كرة القدم المصرية بين الجمهور والسياسة
الأحد 05/فبراير/2017 - 12:21 م
د.أحمد موسى بدوي
حين تخلو شوارع المدن والقرى المصرية من المارة، فاعلم أن الجميع يلتفون حول الشاشات لمشاهدة إحدى مباريات كرة القدم. ونحن نتابع نجاحات المنتخب الوطني غير المتوقعة في بطولة الأمم الأفريقية لكرة القدم، ربما يتبادر للذهن أسئلة نادراً ما نفكر في الإجابة عنها من قبيل: لماذا يعم الفرح بعد الانتصارات الرياضية رغم المواجع الاقتصادية؟ لماذا لا يحرص الناس على العمل كحرصهم على مشاهدة المباريات؟ لماذا وكيف توظف الرياضة اقتصادياً وسياسياً؟ وغيرها من الأسئلة التي نحاول الإجابة عليها في هذا المقال، استناداً إلى أفكار المفكر والفيلسوف الشهير بيرتراند راسل، وعالم الاجتماع الفرنسي الكبير بيير بورديو.
في عام 1950، ألقى بيرتراند راسل خطاباً بمناسبة حصوله على جائزة نوبل في الآداب. قدم فيه مقاربة لفهم دوافع السلوك الانساني، تلقفته العلوم الاجتماعية بالبحث والدراسة فيما بعد. تقوم مقاربته على أن السلوك لا تحركه المبادئ والقيم، بقدر ما تحركه الدوافع والرغبات، وحدد راسل أربع رغبات أساسية هي: حب التملك، حب التنافس، حب الظهور، حب السلطة. فضلاً عن مجموعة من الدوافع الثانوية على رأسها حب الاثارة. فكيف ترتبط هذه المقاربة بموضوع المقال؟
(1) حب التملك: وهي الرغبة التي تدفع الانسان نحو السعي الدائم في الأرض، لتملك ما يمكن من المتاع أو طلب الحق في التملك. هذه الرغبة كما افترض راسل أصلها نابع من خوف الانسان من العجز عن إشباع حاجاته الضرورية، فيكون مصيره الهلاك. لكن هوس الانسان بالتملك لا يتوقف عند حد الإشباع الضروري. فمع تعاقب النظم الاقتصادية منذ فجر التاريخ. يوجد دائماً من يحتكرون الثروة، ومن يحرمون منها دون وجه حق.
(2) حب التنافس: وهو من الدوافع الجوهرية في حياة البشر، ويعني منطقياً، أن ندرة الموارد، تخلق الدافع للتنافس من أجل الحصول على نصيب من هذه الموارد. ويتعلم الانسان مع الوقت ادارة ومأسسة عملية التنافس، من أجل توزيع يحقق مصلحة الجميع على أساس فكرة التعاون والعيش المشترك. ولكن في أحيان كثيرة يتحول التنافس إلى صراع مدمر.
(3) حب الظهور: وهو رغبه الانسان في أن يصبح في بؤرة اهتمام الآخرين. في بعض الأحيان توظف هذه الرغبة في مسار ايجابي، فيتحول الانسان إلى عالم أو قائد أو فنان أو كاتب، أو لاعب كرة، أو رجل دين ناجح، وأحياناً يوظف حب الظهور في مسار سلبي يدمر الفرد والمحيطين به، وأحياناً يدمر مجتمعات بأسرها.
(4) حب القوة أو السلطة: وتعني الرغبة في السيطرة على الآخرين، ويختلف عن حب الظهور، في أن الأخيرة لا تحتاج إلى ممارسة القوة على الآخرين. المهم أن راسل يعتبر حب السلطة من أهم الدوافع على الاطلاق، لأن القوة تؤثر في الدوافع الثلاث الأخرى.
(5) حب الإثارة: اعتبرها راسل من الدوافع الثانوية، ولكنها أمست بفعل التغير العولمي أو ما بعد الحداثي من الدوافع الهامة، وينشأ دافع الإثارة من الرغبة في الهروب من الملل والرتابة. ويذهب راسل إلى أن الإنسان كائن متفرد بعقله وتركيبه الجسماني، وأن الحياة المعاصرة مزقت الرابطة الطبيعية بين العقل والبدن، وأصبح العمل الانساني أكثر جلباً للخمول والراحة، بعد أن كان العمل اليدوي في العصور السابقة يستهلك طاقة الجسم لا يترك وقتا للملل. أي أن الإثارة من الحلول التي طورها الإنسان المعاصر لاستعادة الحيوية والتوازن المفقود بين العقل والجسد.
بناء على ما سبق يمكن القول، أن دوافع مشاهدة مباريات كرة القدم في مصر، بالنسبة للجمهور ستكون مختلفة عن دوافع النخبة السياسية أو النخبة الاقتصادية. بالنسبة إلينا نحن الجماهير، سيكون دافع المشاهدة هو حب التنافس وحب الاثارة. فمن جهة يتوحد الجمهور مع فريقه من باب المنافسة من أجل الحصول على الجائزة النادرة (الفوز) في نهاية المباراة، ومن ثم يكون الفرح المشهود في حالة الفوز بمباراة هو فرح صادق، يعبر عن اشباع كامل للرغبة في التنافس. ولا يخفى على القارئ أن عدم اليقين بات سمة من سمات المجتمعات في عصر العولمة، ما يجعل من لحظة الفوز في المنافسة، هي ذات اللحظة التي يسترد فيها المشاهد هذا اليقين، فربما يكون المشاهد من الشباب العاطل الذي لا يجد له موقعا في سوق العمل، فيستبدل عدم قدرته على التنافس في سوق العمل بتنافس الفريق الذي يحبه ويشجعه مع الفرق الأخرى. ولا غرابة إذاً أن نجد طائفة عريضة من الشباب العربي، يشجعون لدرجة التعصب، الأندية العالمية المشهورة في كرة القدم، كريـال مدريد أو برشلونة، فالدافع هنا لا تحدده الهوية الوطنية، وإنما الرغبات الانسانية الفردية.
ومن باب الإثارة، يتوحد الجمهور مع اللاعبين الذين يعيدون الارتباط بين العقل والبدن، ويحركون الجسد الإنساني الخامل، فيشعر مشاهد المباريات كأن جسده هو الذي يصول ويجول في الملعب، فيغضب حين يكون لاعب من لاعبي الفريق غير قادر على التركيز الذهني، أو غير قادر على تحريك قوته ومهاراته بشكل ملائم، ويحدث الإشباع التام للإثارة حالة وصول الفريق لقمة التكامل الذهني والحركي، حتى لو انتهت المباراة بخسارة الفريق. ولا غرابة في أن يكون لكل مجتمع خصوصيته في إشباع الرغبة في الإثارة، فبعض المجتمعات تجد ذلك في مباريات كرة السلة، أو سباقات السيارات، أو المصارعة الحرة... إلخ.
ويمكن إعادة فهم علاقة بعض اللاعبين بالجمهور، كمحمود الخطيب، محمد أبو تريكة، أو عصام الحضري مثلاً. إذا اتفقنا على أن دافع التنافس لدى الجمهور لا يرضى بديلاً عن الفوز، وأن دافع الإثارة لا يرضى بديلاً عن التكامل الذهني والحركي بغض النظر عن الفوز. فإن عدد محدود من اللاعبين، يجلبون للجمهور إشباع الدافعين معاً، بقدرتهم على تحقيق الفوز في أي وقت مع تقديم أداء متكامل ذهنياً وحركياً. فيكتسبون بذلك شعبية طاغية لدى جمهور كرة القدم بغض النظر عن السمات الشخصية أو الأخلاقية لهذا اللاعب أو ذاك.
نعود لدوافع رجال السياسة والأعمال من مشاهدة مباريات كرة القدم. نجد أن رجال الأعمال تربطهم بالرياضة دوافع أخرى غير حب التنافس وحب الإثارة، فدافعهم الرئيسي هو هوس التملك، تدفعهم إلى اعتصار المنافع الاقتصادية من العمل الرياضي، كما نرى في ظاهرة تشفير المباريات، وإتاحتها للقادرين على دفع التكلفة. في حين أن النخبة السياسية تربطهم بالرياضة حب القوة. وهنا يمكن أن نضيف لأفكار بيرتراند راسل، الأفكار التي قدمها عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو حول علاقة المجال السياسي بغيره من المجالات في المجتمع.
وفقا لبورديو، فإن المجال الرياضي، ومنه مجال كرة القدم له مستويين؛ خاص وعام. المستوى الخاص يضم (اللاعبون، المدربون، المديرون، الأطباء الرياضيين، المعلقون، النقاد المتخصصون، .. إلخ.)، وهذا المستوى له قواعده وتفاعلات وعلاقاته المهنية المرتبطة بالقدرات التي يمتلكها كل فرد في هذه المنظومة، والقيمة المضافة التي يقدمها للمجال. أما المستوى العام، فيضم جمهور كرة القدم، ورجال الأعمال، والساسة. على هذا المستوى العام تنتقل ملاعب كرة القدم من كونها ساحة للعب إلى ساحة للاستغلال السياسي والاستثمار الاقتصادي بامتياز.
وقد شهدت مصر توظيفاً سياسياً متعدد الجوانب لمجال كرة القدم، كالحرص على تواجد الرموز السياسية في لقاءات كرة القدم الهامة، بلغت حداً غريباً، بالتدخل في المستوى الخاص(المهني)، حين أصدر الرئيس مبارك ذات مرة، قراراً بإقالة مدرب المنتخب الوطني، وتعيين آخر محله. غير أن أكثر شواهد الاستغلال السياسي لكرة القدم فجاجة وغلظة، ارتبطت بأحداث مباراة كرة القدم بين الجزائر ومصر، منذ عدة سنوات، استغلالاً كاد أن يدمر العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين. حين استغل نظام مبارك وأبناءه جمال وعلاء ذلك الحدث الرياضي الكبير (التأهل لبطولة كأس العالم) وتطويع نشاط كرة القدم لتحقيق أهداف سياسية متعددة منها: (1) صرف الانتباه عن الانشغال والتفكير في المشكلات السياسية والاقتصادية العامة، وتغيير مسار التوتر أو القلق، بحيث يكون موضوعه المشكلة الرياضية، وليست السياسية أو الاقتصادية، ومنها أيضاً (2) استثمار حالة التوحد حول تحقيق الهدف الرياضي، وذلك بوضع أبناء مبارك داخل إطار وإجراءات تحقيق هذا الهدف – سرقة الفرح – لكسب التأييد الشعبي لجمال مبارك الطامح في خلافة أبيه. لكن بتبدل الأحوال السياسية بعد ثورتي 25يناير، 30 يونيه. يأتي السؤال هل تغير وضع النخب الاقتصادية والسياسية والجمهور من كرة القدم؟
الإجابة بنعم ولا. فمن ناحية الجمهور، ما يزال الدافع لمشاهدة مباريات الفريق القومي هو إشباع رغبتي التنافس والإثارة. وما يزال رجل الأعمال يسعى إلى اعتصار ما يستطيع من منافع اقتصادية بدافع حب التملك. التغير حدث بالنسبة لدوافع النخبة السياسية، وعلى رأسها رئيس الدولة، فإن هناك حرصاً على الاهتمام بالحدث الرياضي، من باب إثبات جدارة المصريين على الانجاز رغم الظروف الاقتصادية الخانقة، وليس من باب إثبات جدارة النظام السياسي على تحقيق الهدف الرياضي. على معنى تراجع الاستغلال السياسي الفج للحدث الرياضي بصفة عامة.
ولم يلحظ المواطن، أن النظام السياسي يحاول سرقة الفرح، كما كان يحدث في عصر مبارك، فخلال الفترة الماضية التي شارك فيها المنتخب القومي لكرة القدم في المباريات المؤهلة لبطولة كأس العالم، أو مباريات البطولة الافريقية، والتي حقق فيها الفريق نجاحات ملحوظة حتى الآن. لم تشتغل الآلة الإعلامية لتسليط الضوء على دور الرموز السياسية في صناعة الفوز في الأحداث الرياضية بصفة عامة وكرة القدم بصفة خاصة.
من الطبيعي أن يحب الجمهور المنافسة ويحاول أن يطرد الملل بالإثارة التي تحققها مباريات كرة القدم، ومن حق الدولة أن تثبت للمواطن أنها تقوم بواجبها في تطوير المجال الرياضي بالممارسة الرشيدة للسلطة، دون مزايدات ومبالغات يكشفها الحس المشترك بسهولة ويتفاعل معها تفاعلاً سلبياً ساخراً.
في عام 1950، ألقى بيرتراند راسل خطاباً بمناسبة حصوله على جائزة نوبل في الآداب. قدم فيه مقاربة لفهم دوافع السلوك الانساني، تلقفته العلوم الاجتماعية بالبحث والدراسة فيما بعد. تقوم مقاربته على أن السلوك لا تحركه المبادئ والقيم، بقدر ما تحركه الدوافع والرغبات، وحدد راسل أربع رغبات أساسية هي: حب التملك، حب التنافس، حب الظهور، حب السلطة. فضلاً عن مجموعة من الدوافع الثانوية على رأسها حب الاثارة. فكيف ترتبط هذه المقاربة بموضوع المقال؟
(1) حب التملك: وهي الرغبة التي تدفع الانسان نحو السعي الدائم في الأرض، لتملك ما يمكن من المتاع أو طلب الحق في التملك. هذه الرغبة كما افترض راسل أصلها نابع من خوف الانسان من العجز عن إشباع حاجاته الضرورية، فيكون مصيره الهلاك. لكن هوس الانسان بالتملك لا يتوقف عند حد الإشباع الضروري. فمع تعاقب النظم الاقتصادية منذ فجر التاريخ. يوجد دائماً من يحتكرون الثروة، ومن يحرمون منها دون وجه حق.
(2) حب التنافس: وهو من الدوافع الجوهرية في حياة البشر، ويعني منطقياً، أن ندرة الموارد، تخلق الدافع للتنافس من أجل الحصول على نصيب من هذه الموارد. ويتعلم الانسان مع الوقت ادارة ومأسسة عملية التنافس، من أجل توزيع يحقق مصلحة الجميع على أساس فكرة التعاون والعيش المشترك. ولكن في أحيان كثيرة يتحول التنافس إلى صراع مدمر.
(3) حب الظهور: وهو رغبه الانسان في أن يصبح في بؤرة اهتمام الآخرين. في بعض الأحيان توظف هذه الرغبة في مسار ايجابي، فيتحول الانسان إلى عالم أو قائد أو فنان أو كاتب، أو لاعب كرة، أو رجل دين ناجح، وأحياناً يوظف حب الظهور في مسار سلبي يدمر الفرد والمحيطين به، وأحياناً يدمر مجتمعات بأسرها.
(4) حب القوة أو السلطة: وتعني الرغبة في السيطرة على الآخرين، ويختلف عن حب الظهور، في أن الأخيرة لا تحتاج إلى ممارسة القوة على الآخرين. المهم أن راسل يعتبر حب السلطة من أهم الدوافع على الاطلاق، لأن القوة تؤثر في الدوافع الثلاث الأخرى.
(5) حب الإثارة: اعتبرها راسل من الدوافع الثانوية، ولكنها أمست بفعل التغير العولمي أو ما بعد الحداثي من الدوافع الهامة، وينشأ دافع الإثارة من الرغبة في الهروب من الملل والرتابة. ويذهب راسل إلى أن الإنسان كائن متفرد بعقله وتركيبه الجسماني، وأن الحياة المعاصرة مزقت الرابطة الطبيعية بين العقل والبدن، وأصبح العمل الانساني أكثر جلباً للخمول والراحة، بعد أن كان العمل اليدوي في العصور السابقة يستهلك طاقة الجسم لا يترك وقتا للملل. أي أن الإثارة من الحلول التي طورها الإنسان المعاصر لاستعادة الحيوية والتوازن المفقود بين العقل والجسد.
بناء على ما سبق يمكن القول، أن دوافع مشاهدة مباريات كرة القدم في مصر، بالنسبة للجمهور ستكون مختلفة عن دوافع النخبة السياسية أو النخبة الاقتصادية. بالنسبة إلينا نحن الجماهير، سيكون دافع المشاهدة هو حب التنافس وحب الاثارة. فمن جهة يتوحد الجمهور مع فريقه من باب المنافسة من أجل الحصول على الجائزة النادرة (الفوز) في نهاية المباراة، ومن ثم يكون الفرح المشهود في حالة الفوز بمباراة هو فرح صادق، يعبر عن اشباع كامل للرغبة في التنافس. ولا يخفى على القارئ أن عدم اليقين بات سمة من سمات المجتمعات في عصر العولمة، ما يجعل من لحظة الفوز في المنافسة، هي ذات اللحظة التي يسترد فيها المشاهد هذا اليقين، فربما يكون المشاهد من الشباب العاطل الذي لا يجد له موقعا في سوق العمل، فيستبدل عدم قدرته على التنافس في سوق العمل بتنافس الفريق الذي يحبه ويشجعه مع الفرق الأخرى. ولا غرابة إذاً أن نجد طائفة عريضة من الشباب العربي، يشجعون لدرجة التعصب، الأندية العالمية المشهورة في كرة القدم، كريـال مدريد أو برشلونة، فالدافع هنا لا تحدده الهوية الوطنية، وإنما الرغبات الانسانية الفردية.
ومن باب الإثارة، يتوحد الجمهور مع اللاعبين الذين يعيدون الارتباط بين العقل والبدن، ويحركون الجسد الإنساني الخامل، فيشعر مشاهد المباريات كأن جسده هو الذي يصول ويجول في الملعب، فيغضب حين يكون لاعب من لاعبي الفريق غير قادر على التركيز الذهني، أو غير قادر على تحريك قوته ومهاراته بشكل ملائم، ويحدث الإشباع التام للإثارة حالة وصول الفريق لقمة التكامل الذهني والحركي، حتى لو انتهت المباراة بخسارة الفريق. ولا غرابة في أن يكون لكل مجتمع خصوصيته في إشباع الرغبة في الإثارة، فبعض المجتمعات تجد ذلك في مباريات كرة السلة، أو سباقات السيارات، أو المصارعة الحرة... إلخ.
ويمكن إعادة فهم علاقة بعض اللاعبين بالجمهور، كمحمود الخطيب، محمد أبو تريكة، أو عصام الحضري مثلاً. إذا اتفقنا على أن دافع التنافس لدى الجمهور لا يرضى بديلاً عن الفوز، وأن دافع الإثارة لا يرضى بديلاً عن التكامل الذهني والحركي بغض النظر عن الفوز. فإن عدد محدود من اللاعبين، يجلبون للجمهور إشباع الدافعين معاً، بقدرتهم على تحقيق الفوز في أي وقت مع تقديم أداء متكامل ذهنياً وحركياً. فيكتسبون بذلك شعبية طاغية لدى جمهور كرة القدم بغض النظر عن السمات الشخصية أو الأخلاقية لهذا اللاعب أو ذاك.
نعود لدوافع رجال السياسة والأعمال من مشاهدة مباريات كرة القدم. نجد أن رجال الأعمال تربطهم بالرياضة دوافع أخرى غير حب التنافس وحب الإثارة، فدافعهم الرئيسي هو هوس التملك، تدفعهم إلى اعتصار المنافع الاقتصادية من العمل الرياضي، كما نرى في ظاهرة تشفير المباريات، وإتاحتها للقادرين على دفع التكلفة. في حين أن النخبة السياسية تربطهم بالرياضة حب القوة. وهنا يمكن أن نضيف لأفكار بيرتراند راسل، الأفكار التي قدمها عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو حول علاقة المجال السياسي بغيره من المجالات في المجتمع.
وفقا لبورديو، فإن المجال الرياضي، ومنه مجال كرة القدم له مستويين؛ خاص وعام. المستوى الخاص يضم (اللاعبون، المدربون، المديرون، الأطباء الرياضيين، المعلقون، النقاد المتخصصون، .. إلخ.)، وهذا المستوى له قواعده وتفاعلات وعلاقاته المهنية المرتبطة بالقدرات التي يمتلكها كل فرد في هذه المنظومة، والقيمة المضافة التي يقدمها للمجال. أما المستوى العام، فيضم جمهور كرة القدم، ورجال الأعمال، والساسة. على هذا المستوى العام تنتقل ملاعب كرة القدم من كونها ساحة للعب إلى ساحة للاستغلال السياسي والاستثمار الاقتصادي بامتياز.
وقد شهدت مصر توظيفاً سياسياً متعدد الجوانب لمجال كرة القدم، كالحرص على تواجد الرموز السياسية في لقاءات كرة القدم الهامة، بلغت حداً غريباً، بالتدخل في المستوى الخاص(المهني)، حين أصدر الرئيس مبارك ذات مرة، قراراً بإقالة مدرب المنتخب الوطني، وتعيين آخر محله. غير أن أكثر شواهد الاستغلال السياسي لكرة القدم فجاجة وغلظة، ارتبطت بأحداث مباراة كرة القدم بين الجزائر ومصر، منذ عدة سنوات، استغلالاً كاد أن يدمر العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين. حين استغل نظام مبارك وأبناءه جمال وعلاء ذلك الحدث الرياضي الكبير (التأهل لبطولة كأس العالم) وتطويع نشاط كرة القدم لتحقيق أهداف سياسية متعددة منها: (1) صرف الانتباه عن الانشغال والتفكير في المشكلات السياسية والاقتصادية العامة، وتغيير مسار التوتر أو القلق، بحيث يكون موضوعه المشكلة الرياضية، وليست السياسية أو الاقتصادية، ومنها أيضاً (2) استثمار حالة التوحد حول تحقيق الهدف الرياضي، وذلك بوضع أبناء مبارك داخل إطار وإجراءات تحقيق هذا الهدف – سرقة الفرح – لكسب التأييد الشعبي لجمال مبارك الطامح في خلافة أبيه. لكن بتبدل الأحوال السياسية بعد ثورتي 25يناير، 30 يونيه. يأتي السؤال هل تغير وضع النخب الاقتصادية والسياسية والجمهور من كرة القدم؟
الإجابة بنعم ولا. فمن ناحية الجمهور، ما يزال الدافع لمشاهدة مباريات الفريق القومي هو إشباع رغبتي التنافس والإثارة. وما يزال رجل الأعمال يسعى إلى اعتصار ما يستطيع من منافع اقتصادية بدافع حب التملك. التغير حدث بالنسبة لدوافع النخبة السياسية، وعلى رأسها رئيس الدولة، فإن هناك حرصاً على الاهتمام بالحدث الرياضي، من باب إثبات جدارة المصريين على الانجاز رغم الظروف الاقتصادية الخانقة، وليس من باب إثبات جدارة النظام السياسي على تحقيق الهدف الرياضي. على معنى تراجع الاستغلال السياسي الفج للحدث الرياضي بصفة عامة.
ولم يلحظ المواطن، أن النظام السياسي يحاول سرقة الفرح، كما كان يحدث في عصر مبارك، فخلال الفترة الماضية التي شارك فيها المنتخب القومي لكرة القدم في المباريات المؤهلة لبطولة كأس العالم، أو مباريات البطولة الافريقية، والتي حقق فيها الفريق نجاحات ملحوظة حتى الآن. لم تشتغل الآلة الإعلامية لتسليط الضوء على دور الرموز السياسية في صناعة الفوز في الأحداث الرياضية بصفة عامة وكرة القدم بصفة خاصة.
من الطبيعي أن يحب الجمهور المنافسة ويحاول أن يطرد الملل بالإثارة التي تحققها مباريات كرة القدم، ومن حق الدولة أن تثبت للمواطن أنها تقوم بواجبها في تطوير المجال الرياضي بالممارسة الرشيدة للسلطة، دون مزايدات ومبالغات يكشفها الحس المشترك بسهولة ويتفاعل معها تفاعلاً سلبياً ساخراً.