المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ طه عبد العليم
د‏.‏ طه عبد العليم

نحو إستراتيجية لتصنيع مصر

الأحد 03/يناير/2016 - 10:51 ص

قبل قرن من الزمان فى عام 1916، تشكلت لجنة التجارة والصناعة، التى ضمت فى عضويتها طلعت حرب مؤسس بنك مصر، وقائد مشروعه للتصنيع الرأسمالى الوطنى، الذى انطلق من رؤية استراتيجية للتصنيع، تضمن تقرير اللجنة أهم دوافعها ووسائلها وأهدافها. ومع مطلع عام 2016، أتمنى أن تتقدم مصر بجسارة وثبات نحو وضع وتنفيذ إستراتيجية أرقى للتصنيع، وأرى دون ريب أن قدرات مصر القائمة والكامنة تسمح لها بأن تصبح دولة صناعية متقدمة، وتثبت مجددا أنه كلما بدت وكأنه لن تقوم لها قائمة, تنهض عفية جبارة قادرة على الريادة، كما برهنت فى كل حقب تاريخها الألفى.

وأسجل، أولا، أن إستراتيجية التصنيع تتضمن عناصر جوهرية, أهمها: الالتزام بأسبقية الاستثمار فى الصناعة التحويلية مقارنة بغيرها من القطاعات, ومضاعفة معدل نموها بما يرفع نصيبها فى الدخل القومى والصادرات, واستيعاب نسبة عالية ومتزايدة من قوة العمل فى مصانع جديدة. ولا تقتصر إستراتيجية التصنيع على الارتقاء بالطاقات الصناعية بتشغيل وتنمية وتحديث الفروع الصناعية التقليدية القائمة، وإنما تشمل تأسيس الفروع الصناعية الجديدة والأحدث المرتبطة باقتصاد المعرفة. وتعنى إستراتيجية التصنيع تطوير كل فروع الصناعة، سواء منخفضة التكنولوجيا (مثل الغزل والمنسوجات)، أو متوسطة التكنولوجيا (مثل الكيماويات)، أو راقية التكنولوجيا (مثل الآلات)، كما تبين تقارير منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو). وفى مصر توجد كل هذه الصناعات وإن على نطاقات مختلفة. وعلى استراتيجية التصنيع أن تنطلق من رؤية متكاملة؛ تُؤمِن رأس المال اللازم للاستثمار والتمويل, وتُحفِز المنظمين والمبادرين والمبتكرين من الصناعيين, وتوفِر قوة العمل المتعلمة والمدربة والمؤهلة, وتطور منظومة ابتكار واستيعاب مواد ومعارف التكنولوجيا, وتوسع السوق الداخلية والخارجية للمنتجات المصنعة. ويتطلب تسريع التصنيع رفع معدل الادخار المحلى، ومعدل الاستثمار المحلى الإجمالى الى الناتج المحلى الإجمالى.

وثانيا، إن إستراتيجية التصنيع ينبغى أن تستهدف الارتقاء بمؤشراته، وأهمها: مؤشر كثافة التصنيع, الذى يمثل نصيب القيمة المضافة للصناعة من الناتج المحلى الإجمالى, ونصيب الصناعات متوسطة وراقية التكنولوجيا من القيمة المضافة للصناعة، ومؤشر تنافسية الأداء الصناعى, الذى يدمج مؤشرات: نصيب الفرد من القيمة المضافة الصناعية, ونصيب الفرد من الصادرات الصناعية, وكثافة التصنيع, وجودة صادرات السلع المصنعة. كما يعنى التصنيع الارتقاء بمؤشرات القدرة التنافسية للصناعة، وأهمها مؤشر نسبة الصادرات من السلع المصنعة الى القيمة المضافة للصناعة, ومؤشر الصادرات راقية التكنولوجيا كنسبة من إجمالى صادراتها من السلع المصنعة، ومؤشر صادرات السلع المصنعة الى إجمالى الصادرات السلعية، ومؤشر صادرات الآلات والمعدات شاملة أجهزة الاتصالات والأجهزة الالكترونية من صادرات السلع المصنعة. وتتطلب إستراتيجية التصنيع، خاصة فى عصر المعرفة، الارتقاء بمؤشرات المحتوى التكنولوجى الوطنى، ومن ثم القيمة المضافة للإنتاج الصناعى, وأهمها: مؤشر عدد العاملين فى البحث والتطوير لكل مليون نسمة، ومؤشر نسبة الإنفاق على البحث والتطوير من الناتج المحلى الإجمالى, ومؤشر عدد براءات الاختراع الممنوحة للمقيمين لكل مليون نسمة، ومؤشر التكنولوجيا, الذى يعبر عن مستوى الابتكار وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

وثالثا، ينبغى أن تنطلق إستراتيجية التصنيع من حقيقة أنه لا تصنيع بغير تنمية شاملة، لأن مدخلاته ومخرجاته ترتبط بكل قطاعات إنتاج السلع والخدمات. وللتصنيع آثار رئيسية على تنمية قطاعات الاقتصاد الأخرى؛ حيث يحفز زيادة الطلب على منتجات السلع الأولية فى الزراعة والتعدين وزيادة جودتها، كما يحفز زيادة الطلب على الأعمال المصرفية والتأمين والاتصالات والتجارة والنقل وغيرها من القطاعات الاقتصادية. كما تولد الصناعة التحويلية قدرات تنافسية تنتشر الى غيرها من القطاعات عبر دورها الرائد والقيادى فى تراكم رأس المال وتطوير التكنولوجيا وإيجاد المهارات والتعلم. ويتصور البعض أن التصنيع يعنى إهمال الزراعة، ويغفلون أو يتغافلون عن أنه لم يترتب على الثورة الصناعية تجاهل أهمية الزراعة، بل كانت منتجات التصنيع من آلات ومعدات وأسمدة ومبيدات وغيرها رافعة لتعظيم الإنتاجية فى الزراعة، وتوفر منتجات الزراعة مدخلات للتصنيع الزراعى. وبفضل التصنيع بمفهومه الواسع؛ أى بفضل نشر ثمار التحديث الصناعى التكنولوجى فى بقية قطاعات الاقتصاد, لم تعد الدول الصناعية مجرد المُصَدِر الأهم فقط للسلع المصنعة, ومكوناتها ذات المحتوى المعرفى الأرقى والقيمة المضافة الأعلى, بل صارت المصدر الرئيسى للمعرفة والتكنولوجيا والخدمات والغذاء والاستثمار! .

ورابعا، إن استراتيجية التصنيع لا تعنى نكوصا عن ولوج اقتصاد المعرفة. ومن يدعون الى القفز على مرحلة التصنيع لبناء اقتصاد المعرفة، ينسون أو يتناسون أنه لا يعنى تجاهل الصناعة. والأمر ببساطة أنه لا غنى عن منتجات الصناعة من أجهزة ومعدات لانتاج المعرفة، وأن أهم فروع المعرفة يمثل خدمات للصناعة، وان منتجات المعرفة تُوَظف لتعظيم المحتوى المعرفى؛ ومن ثم القيمة المضافة للمنتجات الصناعية. كما يبين تقرير التنمية الصناعية فى العالم 2013 الذى أصدرته منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو). كما لا تعنى إستراتيجية التصنيع تجاهل معطيات العولمة الاقتصادية. فقد ارتبط النمو السريع للبلدان الصناعية الجديدة والصاعدة، بزيادة صادراتها من المصنوعات للبلدان المتقدمة. لكنه مع تراجع النمو والطلب العالمى والبيئة التجارية العالمية غير المواتية، منذ انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية فى أغسطس 2008، بلغت إستراتيجيات النمو الذى تقوده الصادرات حدودها القصوى، وأصبح من المستبعد جدا أن توفر الأسواق العالمية دفعة قوية للنمو الاقتصادى العالمى، وهو ما يفرض زيادة الاعتماد على الأسواق المحلية والاقليمية؛ كما بين تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) فى عام 2015. ويفترض الاعتماد على السوق المحلية ترابط مجمل فروع الاقتصاد، وقدرة الصناعة المحلية على إنتاج أدوات ووسائل الإنتاج وبناء المصانع، وهو أمر بمقدور عدد قليل فقط من البلدان النامية، كما يفترض الاعتماد على تكامل الأسواق الإقليمية إزاحة العقبات أمام هذا التكامل.

ويستحق الكثير مما سجلته فى هذا المقال مزيدا من التناول فى مقالات قادمة إن شاء الله نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟