جرس إنذار نواكشوط ومرتكزات الخروج من النفق المظلم
أكدت القمة العربية السابعة والعشرين التي عقدت في
نواكشوط ولمدة يوم واحد، على غير العادة، (25/7/2016) جدية التخوفات التي صاحبت
انعقادها وعلى الأخص منذ أن أعلنت المملكة المغربية اعتذارها الرسمي عن استضافة
هذه القمة.
كان الاعتذار المغربي جريئاً وفريداً من نوعه لم تعتده
الدبلوماسية الرسمية العربية التي اعتادت على التستر على سلبيات العمل العربي
المشترك. أهم ما في هذا الاعتذار المغربي أنه كان مسبباً ووضع النقاط فوق الحروف
بصدق ودون مواربة خصوصاً عندما تضمن أنه "أمام غياب قرارات مهمة ومبادرات
ملموسة يمكن عرضها على قادة الدول العربية، فإن هذه القمة ستكون مناسبة للتصديق
على قرارات عادية، وإلقاء خطب تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن بين الدول
العربية".
وزاد البيان الاعتذار صراحة عندما كاشف العرب بالقول أن
المملكة المغربية "لا تريد أن تُعقد القمة بين ظهرانيها دون أن تسهم في تقديم
قيمة مضافة في سياق الدفاع عن قضية العرب والمسلمين الأولى، ألا وهي قضية فلسطين
والقدس الشريف، في وقت يتواصل فيه الاستيطان الإسرائيلي فوق الأراضي الفلسطينية
المحتلة، وتنتهك فيه الحرمات ويتزايد فيه عدد القتلى والسجناء الفلسطينيين".
يومها اختتمت المملكة المغربية اعتذارها بتحديد المسار
المطلوب نهجه من جانب القادة العرب وهو "عقد قمة للصحوة العربية ولتجديد
العمل العربي المشترك والتضامن باعتباره السبيل الوحيد لإعادة الأمل للشعوب
العربية".
لم تطمح المملكة المغربية في ما هو مستحيل أو صعب، لكن
ما طمحت إليه هو إعادة الأمل للشعوب، فقط إعادة الأمل وليس الطموح في تحقيقه،
وحددت الطريق بتجديد العمل العربي المشترك والتضامن بين الدول العربية. وكان أمام
قيادة النظام العربي، حينئذ، ثلاثة خيارات للتعامل مع الاعتذار المغربي. الأول هو
إرجاء القمة العربية لأجل غير مسمى، وربط انعقاده بمقومات تحقيق البنود الواردة في
بيان الاعتذار المغربي. والثاني هو عقد قمة جادة وقوية تكون قمة للصحوة عن جدية
وعزم قادرة على استعادة الأمل العربي وامتلاك مقومات الانطلاق نحو تحقيق الأهداف
وأولها بالطبع التصدي لكل التحديات التي تهدد تماسك وبقاء العديد من الدول العربية
التي باتت مهددة بالسقوط والانهيار والتقسيم، وتشكيل القوة العربية المشتركة
القادرة على خوض معارك الانتصار ضد الإرهاب، واستعادة الوعي في إدارة الصراع التاريخي
الإستراتيجي مع الكيان الصهيوني باعتباره العدو الأساسي للأمة.
أما الخيار الثالث فهو التغاضي عن كل ما ورد من مضامين
في بيان الاعتذار المغربي، وعقد قمة مناسباتية للمصافحة والمجاملة الفاترة بين
النذر اليسير من قادة الدول العربية الذين سيعطون الأولوية للمجاملات على حساب
المصارحون وسيحضرون تلك القمة.
وعندما قررت جامعة الدول العربية انعقاد القمة في
موريتانيا التي تكرمت وأنقذت الموقف بقبول استضافتها، لم يصل سوء الظن بأحد من
العرب أن يكون هناك خيار رابع لم يرد على ذهن أحد وهو انعقاد قمة عربية تصادق على
كل دعوات الانهزام العربي.
هكذا جاءت قمة نواكشوط ببيان هزيل ركيك لا يحمل أية
مضامين حقيقية ولا يتضمن أية قرارات قابلة للتنفيذ، لا بخصوص الأزمات العربية
المتفجرة، ولا بخصوص القوة العربية المشتركة المؤجل قرارها منذ القمة السابقة التي
عُقدت في شرم الشيخ، وكأن الظروف الحالية لا تستدعي أن يكون للعرب قوة عسكرية
تقاتل معاركهم، لكن الأهم هو زيف نصوص البيان بخصوص القضية الفلسطينية والموقف من
الكيان الصهيوني.
البيان دعم مؤتمر باريس والدعوة الفرنسية لتجديد الأمل
في حل الدولتين، أي أنه كالعادة ألقى بالقضية في ملعب المجتمع الدولي وكأن قضية
فلسطين تخص هذا المجتمع الدولي ولا تخص الدول العربية، لكن ما هو أدهى وأمر أن هذا
التوجه يأتي في وقت يتدافع فيه بعض العرب نحو الكيان الصهيوني ظناً أنه يمكن أن
يكون الحليف والملاذ الآمن في وقت يفتقرون فيه إلى الأمان.
هل هذا هو مصير العرب؟
بالطبع لا، لا هذه القمة عربية، ولا مقرراتها الهزيلة
نهاية المطاف، ولن يفقد العرب يقينهم في صدق عزمهم لاستعادة الأمل والصحوة من
الغفلة والمضي قدماً في طريق تحقيق الأهداف.
قمة نواكشوط: جرس إنذار
أهم ما أنجزته قمة نواكشوط بكل سلبياتها هو أنها قرعت
جرس إنذار بالخطر لكل العرب ليهبوا للدفاع عن ذواتهم، الشعوب قبل الحكومات،
إنذاراً يضعهم أمام أحد خيارين؛ إما الانفراط النهائي والتشرذم والتبعثر في كيانات
صغيرة عرقية وطائفية متصارعة، على نحو ما تتحدث أوراق وخرائط ما يعتبرونه
"سايكس- بيكو" أخرى تنهي ما قد تبقى لدى الحالمين العرب من طموحات وحدة
الهوية والأرض وطموحات النهوض والتقدم، وإما نفض هذا الغبار اللعين بكل روائحه
الكريهة، واستعادة زمام المبادرة والبدء من جديد لإحياء مشروع النهضة العربية
والتصدي لكل نوازع التفكك والانهيار، فإن القرار سيبقى في النهاية مرهوناً بإرادة
الشعب العربي في كل أقطاره، وهي الإرادة التي سبق أن اختبرت عشرات المرات في سنوات
وتجارب حالكة السواد لكنها كانت دائماً عند حسن الظن بها، وكانت قادرة على صنع
المستحيل.
لكن دائماً يبقى السؤال هو كيف؟ هل يمكن للعرب الخروج من
النفق المظلم؟ وكيف؟
هذا السؤال كان عنواناً، ومازال، لمبادرات صادقة طرحتها
مجموعات واعية وصادقة في وعيها بأن: "الأمة مازالت تستطيع". وكان السؤال
الشاغل هو: هل ثمة مخرج من كابوس عملية التفتيت والتفكيك التدميريتين الجارية الآن
على قدم وساق للوطن العربي على ضوء ثلاثة تطورات بارزة وشديدة الخطورة هي على الترتيب:
- عجز مشاريع الإسلام السياسي المتنوعة من الإسلام
الإيراني إلى العثمانية التركية إلى السلفية الجهادية التكفيرية والأصوليات الأخرى
عن وقف تداعيات هذا التفتيت، بل وتورط معظم هذه المشاريع في تعميق عنف هذه
التداعيات، ناهيك عن تقديم حلول ومخارج ناجعة للأمة.
- تداعي مشروع الدولة القطرية (الوطنية) العربية بفعل
فشلها في الإنجاز والقيام بالوظائف المنوطة بها، خاصة وظائف الأمن والتكامل
والتنمية، وإمعانها في الاستبداد والتسلط والقهر، ما جعلها غير قادرة على كسب
الولاءات الشعبية، ومن ثم عرضة لتلقي الضربات والصدمات ومشاريع الاختراق وإعادة
التقسيم دون حول ولا قوة، بل والتورط في التحالف مع ألد أعدائها، أملاً في إيجاد
ولو خيط ريع للإنقاذ دون أن تدري أنها تنحدر بهذا الخيط الآثم نحو الهاوية.
- تنامي وتصاعد الهويات الفرعية ما قبل الوطنية
والقومية، ولاءات عرقية، وأخرى دينية وطائفية، فاقمت من العجز، ليس هذا فقط، بل
أنها، وعندما أعلت من شأن هذه الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية والقومية
الجامعة فتحت أبواب الاختراق لكل أشكال التدخل الخارجي التي تحمل معها وعوداً
كاذبة بالحماية القاتلة.
لقد تعددت الإجابات والاجتهادات على سؤال: هل يمكن
الخروج من النفق؟ وكيف؟
وكانت إجابتنا هي نعم، ومن خلال مشروع وطني للإنقاذ له
أفقه القومي. فإذا كان مشروع الإسلام السياسي ومعه مشروع الدولة الوطنية قد فشلا
في الحفاظ على الحد الأدنى من وجود الأوطان التي باتت معرضة للتبعثر ومعها الهوية
الوطنية ذاتها فإن العروبة والمشروع القومي العربي باتا هما طوق النجاة الباقي
لهذه الأمة وربما الوحيد للحفاظ على بقاء الدولة العربية.
ثلاثة مرتكزات للنهوض
تحقيق ذلك يمكن أن يتم عبر ثلاثة مرتكزات أساسية. أول
هذه المرتكزات هو تطوير وتفعيل جامعة الدول العربية باعتبارها المنظمة الإقليمية
للنظام العربي باتت أمام خيار واحد هو خيار التطوير واكتساب الفعالية اللازمة
لإنجاز المشروع القومي العربي الذي أضحى الخيار الوحيد لخروج الأزمة العربية من
نفق التردي إلى رحابة المستقبل القادر على تحقيق الآمال.
تطوير وتفعيل دور الجامعة هو الخيار الوحيد لأن البديل
هو خيار التفكيك، تفكيك النظام العربي وقبله تفتيت وإعادة تقسيم الدول العربية
وليس تفكيك جامعة الدول العربية وإنهاء
دورها. وهذه الحقيقة تعتبر رداً على الاتجاه الذي لا يرى أملاً يرتجى من أي إصلاح
أو تطوير أو تفعيل لجامعة الدول العربية ودورها لسبب أساسي هو أنها عجزت على مدى
ستة عقود كاملة من اكتساب أي صفة من صفات الفعالية، وأنها بالعجز كانت تعد، في
ذاتها، عقبة أمام الاتجاه العربي الوحدوي لأنها وفقت أمام دعوة الوحدة بانحيازها
للدولة القطرية (الوطنية) العربية والدفاع عن وجودها، على نحو ما يرى بعض أطراف
التيار الوحدوي، أو أنها كانت عقبة أمام الدولة القطرية (الوطنية) بانحيازها
للدعوة العربية، وفرضت قضايا مركزية (قضية فلسطين بالأساس) على النظام العربي
الأمر الذي دفع بهذا النظام للدخول في غمار صراع عنيف مع العالم العربي حال دون
تحقيق التقدم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المنشود كما يروج أنصار التيار
الانعزالي المعادي للعروبة، أو أنها فرضت العروبة بديلاً للخيار الإسلامي والدعوة
الإسلامية الأممية وإعادة إحياء خيار "الخلافة الإسلامية" بعد انحياز
أنصار التيار القومي لـ "مؤامرة" إسقاط هذه الخلافة في بداية القرن
العشرين، على نحو ما يروج أنصار "الإسلام السياسي".
والفعالية التي نعنيها بالنسبة لجامعة الدول العربية
وغيرها من المنظمات الإقليمية هي أولاً القدرة على القيام بالوظائف المنوطة بها،
وثانياً القدرة على مواجهة التحديات. هناك العديد من الوظائف المهمة والأساسية
التي يجب أن تقوم بها جامعة الدول العربية ضمن مسعى إنجاز الإستراتيجية العربية
الشاملة هي أولاً الوظيفة التكاملية أي قيادة المسعى لتحقيق هدف الاتحاد بين الدول
العربية، وثانياً الوظيفة التنموية، أي قيادة خطط التنمية المجتمعية Sociatial Development الشاملة والمستدامة بأبعادها الاقتصادية والتكنولوجية
والاجتماعية والثقافية، وثالثاً الوظيفة الأمنية هي صيانة الأمن القومي العربي ضمن
مشروع للأمن الجماعي العربي. أما بالنسبة لمواجهة التحديات فإننا نعني بها قدرة
الجامعة على جودة توظيف منهاجية التحدي والاستجابة، أي القدرة العالية في
الاستجابة للتحديات ومواجهتها، وهذا يقودنا إلى إحدى الصفات الهامة التي يجب أن
تكتسبها الجامعة للقيام بهذا الدور وهو امتلاك القدرة على التكيف، سواء في
الاستجابة للمطالب والتحديات المتجددة، أو امتلاك القدرات اللازمة للقيام بالأدوار
المطلوبة للتصدي للتحديات.
ثاني هذه المرتكزات هو التوافق العربي على أجندة عمل
عربية ذات أولويات محددة، أجندة عمل للإنقاذ حتماً سيأتي على رأس أولوياتها التصدي
للخطر الإرهابي الذي يتهدد أمن وكيان الدول العربية، ورفض كل مشاريع التقسيم
والصراع الطائفي السني- الشيعي الذي يتهدد وحدة الأوطان العربية، ومعه التصدي لكل
نوازع ودوافع الاستقطاب الإقليمي على أسس طائفية التي من شأنها الانحراف بمجرى
الصراع التاريخي – الإستراتيجي، أي الصراع العربي ضد الكيان الصهيوني الذي يسعى
بكل دأب لاختراق الوعي العربي والدعوة إلى تحالف إسرائيلي- عربي ضد عدوين يركز
عليهما هما: إيران والإرهاب، ويهدف من وراء ذلك القفز على أولوية الإقرار بالحقوق
المشروعة للشعب الفلسطيني، كما يأتي على رأس أولويات هذه الأجندة طرح مشروع لنظام
عربي يؤسس لاتحاد عربي، يضع نصب أعينه هدف تحقيق التكامل العربي السياسي
والاقتصادي والعسكري.
أما المرتكز الثالث هو تأسيس "حركة تحرر عربية
شعبية وحدوية وديمقراطية" تعمل جنباً إلى جنب مع القيادة الرسمية للنظام
العربي، تكون قادرة على استنهاض الوعي والقدرات العربية للدفاع عن وجود وتماسك
الدولة الوطنية العربية وتجديد الطموح نحو وحدة العرب والتصدي لكل التهديدات
والمخاطر، حركة تحاكي حركة حركة التحرر العربية التي استطاعت الأمة العربية
تفجيرها في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي التي قادتها ثورة 23 يوليو
1952 وزعيمها جمال عبد الناصر.
لقد كانت لحركة التحرر العربية تلك خصوصياتها، وفي
مقدمتها أنها كانت تجسيداً واستجابة لطموحات الشعب العربي في النهوض والاستقلال
والتقدم، ولمواجهة تحديات ما بعد الحرب العالمية الثانية وفي مقدمتها تحدي الكيان
الصهيوني في فلسطين، ورواسب الحرب العالمية الأولى، كما جاءت انسجاماً مع القيم
والمبادئ التي ارتكز عليها النظام العالمي الجديد كما هي مدونة في ميثاق الأمم
المتحدة، وخاصة مبادئ التعاون الدولي، وحل المشاكل والأزمات بالطرق السليمة، ونبذ
الحروب، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول والدفاع عن سيادتها واستقلالها
الوطني، لكنها كانت أيضاً، وهذا هو الأهم، تعبيراً عن واقع سياسي عربي جديد فرضه
تفجر الثورة العربية في مصر، وبروز زعامة جمال عبد الناصر التي جعلت من مصر
الناصرية قاعدة للنضال التحرري والوحدوي، والتي استطاعت أن تلتقي مع نظم حكم عربية
أخرى شاركتها الأهداف والمبادئ، لكن ما هو أكثر أهمية هو أنها التقت، دون وساطة،
مع الشارع العربي الذي وجد فيها ملاذه الذي كان يسعى إليه من أجل الحرية والعزة
والكرامة.
الآن تفاقمت التحديات ووصلت إلى العصب العربي، أي إلى
الدولة الوطنية العربية التي باتت مهددة في وحدتها الوطنية واستقلالها ومهددة
بإعادة التقسيم والتفتيت، وغابت الزعامة العربية، ولم تعد مصر بأوضاعها الراهنة هي
مصر جمال عبد الناصر، ولذلك فإن حركة التحرر العربية الجديدة التي نعنيها والتي
نريدها يجب أن تكون شعبية، أي عمادها الأساسي هو الشعب وليس الزعامة الفردية، وأن
تكون ديمقراطية بذات القدر، وأن تمتد في عضويتها لتشمل كافة القوى والتيارات
والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني المؤمنة بوحدة الأمة والحريصة على دعم بقاء ووجود
الدولة العربية والرافضة لمخطط إعادة التقسيم والصراع والاستقطاب الطائفي، وهي
التي يمكن أن نسميها بـ "الكتلة التاريخية العربية" القادرة على تحمل
مسؤولية التصدي لكل المخاطر التي تهدد وطننا العربي.
الآليـــات
الوصول إلى هذه الكتلة التاريخية يتم عبر حزمة من
الآليات التي باتت ضرورية، إن لم تكن حتمية، أول هذه الآليات الوصول
إلى وفاق وطني داخلي يجمع كل القوى صاحبة المصلحة في الدفاع عن الوطن وأمنه
وسلامته، ضمن صياغة مشروع سياسي وطني جديد يؤمن المشاركة السياسية، دون تخوين، لكل
من لم ينخرط في أية سياسات عدائية لدولته، وكل من تصدى ورفض كل اعتداء خارجي على
هذا الوطن. هذا التوافق الوطني لن يتحقق دون مصالحة وطنية في الدول التي شهدت
صراعات داخلية على السلطة طيلة السنوات الخمس الماضية، مصالحات تقوم على المصارحات
والشفافية وصدق النوايا في الدفاع عن أمن الوطن واستقراره ووحدته.
ثانية هذه الآليات ربط النضال الوحدوي بالنضال الديمقراطي مدعوما بالنضال من أجل
العدل الاجتماعي، فهذه النضالات الثلاث لم يعد من الممكن الفصل بينها: ديمقراطية –
عدالة اجتماعية – وحدة.
ثالثتها: طرح مفهوم "الديمقراطية التشاركية" الذى يؤمن مشاركة شعبية
حقيقية في السياسة والحكم من خلال انخراط الأحزاب والمنظمات الأهلية ومنظمات
المجتمع المدني واتحادات النقابات المهنية والعمالية في أدوار تتعلق بالاقتصاد
والإنتاج والسياسة العامة للدولة، بحيث تكون كل هذه القوى وعاء للعمل الوطني
المشترك القادر على ضمان حقوق عادلة في الثروة والسلطة لكل الشعب بمكوناته
السياسية والاجتماعية والثقافية. فالديمقراطية الليبرالية سقطت بسقوط النظام الرأسمالي
بعد أن أضحى هذا النوع من الديمقراطية مفعما بالتزوير للإرادات منذ أن تحول إلى
"ديمقراطية من يملكون".
رابعتها: الربط بين هذه الحركات الوطنية التحررية داخل الأوطان مع مثيلاتها في الأقطار العربية الأخرى بحيث يتحقق تحالف شعبي عربي عريض يضم كافة التيارات الفاعلة في المجتمعات العربية، والقادرة على التوحد على مشروع عربي للنهوض الحضاري وتحمل مسئولية السعي إلى تحقيقه من خلال تكوين شبكة متكاملة من أدوات التعامل الجماهيرية الشعبية والثقافية والإعلامية تكون قادرة على توظيف كل أدوات الاتصال ومعتمدة على قاعدة واسعة من المفكرين والمبدعين والشباب والطلائع العربية تحمل مسئولية الانتصار للمشروع العربي وتجديده وتطويره والترويج له. على أن تكون واعية بأهمية التحالف مع الحركات الشعبية العالمية المناهضة للمشروع الاستعماري الجديد بعناوينه المستحدثة من "العولمة" والليبرالية الجديدة وكل ما هو على شاكلتها، وهي الحركات الممتدة ليس فقط في دول العالم الثالث في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بل وأيضاً في أوروبا وداخل الولايات المتحدة نفسها.