ترامب والنفط العربي
عندما ظهر الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر على شاشات
التليفزيون في منتصف عام 1977 كي يقدم برنامجه لتقليص استهلاك الطاقة في الولايات
المتحدة قال لمشاهديه: "تهددنا كارثة قومية في المستقبل، إن أزمة الطاقة لم
تقهرنا بعد، ولكنها ستقهرنا حتماً إذا لم نتخذ التدابير على الفور".
تنم هذه
العبارة عن أهمية النفط بالنسبة للولايات المتحدة، فغياب أكبر مصدر للطاقة، معناه
حرفياً تدمير للولايات المتحدة. هذا طبيعي فاللحظة الراهنة، لحظة التكنولوجيات
المرقمنة، اللحظة التي يتم فيها الاعتماد على الطاقة مصدراً أساسياً للحياة على
الكوكب ككل. فمن يستولي على النفط، من يمتلك أكبر احتياطي منه، قادر على التحكم
والسيطرة. وتصور لنا أفلام السينما العالمية، والأفلام الأمريكية، كيف يمكن أن
يكون عليه العالم في حالة هذا الغياب المرعب للطاقة. ولهذا ليس غريباً قيام الحرب
في العراق وسوريا واليمن وليبيا، على النحو الذي نراه. والقادم هو ما سوف يحتاج
للنظر.
ففي تقرير صادر عن الفورين بوليسي، تحت عنوان
"ترامب يريد سرقة نفط الشرق الأوسط، وليس منفرداً"، يضع مايكل كلير أمام
القارئ عدداً من التصريحات التي أدلى بها دونالد ترامب بشأن موقفه من نفط منطقة
الشرق الأوسط. إذ صرح في السابع من سبتمبر بضرورة الحصول على النفط. بل في حملته
الرئاسية صرح في السادس والعشرين من سبتمبر في خطاب له في أوهايو وفي حملاته
العديدة. لقد صرح الرجل بأن واحدة من الأخطاء التي ارتكبتها القوات الأمريكية في
العراق هو عدم قيامها بالاستيلاء على النفط. وقدم مبررات عديدة لتبرير هذا النهب. ففي
الكلمة التي ألقاها في السادس والعشرين من سبتمبر أن عملية النهب كان يجب أن تتم
قبل الانسحاب النهائي للقوات الأمريكية عام 2011، لأن ذلك كان سيعوق بناء تنظيم
الدولة الإسلامية. فهذا التنظيم يعتمد بقوة على في دخوله المالية على بيع النفط
والمتاجرة فيه. هذا، برأي مؤلف التقرير، يتنافى مع أن التنظيم يتحكم فقط في الآبار
النفطية لشمال العراق، فيما القوات الأمريكية متمركزة حول الحقول الموجودة في
الجنوب. كذلك يبرر ترامب هذا النهب والسلب للنفط العربي على أساس أن هذه هي
المكافأة التي يجب الحصول عليها، المكافأة الشرعية لقيام الولايات المتحدة بدحر
صدام حسين واحتلال البلاد. يقول ترامب "كما هو الحال في الأيام الخوالي،
عندما تشن الحروب فإن الغنائم تذهب للمنتصر والظافر". هذا ما أخبر به السيد
جورج ستيفنوبولوس عام 2011، معلقا على الحرب على العراق.
ولم يكتف
ترامب عند هذا الحد بحسب كاتب التقرير، بالعراق كهدف للنهب الأمريكي للنفط. فعندما
اندلعت الثورة الليبية ضد نظام الرئيس الليبي معمر القذافي، صرح دونالد ترامب في
قناة فوكس نيوز بأنه يفضل الذهاب لليبيا والحصول على النفط.
ويذهب كاتب التقرير إلى أن حديث ترامب على هذا النحو لا
يتصل به وبشخصه لكنه الخطاب السائد بين صقور الحزب الجمهوري في واشنطن، وربما يكون
الرجل قد نقل الفكرة من عدد من الجنرالات السابقين أو من الاستراتيجيين الضالعين.
ويؤرخ كاتب التقرير لبداية خطاب النهب والحديث عن السعي
للاستيلاء الأمريكي على النفط العربي قد بدأت معالمه في الظهور أوائل السبعينات،
عندما قامت السعودية والدول المنتجة للنفط بتأميم الحقول المملوكة للشركات النفطية
الأمريكية، وأنشأت منظمة الأوبك لضمان التحكم في سعر النفط. ووصل الأمر إلى ذروته
أواخر عام 1973 وبواكير عام 1974، عندما فرضت البلاد العربية حظراً على صادراتها
من النفط للولايات المتحدة، وأعلنت منظمة الأوبك وقتها زيادة أسعار النفط. ودعا
السياسيون والخبراء وقتها لتحرك عسكري لمواجهة المشكلة.
وفقا للبيان الصادر عن وزراء النفط في أعقاب
اجتماع بغداد، اقتصر الحظر على البلدان التي "ارتكبت أو
شاركت في العدوان على سيادة أي دولة عربية أو أراضيها أو مياهها الإقليمية." وعنى
المؤتمر بمفهوم "العدوان": (1) العدوان المسلح المباشر من جانب أي دولة
لدعم إسرائيل، (2) تقديم المساعدة العسكرية للعدو في
أي شكل من الأشكال، و(3) أي محاولات تأمين مرور السفن التجارية عبر خليج العقبة تحت الحماية العسكرية.
ومن حيث أهدافه، أكد البيان نفسه على أن القصد
من قرار حظر النفط على بلدان بعينها يفترض فيها كونها بلاد معادية هو خدمة غرضين:
(أ) ردع الدول الغربية عن تقديم الدعم
العسكري لإسرائيل في حربها مع الدول العربية.
(ب) معاقبة الدول التي لم تلتفت للتحذيرات
العربية، ولكنها وقفت بقوة في صف الجانب الإسرائيلي عبر إمداده بالأسلحة والذخيرة.
ومع ذلك، فإن التحليل الدقيق للموقف، وخاصة في
أعقاب الحرب، يبرز أغراضا أخرى هامة، وإن بدت غير مباشرة:
1. اتخاذ إجراءات انتقامية ضد الدول التي تدخلت مؤازرة إسرائيل أو
زودتها بالأسلحة التي ألحقت خسائر فادحة للجانب العربي.
2. لفتة دالة على تضامن الدول المنتجة للنفط للتعبير عن ولائها
للقضية العربية.
3. مبادرة احترازية تهدف إلى الحد من إمكانية قيام القوميين العرب
بأعمال تخريبية، عن طريق حرمان المتطرفين من ذريعة اتلاف المنشآت النفطية التابعة
لشركات النفط الغربية.
4. سياسة تأمين متخذة من قبل الدول المنتجة للنفط لمواجهة الاضطرابات
المدنية والمعارضة السياسية مستقبلاً.
5. صمام أمان لتخفيف الضغوط الرامية لتأميم شركات النفط الأجنبية
العاملة في الدول العربية.
وفي بحثه لخلفية حظر النفط العربي سنة 1973،
يلاحظ محمد أحراري أن الحظر الانتقائي على صادرات النفط الذي طبقته البلاد العربية
على الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا الغربية: فشل في تحقيق النتائج المرجوة
للأسباب التالية: (1) هو استجابـة لتخفيـف الاحتقـان الشعبي والكرب على هزيمة مذلة
للجيوش العربية، (2) كان خاليا من مفاهيم تعظيـم المكاسب وإدراك المكافآت، (3)
وكثرة الصراع الداخلي بين الدول العربية الناصرية. . . والممالك العربية .
أصول خطاب النهب
يرى مؤلف التقرير سالف الذكر أن جذور هذا
الخطاب قد بدأت في السبعينيات، مع المقال ذائع الصيت الذي نشر في مارس 1975، تحت
عنوان "نهب النفط العربي"، الذي كتب باسم مستعار. وفي هذا المقال قال
المؤلف بأن السبيل الوحيد لكسر رقبة منظمة الأوبك هو غزو حقول النفط السعودية
واحتلالها، وجلب الشركات الأجنبية لاستعادة الإنتاج. فالغاية هي احتلال مستودعات
النفط المركزة والكبيرة، التي يمكن تسريع عجلة إنتاجها من أجل القضاء على الندرة
المصطنعة للنفط ووقف رفع سياسة رفع الأسعار. وبطبيعة الحال أثارت هذه المقالة
عاصفة من الجدل والنقاش، وذهب البعض أن يد هنري كسنجر من وراء المقال أو على الأقل
تأثيره هو الذي حرك الفكرة. وذكرت أسماء أخرى غيره، وجادل المجادلون حول إمكانية
التنفيذ.
ودارت فكرة المقال حول
أن إمكانية تنفيذ هذا الهدف المنشود تتوقف على توفير أربعين ألف من القوات
الأمريكية، مصحوبة بالقوة البحرية والجوية. وظن المؤلف أن موسكو ستعرقل العملية،
لكنها لا تمتلك نفس القوة المطلوبة لإنجاز المهمة. ووقتها أجرى خبراء عسكريون بحثاً
وانتهى إلى أن العملية العسكرية المنشودة الكثير من القوات أكثر من العدد الذي
حدده مؤلف المقال المذكور، وسوف تؤدي هذه العملية إلى تبديد حقول النفط ذاتها، بما
يلغي أي فائدة اقتصادية من الغزو.
وبحسب تقرير مايكل كلير فإن فكرة
"الاستحواذ على النفط العربي" قد توارت عن الأنظار من الخطاب الرسمي،
لكن لم ينسحب مفهوم استعمال القوة العسكرية لضمان الدخول الأمريكي لمناطق مد الغاز
في الشرق الأوسط.
يؤكد التقرير ما سبق
إدراجه في مقدمة المقال الحالي، من أن التدخل الأمريكي لحماية التدفق الآمن لنفط
الشرق الأوسط كان هو السياسة المعتمدة، منذ إعلان كارتر التدخل بعد احتلال الاتحاد
السوفيتي لأفغانستان وسقوط حكم الشاه الإيراني، وسمي من وقتها هذا بـ"عقيدة
كارتر". والأمر ذاته تكرر مع بوش الأب الذي سارع في التسعينات بوقف القوات
العراقية عن احتلال الكويت، باعتبار ذلك يهدد السعودية وصادرات النفط. فقال في
خطاب بثته شاشات التلفزة: إن بلادنا تستورد تقريبا نصف النفط الذي تستهلكه، وقد
تواجه استقلاليتها تهديداً كبيراً" ثم أردف "سيادة السعودية على أراضيها
مصلحة حيوية للولايات المتحدة".
ما يريد هذا التقرير التأكيد عليه هو أن سياسة
ترامب المحتملة خارج هي سياسة مجربة، وقد أثبتت فشلها. فعلى الرغم من المطامع
الأمريكية، فإن هذا الهدف المرغوب خارج الخيال، ولا تستطيع أي إدارة أمريكية تحمل
تكلفتها سواء من جهة ثقة الشعب بها، أو من جهة ضحايا الحرب الذين سيسقطون تباعا من
الجانبين.
وفي النهاية يمكن التأكيد على أن هذا التقرير
يؤكد على فكرة راسخة في الذهن العربي، وهو الجشع الأمريكي الراغب في الحصول على
النفط، وأن الحرب الدائرة الآن في العراق واليمن وليبيا وسوريا بوجه خاص، لا تخدم
فقط شبكة منظمات الإتجار بالبشر، من تجار السلاح والآثار ، لكنها تدعم، أيضاً،
"عقيدة كارتر"، ومذهبه القائم على حماية المصالح الأمريكية بالغزو،
بالإضافة إلى "عقيدة ترامب" "النهب خير وسيلة لوقاية البلاد من الانهيار".
الهوامش
(1) محمد
الرميحي، النفط والعلاقات الدولية: وجهة نظر عربية، الكويت، سلسلة عالم المعرفة،
إبريل 1982، ص 171.
(2) Michael T. Klare,
Trump Wants to steal middle east oil, and he is not alone, Foreign policy
review, 13 October 2016.