الدوافع الروسية وراء إشراك مرتزقة في القتال بسوريا
كشف مراسلي وكالة "رويترز" يوم 25 أبريل 2018،
عن رؤيتهم خلال الفترة الأخيرة لمجموعة من الرجال القادمين من دمشق متجهين مباشرةً
لقاعدة عسكرية تابعة لوزارة الدفاع الروسية واقعة في جنوب غرب موسكو تُسمي
"مولينكو" وتُمثل موقع تمركز الفرقة العاشرة من القوات الخاصة الروسية،
وهو الأمر الذي يُشير لدور روسي خفي تقوم به في سوريا لمساندة الرئيس السوري
"بشار الأسد" على استعادة أراضيه بعيداً عما تُعلن عنه موسكو من
القيام بضربات جوية وتدريب القوات السورية ومشاركة عدد محدود من القوات الخاصة
الروسية في الحرب الدائرة في سوريا.(1)
وفي ظل الحديث عن وجود مرتزقة روس في موسكو تُقاتل إلى
جانب قوات الرئيس السوري "بشار الأسد"، خرج الكرملين لينفي وجود أي صلة
بينه وبين قتال مدنيين روس في دمشق، مُشيراً لإمكانية وجود روس في دمشق ولكنهم
ليسوا جزءاً من القوات المسلحة الروسية.(2)
ومن
الجدير بالذكر، أن أمر تجنيد الروس لا يُقتصر فقط على ذوى الخبرات العسكرية
والأمنية وإنما يشمل أيضاً مواطنين عاديين من بينهم أفراد لم يسبق لهم الالتحاق
بالجيش أو المخابرات الروسية.
مرتزقة روس ومواجهة أمريكية روسية
أوضح تقرير صادر عن موقع محطة ABC الأمريكية في أواخر عام 2017، تحت عنوان" جيش
فلاديمير بوتين السري: آلاف من المقاولين الروس يقاتلون في سوريا"، أن هناك
ما يُعادل 3000 مقاتل في سوريا من مجموعة "فاغنر" تقاتل إلي جانب قوات
النظام السوري(3)، ويوكل إليها مهمة تمهد الطريق لدخول القوات الروسية وقوات "بشار
الأسد" في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو ما يمكن الاستدلال عليه
بحديث مقاتل سابق في مجموعة "فاغنر" حول استعادة النظام السوري لمدينة
"تدمر" السورية بعدما كُلفت تلك المجموعة باختراقها
وتمهيد الطريق أمام القوات البرية الروسية لدخولها.(4)
وفي أول مواجهة مباشرة بين موسكو وواشنطن
منذ انتهاء الحرب الباردة، وجهت القوات الأمريكية ضرباتها لمرتزقة روس تابعين
لمجموعة "فاغنر" في دير الزور في فبراير 2018 أدت لمقتل مئات المرتزقة
الروس وفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية، بينما يأتي الحديث بأن الضربات الأمريكية
أدت لمقتل كافة أفراد الوحدة الهجومية التي سعت للسيطرة على المواقع الأمريكية التي
تُسيطر على حقول النفط. أما بالنسبة للموقف الروسي، فلقد اعترفت موسكو عقب أسابيع من تلك الضربة أن تلك الضربات أدت لإصابة وقتل
العشرات (وليس المئات) من المواطنين الروس كما أكدت على أنهم ليسوا جنوداً تابعين
للقوات الروسية.
وبخلاف مرتزقة مجموعة "فاغنر"، تشارك
مجموعة "توران" الأمنية في القتال الدائر في سوريا عبر "الفيلق
السلافي"، ولقد أنشاء اعضاء سابقون في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي تلك
الشركة التى تضم عناصر معظمهم من دول آسيا الوسطي.
ومن الجدير بالذكر، يأتي تسمية المجموعة باسم "فاغنر" نسبة إلي قائد
المرتزقة الروس في سوريا العميد الروسي السابق "ديمتري أوتكين" المعروف حركياً
بـ" فاغنر" وهو أحد المقاتلين العسكرين الروس السابقين في شرق أوكرانيا
الذين تم تجندهم من قبل شركة أمنية تدعى "سلاف كوربس" وهو ما دفع بوزارة
الخزانة الأمريكية في يونيو 2017 لإدراج تلك المجموعة على قائمة الأفراد والكيانات
الروسية الخاضعة للعقوبات فضلاً عن إضافة "أوتكين" على لائحة الأشخاص
الخاضعين للعقوبات(5)، أما الآن فيملك "أوتكين" شركته الأمنية الخاصة التي
تُدعي "فاغنر"(6) والتي تضم ما يُعادل 2500 رجل روسي يقاتلون مقابل 5300
دولار شهرياً.(7)
تمويل
روسي خفي
يأتي الحديث حول قيام رجل الأعمال الروسي
والصديق المُقرب من الرئيس الروسي "فلاديمير بوتن" وهو "يفغيني بريغوزين"
بتمويل شركة "فاغنر"، وهو ذات الشخص الذي تم إدراجه على لائحة العقوبات
الأمريكية لدعمه الانفصاليين في شرق أوكرانيا، فضلاً عن تعاملاته التجارية الواسعة
التي يُجريها "بريغوزين" مع وزارة الدفاع الروسية مثلما أوضحت وزارة الخزانة
الأمريكية في ديسمبر 2016، وهو الأمر الذي أكد عليه زعيم المعارضة الروسية "أليكسي
نافالني" لاسيما عقب اتساع مجالات شركات "بريغوزين" لتشمل مجالات التعدين
وانتاج الغاز والنفط. ومن الجدير بالذكر أن شركات " بريغوزين " قامت بافتتاح
مكتباً لها في دمشق.
إضافة إلى ما سبق، صرحت مصادر استخباراتية
لصحيفة "واشنطن بوست" أن "بريغوزين" كان على اتصال وثيق بالكرملين
وشارك في التخطيط العملي مع قوات النظام السوري قبل تصدى القوات الأمريكية لمحاولة
المرتزقة الروس السيطرة على قاعدة قوات سوريا الديمقراطية في دير الزور في فبراير
الماضي.
تقنين
وضع الشركات العسكرية الخاصة
تحظر
المادة 359 من القانون الجنائي الروسي تجنيد المرتزقة ومشاركتهم في النزاعات
المسلحة، هذا إلى جانب ورود نص يمنع تمتع المرتزقة بوضع مقاتل أو أسير الحرب في
المادة 47 في الفقرة 1 الواردة بملحق اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، لكن على
الرغم من ذلك يناقش مجلس النواب الروسي "الدوما" مشروع قانون يُحدد مهام
الشركات العسكرية الخاصة وانماط الخدمات التي تقوم بها، كما يحظر قيام تلك الشركات
بتغيير حدود الدول والإطاحة بالحكومات الشرعية وممارسة العمل التخريبي وتصميم
أسلحة دمار شامل وشرائها وتخزينها، فضلاً عن تقديم مشروع القانون ضمانات اجتماعية
للمواطنين العاملين في تلك الشركات.(8)
أما فيما يتعلق بنمط عمل تلك
الشركات فيتمثل في المشاركة في عمليات مكافحة الارهاب خارج موسكو، إلى جانب الدفاع
عن سيادة الدول الحليفة لموسكو من أي عدوان خارجي فضلاً عن حماية المنشآت السيادية
إلى جانب منشآت النفط والبترول والغاز والسكك الحديدية، وهو ما يدفع للحديث حول
امكانية قيام تلك الشركات بأعمال عسكرية هجومية وليست دفاعية فحسب.
تعتيم
روسي
لقي صحفي روسي كان يعمل لحساب يومية "نوفي
ديان" الروسية يُدعي "ماكسيم بورودين"، حتفه وذلك عقب سقوطه من شرفة
شقته بالأورال مما أدى لتصاعد الحديث حول أن سقوطه من الشرفة كان بدافع اغتياله
بعدما قام بنشر تحقيقات في فبراير الماضي حول دور "المرتزقة الروس" في سوريا
المعروفين باسم "مجموعة فاغنر"
الذين قامت القوات الأمريكية باغتيالهم عقب محاولتهم للسيطرة على مواقعهم في ذات
الشهر من عامنا 2018، هذا إلى جانب نشر تحقيقات حول الفساد والجريمة المنظمة وقيامه
بتغطية فضيحة الملياردير الروسي المقرب من بوتين "أوليغ ديريباسكا" وأيضا
قضية فيلم "ماتيلدا" الذي يصور العلاقات الغرامية لإمبراطور روسيا "نيقولا
الثاني" واتهم مخرج الفيلم خلال تغطيته بالإساءة إلى صورة القيصر.(9)
وفي إطار التحقيقات حول سقوط "
بورودين"، استبعدت الشرطة المحلية
بشكل سريع وملفت فرضية العمل الإجرامي وراء سقوط الصحفي الروسي كما أشارت لجنة
التحقيق لعدم وجود حاجة لفتح تحقيق جنائي. واستناداً لما سبق، جاء الحديث حول
فرضية انتحار الصحفي وهو الأمر الذي نفته رئيسة تحرير "بورودين" مُشيرةً
لعدم وجود أي سبب يدفع شاب في عمر الـ 32 للانتحار خاصة في ظل تميزه في عمله.(10)
دوافع
موسكو من قتال مرتزقة روس في دمشق
قام الرئيس السوري "بشار الأسد"
في 8 اغسطس 2013 بإصدار تشريع رقم 55 والمعنى بمنح تراخيص لشركات خدمات الحماية والحراسة
الخاصة،(11) ومن الجدير بالذكر أن عام 2013 هو ذات العام الذي شارك فيه
"فاغنر" لأول مرة في القتال في سوريا وهو ما يعنى أن هذا التشريع يأتي
لتقنين قتال مجموعات أجنبية إلى جانب قوات النظام السوري "بشار الأسد" لاستعادة
أراضيه الخاضعة لسيطرة المعارضة. أما فيما يتعلق بالدوافع الروسية لدفع مرتزقة روس
للقتال في سوريا فتتمثل في التالي:
§
الحديث عن أن الدفع بمرتزقة روس عبر الشركات العسكرية
الخاصة يأتي ضمن استراتيجية "معززات القوة" الروسية والتي يأتي أبرزها
في عقيدة " واينبيرجر" العسكرية التى أعلن عنها وزير الدفاع الروسي
الأسبق "كاسبر واينبيرجر" في خطابه الشهير عام 1984؛ والتى تعنى استخدام
القوة بأرخص تكلفة ممكنة وبشكل يُمكن التنصل منها فيما بعد، وهو ما ينطبق على
توظيف المرتزقة الروس في العمليات العسكرية الدائرة في سوريا.
§
تجنب الرئيس الروسي "فلاديمير بوتن" لأي موقف
محرج جراء التدخل الروسي في سوريا ينتج عنه سقوط عدد كبير من القوات النظامية في
دمشق وبالتالي السعي للحفاظ على صورته والتأكيد على قوة موقفه في الأزمة السورية، خاصة
أن عدم احكام ذلك الأمر قد يؤثر على وضعه في الانتخابات الروسية التي جرت مؤخراً.
§
تأتى مشاركة المرتزقة الروس في القتال الدائر في سوريا
أو غيرها من مناطق الصراع مثل شرق أوكرانيا دون تحمل الحكومة الروسية أي عبء مالي؛
حيث أن الشركات العسكرية الخاصة ملزمة بدفع كافة التعويضات اللازمة.
§
يتولى المرتزقة الروس مهمة حماية المنشآت النفطية والغازية
التي يتم استردادها من الجماعات المسلحة استناداً للعقد الموقع بين نظام
"بشار الأسد" وشركة "ايفرو بوليس" الروسية التى تعود ملكيتها
لـ" بريغوزين" السالف ذكره والتي ستحصل، بموجب هذا العقد، على ربع عائدات
الحقول النفطية التي يتم استردادها من تنظيم "داعش" لمدة 5 سنوات، وهو
الأمر الذي يُفسر هجوم هؤلاء المرتزقة إلى جانب قوات النظام السوري على تلك الحقول
الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل الولايات المتحدة
الأمريكية في فبراير 2018 والتي أدت لمقتل المئات وفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية
مثلما تم الإشارة سابقاً.
§
يأتي الدافع الوطني ضمن الدوافع المُحفزة لمشاركة روس في
القتال الدائر في سوريا؛ حيث يتمثل ذلك الدافع في اعتقادهم بأن قتال تنظيم "داعش"
واجب وطني يُحتم القيام به لحماية المجتمع الروسي من انتشار مثل تلك الايديولوجيات
المتطرفة بها مثلما جاء علي لسان زوجة أحد المرتزقة الروس الذين لقوا حتفهم على
الاراضي السورية.(12)
وفي الختام، لن تجني سوريا من وراء التدخلات العسكرية الروسية سواء عبر قواتها النظامية أو ميلشياتها الخاصة التي تأتى تحركاتها اتساقاً مع سياسات القوات النظامية الروسية، سوى مزيد من الخسائر البشرية والاقتصادية، كما إنها تُبيح الأراضي السورية لكافة القوى الاقليمية والدولية التي تتدخل رداً على التحالف الروسي ـ السوري ولضمان تقاسم النفوذ وحماية المصالح الاقتصادية في سوريا.