القدرة على الاستجابة: العدالة الاجتماعية بين الدستور والبرلمان الجديد
الأربعاء 13/يناير/2016 - 11:13 ص
د.أحمد موسى بدوي
أخيرا وبعد طول انتظار، اكتملت خطوات المرحلة الانتقالية. وأمسى لمصر برلمان جديد، يبدو ذا أغلبية ليبرالية، ما يولد أسئلة صعبة جديدة يحاول هذا المقال الإجابة عنها، من قبيل ما طبيعة التركيب السياسي للبرلمان الجديد، وبأي حس سوف يتعاطى أعضاؤه مع النصوص الدستورية التي تكفل تحقيق العدالة الاجتماعية في مصر بعد ثورتين كبيرتين.
تلتزم الدولة في المادة التاسعة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز
أولا- العدالة في الفكر السياسي الليبرالي
من المعروف أن الليبرالية النفعية، التي وضع أسسها كل من جيرمي بنتام وجون ستيوارت مل، كانت النمط الموجه للبرامج السياسية الغربية لسنوات طويلة. غير أن هذا النمط لم يستطع الصمود طويلا أمام التحولات الاجتماعية والأفكار الاشتراكية الضاغطة في الأوساط الغربية.
ومع صدور كتاب "نظرية العدالة" لجون رولز، حدث تحول في الفكر السياسي الغربي، أدى إلى ظهور نمط ليبرالي جديد هو الليبرالية القائمة على الحقوق. وسرعان ما انقسمت بدورها إلى تيارين كبيرين. التيار الأول أصحاب الليبرالية المطلقة، وأصل لهذا التيار فريدريك هايك (1899-1992)، وميلتون فريدمان (1912-2006)، وروبرت نوزيك (1938-2002)، ومسلمات هذا التيار: أن النظام السياسي مُطَالب باحترام الحريات السياسية والمدنية الأساسية، واحترام الحق في انتفاع الأفراد بثمار أعمالهم وفقا لآليات اقتصاد السوق، وهذا الاتجاه يرى أن الضرائب التي يفرضها النظام السياسي، يجب ألا تتجاوز حدود تكلفة الخدمات والسلع العامة (الأمن الداخلي، المؤسسات العسكرية، النقل، مؤسسات القضاء) التي يحتاجها المجتمع. وليس من بينها تحصيل الضرائب من أجل مساعدة الفقراء، لذلك فإنهم ضد توفير خدمات صحية أو تعليمية أو عقارية للفقراء.
والذي يرغب من القادرين، دون إكراه من النظام السياسي، فإن مؤسسات البر والإحسان في المجتمع تستوعب مبادراته، تيار يرى أن الحق له أولوية مطلقة على الخير، ما يجعل العديد من المعارضين يطلقون على هذا النوع "الليبرالية المتوحشة". وقد طبقت الليبرالية المطلقة على نطاق واسع في الفترة التاتشرية ـ الريجانية، خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي، ولا يزال تأثير هذه الليبرالية كبيرًا على كل المؤسسات الدولية المعنية بالتنمية.
أما التيار الثاني فهم أصحاب الليبرالية المقيدة (المشروطة) وأصّل لهذا التيار الفيلسوف السياسي جون رولز (1921-2002)، فإنهم يرون أنه لا يمكن تحقيق الحريات السياسية والمدنية، دون تلبية الحاجات الاجتماعية الأساسية، ويجب أن يضمن النظام السياسي، في تصورهم، مستوى معيشة لائق لكل شخص، على أساس أن ذلك حق مكفول للجميع. لذلك فإنهم يطالبون الدولة بتأسيس بنية خدمات اجتماعية، (التربية والتعليم، الرعاية الطبية، السكن.. إلخ)، إضافة إلى توفير مصدر للدخل للفئات الأكثر احتياجا، كي يتمكن جميع المواطنين من ممارسة حرياتهم السياسية ممارسة فعلية. ويسميها البعض (تجاوزا) ليبرالية المساواة. تقوم عدالة الإنصاف أو عدالة التوزيع في الليبرالية المقيدة على مبدأين: (1) أن لكل شخص الحق نفسه، غير القابل للسقوط، في الاستفادة من آلية تكفل الحقوق والحريات الأساسية، المكفولة لغيره من الأشخاص. (2) حالات التفاوت الاجتماعي والسياسي تكون مقبولة إذا توافر فيها شرطان: أن يكون التفاوت ناتج نظام لمنح المناصب والمواقع الاجتماعية والسياسية، يتيح للجميع الاستفادة منه على أساس تكافؤ منصف للفرص. ألا يترتب عليه سلب حقوق الحياة اللائقة للفئات الأقل حظا في المجتمع.
مع الانتباه إلى أن كلا التيارين ينطلقان في تصورهما للعدالة من مبدأ فلسفي أخلاقي واحد هو "أولوية الحق على الخير" على معنى أن العدالة التي تنظم الحقوق في المجتمع، لا تكون مرهونة ، في تبريرها، بأي تصور اجتماعي أو ديني سابق عن الحياة الخيرة، ويتم الاتفاق حول هذا الموقف الوضعي للعدالة عبر الآليات الديمقراطية. الفرق في أن تيار الليبرالية المطلقة، يرفض التنازل عن بعض الحقوق من أجل خير المجتمع، بينما الآخر، يتنازل عن بعض حقوقه الاقتصادية، لكي يتمتع الجميع بالحد الأدنى من المتطلبات التي تحفظ الحياة. ومن ثم فإنهم يركزون على الفئات الأوْلى بالرعاية التي لم تتوفر لها هذه المتطلبات لأسباب جغرافية، أو عرقية، أو طائفية، أو لأي سبب آخر.
من المعروف أن الليبرالية النفعية، التي وضع أسسها كل من جيرمي بنتام وجون ستيوارت مل، كانت النمط الموجه للبرامج السياسية الغربية لسنوات طويلة. غير أن هذا النمط لم يستطع الصمود طويلا أمام التحولات الاجتماعية والأفكار الاشتراكية الضاغطة في الأوساط الغربية.
ومع صدور كتاب "نظرية العدالة" لجون رولز، حدث تحول في الفكر السياسي الغربي، أدى إلى ظهور نمط ليبرالي جديد هو الليبرالية القائمة على الحقوق. وسرعان ما انقسمت بدورها إلى تيارين كبيرين. التيار الأول أصحاب الليبرالية المطلقة، وأصل لهذا التيار فريدريك هايك (1899-1992)، وميلتون فريدمان (1912-2006)، وروبرت نوزيك (1938-2002)، ومسلمات هذا التيار: أن النظام السياسي مُطَالب باحترام الحريات السياسية والمدنية الأساسية، واحترام الحق في انتفاع الأفراد بثمار أعمالهم وفقا لآليات اقتصاد السوق، وهذا الاتجاه يرى أن الضرائب التي يفرضها النظام السياسي، يجب ألا تتجاوز حدود تكلفة الخدمات والسلع العامة (الأمن الداخلي، المؤسسات العسكرية، النقل، مؤسسات القضاء) التي يحتاجها المجتمع. وليس من بينها تحصيل الضرائب من أجل مساعدة الفقراء، لذلك فإنهم ضد توفير خدمات صحية أو تعليمية أو عقارية للفقراء.
والذي يرغب من القادرين، دون إكراه من النظام السياسي، فإن مؤسسات البر والإحسان في المجتمع تستوعب مبادراته، تيار يرى أن الحق له أولوية مطلقة على الخير، ما يجعل العديد من المعارضين يطلقون على هذا النوع "الليبرالية المتوحشة". وقد طبقت الليبرالية المطلقة على نطاق واسع في الفترة التاتشرية ـ الريجانية، خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي، ولا يزال تأثير هذه الليبرالية كبيرًا على كل المؤسسات الدولية المعنية بالتنمية.
أما التيار الثاني فهم أصحاب الليبرالية المقيدة (المشروطة) وأصّل لهذا التيار الفيلسوف السياسي جون رولز (1921-2002)، فإنهم يرون أنه لا يمكن تحقيق الحريات السياسية والمدنية، دون تلبية الحاجات الاجتماعية الأساسية، ويجب أن يضمن النظام السياسي، في تصورهم، مستوى معيشة لائق لكل شخص، على أساس أن ذلك حق مكفول للجميع. لذلك فإنهم يطالبون الدولة بتأسيس بنية خدمات اجتماعية، (التربية والتعليم، الرعاية الطبية، السكن.. إلخ)، إضافة إلى توفير مصدر للدخل للفئات الأكثر احتياجا، كي يتمكن جميع المواطنين من ممارسة حرياتهم السياسية ممارسة فعلية. ويسميها البعض (تجاوزا) ليبرالية المساواة. تقوم عدالة الإنصاف أو عدالة التوزيع في الليبرالية المقيدة على مبدأين: (1) أن لكل شخص الحق نفسه، غير القابل للسقوط، في الاستفادة من آلية تكفل الحقوق والحريات الأساسية، المكفولة لغيره من الأشخاص. (2) حالات التفاوت الاجتماعي والسياسي تكون مقبولة إذا توافر فيها شرطان: أن يكون التفاوت ناتج نظام لمنح المناصب والمواقع الاجتماعية والسياسية، يتيح للجميع الاستفادة منه على أساس تكافؤ منصف للفرص. ألا يترتب عليه سلب حقوق الحياة اللائقة للفئات الأقل حظا في المجتمع.
مع الانتباه إلى أن كلا التيارين ينطلقان في تصورهما للعدالة من مبدأ فلسفي أخلاقي واحد هو "أولوية الحق على الخير" على معنى أن العدالة التي تنظم الحقوق في المجتمع، لا تكون مرهونة ، في تبريرها، بأي تصور اجتماعي أو ديني سابق عن الحياة الخيرة، ويتم الاتفاق حول هذا الموقف الوضعي للعدالة عبر الآليات الديمقراطية. الفرق في أن تيار الليبرالية المطلقة، يرفض التنازل عن بعض الحقوق من أجل خير المجتمع، بينما الآخر، يتنازل عن بعض حقوقه الاقتصادية، لكي يتمتع الجميع بالحد الأدنى من المتطلبات التي تحفظ الحياة. ومن ثم فإنهم يركزون على الفئات الأوْلى بالرعاية التي لم تتوفر لها هذه المتطلبات لأسباب جغرافية، أو عرقية، أو طائفية، أو لأي سبب آخر.
نص الدستور في المادة 27، على أن النظام الاقتصادي يستهدف تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية
ثانيا- العدالة الاجتماعية في الدستور المصري
مع أن الدستور المصري، قد صيغ برؤية شبه ليبرالية، فإن القارئ لمواده، يلاحظ أن حس العدالة التي كتبت به مواد الدستور، يختلف نسبيا عن التوجهات الليبرالية بنوعيها المذكورين على النحو التالي:
(1) في فصل المقومات الاجتماعية، نجد أن الحق والخير لهما أهمية مستقلة، فالمجتمع في المادة الثامنة من هذا الفصل يقوم على التضامن الاجتماعي، وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، كما تلتزم الدولة في المادة التاسعة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز. وفي المادة العاشرة يقر الدستور أن الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها. وفي المادة الحادية عشر، تتكفل الدولة بتحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور(2) وفي فصل المقومات الاقتصادية، نص الدستور في المادة 27، على أن النظام الاقتصادي يستهدف تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، وأشارت المادة 32، على مسئولية القطاع الخاص الاجتماعية، ودوره في خدمة الاقتصاد الوطني والمجتمع. وحددت المادة 38 أهداف النظام الضريبي في تنمية موارد الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية. مع مراعاة أن تكون الضرائب على دخول الأفراد تصاعدية متعددة الشرائح وفقا لقدراتهم التكليفية، ويكفل النظام الضريبي تشجيع الأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة، وتحفيز دورها في التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.(3) وفي باب الحقوق والحريات والواجبات العامة، لدينا أربعة التزامات متممة لروح العدالة الاجتماعية في هذا الدستور، حيث نص الدستور على تخصيص حد أدنى من الإنفاق من جملة الناتج القومي، للصرف على التعليم العام (4%)، وعلى الصحة (3%)، فالتعليم الجامعي (2%) والبحث العلمي (1%) وجميعها تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
تستخدم هذه المواد الدستورية، مصطلحات (التضامن، التكافل، الالتزام، الحياة الكريمة، الدين، الأخلاق) جنبا إلى جنب ( تكافؤ الفرص، عدم التمييز)، ما يجعل الحق مستقلا عن الخير من الناحية الأنطولوجية داخل الدستور، عكس التوجهات الليبرالية. كأن العدالة في الدستور المصري تحلق بجناحين (الحق والخير). وهو أمر يتسق مع نص المادتين الثانية والثالث، وفيهما النص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وأن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية. وتترتب على هذه النصوص، آثار اجتماعية أخرى، على معنى أن الحق والحرية سيكونان مقيدين ـ اجتماعيا وثقافيا ـ بالأحكام الأخلاقية التي تعارفت عليها الجماعات الدينية الكبيرة في المجتمع.
مع أن الدستور المصري، قد صيغ برؤية شبه ليبرالية، فإن القارئ لمواده، يلاحظ أن حس العدالة التي كتبت به مواد الدستور، يختلف نسبيا عن التوجهات الليبرالية بنوعيها المذكورين على النحو التالي:
(1) في فصل المقومات الاجتماعية، نجد أن الحق والخير لهما أهمية مستقلة، فالمجتمع في المادة الثامنة من هذا الفصل يقوم على التضامن الاجتماعي، وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، كما تلتزم الدولة في المادة التاسعة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز. وفي المادة العاشرة يقر الدستور أن الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها. وفي المادة الحادية عشر، تتكفل الدولة بتحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور(2) وفي فصل المقومات الاقتصادية، نص الدستور في المادة 27، على أن النظام الاقتصادي يستهدف تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، وأشارت المادة 32، على مسئولية القطاع الخاص الاجتماعية، ودوره في خدمة الاقتصاد الوطني والمجتمع. وحددت المادة 38 أهداف النظام الضريبي في تنمية موارد الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية. مع مراعاة أن تكون الضرائب على دخول الأفراد تصاعدية متعددة الشرائح وفقا لقدراتهم التكليفية، ويكفل النظام الضريبي تشجيع الأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة، وتحفيز دورها في التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.(3) وفي باب الحقوق والحريات والواجبات العامة، لدينا أربعة التزامات متممة لروح العدالة الاجتماعية في هذا الدستور، حيث نص الدستور على تخصيص حد أدنى من الإنفاق من جملة الناتج القومي، للصرف على التعليم العام (4%)، وعلى الصحة (3%)، فالتعليم الجامعي (2%) والبحث العلمي (1%) وجميعها تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
تستخدم هذه المواد الدستورية، مصطلحات (التضامن، التكافل، الالتزام، الحياة الكريمة، الدين، الأخلاق) جنبا إلى جنب ( تكافؤ الفرص، عدم التمييز)، ما يجعل الحق مستقلا عن الخير من الناحية الأنطولوجية داخل الدستور، عكس التوجهات الليبرالية. كأن العدالة في الدستور المصري تحلق بجناحين (الحق والخير). وهو أمر يتسق مع نص المادتين الثانية والثالث، وفيهما النص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وأن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية. وتترتب على هذه النصوص، آثار اجتماعية أخرى، على معنى أن الحق والحرية سيكونان مقيدين ـ اجتماعيا وثقافيا ـ بالأحكام الأخلاقية التي تعارفت عليها الجماعات الدينية الكبيرة في المجتمع.
لدينا أربعة التزامات متممة لروح العدالة الاجتماعية، حيث نص على تخصيص حد أدنى من الإنفاق من جملة الناتج القومي، للصرف على التعليم العام (4%)، وعلى الصحة (3%)
ثالثا- موقف البرلمان الجديد من العدالة الاجتماعية
والسؤال الحتمي الذي يواجه النظام السياسي في المرحلة القادمة، هل تركيبة البرلمان المصري الجديد، يمكن أن تتكيف مع حس العدالة (sense of justice) الذي كتبت به نصوص الدستور المصري، أم أن الفترة القادمة سوف تشهد صراعات مؤكدة داخل البرلمان تحول دون تحويل نصوص العدالة الاجتماعية إلى قوانين وبرامج سياسية. وتقتضي الإجابة عن هذا السؤال التعرف على تركيبة البرلمان المصري الجديد.
من المؤكد أن الحكومة أخفقت في صياغة قانون انتخابات يأخذ بمصر نحو تثبيت الديمقراطية، وتطوير الحياة الحزبية، مكرسًا العوامل التقليدية في الاختيار، فاتحًا الباب على مصراعيه أمام فوضى الصرف على الدعاية والرشاوى الانتخابية. وإذا وضعنا في الاعتبار، ارتفاع معدلات الأمية، ومعدلات البطالة بين الشباب، وارتفاع معدلات الفقر بين الطبقة العاملة والفلاحين وقطاع من الطبقة الوسطى، فإننا نواجه حالة من غياب المشاركة السياسية العاقلة.
ومع ذلك، فإن الانتخابات البرلمانية الأخيرة، شهدت العديد من الايجابيات، فقد انعتق الناخب المصري في بعض الدوائر، من أسْر العوامل التقليدية، ومكن عدد كبير نسبيا من النساء والأقباط والشباب من دخول البرلمان الجديد. ومن بين الإيجابيات انكشاف عدد كبير من الأحزاب الورقية، فمن بين عشرات الأحزاب المسجلة لم يتمكن سوى 21 حزبا فقط من التواجد تحت قبة البرلمان الجديد، منهم سبعة أحزاب فقط لديها أكثر من عشرة أعضاء.
وكما يظهر من الجدول التالي، فإن التركيبة الحزبية للبرلمان الجديد، يغلب عليها الطابع الليبرالي من الناحية الاسمية، ومع ذلك فإنه من السابق لأوانه تحديد التوجه السياسي الغالب لهذا البرلمان، نظرا لعدم تكشّف الاتجاهات السياسية للأعضاء المستقلين. ولأن معظم الأحزاب، لم تنطلق في خطابها الدعائي من المبادئ التي تأسس عليها هذا الحزب أو ذاك، وإنما اتجهت نحو تبني خطابات سياسية مشوشة، وظرفية متنوعة المشارب والمرجعيات. تتغير بحسب الطابع الثقافي والاجتماعي لكل دائرة انتخابية.
والمتوقع أن تنقسم التركيبة، الليبرالية في عمومها، إلى كتلتين، الأولى كتلة مؤيدة لتوجهات الدولة التنموية، داعمة لقرارات الرئاسة، تتزعمها قيادات قائمة في حب مصر، ولم يتضح حتى الآن موقف الأحزاب الكبيرة من هذا التحالف. أما الكتلة الثانية فالمفترض أن تنهض بأعباء المعارضة غير المكتملة داخل المجلس.
ولأن المعركة الانتخابية لم تكن معركة سياسية بالمعنى المتعارف عليه، وغاب عنها التصويت بدافع الانتماء والولاء الحزبي، كما غاب التصويت على الأفكار والبرامج، فإن ديناميات أخرى يمكن أن تؤثر في موقف هذا البرلمان من العدالة الاجتماعية منها : (1) يوجد عدد كبير من الأعضاء الحزبيين، لا تربطهم بالحزب الذي يحملون اسمه أية روابط فكرية أو سياسية، وهذه الفئة من الأعضاء لديها التزامات ووعود تجاه الدوائر التي ينحدرون منها، وعليه، فليس من المنتظر أن يجاري هؤلاء الأعضاء الأحزاب التي ينتمون إليها في كل القرارات، خاصة التي تنتقص من الحقوق والالتزامات الدستورية الرامية لتحقيق العدالة، لأن ذلك من شأنه فقْد شعبيتهم في تلك الدوائر.
(2) ربما يشجع ارتفاع الوزن النسبي لمجموعة رجال الأعمال، تشكيل ائتلاف عابر للتكتلات السياسية، وفي هذه الحالة، فإن هذا التكتل الخفي لن يساعد بشكل أكيد في إنفاذ نصوص العدالة الاجتماعية في الدستور، وسوف يقاوم بطرق مباشرة وغير مباشرة، تحويل هذه النصوص إلى قوانين وبرامج، خاصة فيما يتعلق بالنظام الضريبي، وكذلك نسبة الحد الأدنى التي تلتزم بها الدولة في الإنفاق على الصحة والإسكان والتعليم والبحث العلمي.
(3) ربما تعجز الحكومة عن الوفاء بمتطلبات العدالة الاجتماعية في مجالات الصحة والتعليم وإسكان محدودي الدخل، ومكافحة الفقر، فتحرك الكتلة المؤيدة لها في تجاه تعديل بعض مواد الدستور خاصة الملزمة بنسب للإنفاق على الصحة والتعليم.
ختاما، فإن الملامح العامة للبرلمان المتشكل، لا تبشر بأن هذا المجلس، سوف يقدم ممارسة برلمانية، تحقق العدالة الاجتماعية التي من أجلها قامت ثورتان كبيرتان.
والسؤال الحتمي الذي يواجه النظام السياسي في المرحلة القادمة، هل تركيبة البرلمان المصري الجديد، يمكن أن تتكيف مع حس العدالة (sense of justice) الذي كتبت به نصوص الدستور المصري، أم أن الفترة القادمة سوف تشهد صراعات مؤكدة داخل البرلمان تحول دون تحويل نصوص العدالة الاجتماعية إلى قوانين وبرامج سياسية. وتقتضي الإجابة عن هذا السؤال التعرف على تركيبة البرلمان المصري الجديد.
من المؤكد أن الحكومة أخفقت في صياغة قانون انتخابات يأخذ بمصر نحو تثبيت الديمقراطية، وتطوير الحياة الحزبية، مكرسًا العوامل التقليدية في الاختيار، فاتحًا الباب على مصراعيه أمام فوضى الصرف على الدعاية والرشاوى الانتخابية. وإذا وضعنا في الاعتبار، ارتفاع معدلات الأمية، ومعدلات البطالة بين الشباب، وارتفاع معدلات الفقر بين الطبقة العاملة والفلاحين وقطاع من الطبقة الوسطى، فإننا نواجه حالة من غياب المشاركة السياسية العاقلة.
ومع ذلك، فإن الانتخابات البرلمانية الأخيرة، شهدت العديد من الايجابيات، فقد انعتق الناخب المصري في بعض الدوائر، من أسْر العوامل التقليدية، ومكن عدد كبير نسبيا من النساء والأقباط والشباب من دخول البرلمان الجديد. ومن بين الإيجابيات انكشاف عدد كبير من الأحزاب الورقية، فمن بين عشرات الأحزاب المسجلة لم يتمكن سوى 21 حزبا فقط من التواجد تحت قبة البرلمان الجديد، منهم سبعة أحزاب فقط لديها أكثر من عشرة أعضاء.
وكما يظهر من الجدول التالي، فإن التركيبة الحزبية للبرلمان الجديد، يغلب عليها الطابع الليبرالي من الناحية الاسمية، ومع ذلك فإنه من السابق لأوانه تحديد التوجه السياسي الغالب لهذا البرلمان، نظرا لعدم تكشّف الاتجاهات السياسية للأعضاء المستقلين. ولأن معظم الأحزاب، لم تنطلق في خطابها الدعائي من المبادئ التي تأسس عليها هذا الحزب أو ذاك، وإنما اتجهت نحو تبني خطابات سياسية مشوشة، وظرفية متنوعة المشارب والمرجعيات. تتغير بحسب الطابع الثقافي والاجتماعي لكل دائرة انتخابية.
والمتوقع أن تنقسم التركيبة، الليبرالية في عمومها، إلى كتلتين، الأولى كتلة مؤيدة لتوجهات الدولة التنموية، داعمة لقرارات الرئاسة، تتزعمها قيادات قائمة في حب مصر، ولم يتضح حتى الآن موقف الأحزاب الكبيرة من هذا التحالف. أما الكتلة الثانية فالمفترض أن تنهض بأعباء المعارضة غير المكتملة داخل المجلس.
ولأن المعركة الانتخابية لم تكن معركة سياسية بالمعنى المتعارف عليه، وغاب عنها التصويت بدافع الانتماء والولاء الحزبي، كما غاب التصويت على الأفكار والبرامج، فإن ديناميات أخرى يمكن أن تؤثر في موقف هذا البرلمان من العدالة الاجتماعية منها : (1) يوجد عدد كبير من الأعضاء الحزبيين، لا تربطهم بالحزب الذي يحملون اسمه أية روابط فكرية أو سياسية، وهذه الفئة من الأعضاء لديها التزامات ووعود تجاه الدوائر التي ينحدرون منها، وعليه، فليس من المنتظر أن يجاري هؤلاء الأعضاء الأحزاب التي ينتمون إليها في كل القرارات، خاصة التي تنتقص من الحقوق والالتزامات الدستورية الرامية لتحقيق العدالة، لأن ذلك من شأنه فقْد شعبيتهم في تلك الدوائر.
(2) ربما يشجع ارتفاع الوزن النسبي لمجموعة رجال الأعمال، تشكيل ائتلاف عابر للتكتلات السياسية، وفي هذه الحالة، فإن هذا التكتل الخفي لن يساعد بشكل أكيد في إنفاذ نصوص العدالة الاجتماعية في الدستور، وسوف يقاوم بطرق مباشرة وغير مباشرة، تحويل هذه النصوص إلى قوانين وبرامج، خاصة فيما يتعلق بالنظام الضريبي، وكذلك نسبة الحد الأدنى التي تلتزم بها الدولة في الإنفاق على الصحة والإسكان والتعليم والبحث العلمي.
(3) ربما تعجز الحكومة عن الوفاء بمتطلبات العدالة الاجتماعية في مجالات الصحة والتعليم وإسكان محدودي الدخل، ومكافحة الفقر، فتحرك الكتلة المؤيدة لها في تجاه تعديل بعض مواد الدستور خاصة الملزمة بنسب للإنفاق على الصحة والتعليم.
ختاما، فإن الملامح العامة للبرلمان المتشكل، لا تبشر بأن هذا المجلس، سوف يقدم ممارسة برلمانية، تحقق العدالة الاجتماعية التي من أجلها قامت ثورتان كبيرتان.