مواقف متأرجحة: هل تنتقم إدارة أوباما من العرب؟
الأحد 28/فبراير/2016 - 10:46 ص
د. محمد صفيّ الدين خربوش
هل تسعى إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الانتقام من العرب فيما تبقى لها من أشهر في السلطة؟ قد يرفض البعض فكرة طرح هذا التساؤل، وقد يرتاب البعض في جدواه؛ بيد أن إمعان النظر في السياسات التي تتبناها إدارة أوباما لا سيما خلال الفترة الرئاسية الأخيرة يبرر طرح هذا التساؤل، ومحاولة الإجابة عليه.
من الواضح أن تغيرا جوهريا قد طرأ على السياسة الأمريكية في المنطقة العربية أو في منطقة الشرق الأوسط. فقد اندفعت السياسة الأمريكية صوب التقارب مع إيران والابتعاد عن الدول العربية "المعتدلة" التي حرصت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الاعتماد عليها لفترة طويلة.
ويمكن تفسير هذا التغير الجوهري استنادا إلى التطورات الآتية :
أولا: هللت إدارة أوباما بكل قوة لما سمي بالربيع العربي، والذي كان بالتأكيد ربيعا من وجهة النظر الأمريكية، يشبه ربيع شرق أوروبا في نهاية الحقبة السوفيتية في العقد الأخير من القرن العشرين.
من الواضح أن تغيرا جوهريا قد طرأ على السياسة الأمريكية في المنطقة العربية أو في منطقة الشرق الأوسط. فقد اندفعت السياسة الأمريكية صوب التقارب مع إيران والابتعاد عن الدول العربية "المعتدلة" التي حرصت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الاعتماد عليها لفترة طويلة.
ويمكن تفسير هذا التغير الجوهري استنادا إلى التطورات الآتية :
أولا: هللت إدارة أوباما بكل قوة لما سمي بالربيع العربي، والذي كان بالتأكيد ربيعا من وجهة النظر الأمريكية، يشبه ربيع شرق أوروبا في نهاية الحقبة السوفيتية في العقد الأخير من القرن العشرين.
اعتقدت الإدارة الأمريكية إنها بصدد تحقيق الهدف الأمريكي الذي سعت إلى تحقيقه منذ الحرب العالمية الأخيرة والمتمثل في خلافة بريطانيا وفرنسا في السيطرة على المنطقة ومقدراتها
ثانيا: اضطلعت إدارة أوباما بدور رئيسي في الإعداد لهذا "الربيع" المزعوم؛ وثمة معلومات مؤكدة بعد مرور خمسة أعوام على هذه الأحداث تثبت الدور الأمريكي الفعال في إثارة هذه الأحداث من خلال حلفائها المحليين والإقليميين.
ثالثا: اعتقدت إدارة أوباما أن لحظة النصر قد دنت، وأن هذه المنطقة، التي ظلت عصية على التطويع منذ الحرب العالمية الأخيرة، من السقوط في براثن الأسد الأمريكي، الذي تمكن من الهيمنة على مناطق أخرى من العالم تبدو، من وجهة النظر الأمريكية، أكثر قدرة على المقاومة
رابعا: كانت المنطقة العربية، في النصف الأخير من عام 2012، من وجهة النظر الأمريكية، في أفضل وضع منذ الحرب العالمية الأخيرة. فقد اختفى مبارك والقذافي ودنت لحظة مغادرة الأسد، وكان صدام قد أسقط قبل ذلك بعشر سنوات تقريبا. لقد سيطر أصدقاء الولايات المتحدة وحلفاؤها على بغداد والقاهرة وطرابلس الغرب، وتم إعداد الأصدقاء والحلفاء للسيطرة على دمشق .
خامسا: اعتقدت الإدارة الأمريكية إنها بصدد تحقيق الهدف الأمريكي الذي سعت إلى تحقيقه منذ الحرب العالمية الأخيرة والمتمثل في خلافة بريطانيا وفرنسا في السيطرة على المنطقة ومقدراتها؛ ولاسيما بعد انسحاب بريطانيا من شرق السويس وفرنسا من الشام وشمال أفريقيا. تكررت المحاولات الغربية بقيادة أمريكية والتي وجدت التعبير عنها في حلف بغداد تارة، وفي مبدأ أيزنهاور تارة أخرى، وفي إنزال قوات أمريكية في لبنان تارة ثالثة، وفي إلحاق الهزيمة بمصر وسوريا والأردن تارة رابعة، وفي الدعم المستمر للدولة العبرية تارة خامسة، وفي التوسط للتوصل لاتفاقيات سلام بين هذه الدولة وكل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية ولبنان وسورية تارة سادسة، وفي إجبار العراق على الانسحاب من الكويت وفرض حصار قاس على شعبه ثم احتلاله بالكامل وفرض نظام سياسي موال للولايات المتحدة تارة سابعة.
سادسا: لم تنجح الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ خمسينيات القرن العشرين في السيطرة على هذه المنطقة. فقد تمكن عبد الناصر وحلفاؤه من إفشال حلف بغداد ومن منع تطبيق مبدأ أيزنهاور؛ وتمكنت مصر وسوريا والأردن من تجاوز هزيمة يونيو/حزيران 1967، وخاضت مصر وسوريا بدعم عربي حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973؛ ولم تنجح اتفاقيات السلام في جعل الدولة العبرية دولة طبيعية في المنطقة؛ حتى مع عقد مؤتمر مدريد للسلام وتوقيع اتفاق أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية في غزة وجزء من الضفة الغربية. ولم يقدم العراق الجديد نموذجا في الديمقراطية والتعددية لدول المنطقة، كما ادعى الأمريكيون.
سابعا: وجدت إدارة أوباما نفسها في النصف الأخير من العام 2011 في وضع متميز في المنطقة لم تعهده أي من الإدارات الأمريكية المتعاقبة. فقد اقترب حلفاؤها الإسلاميون من السيطرة التامة على السلطة في القاهرة وتونس وطرابلس الغرب ودمشق. وكانت القاهرة ودمشق وبغداد، فرادى أو مجتمعين، حجر عثرة أمام المخططات الأمريكية في المنطقة منذ خمسينيات القرن العشرين. ومن ثم، استعدت الإدارة الأمريكية لربيع أمريكي في المنطقة، يسيطر فيه أصدقاؤها وحلفاؤها القدامى والجدد على القاهرة ودمشق وبغداد، للمرة الأولى في التاريخ. وبينما كانت بريطانيا وفرنسا تتقاسمان السيطرة على المنطقة، حانت لحظة قطف الثمار التي انتظرتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة بأن تخلف كلا من بريطانيا وفرنسا في الهيمنة الكاملة على هذه المنطقة التي ظلت عصية طوال أكثر من نصف القرن
ثالثا: اعتقدت إدارة أوباما أن لحظة النصر قد دنت، وأن هذه المنطقة، التي ظلت عصية على التطويع منذ الحرب العالمية الأخيرة، من السقوط في براثن الأسد الأمريكي، الذي تمكن من الهيمنة على مناطق أخرى من العالم تبدو، من وجهة النظر الأمريكية، أكثر قدرة على المقاومة
رابعا: كانت المنطقة العربية، في النصف الأخير من عام 2012، من وجهة النظر الأمريكية، في أفضل وضع منذ الحرب العالمية الأخيرة. فقد اختفى مبارك والقذافي ودنت لحظة مغادرة الأسد، وكان صدام قد أسقط قبل ذلك بعشر سنوات تقريبا. لقد سيطر أصدقاء الولايات المتحدة وحلفاؤها على بغداد والقاهرة وطرابلس الغرب، وتم إعداد الأصدقاء والحلفاء للسيطرة على دمشق .
خامسا: اعتقدت الإدارة الأمريكية إنها بصدد تحقيق الهدف الأمريكي الذي سعت إلى تحقيقه منذ الحرب العالمية الأخيرة والمتمثل في خلافة بريطانيا وفرنسا في السيطرة على المنطقة ومقدراتها؛ ولاسيما بعد انسحاب بريطانيا من شرق السويس وفرنسا من الشام وشمال أفريقيا. تكررت المحاولات الغربية بقيادة أمريكية والتي وجدت التعبير عنها في حلف بغداد تارة، وفي مبدأ أيزنهاور تارة أخرى، وفي إنزال قوات أمريكية في لبنان تارة ثالثة، وفي إلحاق الهزيمة بمصر وسوريا والأردن تارة رابعة، وفي الدعم المستمر للدولة العبرية تارة خامسة، وفي التوسط للتوصل لاتفاقيات سلام بين هذه الدولة وكل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية ولبنان وسورية تارة سادسة، وفي إجبار العراق على الانسحاب من الكويت وفرض حصار قاس على شعبه ثم احتلاله بالكامل وفرض نظام سياسي موال للولايات المتحدة تارة سابعة.
سادسا: لم تنجح الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ خمسينيات القرن العشرين في السيطرة على هذه المنطقة. فقد تمكن عبد الناصر وحلفاؤه من إفشال حلف بغداد ومن منع تطبيق مبدأ أيزنهاور؛ وتمكنت مصر وسوريا والأردن من تجاوز هزيمة يونيو/حزيران 1967، وخاضت مصر وسوريا بدعم عربي حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973؛ ولم تنجح اتفاقيات السلام في جعل الدولة العبرية دولة طبيعية في المنطقة؛ حتى مع عقد مؤتمر مدريد للسلام وتوقيع اتفاق أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية في غزة وجزء من الضفة الغربية. ولم يقدم العراق الجديد نموذجا في الديمقراطية والتعددية لدول المنطقة، كما ادعى الأمريكيون.
سابعا: وجدت إدارة أوباما نفسها في النصف الأخير من العام 2011 في وضع متميز في المنطقة لم تعهده أي من الإدارات الأمريكية المتعاقبة. فقد اقترب حلفاؤها الإسلاميون من السيطرة التامة على السلطة في القاهرة وتونس وطرابلس الغرب ودمشق. وكانت القاهرة ودمشق وبغداد، فرادى أو مجتمعين، حجر عثرة أمام المخططات الأمريكية في المنطقة منذ خمسينيات القرن العشرين. ومن ثم، استعدت الإدارة الأمريكية لربيع أمريكي في المنطقة، يسيطر فيه أصدقاؤها وحلفاؤها القدامى والجدد على القاهرة ودمشق وبغداد، للمرة الأولى في التاريخ. وبينما كانت بريطانيا وفرنسا تتقاسمان السيطرة على المنطقة، حانت لحظة قطف الثمار التي انتظرتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة بأن تخلف كلا من بريطانيا وفرنسا في الهيمنة الكاملة على هذه المنطقة التي ظلت عصية طوال أكثر من نصف القرن
اعتبرت أمريكا محمد مرسي رئيسًا للجمهورية قبل إعلان اللجنة العليا للانتخابات نتيجة جولة الإعادة. حيث تحدثت وزيرة الخارجية عن ضرورة تسليم السلطة للرئيس " المدني" المنتخب
ثامنا: لعل الإدارة الأمريكية التي مارست جميع الضغوط الممكنة للإطاحة بمبارك، ثم بتمكين الإخوان المسلمين من الوصول إلى السلطة في مصر وليبيا وتونس، قد رسمت الخطط التنفيذية لما بعد الربيع الأمريكي في المنطقة العربية التي أصبحت في متناول الأيدي الأمريكية التي طال انتظارها لتلك اللحظة المناسبة. لقد طالب أوباما في تصريح وقح مبارك بالرحيل، وأوعز إلى صديقه أردوغان بأن يكون أكثر وقاحة في تصريحاته. واعتبرت الإدارة الأمريكية الدكتور محمد مرسي رئيسًا للجمهورية قبل إعلان اللجنة العليا للانتخابات نتيجة جولة الإعادة. فقد تحدثت وزيرة الخارجية الأمريكية عن ضرورة تسليم السلطة للرئيس " المدني" المنتخب. وكانت تقصد الدكتور محمد مرسي، باعتبار الفريق شفيق مرشحًا "عسكريًا". أما حليف الولايات المتحدة المقرب في المنطقة وعراب "الإسلام المعتدل"، فلم تفارقه وقاحته حيث طالب المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتسليم السلطة إلى الدكتور محمد مرسي.
تاسعا: لقد تغاضت الولايات المتحدة عن أي انتهاكات لحقوق الإنسان خلال فترة حكم الإخوان؛ على النقيض من التعليقات شديدة الوقاحة خلال حكم مبارك أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة. أكثر من هذا، لم تجد الولايات المتحدة في إعلان الدكتور محمد مرسي والذي منح نفسه بموجبه صلاحيات تفوق أي صلاحيات تمتع بها أي من حكام مصر السابقين منذ تأسيس الدولة المصرية المستقلة منذ عشرينيات القرن الماضي.
عاشرا: سعت الولايات المتحدة إلى إكمال رسم الخريطة؛ واستعدت أوباما وإدارته إلى قطف الثمار اليانعة، فقد مكنت الإخوان وحلفاءهم من السيطرة على الحكم في مصر وليبيا وتونس، وبذلت جهودا حثيثة مع حلفائها لتكرار الأمر نفسه في سوريا. وكان من شأن ذلك إعادة تخطيط المنطقة وفقا للرؤى الأمريكية. وربما استطاعت الولايات المتحدة في هذه الحالة ممارسة المزيد من الضغوط وسياسات الابتزاز على دول الخليج لتنفيذ الخطة الأمريكية وتهديدها بالخطر الإيراني حال رفضها لذلك.
احد عشر: كان من المحتمل بقوة أن يستيقظ العرب في مطلع العام 2014 ليجدوا أنفسهم وقد تم تقاسم النفوذ في المنطقة بين إسرائيل وتركيا وإيران، برعاية أمريكية وعلى حساب العرب، وليكمل الغرب بقيادة الولايات المتحدة ثأرهم مع العرب الذين افشلوا مخططاتهم منذ الحرب العربية الأخيرة. ولسنا بحاجة إلى الحديث عن التحالف الوثيق بين الولايات المتحدة وكل من إسرائيل وتركيا. لكن المؤكد أن العداء بين إيران والولايات المتحدة كان ظاهرة مؤقتة. وكان التنسيق الواضح في العراق دليلا على التقارب المتوقع بين الطرفين على حساب العرب ولا سيما دول الخليج. ومن المؤكد أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تنظر إلى إيران أبدا كعدو إستراتيجي، وكان قسم يعتد به من صانعي السياسة الأمريكية يعتقد أن إيران ستعود، عاجلا أم آجلا، شرطيًا أمريكيًا يعتمد عليه في المنطقة عندما تنضج الأوضاع الدولية والإقليمية لذلك.
ثاني عشر: جاء النصف الأخير من العام 2013 بما لم تتوقعه إدارة أوباما، فقد سقط حكم الإخوان في مصر وتبع ذلك إسقاط "الترويكا" الحاكمة في تونس بزعامة النهضة، وتراجع نفوذ الإخوان وأعوانهم في ليبيا؛ واحتفظ نظام بشار بقدرته على البقاء. وعلى الرغم من محاولات الإدارة الأمريكية مقاومة هذه التطورات السلبية، من وجهة نظرها، من قبيل السعي لإعادة الإخوان إلى السلطة في مصر، وتقليل خسائر حركة النهضة في تونس وليبيا، واستمرار السعي لإسقاط النظام السوري. بيد أن كل هذه المساعي الأمريكية الحثيثة لم تتمكن من تغيير المسار الذي سارت فيه المنطقة، والذي انطلق من القاهرة في يوليو/تموز2013.
ثالث عشر: وبعد عدة محاولات أمريكية يائسة، أيقنت الإدارة الأمريكية استحالة تعديل المسار، وأن القاهرة قد عادت مرة أخرى، كما هي العادة، لقيادة التحدي العربي للمخططات الأمريكية، كما فعلت من قبل في خمسينيات القرن العشرين. وحيث لم تكن القاهرة تستطيع أن تفعل ذلك لولا الدعم غير المحدود من الرياض والكويت وأبوظبي؛ اتسم الانتقام الأمريكي بالحماقة التي اتسمت بها سياسة دالاس في خمسينيات القرن العشرين. فاندفعت نحو مصالحة شبه كاملة مع إيران تتيح لها الاضطلاع بدور شرطي منطقة الخليج لتنتقم من دول الخليج على دعمهم لمصر وإفشال المخطط الأمريكي .
رابع عشر: لقد وضعت إدارة أوباما الانتقام من العرب في مرتبة متقدمة، ولم تلتفت إلى الاعتراضات الإسرائيلية على التقارب مع إيران، ويبدو أنها ستستمر في الانتقام من العرب من خلال السعي للتوفيق بين أطماع المثلث الإسرائيلي التركي الإيراني، مع دعم واضح لأكراد العراق وسورية، دون أكراد تركيا وإيران. ولعل هذا المسعى يشبه الضغط لإنشاء حلف بغداد في الخمسينيات. وكانت كل من بغداد وطهران أطرافًا محورية في هذا الحلف الذي لفظ أنفاسه مع تغيير النظام الملكي العراقي عام 1958.
تاسعا: لقد تغاضت الولايات المتحدة عن أي انتهاكات لحقوق الإنسان خلال فترة حكم الإخوان؛ على النقيض من التعليقات شديدة الوقاحة خلال حكم مبارك أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة. أكثر من هذا، لم تجد الولايات المتحدة في إعلان الدكتور محمد مرسي والذي منح نفسه بموجبه صلاحيات تفوق أي صلاحيات تمتع بها أي من حكام مصر السابقين منذ تأسيس الدولة المصرية المستقلة منذ عشرينيات القرن الماضي.
عاشرا: سعت الولايات المتحدة إلى إكمال رسم الخريطة؛ واستعدت أوباما وإدارته إلى قطف الثمار اليانعة، فقد مكنت الإخوان وحلفاءهم من السيطرة على الحكم في مصر وليبيا وتونس، وبذلت جهودا حثيثة مع حلفائها لتكرار الأمر نفسه في سوريا. وكان من شأن ذلك إعادة تخطيط المنطقة وفقا للرؤى الأمريكية. وربما استطاعت الولايات المتحدة في هذه الحالة ممارسة المزيد من الضغوط وسياسات الابتزاز على دول الخليج لتنفيذ الخطة الأمريكية وتهديدها بالخطر الإيراني حال رفضها لذلك.
احد عشر: كان من المحتمل بقوة أن يستيقظ العرب في مطلع العام 2014 ليجدوا أنفسهم وقد تم تقاسم النفوذ في المنطقة بين إسرائيل وتركيا وإيران، برعاية أمريكية وعلى حساب العرب، وليكمل الغرب بقيادة الولايات المتحدة ثأرهم مع العرب الذين افشلوا مخططاتهم منذ الحرب العربية الأخيرة. ولسنا بحاجة إلى الحديث عن التحالف الوثيق بين الولايات المتحدة وكل من إسرائيل وتركيا. لكن المؤكد أن العداء بين إيران والولايات المتحدة كان ظاهرة مؤقتة. وكان التنسيق الواضح في العراق دليلا على التقارب المتوقع بين الطرفين على حساب العرب ولا سيما دول الخليج. ومن المؤكد أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تنظر إلى إيران أبدا كعدو إستراتيجي، وكان قسم يعتد به من صانعي السياسة الأمريكية يعتقد أن إيران ستعود، عاجلا أم آجلا، شرطيًا أمريكيًا يعتمد عليه في المنطقة عندما تنضج الأوضاع الدولية والإقليمية لذلك.
ثاني عشر: جاء النصف الأخير من العام 2013 بما لم تتوقعه إدارة أوباما، فقد سقط حكم الإخوان في مصر وتبع ذلك إسقاط "الترويكا" الحاكمة في تونس بزعامة النهضة، وتراجع نفوذ الإخوان وأعوانهم في ليبيا؛ واحتفظ نظام بشار بقدرته على البقاء. وعلى الرغم من محاولات الإدارة الأمريكية مقاومة هذه التطورات السلبية، من وجهة نظرها، من قبيل السعي لإعادة الإخوان إلى السلطة في مصر، وتقليل خسائر حركة النهضة في تونس وليبيا، واستمرار السعي لإسقاط النظام السوري. بيد أن كل هذه المساعي الأمريكية الحثيثة لم تتمكن من تغيير المسار الذي سارت فيه المنطقة، والذي انطلق من القاهرة في يوليو/تموز2013.
ثالث عشر: وبعد عدة محاولات أمريكية يائسة، أيقنت الإدارة الأمريكية استحالة تعديل المسار، وأن القاهرة قد عادت مرة أخرى، كما هي العادة، لقيادة التحدي العربي للمخططات الأمريكية، كما فعلت من قبل في خمسينيات القرن العشرين. وحيث لم تكن القاهرة تستطيع أن تفعل ذلك لولا الدعم غير المحدود من الرياض والكويت وأبوظبي؛ اتسم الانتقام الأمريكي بالحماقة التي اتسمت بها سياسة دالاس في خمسينيات القرن العشرين. فاندفعت نحو مصالحة شبه كاملة مع إيران تتيح لها الاضطلاع بدور شرطي منطقة الخليج لتنتقم من دول الخليج على دعمهم لمصر وإفشال المخطط الأمريكي .
رابع عشر: لقد وضعت إدارة أوباما الانتقام من العرب في مرتبة متقدمة، ولم تلتفت إلى الاعتراضات الإسرائيلية على التقارب مع إيران، ويبدو أنها ستستمر في الانتقام من العرب من خلال السعي للتوفيق بين أطماع المثلث الإسرائيلي التركي الإيراني، مع دعم واضح لأكراد العراق وسورية، دون أكراد تركيا وإيران. ولعل هذا المسعى يشبه الضغط لإنشاء حلف بغداد في الخمسينيات. وكانت كل من بغداد وطهران أطرافًا محورية في هذا الحلف الذي لفظ أنفاسه مع تغيير النظام الملكي العراقي عام 1958.
اتسم الانتقام الأمريكي بالحماقة التي اتسمت بها سياسة دالاس في خمسينيات القرن العشرين. فاندفعت نحو مصالحة شبه كاملة مع إيران لتنتقم من دول الخليج على دعمهم لمصر وإفشال المخطط الأمري
خامس عشر: من المؤكد أن أوباما لا يريد أن يغادر موقعه إلا بعد أن يثأر ممن افشلوا مخططه ومنعوه من أن يفاخر سابقيه بتطويع المنطقة العصية وإجبارها على الدخول في بيت الطاعة الأمريكي، كما حدث مع بعض دول شرق أوربا، أو تفتيت دول المنطقة، كما حدث في يوغسلافيا في تسعينيات القرن الماضي، في ظل إدارة أستاذه ومثله الأعلى بيل كلينتون.
سادس عشر: لقد نجحت مصر الناصرية في إفشال المخططات الأمريكية لربط الدول العربية بالأحلاف الغربية، مع حلفاء الغرب في المنطقة آنذاك، لا سيما تركيا وإيران. ولم تنس الإدارات الأمريكية في عقدي الخمسينيات والستينيات هذه الهزيمة، وسعت للثأر ممن أفشلوا هذا المخطط، دولا وجماعات وأفرادا. فقد اضطلعت بدور مهم في إفشال الوحدة المصرية السورية ودعم الانفصال السوري، وفي استدراج مصر نحو الانغماس المتزايد في المستنقع اليمني، ثم في الهزيمة العسكرية المروعة في يونيو/حزيران 1967 سابع عشر: يبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية كانت تخطط لإحياء مخططات الخمسينيات والستينيات في إجبار العرب على دخول بيت الطاعة الأمريكي، وهو الهدف الذي لم تستطع الإدارات الأمريكية المتعاقبة أن تحققه. لقد كان من شأن سيطرة الإخوان على السلطة في مصر وليبيا وتونس، ممارسة المزيد من الضغط على النظام السوري وزيادة احتمالات سقوطه. ومع وجود نظام حليف في بغداد، ستجد دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية نفسها غير قادرة على مقاومة الضغوط الأمريكية.
ثامن عشر: ربما ظن أوباما، وبعض الظن إثم، أنه سينهي فترة ولايته الأخيرة، وقد نجح في القضاء على تقسيم المنطقة الذي استطاع الصمود منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، مع إنشاء غزة الكبرى برعاية إخوانية لتضم قطاع غزة والجزء الشرقي من شبه جزيرة سيناء شرق العريش. وستكون كل من الدول العبرية والتركية والإيرانية هي القوى المحورية في المنطقة، وليذهب العرب مثيرو المشكلات للغرب إلى الجحيم .
تاسع عشر: بينما كانت إدارة أوباما واثقة من نجاح هذا المخطط أتاها الثلاثون من يونيو/حزيران 2013 بما لم تتوقعه. وقد ظلت الولايات المتحدة تمارس ضغوطها رغبة في منع الإطاحة بحكم الإخوان في مصر . وعندما فشلت في ذلك، حاولت أضعاف الحكم الجديد واستمرت في دعم الإخوان أملا في إعادتهم إلى السلطة منفردين، أو على الأقل من خلال المشاركة مع آخرين. وقد لعبت السفيرة الأمريكية السابقة في القاهرة دورًا أساسيًا في ذلك.
عشرون: بينما لم تكن الإدارة الأمريكية قد استفاقت من هول الصدمة في القاهرة حتى داهمتها صدمة أخرى بسقوط "الترويكا" الحاكمة في تونس بزعامة النهضة. ولم يكن النظام السوري قد سقط، كما توقع الأمريكيون وحلفاؤهم الإقليميون من العرب ومن غير العرب. وتلقت الولايات المتحدة صدمة ثالثة تمثلت في الدعم السياسي والاقتصادي غير المحدود الذي تلقته مصر بعد يوليو 2013 من دول الخليج لا سيما من السعودية والإمارات.
سادس عشر: لقد نجحت مصر الناصرية في إفشال المخططات الأمريكية لربط الدول العربية بالأحلاف الغربية، مع حلفاء الغرب في المنطقة آنذاك، لا سيما تركيا وإيران. ولم تنس الإدارات الأمريكية في عقدي الخمسينيات والستينيات هذه الهزيمة، وسعت للثأر ممن أفشلوا هذا المخطط، دولا وجماعات وأفرادا. فقد اضطلعت بدور مهم في إفشال الوحدة المصرية السورية ودعم الانفصال السوري، وفي استدراج مصر نحو الانغماس المتزايد في المستنقع اليمني، ثم في الهزيمة العسكرية المروعة في يونيو/حزيران 1967 سابع عشر: يبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية كانت تخطط لإحياء مخططات الخمسينيات والستينيات في إجبار العرب على دخول بيت الطاعة الأمريكي، وهو الهدف الذي لم تستطع الإدارات الأمريكية المتعاقبة أن تحققه. لقد كان من شأن سيطرة الإخوان على السلطة في مصر وليبيا وتونس، ممارسة المزيد من الضغط على النظام السوري وزيادة احتمالات سقوطه. ومع وجود نظام حليف في بغداد، ستجد دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية نفسها غير قادرة على مقاومة الضغوط الأمريكية.
ثامن عشر: ربما ظن أوباما، وبعض الظن إثم، أنه سينهي فترة ولايته الأخيرة، وقد نجح في القضاء على تقسيم المنطقة الذي استطاع الصمود منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، مع إنشاء غزة الكبرى برعاية إخوانية لتضم قطاع غزة والجزء الشرقي من شبه جزيرة سيناء شرق العريش. وستكون كل من الدول العبرية والتركية والإيرانية هي القوى المحورية في المنطقة، وليذهب العرب مثيرو المشكلات للغرب إلى الجحيم .
تاسع عشر: بينما كانت إدارة أوباما واثقة من نجاح هذا المخطط أتاها الثلاثون من يونيو/حزيران 2013 بما لم تتوقعه. وقد ظلت الولايات المتحدة تمارس ضغوطها رغبة في منع الإطاحة بحكم الإخوان في مصر . وعندما فشلت في ذلك، حاولت أضعاف الحكم الجديد واستمرت في دعم الإخوان أملا في إعادتهم إلى السلطة منفردين، أو على الأقل من خلال المشاركة مع آخرين. وقد لعبت السفيرة الأمريكية السابقة في القاهرة دورًا أساسيًا في ذلك.
عشرون: بينما لم تكن الإدارة الأمريكية قد استفاقت من هول الصدمة في القاهرة حتى داهمتها صدمة أخرى بسقوط "الترويكا" الحاكمة في تونس بزعامة النهضة. ولم يكن النظام السوري قد سقط، كما توقع الأمريكيون وحلفاؤهم الإقليميون من العرب ومن غير العرب. وتلقت الولايات المتحدة صدمة ثالثة تمثلت في الدعم السياسي والاقتصادي غير المحدود الذي تلقته مصر بعد يوليو 2013 من دول الخليج لا سيما من السعودية والإمارات.
بينما لم تكن الإدارة الأمريكية قد استفاقت من هول الصدمة في القاهرة حتى داهمتها صدمة أخرى بسقوط "الترويكا" الحاكمة في تونس بزعامة النهضة
واحد وعشرون: لم تتوقف جهود إدارة أوباما عن بذل كل الجهود لإعادة الإخوان إلى السلطة. وعندما تيقنت من الفشل، عادت إدارة أوباما إلى سياسة الثأر من العرب، كما فعل أسلافها في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. وأيقنت الإدارة الأمريكية أن مصر قد أفشلت الخطة الأمريكية بدعم سعودي خليجي، ومن ثم أضحى الانتقام من كل منهم هدفا أمريكيا طوال ما تبقى لإدارة أوباما في الحكم.
ثاني وعشرون: يممت إدارة أوباما وجهها شطر إيران، أحد أطراف "مثلث الشر"، فإذا بجميع التحفظات تتساقط الواحد تلو الأخر. وللمرة الأولى، أعطت الإدارة الأمريكية الانتقام من العرب أولوية على إرضاء إسرائيل. فتم التقارب مع إيران رغم اعتراضات نيتنياهو وأصدقاء الدولة العبرية في الولايات المتحدة. أكثر من هذا، عندما استقبل أوباما زعماء دول الخليج، أخبرهم بأن إيران لا تمثل تهديدا لدولهم، ولكن التهديد الحقيقي مصدره الأوضاع الداخلية في هذه الدول. ومن الواضح أن إدارة أوباما تخطط لترك المنطقة وقد أطلقت أيادي إيران في منطقة الخليج والعراق وأيادي كل من الدولتين التركية والعبرية في باقي المنطقة، انتقاما من مصر والسعودية وباقي دول الخليج.
خاتمة: هل يعتبر تخطيط إدارة أوباما قدرا محتوما لا فكاك منه ؟ بالطبع لا حيث يمكن للعرب إحباط هذا الحلف المركزي أو حلف بغداد الجديد، كما نجحوا من قبل في إحباط حلف بغداد القديم.
ويمكن القول أن العرب لم يكونوا في الخمسينيات من القرن الماضي في وضع أفضل مما هم عليه الآن، على الرغم من سوء هذا الوضع وسيطرة الإحباط على كل من النخب والجماهير العربية .
ولقد كان محور القاهرة -الرياض -دمشق هو المحور الأساسي في إفشال المخططات المضادة للعرب منذ الحرب العالمية الأخيرة وحتى الآن. ويجب إعادة الحياة إلى هذا المحور لإحباط مخططات القوى الإقليمية والدولية المتربصة. وقد يعتقد البعض أن من المستحيل إعادة إحياء هذا المحور في ظل الأوضاع المأساوية في سوريا. بيد أن حدة هذه الأوضاع هي التي تدفع بقوة في اتجاه إعادة أحياء هذا المحور. لن يتحمل العرب تفتت سوريا أو ضياعها أو اقتسامها بين مناطق نفوذ لكل من تركيا وإيران وإسرائيل، برعاية أمريكية. وبالطبع سيعني ضياع سوريا انهيار الدولة اللبنانية التي ظلت صامدة منذ الأربعينيات وحتى الآن، بالرغم مما حيك لها من مؤامرات وما واجهته من صعاب بلغت ذراها في الحرب الأهلية في النصف الثاني من السبعينيات وطوال الثمانينيات. ولا تعتبر هذه الأوضاع جديدة على العرب. فقد شهدت الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين صراعات عربية -عربية متعددة، أطلق عليها أحد المتخصصين في شئون المنطقة "الحرب العربية الباردة " والتي تحولت إلى حرب ساخنة على الأراضي اليمنية. وشهدت المنطقة العربية انقساما مروعا نهاية السبعينيات مع توقيع معاهدة السلام المصرية مع الدولة العبرية. وعلقت عضوية مصر في جامعة الدول العربية، ونقل مقر الجامعة إلى تونس، وقطعت معظم الدول العربية علاقاتها مع مصر. وانقسم العرب إزاء الغزو العراقي للكويت عام 1990 وحول الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. وفي جميع هذه الحالات، تم تجاوز التداعيات السلبية لهذه الخلافات والصراعات والحروب الباردة والساخنة.
لقد كانت هزيمة 1967 المروعة الدافع الأساسي في إجراء المصالحة المصرية -السعودية وطي صفحة الخلاف حول اليمن، وكانت الكوارث العربية في الثمانينات، وفي مقدمتها احتلال بيروت عام 1982 والتهديد الإيراني للعراق ولدول الخليج، دافعا لإعادة العلاقات العربية مع مصر، وكان الغزو العراقي للكويت سببا محوريا للتقارب المصري -السوري مع دول الخليج من خلال إعلان دمشق قصير العمر. ولم يعد لدي العرب القدرة على تحمل كوارث جديدة حتى يتجهوا نحو تجاوز الصراعات والخلافات فيما بينهم . فهل ينجح العرب في إحباط المخططات الأمريكية لتعزيز قدرات الدول الإقليمية غير العربية في الهيمنة على المنطقة؟ تساؤل ستجيب عليه الدول العربية خلال الأشهر المتبقية من إدارة أوباما، الذي هلل الكثيرون من العرب لفوزه في الانتخابات الأمريكية .
ثاني وعشرون: يممت إدارة أوباما وجهها شطر إيران، أحد أطراف "مثلث الشر"، فإذا بجميع التحفظات تتساقط الواحد تلو الأخر. وللمرة الأولى، أعطت الإدارة الأمريكية الانتقام من العرب أولوية على إرضاء إسرائيل. فتم التقارب مع إيران رغم اعتراضات نيتنياهو وأصدقاء الدولة العبرية في الولايات المتحدة. أكثر من هذا، عندما استقبل أوباما زعماء دول الخليج، أخبرهم بأن إيران لا تمثل تهديدا لدولهم، ولكن التهديد الحقيقي مصدره الأوضاع الداخلية في هذه الدول. ومن الواضح أن إدارة أوباما تخطط لترك المنطقة وقد أطلقت أيادي إيران في منطقة الخليج والعراق وأيادي كل من الدولتين التركية والعبرية في باقي المنطقة، انتقاما من مصر والسعودية وباقي دول الخليج.
خاتمة: هل يعتبر تخطيط إدارة أوباما قدرا محتوما لا فكاك منه ؟ بالطبع لا حيث يمكن للعرب إحباط هذا الحلف المركزي أو حلف بغداد الجديد، كما نجحوا من قبل في إحباط حلف بغداد القديم.
ويمكن القول أن العرب لم يكونوا في الخمسينيات من القرن الماضي في وضع أفضل مما هم عليه الآن، على الرغم من سوء هذا الوضع وسيطرة الإحباط على كل من النخب والجماهير العربية .
ولقد كان محور القاهرة -الرياض -دمشق هو المحور الأساسي في إفشال المخططات المضادة للعرب منذ الحرب العالمية الأخيرة وحتى الآن. ويجب إعادة الحياة إلى هذا المحور لإحباط مخططات القوى الإقليمية والدولية المتربصة. وقد يعتقد البعض أن من المستحيل إعادة إحياء هذا المحور في ظل الأوضاع المأساوية في سوريا. بيد أن حدة هذه الأوضاع هي التي تدفع بقوة في اتجاه إعادة أحياء هذا المحور. لن يتحمل العرب تفتت سوريا أو ضياعها أو اقتسامها بين مناطق نفوذ لكل من تركيا وإيران وإسرائيل، برعاية أمريكية. وبالطبع سيعني ضياع سوريا انهيار الدولة اللبنانية التي ظلت صامدة منذ الأربعينيات وحتى الآن، بالرغم مما حيك لها من مؤامرات وما واجهته من صعاب بلغت ذراها في الحرب الأهلية في النصف الثاني من السبعينيات وطوال الثمانينيات. ولا تعتبر هذه الأوضاع جديدة على العرب. فقد شهدت الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين صراعات عربية -عربية متعددة، أطلق عليها أحد المتخصصين في شئون المنطقة "الحرب العربية الباردة " والتي تحولت إلى حرب ساخنة على الأراضي اليمنية. وشهدت المنطقة العربية انقساما مروعا نهاية السبعينيات مع توقيع معاهدة السلام المصرية مع الدولة العبرية. وعلقت عضوية مصر في جامعة الدول العربية، ونقل مقر الجامعة إلى تونس، وقطعت معظم الدول العربية علاقاتها مع مصر. وانقسم العرب إزاء الغزو العراقي للكويت عام 1990 وحول الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. وفي جميع هذه الحالات، تم تجاوز التداعيات السلبية لهذه الخلافات والصراعات والحروب الباردة والساخنة.
لقد كانت هزيمة 1967 المروعة الدافع الأساسي في إجراء المصالحة المصرية -السعودية وطي صفحة الخلاف حول اليمن، وكانت الكوارث العربية في الثمانينات، وفي مقدمتها احتلال بيروت عام 1982 والتهديد الإيراني للعراق ولدول الخليج، دافعا لإعادة العلاقات العربية مع مصر، وكان الغزو العراقي للكويت سببا محوريا للتقارب المصري -السوري مع دول الخليج من خلال إعلان دمشق قصير العمر. ولم يعد لدي العرب القدرة على تحمل كوارث جديدة حتى يتجهوا نحو تجاوز الصراعات والخلافات فيما بينهم . فهل ينجح العرب في إحباط المخططات الأمريكية لتعزيز قدرات الدول الإقليمية غير العربية في الهيمنة على المنطقة؟ تساؤل ستجيب عليه الدول العربية خلال الأشهر المتبقية من إدارة أوباما، الذي هلل الكثيرون من العرب لفوزه في الانتخابات الأمريكية .