جماعة الخدمة في تركيا: هل هي حركة إصلاحية أم تنظيم إرهابي؟
في أعقاب الانقلاب الفاشل الذي قامت به مجموعات من
القوات المسلحة التركية منذ عدة أيام في تركيا، لم يجد أردوغان وقيادات العدالة
والتنمية سوى جماعة الخدمة التي أسسها عبدالله كولن، لكي يحمِّلها المسئولية
الكاملة عن هذا الانقلاب، وفي صبيحة ليلة الانقلاب، قامت قوات الأمن التركية
بعمليات اعتقال وتوقيف ضخمة، طالت كافة مؤسسات الدولة بما فيها ديوان رئيس
الجمهورية، وديوان مجلس الوزراء. متهمين أعضاء جماعة الخدمة بالتواطؤ مع الخارج
لهدم الدولة التركية. وفي هذا المقال نحاول الإجابة على سؤال رئيسي: هل تعتبر
جماعة الخدمة حركة إسلامية إصلاحية تنموية أم تنظيم إرهابي؟ متبوع بسؤال فرعي: ما
سر العلاقة العدائية بين أردوغان بالتحديد وجماعة الخدمة؟ مع التأكيد مبدئياً على
أن كاتب المقال ينطلق من مبدأ رافض لفكرة الانقلاب على النظام الديمقراطي بصفة
عامة.
أولاً- نشأة الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا
يحلو للبعض، بقصد ودون قصد، أن يصف رجب طيب أردوغان،
بأنه مهندس الصحوة الإسلامية في تركيا، بعد تفوقه وتجاوزه لإنجاز أستاذه نجم الدين
أربكان، والحقيقة أن كلاهما يجني ثمرات حالة تاريخية تمر بها تركيا، منذ إعلانها
دولة علمانية في عام 1928 – حالة أسس لها المُصلح الديني الكردي بديع الزمان سعيد
النورسي (1877-1960) الذي ناضل من أجل الحفاظ على الهوية الإسلامية للأتراك وقت
ازدهار دولة أتاتورك.
لم يكن سعيد النورسي، حالماً باستعادة الخلافة الإسلامية،
مقارنة بهدف حسن البنا عند تأسيس جماعة الاخوان المسلمين، وإنما كان حالماً
باستعادة الهوية الإسلامية لتركيا، في وقت خربت فيه المساجد وهجرت، وحرمت السلطات
على الأتراك المجاهرة بممارسة العبادات، ومنعت تدريس اللغة العربية وتحفيظ القرآن،
وتعقبت بالسجن والتنكيل كل رجال الدين. هي حالة لم تعشها أي دولة غالبية سكانها من
المسلمين تحض على المقاومة بكل أشكالها دفاعاً عن العقيدة والهوية الدينية. فكيف
كان منهج النورسي، والذي طوره بعد ذلك عبدالله كولن كما سنرى بعد قليل.
في سبيل الحفاظ على الهوية الإسلامية للأتراك قضى
النورسي عمره بين السجن والنفي وتحديد الإقامة، والملفت للانتباه والإعجاب في
ذات الوقت، أنه رغم كل ذلك لم يدع مطلقاً إلى حمل السلاح في وجه الدولة العلمانية،
وحرم على أتباعه وتلاميذه ومحبيه العمل بالسياسية تحريماً مطلقاً، وكان دائم
الترديد لشعار "أعوذ بالله من الشيطان والسياسة". وعجزت السلطات التركية
عن إثبات تهمة واحدة عليه، فاكتفت باستمرار سجنه ونفيه بلا تهمة، حتى بعد وفاته لم
يسلم جسده من المعاناة، فقد أصرت السلطات التركية على نقل جثمانه بعد الدفن بأيام
إلى مكان غير معلوم.
على أية حال، انشغل سعيد النورسي، بتأليف
رسائل النور، مستغرقاً في ذلك نصف قرن من عمره، وكان يكتبها طلابه، وينسخونها في
سرية تامة، ثم يتم توزيعها في أرجاء تركيا بعيداً عن أعين الأمن، جددت هذه الرسائل
الدين الاسلامي بوسطيته وإصلاحيته وعدم تناقضه مع الحضارة الحديثة. وصارت هذه
الرسائل وحتى الآن المصدر الرئيسي للمعرفة الدينية في تركيا. لا علاقة لهذه
الحركة من حيث المنهج والأهداف بالحركات والتنظيمات الدينية في العالم العربي.
ثانياً- تطور الحركة النورية بعد وفاة
النورسي:
تغيرت الأحوال السياسية في تركيا في سبعينيات القرن
الماضي، وسمحت السلطات بالنشاط الديني في حدود ضيقة وصارمة يرسمها القانون، وإستغلالاً
لهذه الإنفراجة السياسية، أسس طلاب ومحبي النورسي العديد من المؤسسات الخيرية لنشر
تعاليم النورسي ورسائله، وجميع هذه المؤسسات تحافظ بصورة أو بأخرى على وصية
النورسي لطلابه بعدم الاشتغال بالسياسة، فلا يسمح لأعضائها، بالترشح في أي
انتخابات، من أي نوع، كما أن هذه المؤسسات لا تدعم بصفتها الاعتبارية أي مرشحين من
أي نوع. فتحولت لهذا السبب إلى مؤسسات تمنح الدعم المعنوي والفعلي للأحزاب الإسلامية
دون أن تضطر هذه الأحزاب إلى دفع ثمن سياسي مقابل هذا الدعم. لذلك فقد شكلت
هذه المؤسسات، قوة ناعمة ذات تأثير عميق وممتد في المجتمع التركي، وليست جماعة فتح
الله كولن، سوى واحدة من هذه المؤسسات.
ومن هنا نؤكد للقارئ أن الحركة النورية، نسبة لرسائل
النور التي ألفها النورسي، كُتب لها البقاء والازدهار ولم تمت بعد موت مؤسسها. وأصبحت
حركة إجتماعية كاملة الأركان، وفقا لنظرية تشارلز تلي، لأنها استوفت مقومات قيام
الحركة الاجتماعية بشروطها الثلاثة المتمثلة في: (1) وجود مجهود عام مستدام
ومنظم لتحقيق الفكرة الإصلاحية الدينية، يسميه تلي "الحملة المستمرة". (2)
وجود أشكال متنوعة من الممارسات والمؤسسات الداعمة، جمعيات، تحالفات، مواكب
ثقافية، خدمات، ظهور إعلامي، .. الخ، كل هذه المظاهر وغيرها يسميها تلي
"ذخيرة الحركة الاجتماعية". (3) تَجَسُّد فكر الحملة في صورة
أفراد يتميزون بخصائص متشابهة هي: الجدارة، الوحدة، الزخم، الالتزام.
غير أنها لم تعد حركة واحدة ايضاً، ولكنها انقسمت إلى
عدد كبير من الحركات على رأس كل منها تلميذ او أكثر من تلاميذ النورسي فيما بينها
تنافس وأحياناً صراع. ولكنها جميعاً تحتفظ بصورة أو بأخرى بروح سعيد النورسي وأفكاره
التنويرية الدينية المعتدلة ما يجعلها تملك دون شك نفوذاً ممتداً في كافة أرجاء
المجتمع التركي، وفي كافة مؤسسات الدولة، بالإضافة الى ما تمتلكه هذه الحركات من
مؤسسات خيرية وأوقاف للصرف على التعليم والخدمات الاجتماعية والثقافية.
ثالثاً- جماعة الخدمة
فتح الله كولن (خوجة أفندي): رجل دين إصلاحي من مواليد
عام 1942، وأحد أتباع العلامة سعيد النورسي، يتمتع بثقافة واسعة ولديه قدرة غير
محدودة على التفكير الإبداعي، حمل على عاتقه منذ انشغاله بالعمل العام في تركيا نقل
تعاليم سعيد النورسي إلى العالم بطريقة مبتكرة، تثبت قدرة الإسلام على التشكيل
الحضاري. تقوم فلسفة فتح الله كولن على إيجاد مجتمع إسلامي ملتزم، لكن في الوقت
نفسه متلهف للمعرفة والتكنولوجيا الحديثة والتقدم. واليوم يقترن اسم فتح الله كولن بمصطلح
الإسلام التركي المستنير أو المعتدل، إذ حاول كولن مع مؤيديه تأسيس حركة دينية سياسية
إجتماعية حديثة تمزج الحداثة بالتدين، ووضع الإسلام والقومية والليبرالية في بوتقة واحدة.
بعد الانقلاب العسكري بقيادة كنعان آفرين عام 1980، والقرارات التي اتخذتها
الحكومة العسكرية فيما يتعلق بتحرير الاقتصاد وخصخصة الإعلام وإتاحة حرية عمل أكبر، للمنظمات المدنية بما في ذلك
الجماعات الدينية، بدأت الحركات الدينية ذات الأصول النورية تزدهر، وعلى رأسها
حركة الخدمة التي أسسها فتح الله كولن، مركزاً اهتمامه على قطاع الثقافة والتعليم،
فأسس العديد من المدارس الخاصة، يقدم فيها
تعليماً راقياً عالي الجودة، تفوق على التعليم الحكومي بدرجة ملفتة، ولم يمض وقت
طويل حتى كان خريج مدارس الخدمة هو الأكثر حظاً في التعليم الجامعي، والأكثر طلباً
في سوق العمل الحكومي والخاص على حد سواء.
لم يكتف كولن بقطاع التعليم، لأنه يمتلك مبادرة حضارية
شاملة، فقام بتأسيس مجموعة من المؤسسات الاقتصادية الناجحة في مجال النشر ووسائل
الإعلام المختلفة، وانطلاقاً من النجاح الداخلي توسعت جماعة الخدمة خارجياً فأسست
مدارس لها في أوروبا والولايات المتحدة واستراليا وآسيا الوسطى، بالإضافة إلى
شركات إقتصادية ناجحة. ثم أسس (بنك مشاركة) في عام 1990 برأسمال تركي 100% على
غرار بنك الفقراء الذي أسسه محمد يونس في بنجلادش. وحافظ كولن على شعار النورسي،
فلم يحترف السياسة ولم تؤسس الجماعة لنفسها حزباً سياسياً، ولو فعلت لكانت في سدة
الحكم منذ زمن بعيد. فكل التطور الذي لحق بحركة كولن حدث قبل أن يكون للأحزاب
السياسية الإسلامية وزن حقيقي على المسرح السياسي التركي، ما يجعلنا نؤكد أن
النموذج الناجح الذي قدمته جماعة الخدمة كان من أهم العوامل التي جذبت الناخب
التركي للتصويت للأحزاب الإسلامية بعد ذلك.
ونتوقف هنا مع القارئ لتأمل نشاط فتح الله كولن
الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وكيف أثمر هذا النشاط في تنشئة جيل جديد من الإسلاميين
الأتراك القادرين على فهم مشكلات العالم المعاصر، متسلحين بالعلم والثقافة
المطلوبين، وهو الجيل الذي أسهم بدور كبير بعد ذلك في نهضة تركيا الاقتصادية، وهو
نفس الجيل الذي يعتلي أعلى المناصب في كافة المؤسسات التركية الآن. ومن هنا يكتشف
القارئ سر الوصف الاعتباطي، المناقض للحقائق والوقائع، الذي أطلقه أردوغان على
جماعة الخدمة بأنها كيان موازي، وأغلب الظن أن الأعداد الضخمة التي تم توقيفها
عن العمل بعد الانقلاب هم من خريجي مدارس الخدمة ومن العاملين في مؤسسات الخدمة
المتنوعة.
رابعاً- تأثير الحركات الاجتماعية النورية في
المجال السياسي التركي
دون شك، فإن كافة
الأحزاب الإسلامية التركية، التي بدأت في الظهور في مطلع السبعينيات، اكتسبت
قوتها، من مصدر وحيد، وهو أتباع الحركات الاجتماعية النورية، ما يعني أن منح القوة
السياسية لهذا الحزب أو ذاك، يمر بطريقة غير مباشرة عبر هذه الحركات المنتشرة في
كل بقاع تركيا، وعلى رأسها جماعة الخدمة. وأن أردوغان، ومن قبله أربكان، هما من صنع هذه القوة الناعمة.
والمتأمل في تأسيس الأحزاب الإسلامية وحلها، في التاريخ السياسي التركي، يتبين أنه
لا يهم اسم الحزب ولا من يرأسه، فكل حزب له توجه إسلامي في تركيا، سوف يظهر مؤقتاً
ثم يختفي، وفي كل ظهور جديد هناك دائماً قوة شعبية تقف خلفه، على النحو التالي:
(1) حزب النظام الوطني (1970-1971): كان الحزب الإسلامي الأول في تركيا الجمهورية، الذي دعا
إلى اعتماد الإسلام في سياساته، أسسه نجم الدين أربكان، وعقد الحزب مؤتمره الأول في فبراير 1970، ولكن لم
يلبث أن أحيل مؤسسه لمكتب المدعي العام في عام 1971، لمحاكمته بتهمة استغلال الدين
لتحقيق أهداف سياسية، ومن أهم برامجه كان إعادة تأسيس وتشجيع التعليم الديني في كل
المدارس التركية.
(2) حزب السلامة الوطني (1972-1980): أسسه 19 شخصاً، ارتبط أغلبهم بحزب النظام الوطني
المنحل، وانتشر الحزب سريعاً في 67 منطقة بتركيا، بفضل الحركات الإجتماعية
النورية، وكارزمية أربكان، فنجح الحزب الوليد في الحصول على 48 مقعد من 450 في الانتخابات
البرلمانية عام 1973، وفي عام 1981 قامت السلطات العسكرية بحل الحزب.
(3) حزب الرفاة (1983-1998): أسسه على تركمان، بعد حظر نشاط نجم الدين أربكان
وآخرين، ولكن بعد رفع الحظر في عام 1984 عاد أربكان رئيسا لحزب الرفاة، وشهد
المجال السياسي التحول الكبير في انتخابات 1996
حين حصل حزب الرفاة على 158 مقعداً من أصل 550، ما جعله أقوى الأحزاب وسمح
لزعيمه، أن يصبح رئيسا للوزراء. وفي 1997 أخرج الجيش أربكان وحزبه خارج الحكومة،
ثم في يناير 1998 قامت المحكمة الدستورية بحل الحزب.
(4) حزب الفضيلة (1998-2001): قام أعضاء حزب الرفاة المنحل، بتأسيس حزب الفضيلة، وترشح
عدة أسماء لرئاسة الحزب الجديد، من بينهم رجب طيب أردوغان وعبدالله غول، واختار
الأعضاء رجائي طوقان رئيساً للحزب في ديسمبر 1998. وتم حل الحزب في يونية 2001. بتهمة
تهديد النظام العلماني في تركيا.
(5) حزب العدالة والتنمية (2001- ): بعد حل حزب الفضيلة، انقسم الأعضاء الى فريقين: الأول يسير
على النهج الأربكاني، وبدأ إجراءات تأسيس حزب السعادة. أما التيار الثاني من حزب
الفضيلة المنحل، فيضم الجيل الجديد من السياسيين الإسلاميين، وعلى رأسهم عبدالله
غول ورجب طيب أردوغان، وأسست هذه المجموعة حزب العدالة والتنمية، واعتلت سدة الحكم
حتى اللحظة الراهنة.
كل هذه المحاولات، ما كان لها أن تستمر، في ظل هذا المناخ
السياسي العجيب، إلا إذا كانت هذه الأحزاب ضامنة في كل مرة ظهور وتأسيس، أن هناك
قوة إجتماعية تؤازرها، وهي الحركات الاجتماعية النورية، وعلى رأسها حركة جماعة
الخدمة.
خامساً- العدالة والتنمية وجماعة الخدمة، أية
علاقة؟
جماعة الخدمة، بطبيعة تكوينها تمتلك مبادرة
حضارية شاملة، وقدرات كبيرة على تفعيل هذه المبادرة على الأرض داخل وخارج تركيا، ما
جعلها تحظى بالقبول الاجتماعي والثقافي الواسع. وأصبحت بحق قوة ناعمة غير قابلة للإحتواء،
وتمثل التعبير الحقيقي عن الحس المشترك الإسلامي في تركيا. ومن المؤكد أن قيادات
العدالة والتنمية على يقين بهذه الحقيقة. ومن المعلوم أن الحزب في بداية حكمه
استعان بفتح الله كولن وكوادر الخدمة في
رسم السياسات التعليمية والثقافية التركية. لكن المشكلة أن الحزب أراد إحتواء ما لا
يمكن إحتواءه، فإما أن تكون جماعة الخدمة مؤيدة تأييداً مطلقاً للحزب، أو يتم
التنكيل بها ووصفها تعسفياً بالمنظمة الارهابية. هي استراتيجية خاطئة في التعامل
مع حركة إجتماعية إصلاحية تنموية، أدت إلى تسميم الحياة السياسية في تركيا،
والواقع أن رجب طيب أردوغان يتحمل مسئولية
تاريخية تجاه شيطنة جماعة الخدمة، عبر أربعة وقائع متعاقبة، كيف ذلك؟:
(1) تمثل مظاهرات ميدان تقسيم في شهر مايو من عام 2013 بداية توتر العلاقة بين
أردوغان والقوى السياسية والاجتماعية التركية، ومن بينها جماعة الخدمة، فقد اعتادت
تلك القوى على الاحتفال السنوي بعيد العمال في هذا الميدان منذ سنوات طويلة، وتعكس
فعاليات الاحتفال بشكل كبير موقف الأتراك من النظام الحاكم، وعلى خلفية ربيع
الميادين العربية، قررت حكومة أردوغان القيام بعدة مشروعات لتغيير معالم الميدان
لمحو رمزية الميدان في الحياة السياسية التركية. فضلاً عن ظهور أردوغان في نهاية
مدته كرئيس للوزراء بمظهر الحاكم بأمر نفسه.
وتعاملت الشرطة بعنف مفرط مع المتظاهرين، ما أدى إلى اندلاع
المظاهرات في مدن تركية أخرى، وهنا يحاول أردوغان الخروج من الورطة، باستحضار
العدو الداخلي حينما اندفع في اتهام فتح الله كولن مؤسس جماعة الخدمة بتدبير أزمة
ميدان تقسيم، مدعياً أن قوات الأمن التي تعاملت بعنف مفرط مع المحتجين، هم من
أنصار كولن، الذين يسيطرون على مواقع هامة داخل قوات الشرطة التركية، وعلى إثر ذلك
قام بالتخلص من مئات القيادات الأمنية.
(2) وبعدها بشهور قليلة استطاعت الشرطة التركية وهيئة الإدعاء العام الكشف عن
مجموعة قضايا فساد كبيرة تورط فيها وزراء ومسئولين وأبناء مسئولين متنفذين في الدولة
وامتدت لتطال أسرة أردوغان. ومرة أخرى يستحضر أردوغان العدو المصطنع مندفعاً نحو إتهام
جماعة الخدمة بالسيطرة على القضاء. ولا يمل أردوغان من ترديد مقولة الدولة
الموازية. وحاول بشكل سافر، التغطية على هذه الجرائم وعدم الاعتراف بها.
(3) ثم عاد أردوغان، وقبيل الانتخابات البرلمانية عام 2015، وطمعاً في الحصول
على أغلبية مطلقة تتيح له تغيير الدستور والتحول إلى النظام الرئاسي، فقام بشن حملة ضارية وهجوماً شرساً على الجميع،
متهماً حزب الشعب وجماعة الخدمة وحزب الشعوب الديمقراطي، بالتواطؤ معاً من أجل تدمير
الهوية الإسلامية لتركيا، ووقف مشروع تركيا المستقبل.
يحاول أردوغان التشويش على الرأي العام، واستغلال سطوة
الحزب وسطوته الشخصية مدعياً احتكار الوطنية لنفسه كقائد ولحزبه كتنظيم سياسي، موزعاً
الاتهامات الجزافية على الجميع. كما حدث في مسألة الأكراد الأتراك، وكيف حولهم من
فصيل نجح في الاندماج في الحياة السياسية
التركية، بعد حول حزب الشعوب على 79 مقعد في البرلمان التركي. إلى قوة سياسية
تواجه الاعتقال والتوقيف. ولا نريد التوسع في الحديث عن الأزمة الكردية في تركيا
حتى لا يخرج المقال عن سؤاله الرئيسي.
(4) بمجرد الإعلان عن الانقلاب الفاشل، سارعت قيادات الحزب في اتهام جماعة
الخدمة، وألصقوا بها تهمة جديدة استغلالاً لتوحد الشعور التركي الرافض للانقلاب،
وهي تهمة تنفيذ مؤامرة خارجية على تركيا. وباشرت السلطات تنفيذ حملة اعتقالات
وتوقيف طالت عشرات الآلاف من الموظفين، في الشرطة والجيش والقضاء والمخابرات
والتعليم والمالية، بالإضافة إلى غلق مئات
المؤسسات التعليمية والإعلامية، حملة لم يشهد لها مثيل في أي نظام سياسي على مستوى
العالم. ولا يمكن منطقياً أن تكون كل هذه الأعداد جزء من الانقلاب أو داعمة له.
لأنهم ببساطة لو كانوا كذلك لدعموا الانقلاب شعبياً من أول لحظة ولتغير الموقف
تماماً.
نستخلص مما سبق أن جماعة الخدمة، لا يمكن وصفها بالتنظيم
الارهابي، لأنها جزء أصيل من مكونات المجتمع التركي، ولها دور تنموي بارز في مختلف
المجالات، ولا يعني إختلافها سياسياً مع الحزب الحاكم أو معارضتها لطموحات رجب طيب
أردوغان أن تتحول إلى منظمة ارهابية، ولا شك أن الانقلاب الفاشل وما تلاه من
قرارات خارج إطار القانون والعرف معاً، لن تضع تركيا على مسار الاستقرار الذي
نتمناه للشعب التركي.