزيد من الضغط على الاقتصاد الإيراني، ويأتي قرار ترامب ليضع المواطن بين سندان حكم الملالي ومطرقة العقوبات الأمريكية.