القبة الصاروخية الخليجية: إعادة تدوير المبادرات على سجادة الشكوك!
الثلاثاء 10/نوفمبر/2015 - 11:56 ص
علاء حمودة
في تحرك استباقي كان هدفه المُعلن تسكين مخاوف الحلفاء الخليجيين من إيران، وقبل شهرين من توقيع خطة العمل المشترك الشاملة بين مجموعة (5+1) وبين طهران في فيينا في 14 يوليو 2015، انعقدت قمة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع ممثلي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في لقاء مهم بمنتجع كامب ديفيد الرئاسي في ولاية ماريلاند الـ 14 من مايو، تلك القمة التي تزامنت مع تعال في نبرة التذمر الخليجية من الجهود الأمريكية للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، حيث شعر الزعماء العرب بالقلق من أن يؤدي قرار رفع العقوبات في إطار اتفاق نووي إلى تمكين طهران من العمل على الإطاحة بمعادلة أمن المنطقة.
ومن بين حزمة الوعود والتطمينات الباهتة التي القاها أوباما على مسامع حلفائه الخليجيين، كانت المبادرة الإستراتيجية الأهم بإعادة الزخم لمشروع تسلح قديم يعرف بـ"القبة الصاروخية الخليجية" أو "الدرع الصاروخي الخليجي"، والذي يعد ـ ووفق مفهوم تعاوني ـ نقلة في العلاقات الأمنية الأمريكية -الخليجية من المستوى الثنائي إلى المستوى متعدد الأطراف، حيث عبرت دول المجلس ـ وحسب مصادر أمريكية ـ عن التزامها بـ (تطوير نظام إنذار مبكر للصواريخ الباليستية على مستوى دول "مجلس التعاون الخليجي"، فضلاً عن تحسين التعاون في مجال الدفاع الصاروخي).
لكن نص البيان الصادر عن قمة كامب ديفيد كان غامضا وغير تفصيلي في هذا الشأن حيث قال "إن القادة ناقشوا (شراكة إستراتيجية جديدة) بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز التعاون الأمني، وخاصة فيما يتعلق بعمليات نقل الأسلحة، إضافة إلى مكافحة الإرهاب والأمن البحري، والأمن المعلوماتي، ونظم الدفاع ضد الصواريخ الباليستية".
القدر المتيقن من الحقيقة، أن الصفقة النووية بين الغرب (بقيادة الولايات المتحدة) وبين إيران عمقت الحيرة الإستراتيجية التي تعيشها دول الخليج، وحتمت دائرة اوسع من الترتيبات الإقليمية الجديدة التي تتجاوز المسائل الفنية في هذا الاتفاق، خاصة أنها انطوت على مكاسب سياسية وإستراتيجية واقتصادية للجانب الإيراني، تضاف إلى تمدد النفوذ الإيراني في دول عدة بالمنطقة عبر أذرع طهران السياسية والعسكرية، في الوقت نفسه فإن المكاسب الأمريكية من الاتفاق لا تعني تجاهل حقيقة أن تحولًا في ميزان القوى حدث لصالح إيران واصطدم بالمصالح الخليجية، ما يقوض ركنا مهما من أركان التحالف التاريخي في أمن الخليج العربي، والمتمثل في هيمنة الغرب على ميزان القوى في تلك المنطقة.
وفي ضوء هذا التطور الحاصل، يبرز التساؤل حول أبعاد التدابير الأمريكية باحياء مشروع الدرع الصاروخي الخليجي، وما دوافعها وتأثيراتها على الفاعلين الرئيسيين في أمن المنطقة؟ وما فرص تحوله إلى أمر واقع في ضوء خبرة الاخفاق التي واكبت هذا المقترح الأمريكي منذ ربع قرن؟
ومن بين حزمة الوعود والتطمينات الباهتة التي القاها أوباما على مسامع حلفائه الخليجيين، كانت المبادرة الإستراتيجية الأهم بإعادة الزخم لمشروع تسلح قديم يعرف بـ"القبة الصاروخية الخليجية" أو "الدرع الصاروخي الخليجي"، والذي يعد ـ ووفق مفهوم تعاوني ـ نقلة في العلاقات الأمنية الأمريكية -الخليجية من المستوى الثنائي إلى المستوى متعدد الأطراف، حيث عبرت دول المجلس ـ وحسب مصادر أمريكية ـ عن التزامها بـ (تطوير نظام إنذار مبكر للصواريخ الباليستية على مستوى دول "مجلس التعاون الخليجي"، فضلاً عن تحسين التعاون في مجال الدفاع الصاروخي).
لكن نص البيان الصادر عن قمة كامب ديفيد كان غامضا وغير تفصيلي في هذا الشأن حيث قال "إن القادة ناقشوا (شراكة إستراتيجية جديدة) بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز التعاون الأمني، وخاصة فيما يتعلق بعمليات نقل الأسلحة، إضافة إلى مكافحة الإرهاب والأمن البحري، والأمن المعلوماتي، ونظم الدفاع ضد الصواريخ الباليستية".
القدر المتيقن من الحقيقة، أن الصفقة النووية بين الغرب (بقيادة الولايات المتحدة) وبين إيران عمقت الحيرة الإستراتيجية التي تعيشها دول الخليج، وحتمت دائرة اوسع من الترتيبات الإقليمية الجديدة التي تتجاوز المسائل الفنية في هذا الاتفاق، خاصة أنها انطوت على مكاسب سياسية وإستراتيجية واقتصادية للجانب الإيراني، تضاف إلى تمدد النفوذ الإيراني في دول عدة بالمنطقة عبر أذرع طهران السياسية والعسكرية، في الوقت نفسه فإن المكاسب الأمريكية من الاتفاق لا تعني تجاهل حقيقة أن تحولًا في ميزان القوى حدث لصالح إيران واصطدم بالمصالح الخليجية، ما يقوض ركنا مهما من أركان التحالف التاريخي في أمن الخليج العربي، والمتمثل في هيمنة الغرب على ميزان القوى في تلك المنطقة.
وفي ضوء هذا التطور الحاصل، يبرز التساؤل حول أبعاد التدابير الأمريكية باحياء مشروع الدرع الصاروخي الخليجي، وما دوافعها وتأثيراتها على الفاعلين الرئيسيين في أمن المنطقة؟ وما فرص تحوله إلى أمر واقع في ضوء خبرة الاخفاق التي واكبت هذا المقترح الأمريكي منذ ربع قرن؟
إن المكاسب الأمريكية من الاتفاق لا تعني تجاهل حقيقة أن تحولًا في ميزان القوى حدث لصالح ايران واصطدم بالمصالح الخليجية
أولاً- سياق إستراتيجي ذو أبعاد تاريخية
يعد "مبدأ نيكسون" عام 1969 و"مبدأ كارتر" عام 1980 بمثابة إطار العمل الإستراتيجي لصفقات الأسلحة الأمريكية المتزايدة لدول الخليج العربية في السبعينيات، وتوسيع الوجود العسكري الأمريكي في التسعينيات. فقد دعا نيكسون حلفاء الولايات المتحدة للمساهمة في أمنهم بأنفسهم بمساعدات أمنية أمريكية. وفي الخطاب الاتحادي للرئيس كارتر عام 1980، وردًا على الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979، أعلن الرئيس عن مبدئه بالقول: "أية محاولة من قوة خارجية للسيطرة علي الخليج هي بمثابة اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وستتم مواجهة هكذا اعتداء بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية".
في المقابل، فإن إستراتيجية التسلح الخليجي تنطلق من حقيقة أن الدول الصغيرة تلجأ فى العادة لإستراتيجيات دفاعية معقدة، فى ظل عدم قدرتها على الدفاع عن نفسها بقوتها الذاتية، فهي إما أن تتحول إلى "معسكر حربي"، وليس ذلك ممكنا لاعتبارات سياسية وسكانية، أو أن تقوم بتحييد نفسها، ولن تطمئن فى تلك الحالة إلى عقلانية الجيران، أو أن تمتلك أسلحة تدمير شامل، وهو ما ليس متاحا لها، أو أن تقوم بالتحالف دفاعيا مع قوة كبرى، وهو ما حدث. ومن ثم فإن شبكة الدوافع المسيطرة على عمليات التسلح فى الخليج تتسم بالتعقيد الشديد، إذ إنها تتضمن كل أشكال الدوافع التسليحية المتصورة، فالأهداف الدفاعية لعمليات التسليح قائمة بدرجات مختلفة، أكثرها وضوحًا حالة الكويت. وتسيطر على التوجهات التسليحية لدول كالسعودية والإمارات أفكارا ردعية، والأخطر أن بعض الأسلحة هذه المرة هجومية.
وفق هذا التقدير، يمكن فهم المنطلقات الإستراتيجية في الفعل الأمريكي والرد الفعل الخليجي على مبادرة انشاء الدرع الصاروخي الخليجي، والتي لا تنبئ عن رغبة متزايدة في الحفاظ على توازن القوى في المنطقة الذي لا يزال يهم الأمريكيين بالدرجة الأولى وفق تعبير ستيفن أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد "ستيفن والت"، بل ويلقي بظلال الشك على فرضية الانسحاب الأمريكي الكامل من معادلة أمن المنطقة، والتي تبدو بعيدة المنال في ظل المصالح الرئيسية لواشنطن بالمنطقة، ومن ثم يمكن فهم اعادة إطلاق الحديث عن هذا الدرع الصاروخي الذي ارتبط ظهور دعواته ارتباطا وثيقا بمرحلة ما بعد انهيار الثنائية القطبية، والوجود العسكري الأمريكي المباشر في منطقة الخليج.
ويمكن القول إن مشروع الدرع الصاروخي الخليجي الضخم ليس وليد اليوم، بل سبق وأن تم طرحه في أكثر من مناسبة خاصة بعد حرب الخليج الثانية عام 1990، وتجدد الحديث عنه من قبل وزير الدفاع الأمريكي السابق، وليام كوهين، في الفترة بين 1997 و2001. فيما كان التأجيل والتسويف هو الموقف الثابت من قبل قادة الدفاع الخليجيين. لكن وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحرب الأمريكية في العراق وأفغانستان، وفي الوقت الذي خفضت فيه واشنطن من وجودها في البلدين، زادت وجودها في الخليج لطمأنة حلفائها وردع إيران.
ومنذ عام 2006 عملت واشنطن على تأسيس دفاعاتها الصاروخية في المنطقة بشكل فردي، وحتى إبان المفاوضات السرية التي أجرتها الولايات المتحدة مع إيران في عام 2009 في سلطنة عمان تجددت المطالبة بإنشاء هذا الدرع، بل ربما ضاعفت الحاجة إلى الدعوة لإنشائه في ضوء الرؤية الأمريكية بعيدة المدى لمرحلة ما بعد المفاوضات وطمأنة الحلفاء الخليجيين، حيث ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في يناير 2010 أن الولايات المتحدة دعت لنشر درع صاروخي جديد ضد إيران في دول المجلس، لكن سلطنة عمان رفضت الطلب لاعتبارات تخص علاقتها بالجانب الإيراني.
وبعد عامين من هذا التاريخ، وفي 31 مارس عام 2012م ، بحثت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في الرياض مع عدد من المسئولين في مجلس التعاون التوافق لإنشاء منظومة الدرع. وقالت كيلنتون وقتذاك: "نتطلع لبحث مسائل عدة مثل الاهتمامات الإستراتيجية ومنع إيران للحصول على القنبلة النووية، والحد من التدخل في الشئون الداخلية لدول الجوار".
وفي تأكيد دبلوماسي أمريكي على جدية هذا المشروع العسكري الدفاعي بوصفه التزاما وليس اختيارا إستراتيجيا، ومع وصول المفاوضات الأمريكية ـ الإيرانية إلى مرحل متقدمة، تجدد الحديث عن الدرع الصاروخية في سبتمبر 2012، وذلك خلال لقاء كلينتون وزراء خارجية دول مجلس التعاون في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال مسئول أمريكي رفيع "هدفنا مساعدة شركائنا بالخليج في احتياجاتهم الدفاعية، هناك تهديد صاروخي يواجهونه ونريد مساعدتهم في مواجهة هذا التهديد بأفضل ما يمكنهم".
وخلال حوار المنامة في البحرين في ديسمبر 2013، دعا وزير الدفاع الأمريكي السابق “تشاك هيجل” لإنشاء درع دفاع صاروخي موحد، لكن التطور المفصلي في هذا السياق، كان القرار الذي اتخذت واشنطن نهاية العام الماضي بالسماح ببيع الأسلحة الأمريكية لمجلس التعاون الخليجي كمنظمة على غرار ما يحدث مع حلف شمال الأطلسي، وأن ذلك يأتي وسط تحركات من جانب شركائها في مجلس التعاون الخليجى لتعزيز قدراتهم الدفاعية الصاروخية، وفي المقابل اتفقت الدول الست الأعضاء فى المجلس خلال شهر ديسمبر الماضى على تشكيل قيادة عسكرية مشتركة. وهو ما أسهم في تمهيد الطريق أمام إحراز تقدم في تكامل الدفاع الصاروخي وأنظمة الأمن البحري.
ثانيًا- شراكة مفروشة بالقدرات الصاروخية
انطلق طرح مشروع الدرع الصاروخي الخليجي من أرضية تعاون عسكري خصب بين الولايات المتحدة ودول التعاون في مجال امداد الحلفاء الخليجيين بالقدرات الصاروخية وتعظيم الأرباح الأمريكية من الصفقات المبرمة، حيث يوجد للجيش الأمريكي 10 بطاريات صواريخ من طراز باتريوت (التي تصنعها شركة ريثيون) للحماية من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى في منطقة الخليج، كما أن له نظام رادار قويا من طراز (إيه.إن-تي.بي).و(اي-2) لرصد إطلاق الصواريخ، وتعمل دول الخليج على تطوير أنظمة باتريوت لتتضمن صواريخ باك-3 التي تصنعها ريثيون ولوكهيد مارتن، كما تشرع في شراء أنظمة تغطي مساحة أكبر وتتضمن صواريخ ذات مدى أطول مثل نظام ترمينال هاي التيتيود إريا ديفنس الذي تصنعه لوكهيد.
وخلال العامين الماضيين، انهمرت تعاقدات الصفقات الخليجية على شركات السلاح الأمريكية، حيث أعلنت قطر في وقت سابق من العام الجاري عن شراء أنظمة القدرات المتقدمة لصواريخ (باك-3) في معرض الدوحة الدولي للدفاع البحري (DIMDEX). وتستخدم أنظمة(باك-3) لحماية قاعدة "العُديد" الجوية في قطر. أما الكويت فقد تعاقدت في نوفمبر 2014 على شراء المزيد من صواريخ باتريوت الاعتراضية المتقدمة لزيادة قدرتها الدفاعية الصاروخية، ومن المقرر أن تتسلم هذه الصواريخ التي تبلع قيمة تعاقدها 4ر263 مليون دولار في موعد لا يتجاوز نهاية شهر يونيو عام 2016.
يعد "مبدأ نيكسون" عام 1969 و"مبدأ كارتر" عام 1980 بمثابة إطار العمل الإستراتيجي لصفقات الأسلحة الأمريكية المتزايدة لدول الخليج العربية في السبعينيات، وتوسيع الوجود العسكري الأمريكي في التسعينيات. فقد دعا نيكسون حلفاء الولايات المتحدة للمساهمة في أمنهم بأنفسهم بمساعدات أمنية أمريكية. وفي الخطاب الاتحادي للرئيس كارتر عام 1980، وردًا على الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979، أعلن الرئيس عن مبدئه بالقول: "أية محاولة من قوة خارجية للسيطرة علي الخليج هي بمثابة اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وستتم مواجهة هكذا اعتداء بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية".
في المقابل، فإن إستراتيجية التسلح الخليجي تنطلق من حقيقة أن الدول الصغيرة تلجأ فى العادة لإستراتيجيات دفاعية معقدة، فى ظل عدم قدرتها على الدفاع عن نفسها بقوتها الذاتية، فهي إما أن تتحول إلى "معسكر حربي"، وليس ذلك ممكنا لاعتبارات سياسية وسكانية، أو أن تقوم بتحييد نفسها، ولن تطمئن فى تلك الحالة إلى عقلانية الجيران، أو أن تمتلك أسلحة تدمير شامل، وهو ما ليس متاحا لها، أو أن تقوم بالتحالف دفاعيا مع قوة كبرى، وهو ما حدث. ومن ثم فإن شبكة الدوافع المسيطرة على عمليات التسلح فى الخليج تتسم بالتعقيد الشديد، إذ إنها تتضمن كل أشكال الدوافع التسليحية المتصورة، فالأهداف الدفاعية لعمليات التسليح قائمة بدرجات مختلفة، أكثرها وضوحًا حالة الكويت. وتسيطر على التوجهات التسليحية لدول كالسعودية والإمارات أفكارا ردعية، والأخطر أن بعض الأسلحة هذه المرة هجومية.
وفق هذا التقدير، يمكن فهم المنطلقات الإستراتيجية في الفعل الأمريكي والرد الفعل الخليجي على مبادرة انشاء الدرع الصاروخي الخليجي، والتي لا تنبئ عن رغبة متزايدة في الحفاظ على توازن القوى في المنطقة الذي لا يزال يهم الأمريكيين بالدرجة الأولى وفق تعبير ستيفن أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد "ستيفن والت"، بل ويلقي بظلال الشك على فرضية الانسحاب الأمريكي الكامل من معادلة أمن المنطقة، والتي تبدو بعيدة المنال في ظل المصالح الرئيسية لواشنطن بالمنطقة، ومن ثم يمكن فهم اعادة إطلاق الحديث عن هذا الدرع الصاروخي الذي ارتبط ظهور دعواته ارتباطا وثيقا بمرحلة ما بعد انهيار الثنائية القطبية، والوجود العسكري الأمريكي المباشر في منطقة الخليج.
ويمكن القول إن مشروع الدرع الصاروخي الخليجي الضخم ليس وليد اليوم، بل سبق وأن تم طرحه في أكثر من مناسبة خاصة بعد حرب الخليج الثانية عام 1990، وتجدد الحديث عنه من قبل وزير الدفاع الأمريكي السابق، وليام كوهين، في الفترة بين 1997 و2001. فيما كان التأجيل والتسويف هو الموقف الثابت من قبل قادة الدفاع الخليجيين. لكن وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحرب الأمريكية في العراق وأفغانستان، وفي الوقت الذي خفضت فيه واشنطن من وجودها في البلدين، زادت وجودها في الخليج لطمأنة حلفائها وردع إيران.
ومنذ عام 2006 عملت واشنطن على تأسيس دفاعاتها الصاروخية في المنطقة بشكل فردي، وحتى إبان المفاوضات السرية التي أجرتها الولايات المتحدة مع إيران في عام 2009 في سلطنة عمان تجددت المطالبة بإنشاء هذا الدرع، بل ربما ضاعفت الحاجة إلى الدعوة لإنشائه في ضوء الرؤية الأمريكية بعيدة المدى لمرحلة ما بعد المفاوضات وطمأنة الحلفاء الخليجيين، حيث ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في يناير 2010 أن الولايات المتحدة دعت لنشر درع صاروخي جديد ضد إيران في دول المجلس، لكن سلطنة عمان رفضت الطلب لاعتبارات تخص علاقتها بالجانب الإيراني.
وبعد عامين من هذا التاريخ، وفي 31 مارس عام 2012م ، بحثت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في الرياض مع عدد من المسئولين في مجلس التعاون التوافق لإنشاء منظومة الدرع. وقالت كيلنتون وقتذاك: "نتطلع لبحث مسائل عدة مثل الاهتمامات الإستراتيجية ومنع إيران للحصول على القنبلة النووية، والحد من التدخل في الشئون الداخلية لدول الجوار".
وفي تأكيد دبلوماسي أمريكي على جدية هذا المشروع العسكري الدفاعي بوصفه التزاما وليس اختيارا إستراتيجيا، ومع وصول المفاوضات الأمريكية ـ الإيرانية إلى مرحل متقدمة، تجدد الحديث عن الدرع الصاروخية في سبتمبر 2012، وذلك خلال لقاء كلينتون وزراء خارجية دول مجلس التعاون في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال مسئول أمريكي رفيع "هدفنا مساعدة شركائنا بالخليج في احتياجاتهم الدفاعية، هناك تهديد صاروخي يواجهونه ونريد مساعدتهم في مواجهة هذا التهديد بأفضل ما يمكنهم".
وخلال حوار المنامة في البحرين في ديسمبر 2013، دعا وزير الدفاع الأمريكي السابق “تشاك هيجل” لإنشاء درع دفاع صاروخي موحد، لكن التطور المفصلي في هذا السياق، كان القرار الذي اتخذت واشنطن نهاية العام الماضي بالسماح ببيع الأسلحة الأمريكية لمجلس التعاون الخليجي كمنظمة على غرار ما يحدث مع حلف شمال الأطلسي، وأن ذلك يأتي وسط تحركات من جانب شركائها في مجلس التعاون الخليجى لتعزيز قدراتهم الدفاعية الصاروخية، وفي المقابل اتفقت الدول الست الأعضاء فى المجلس خلال شهر ديسمبر الماضى على تشكيل قيادة عسكرية مشتركة. وهو ما أسهم في تمهيد الطريق أمام إحراز تقدم في تكامل الدفاع الصاروخي وأنظمة الأمن البحري.
ثانيًا- شراكة مفروشة بالقدرات الصاروخية
انطلق طرح مشروع الدرع الصاروخي الخليجي من أرضية تعاون عسكري خصب بين الولايات المتحدة ودول التعاون في مجال امداد الحلفاء الخليجيين بالقدرات الصاروخية وتعظيم الأرباح الأمريكية من الصفقات المبرمة، حيث يوجد للجيش الأمريكي 10 بطاريات صواريخ من طراز باتريوت (التي تصنعها شركة ريثيون) للحماية من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى في منطقة الخليج، كما أن له نظام رادار قويا من طراز (إيه.إن-تي.بي).و(اي-2) لرصد إطلاق الصواريخ، وتعمل دول الخليج على تطوير أنظمة باتريوت لتتضمن صواريخ باك-3 التي تصنعها ريثيون ولوكهيد مارتن، كما تشرع في شراء أنظمة تغطي مساحة أكبر وتتضمن صواريخ ذات مدى أطول مثل نظام ترمينال هاي التيتيود إريا ديفنس الذي تصنعه لوكهيد.
وخلال العامين الماضيين، انهمرت تعاقدات الصفقات الخليجية على شركات السلاح الأمريكية، حيث أعلنت قطر في وقت سابق من العام الجاري عن شراء أنظمة القدرات المتقدمة لصواريخ (باك-3) في معرض الدوحة الدولي للدفاع البحري (DIMDEX). وتستخدم أنظمة(باك-3) لحماية قاعدة "العُديد" الجوية في قطر. أما الكويت فقد تعاقدت في نوفمبر 2014 على شراء المزيد من صواريخ باتريوت الاعتراضية المتقدمة لزيادة قدرتها الدفاعية الصاروخية، ومن المقرر أن تتسلم هذه الصواريخ التي تبلع قيمة تعاقدها 4ر263 مليون دولار في موعد لا يتجاوز نهاية شهر يونيو عام 2016.
كارتر عام 1980: "أية محاولة من قوة خارجية للسيطرة علي الخليج هي بمثابة اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وستتم مواجهة هكذا اعتداء بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العس
ثالثًا- منظومة صواريخ ورادارات وأقمار صناعية
تمثل الدرع الصاروخية الخليجية استراتيجية نوعية في خياراتها وذات مهمة مستقبلية، تكمن في ربط الأنظمة الصاروخية الموجودة بدول مجلس التعاون لتكون بمثابة أساس إنشاء المنظومة، كما أنها تترجم قناعة أمريكية بأهمية الانتقال من مستوى التعاون الأمني الثنائي مع كل دولة خليجية على حدة الى مستوى متعدد الأطراف، باعتبار أن تطور الأنظمة الدفاعية بالدول الخليجية الست والمتمثلة بالصواريخ المضادة للصواريخ بعيدة المدى سيسهّل جمعها بدرع مشترك يكفل الحماية في حالة تعرضها لهجوم إيراني محتمل. ووفق مسئولين أمرئكيين ووثائق عامة، فإن المنظومة الجديدة تهدف لحماية المدن ومصافي النفط وخطوط الأنابيب والقواعد العسكرية الأميركية إزاء الخطر الإيراني، وإصدار إنذار مبكر في حال أطلقت الصواريخ الإيرانية تجاه إحدى الدول الخليجية .
وتقوم الفكرة على تأسيس نظام متكامل للدفاع الجوي عبر الأقمار الصناعية الأمريكية للإنذار المبكر وشبكة مترابطة من أجهزة الرادار لرصد انطلاق أي صاروخ معاد، ومن ثم إطلاق صاروخ من الجو أو البحر لتدميره على ارتفاع بعيد عن الأرض. وتسمح هذه المبادرة لدول مجلس التعاون بشراء العتاد ككتلة واحدة وليس كدول منفردة، والبدء في ربط شبكات الرادار وأجهزة الاستشعار وشبكات الإنذار المبكر بمساعدة أمريكية، وستحتاج أيضا بناء مستودع في المنطقة تخزن فيه قطع الغيار لأن إصلاح الصواريخ المتضررة يستغرق حاليا ما بين عام وعامين لأنها ترسل كلها إلى الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق يقول البريجادير جنرال كينيث تودوروف الذي استقال من منصبه كنائب مدير وكالة الدفاع الصاروخية الأمريكية الهدف "الممكن تطبيقه" هو تحقيق تكامل بين أنظمة الإنذار المبكر الصاروخية التي تستخدمها بالفعل بعض الدول. فالربط بين كل هذه المجسات سيزيد من إمكاناتنا بقوة." لكن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، قال خلال مؤتمر صحفي في واشنطن إن دول الخليج ستحتاج إلى شبكات أرضية جديدة وشبكات كمبيوتر لإدارة هذه الأنظمة. وأضاف أن دول الخليج ترغب أيضا في الحصول على صواريخ ذات مدى أطول مثل الصاروخ إس.إم-3 من إنتاج ريثيون والذي لم يعرض بعد تصديره للمنطقة.
رابعًا- مخاوف إيرانية متزايدة
في الخطاب السياسي المعلن، يتهم الإيرانيون أمريكا باستمرار نهجها التخويفي لدول الخليج، من خلال تصويرهم طهران على أنها خطر على منطقة الشرق الأوسط كمبرر لابتزاز دول المنطقة، ويقول ف. إزادي، وهو خبير في مركز دراسات السياسة العالمية لدى جامعة طهران: إن الولايات المتحدة، ورغم التوصل إلى الاتفاق النووي مع طهران، لم تتخل عن استخدام ورقة "الخطر الإيراني" المزعوم لتحقيق أهدافها التقليدية في المنطقة. وتتمثل هذه الأهداف، في نظر الخبير الإيراني، في حث دول الخليج العربية على إنفاق مزيد من مليارات الدولارات النفطية على شراء كميات إضافية هائلة من الأسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية للدفاع ضد مخاطر جسيمة، ترى واشنطن أنها ناجمة عن سياسة طهران حيال هذه الأنظمة".
لكن، جوهر الرؤية الإيرانية لا يخفي تخوفا من أن مشروع الدرع الخليجي تهديد مباشر لأمنها، لأنه يفاقم ما تصفه طهران بـ(عسكرة منطقة الخليج)، عبر إرسال الولايات المتحدة أعداد كبيرة من قواتها وخبرائها العسكريين بذريعة صيانة هذه المنظومة الصاروخية وتدريب الكوادر الخليجية، كما ترى طهران أن هذا الدرع قد صمم لمنع الدولة التي تتعرض إلى عدوان من الرد على هذا العدوان، ومن ثم يستطيع البلد الذي يملك هذا الدرع أن يشن عدوانًا عسكريًا على دولة أخرى دون وجود هاجس الرد الصاروخي من قبل الدولة المعتدَى عليها.
ورغم أجواء الثقة المحدودة التي خلفها الاتفاق النووي، فإن الجانب الإيراني لا يخفي قلقه من أن هذا المشروع ربما يكون استكمالا للتحكم الأمريكي عن بعد في مصادر الطاقة في العالم وتحديدًا النفط، حيث تعتبر التجارة بالنفط هي الأكبر في الأسواق الدولية، ولذلك ـ وحسب رؤية إيران ـ فإن أمريكا تعتقد أن سيطرتها على النفط هي مقدمة لسيطرتها على الاقتصاد العالمي والهيمنة على القارة الأوربية واليابان، وإن حاجة أوربا واليابان والهند إلى نفط الخليج تزداد يوما بعد يوم ولذلك تحاول أمريكا التحكم بنفط الخليج لفرض هيمنتها على منافسيها.
أما التقديرات الإيرانية لمستقبل هذا الدرع، فقد جاءت على لسان رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى علاء الدين بروجردي الذي أشار إلى أن اقتراح نشر الدرع الصاروخية في الخليج إنما هو على صعيد الكلام، ولا بد من أن يمر بمراحل عدة من أجل تطبيقه على أرض الواقع.
تمثل الدرع الصاروخية الخليجية استراتيجية نوعية في خياراتها وذات مهمة مستقبلية، تكمن في ربط الأنظمة الصاروخية الموجودة بدول مجلس التعاون لتكون بمثابة أساس إنشاء المنظومة، كما أنها تترجم قناعة أمريكية بأهمية الانتقال من مستوى التعاون الأمني الثنائي مع كل دولة خليجية على حدة الى مستوى متعدد الأطراف، باعتبار أن تطور الأنظمة الدفاعية بالدول الخليجية الست والمتمثلة بالصواريخ المضادة للصواريخ بعيدة المدى سيسهّل جمعها بدرع مشترك يكفل الحماية في حالة تعرضها لهجوم إيراني محتمل. ووفق مسئولين أمرئكيين ووثائق عامة، فإن المنظومة الجديدة تهدف لحماية المدن ومصافي النفط وخطوط الأنابيب والقواعد العسكرية الأميركية إزاء الخطر الإيراني، وإصدار إنذار مبكر في حال أطلقت الصواريخ الإيرانية تجاه إحدى الدول الخليجية .
وتقوم الفكرة على تأسيس نظام متكامل للدفاع الجوي عبر الأقمار الصناعية الأمريكية للإنذار المبكر وشبكة مترابطة من أجهزة الرادار لرصد انطلاق أي صاروخ معاد، ومن ثم إطلاق صاروخ من الجو أو البحر لتدميره على ارتفاع بعيد عن الأرض. وتسمح هذه المبادرة لدول مجلس التعاون بشراء العتاد ككتلة واحدة وليس كدول منفردة، والبدء في ربط شبكات الرادار وأجهزة الاستشعار وشبكات الإنذار المبكر بمساعدة أمريكية، وستحتاج أيضا بناء مستودع في المنطقة تخزن فيه قطع الغيار لأن إصلاح الصواريخ المتضررة يستغرق حاليا ما بين عام وعامين لأنها ترسل كلها إلى الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق يقول البريجادير جنرال كينيث تودوروف الذي استقال من منصبه كنائب مدير وكالة الدفاع الصاروخية الأمريكية الهدف "الممكن تطبيقه" هو تحقيق تكامل بين أنظمة الإنذار المبكر الصاروخية التي تستخدمها بالفعل بعض الدول. فالربط بين كل هذه المجسات سيزيد من إمكاناتنا بقوة." لكن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، قال خلال مؤتمر صحفي في واشنطن إن دول الخليج ستحتاج إلى شبكات أرضية جديدة وشبكات كمبيوتر لإدارة هذه الأنظمة. وأضاف أن دول الخليج ترغب أيضا في الحصول على صواريخ ذات مدى أطول مثل الصاروخ إس.إم-3 من إنتاج ريثيون والذي لم يعرض بعد تصديره للمنطقة.
رابعًا- مخاوف إيرانية متزايدة
في الخطاب السياسي المعلن، يتهم الإيرانيون أمريكا باستمرار نهجها التخويفي لدول الخليج، من خلال تصويرهم طهران على أنها خطر على منطقة الشرق الأوسط كمبرر لابتزاز دول المنطقة، ويقول ف. إزادي، وهو خبير في مركز دراسات السياسة العالمية لدى جامعة طهران: إن الولايات المتحدة، ورغم التوصل إلى الاتفاق النووي مع طهران، لم تتخل عن استخدام ورقة "الخطر الإيراني" المزعوم لتحقيق أهدافها التقليدية في المنطقة. وتتمثل هذه الأهداف، في نظر الخبير الإيراني، في حث دول الخليج العربية على إنفاق مزيد من مليارات الدولارات النفطية على شراء كميات إضافية هائلة من الأسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية للدفاع ضد مخاطر جسيمة، ترى واشنطن أنها ناجمة عن سياسة طهران حيال هذه الأنظمة".
لكن، جوهر الرؤية الإيرانية لا يخفي تخوفا من أن مشروع الدرع الخليجي تهديد مباشر لأمنها، لأنه يفاقم ما تصفه طهران بـ(عسكرة منطقة الخليج)، عبر إرسال الولايات المتحدة أعداد كبيرة من قواتها وخبرائها العسكريين بذريعة صيانة هذه المنظومة الصاروخية وتدريب الكوادر الخليجية، كما ترى طهران أن هذا الدرع قد صمم لمنع الدولة التي تتعرض إلى عدوان من الرد على هذا العدوان، ومن ثم يستطيع البلد الذي يملك هذا الدرع أن يشن عدوانًا عسكريًا على دولة أخرى دون وجود هاجس الرد الصاروخي من قبل الدولة المعتدَى عليها.
ورغم أجواء الثقة المحدودة التي خلفها الاتفاق النووي، فإن الجانب الإيراني لا يخفي قلقه من أن هذا المشروع ربما يكون استكمالا للتحكم الأمريكي عن بعد في مصادر الطاقة في العالم وتحديدًا النفط، حيث تعتبر التجارة بالنفط هي الأكبر في الأسواق الدولية، ولذلك ـ وحسب رؤية إيران ـ فإن أمريكا تعتقد أن سيطرتها على النفط هي مقدمة لسيطرتها على الاقتصاد العالمي والهيمنة على القارة الأوربية واليابان، وإن حاجة أوربا واليابان والهند إلى نفط الخليج تزداد يوما بعد يوم ولذلك تحاول أمريكا التحكم بنفط الخليج لفرض هيمنتها على منافسيها.
أما التقديرات الإيرانية لمستقبل هذا الدرع، فقد جاءت على لسان رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى علاء الدين بروجردي الذي أشار إلى أن اقتراح نشر الدرع الصاروخية في الخليج إنما هو على صعيد الكلام، ولا بد من أن يمر بمراحل عدة من أجل تطبيقه على أرض الواقع.
إن مشروع الدرع الصاروخي الخليجي الضخم ليس وليد اليوم، بل سبق وأن تم طرحه في أكثر من مناسبة خاصة بعد حرب الخليج الثانية عام 1990
خامسًا- حذر أمريكي وشكوك في الشركاء العرب
تستبعد الولايات المتحدة انخراطا إيرانيًا في عدوان تقليدي، ما يعطي جيرانها (والولايات المتحدة) سببًا للرد بالوسائل التقليدية. خاصة أن حروب التخريب الدولي (الحروب بالوكالة) هي إستراتيجية إيرانية اثبتت كفاءتها في لبنان والعراق واليمن وسوريا، لكن الولايات المتحدة ورغم توقيع الاتفاق النووي لم تتخل عن نهجها الحذر في إستراتيجية احتواء إيران، ففي مؤتمر استضافه تحالف الدفاع الصاروخي ( منظمة غير ربحية تروج لبرامج الدفاع الصاروخية)، قال البريجادير جنرال كينيث تودوروف نائب مدير وكالة الدفاع الصاروخية الأمريكية السابق "أكبر خطأ يمكن أن يحدث هو أن نقول في حالة تحقق الاتفاق (النووي الإيراني) يمكن الآن أن نتخلى عن حيطتنا".
لقد دخل الأمريكيون اليوم في مرحلة جديدة يمكن أن نسميها سد ثغرات الاتفاق النووي أبرز ملامحها، فاستمرار إيران في تقوية قدراتها الباليتسية يمثل هاجسًا ملحًا يساور واشنطن، خاصة في ضوء تناقضات إيران الداخلية، فهناك رأي عام برلماني وشعبي خاصة في حوزات "قم" يطالب برفض الاتفاق النووي ويطالب باستئناف المناورات الصاروخية واختبار صواريخ جديدة ردًا على التهديدات الأمريكية. وقد ترجمت تلك المقاربة الحذرة نفسها أمام اللجنة الفرعية للقوات الإستراتيجية التابعة للجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، حيث قال روبرت شير مساعد وزير الدفاع للإستراتيجية والخطط والقدرات للمشرعين إن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ستواصل الضغط من أجل برامج دفاع صاروخية جماعية، لأن الاتفاق النووي لا يشمل أنشطة الصواريخ الباليستية الإيرانية التي تمثل خطرا على الولايات المتحدة وعلى حلفائنا وشركائنا في أوربا وإسرائيل والخليج".
نقطة مهمة أخرى تنبغي الإشارة اليها، ففي مقاربته المتميزة حول محددات الأمن القومي الأمريكي، يشير البروفيسور ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية إلى أن تعزيز الأمن القومي الأمريكي يقتضي تقديم الدعم العسكري والأنظمة الدفاعية للدول التي تواجه تحديات نووية من دول الجوار، بدلا من أن تلجأ إلى امتلاك قوة نووية، وفي ضوء ذلك تدرك الولايات المتحدة التداعيات الخطيرة التي يمكن أن تنجرّ عن الاتفاق النووي وفرضية اندلاع سباق نووي في المنطقة، خاصة أن السعودية عبرت عن ذلك وضوح على لسان رئيس مخابراتها السابق، تركي الفيصل الذي حذّر من أن التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي قد يدفع دولا أخرى في المنطقة لبدء تطوير وقود ذرّي.
وتعززت المخاوف الأمريكية من السلوك الخليجي المحتمل، مع إعلان وزراء خارجية مجلس التعاون، خلال لقاء جمعهم بوزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، في 5 مارس الماضي في الرياض، أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي حيال المفاوضات الجارية بين القوى الغربية وإيران حول ملف هذه الأخيرة النووي، قائلين لكيري “إذا سمحتم للإيرانيين بالقيام بأي أنشطة نووية، يجب أن تسمحوا لنا بالقيام بمثلها. وإذا سمحتم لهم بامتلاك الأسلحة النووية، سنتوجه كذلك نحو امتلاكها”.
سادسًا- خلافات خليجية وتنازلات مطلوبة
حتى وإن عرضت امريكا الالاف من المشاريع الإستراتيجية الطموح، فلا يزال انعدام الثقة هو المدخل السيكولوجي لفهم وقراءة الموقف الخليحي من الولايات المتحدة، خاصة في أعقاب غزو العراق عام 2003 والتصور السائد بأن الولايات المتحدة سلّمت العراق (الذي كان تاريخيًا محكومًا من قبل السنة العرب)، من خلال عدم الكفاءة أو عن قصد، إلى "الشيعة" وإلى إيران. وقد تعزز هذا التصور من خلال الاعتقاد الخليجي الشائع بأن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ومنذ تسلمت مهامها، تخلت عن الحلفاء التقليديين مثل حسني مبارك في عام 2011 وتأرجح موقفها في البحرين خلال المراحل الأولية مما كان يسمى بـ "الربيع العربي"، وتوددت بلهفة شديدة لأعداء تقليديين مثل إيران على حساب حلفائها التقليديين، وتكلل المشهد بإبرام واشنطن للصفقة النووية مع إيران في يوليو الماضي!
وعلى الصعيد العسكري، فإن قرار تشكيل قيادة عسكرية خليجية موحدة نهاية العام الماضي لم يمهد الطريق لتخطي الخلافات الخليجية بشأن الدرع وتحقيق أي تقدم ملموس، فقد أخفق اجتماع عدد من المسئولين العسكريين الخليجيين المختصين في مجال الدفاع بالصواريخ الباليستية، في الكويت ( 3 إلى 6 أغسطس الماضي) في التنسيق بشأن سبل تطوير ذلك المشروع الإستراتيجي، ونقل موقع "ديفينس نيوز" الأمريكي المتخصص في الشؤون الدفاعية والسياسية عن مصدر خليجي قوله: «كان جزء كبير من النقاشات (خلال ذلك الاجتماع) متعلقًا بإنشاء مركز للقيادة والسيطرة في أبوظبي. وقد كان ذلك المركز مرشحًا لأن يتولى تشغيله وإدارته سعوديون، لكن ذلك لم يحظ بموافقة الدول الأعضاء، بل ورفضت تسليم السيطرة على دفاعاتها الجوية (إلى السعودية)».
ونوه الموقع إلى أن قادة دفاع جوي خليجيين قالوا خلال منتدى دفاعي صاروخي شرق أوسطي عقد العام الماضي، إن لائمة الإخفاق حتى الآن في تنفيذ الدرع الدفاعية الصاروخية الخليجية، تقع أساسًا على اعتبارات سياسية دولية تسببت في عرقلة التكامل بين القادة العسكريين الخليجيين". وأعاد الموقع التذكير بتصريحات قائد سلاح الجو الإماراتي آنذاك العميد ماجد النعيمي، الذي قال أمام المشاركين في ذلك المنتدى، إن قيود التفاعل التبادلي في ما بين دول مجلس التعاون ودول حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة تتسبب في الحؤول دون تشارك البيانات، علاوة على الحد من إمكانيات التدريب المشترك.
وتدرك الولايات المتحدة طبيعة الخلافات الخليجية ـ الخليجية، أو الخليجية ـ الأطلسية وأهمية تبادل قادتها العسكريين وحلفايهم في الخليج المعلومات عن المخاطر المحتملة لإنجاح منظومة الدرع، والحاجة إلى المزيد من التدريبات الجماعية بين الدول. ويقول مايكل ترونولون المدير السابق للقيادة المركزية المتكاملة لمركز التميز للدفاع الجوي والصاروخي "إن العقبة الكبرى ليست التكنولوجيا بل الحواجز السياسية التي حالت دون بذل مزيد من الجهود الجماعية". ويضيف أن أولوية التركيز ليست على شراء أنظمة سلاح جديدة بل اتخاذ خطوات لإزالة الحواجز وتحقيق تعاون أفضل بين دول مجلس التعاون الخليجي. في حين يقول خبير دفاعي أمريكي ذائع الصيت هو مايكل إيليمان: «الواقع أن التقدم (على صعيد إنشاء الدرع الصاروخية الخليجية) سيكون بطيئًا جدًا إلى أن يقرر قادة دول مجلس التعاون الخليجي أنهم على استعداد لتقديم التنازلات المطلوبة لتأسيس قدرة عسكرية خليجية مشتركة».
تستبعد الولايات المتحدة انخراطا إيرانيًا في عدوان تقليدي، ما يعطي جيرانها (والولايات المتحدة) سببًا للرد بالوسائل التقليدية. خاصة أن حروب التخريب الدولي (الحروب بالوكالة) هي إستراتيجية إيرانية اثبتت كفاءتها في لبنان والعراق واليمن وسوريا، لكن الولايات المتحدة ورغم توقيع الاتفاق النووي لم تتخل عن نهجها الحذر في إستراتيجية احتواء إيران، ففي مؤتمر استضافه تحالف الدفاع الصاروخي ( منظمة غير ربحية تروج لبرامج الدفاع الصاروخية)، قال البريجادير جنرال كينيث تودوروف نائب مدير وكالة الدفاع الصاروخية الأمريكية السابق "أكبر خطأ يمكن أن يحدث هو أن نقول في حالة تحقق الاتفاق (النووي الإيراني) يمكن الآن أن نتخلى عن حيطتنا".
لقد دخل الأمريكيون اليوم في مرحلة جديدة يمكن أن نسميها سد ثغرات الاتفاق النووي أبرز ملامحها، فاستمرار إيران في تقوية قدراتها الباليتسية يمثل هاجسًا ملحًا يساور واشنطن، خاصة في ضوء تناقضات إيران الداخلية، فهناك رأي عام برلماني وشعبي خاصة في حوزات "قم" يطالب برفض الاتفاق النووي ويطالب باستئناف المناورات الصاروخية واختبار صواريخ جديدة ردًا على التهديدات الأمريكية. وقد ترجمت تلك المقاربة الحذرة نفسها أمام اللجنة الفرعية للقوات الإستراتيجية التابعة للجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، حيث قال روبرت شير مساعد وزير الدفاع للإستراتيجية والخطط والقدرات للمشرعين إن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ستواصل الضغط من أجل برامج دفاع صاروخية جماعية، لأن الاتفاق النووي لا يشمل أنشطة الصواريخ الباليستية الإيرانية التي تمثل خطرا على الولايات المتحدة وعلى حلفائنا وشركائنا في أوربا وإسرائيل والخليج".
نقطة مهمة أخرى تنبغي الإشارة اليها، ففي مقاربته المتميزة حول محددات الأمن القومي الأمريكي، يشير البروفيسور ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية إلى أن تعزيز الأمن القومي الأمريكي يقتضي تقديم الدعم العسكري والأنظمة الدفاعية للدول التي تواجه تحديات نووية من دول الجوار، بدلا من أن تلجأ إلى امتلاك قوة نووية، وفي ضوء ذلك تدرك الولايات المتحدة التداعيات الخطيرة التي يمكن أن تنجرّ عن الاتفاق النووي وفرضية اندلاع سباق نووي في المنطقة، خاصة أن السعودية عبرت عن ذلك وضوح على لسان رئيس مخابراتها السابق، تركي الفيصل الذي حذّر من أن التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي قد يدفع دولا أخرى في المنطقة لبدء تطوير وقود ذرّي.
وتعززت المخاوف الأمريكية من السلوك الخليجي المحتمل، مع إعلان وزراء خارجية مجلس التعاون، خلال لقاء جمعهم بوزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، في 5 مارس الماضي في الرياض، أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي حيال المفاوضات الجارية بين القوى الغربية وإيران حول ملف هذه الأخيرة النووي، قائلين لكيري “إذا سمحتم للإيرانيين بالقيام بأي أنشطة نووية، يجب أن تسمحوا لنا بالقيام بمثلها. وإذا سمحتم لهم بامتلاك الأسلحة النووية، سنتوجه كذلك نحو امتلاكها”.
سادسًا- خلافات خليجية وتنازلات مطلوبة
حتى وإن عرضت امريكا الالاف من المشاريع الإستراتيجية الطموح، فلا يزال انعدام الثقة هو المدخل السيكولوجي لفهم وقراءة الموقف الخليحي من الولايات المتحدة، خاصة في أعقاب غزو العراق عام 2003 والتصور السائد بأن الولايات المتحدة سلّمت العراق (الذي كان تاريخيًا محكومًا من قبل السنة العرب)، من خلال عدم الكفاءة أو عن قصد، إلى "الشيعة" وإلى إيران. وقد تعزز هذا التصور من خلال الاعتقاد الخليجي الشائع بأن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ومنذ تسلمت مهامها، تخلت عن الحلفاء التقليديين مثل حسني مبارك في عام 2011 وتأرجح موقفها في البحرين خلال المراحل الأولية مما كان يسمى بـ "الربيع العربي"، وتوددت بلهفة شديدة لأعداء تقليديين مثل إيران على حساب حلفائها التقليديين، وتكلل المشهد بإبرام واشنطن للصفقة النووية مع إيران في يوليو الماضي!
وعلى الصعيد العسكري، فإن قرار تشكيل قيادة عسكرية خليجية موحدة نهاية العام الماضي لم يمهد الطريق لتخطي الخلافات الخليجية بشأن الدرع وتحقيق أي تقدم ملموس، فقد أخفق اجتماع عدد من المسئولين العسكريين الخليجيين المختصين في مجال الدفاع بالصواريخ الباليستية، في الكويت ( 3 إلى 6 أغسطس الماضي) في التنسيق بشأن سبل تطوير ذلك المشروع الإستراتيجي، ونقل موقع "ديفينس نيوز" الأمريكي المتخصص في الشؤون الدفاعية والسياسية عن مصدر خليجي قوله: «كان جزء كبير من النقاشات (خلال ذلك الاجتماع) متعلقًا بإنشاء مركز للقيادة والسيطرة في أبوظبي. وقد كان ذلك المركز مرشحًا لأن يتولى تشغيله وإدارته سعوديون، لكن ذلك لم يحظ بموافقة الدول الأعضاء، بل ورفضت تسليم السيطرة على دفاعاتها الجوية (إلى السعودية)».
ونوه الموقع إلى أن قادة دفاع جوي خليجيين قالوا خلال منتدى دفاعي صاروخي شرق أوسطي عقد العام الماضي، إن لائمة الإخفاق حتى الآن في تنفيذ الدرع الدفاعية الصاروخية الخليجية، تقع أساسًا على اعتبارات سياسية دولية تسببت في عرقلة التكامل بين القادة العسكريين الخليجيين". وأعاد الموقع التذكير بتصريحات قائد سلاح الجو الإماراتي آنذاك العميد ماجد النعيمي، الذي قال أمام المشاركين في ذلك المنتدى، إن قيود التفاعل التبادلي في ما بين دول مجلس التعاون ودول حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة تتسبب في الحؤول دون تشارك البيانات، علاوة على الحد من إمكانيات التدريب المشترك.
وتدرك الولايات المتحدة طبيعة الخلافات الخليجية ـ الخليجية، أو الخليجية ـ الأطلسية وأهمية تبادل قادتها العسكريين وحلفايهم في الخليج المعلومات عن المخاطر المحتملة لإنجاح منظومة الدرع، والحاجة إلى المزيد من التدريبات الجماعية بين الدول. ويقول مايكل ترونولون المدير السابق للقيادة المركزية المتكاملة لمركز التميز للدفاع الجوي والصاروخي "إن العقبة الكبرى ليست التكنولوجيا بل الحواجز السياسية التي حالت دون بذل مزيد من الجهود الجماعية". ويضيف أن أولوية التركيز ليست على شراء أنظمة سلاح جديدة بل اتخاذ خطوات لإزالة الحواجز وتحقيق تعاون أفضل بين دول مجلس التعاون الخليجي. في حين يقول خبير دفاعي أمريكي ذائع الصيت هو مايكل إيليمان: «الواقع أن التقدم (على صعيد إنشاء الدرع الصاروخية الخليجية) سيكون بطيئًا جدًا إلى أن يقرر قادة دول مجلس التعاون الخليجي أنهم على استعداد لتقديم التنازلات المطلوبة لتأسيس قدرة عسكرية خليجية مشتركة».
هيلاري كلينتون: "نتطلع لبحث مسائل عدة مثل الاهتمامات الإستراتيجية ومنع إيران للحصول على القنبلة النووية، والحد من التدخل في الشئون الداخلية لدول الجوار"
سابعًا- قلق يجمع الأطراف.. وشكوك بينية متفاقمة
ومع هذا العرض لمواقف الفاعلين والمستهدفين بهذه المبادرة الامريكية التي يبدو أن طرحها يرتهن دائما بترتيبات ما بعد التحولات المفصلية في المنطقة (حرب الخليج الثانية، غزو العراق، وأحداث الربيع العربي)، يبدو واضحا أن القلق والحذر هو القاسم المشترك والسجادة الكبيرة التي تسير عليها جميع الأطراف، فالولايات المتحدة ـ ورغم توقيعها الاتفاق النووي مع طهران ـ لا تزال تنظر بعين القلق لمساعي إيران لزيادة قدراتها العسكرية في مجال الصواريخ الباليستية، كما تتخوف من إقدام الخليجيين على الشروع الجدي في امتلاك برنامج نووي يخل بميزان الرعب النووي الذي يصب في صالح إسرائيل، أما إيران فتتخوف من تزايد القدرات العسكرية الأمريكية في المنطقة مما يهدد مصادر الطاقة المتدفقة، علاوة على احتمالية تعرضها لهجوم من الخليجيين مع صعود العامل العسكري في معادلة القوة الخليجية خلال عملية عاصفة الحزم الأخيرة، في الوقت نفسه فإن انعدام الثقة بين دول مجلس التعاون وبين كل من إيران والولايات المتحدة يبقى هو العامل الأهم في التقييم، هذا إذا ما وضع بجانب خلافات الخليجيين بعضهم بعضا.
في هذه الغضون، تبدو الصعوبات الاستراتيجية والفنية عائقا كبيرًا نحو وضع المبادرة الأمريكية موضع التنفيذ على المدى القريب، في سياق "الحيرة الاستراتيجية“ والاتجاه إلى السعي للردع الصاروخي مقابل التخريب الدولي (الحروب بالوكالة) التي تمارسها إيران، وعلاوة على الخلافات الخليجية ـ الخليجية التي ظهرت خلال اجتماع القادة العسكريين الخليجيين بالكويت، فإن التكاليف الباهظة للمشروع تطرح إشكالية أمام الخليجيين الذين يواجهون تداعيات أزمة انخفاض أسعار النفط العالمية فيما يجري تسمين الانفاق العسكري، هذا إذا علمنا أن سعر بطارية الصواريخ الواحدة يبلغ نصف مليار دولار، فضلاً عن المشكلات الفنية لعمل هذا النظام التي ثبتت بالتجربة تشكل تحديا للقوة الردعية المحتملة لهذا الدرع.
ففي مطلع فبراير 2010، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" فشل أول محاولة أمريكية لإسقاط صاروخ طويل المدى في محاكاة لهجوم قادم من إيران، بعد عطل في رادار صنعته شركة ريثيون. والرادار" إس.بي.إكس" من المكونات الأساسية في نظام الدفاع الصاروخي الأرضي لاعتراض الصواريخ في منتصف مسارها وهو حائط الصد الوحيد للولايات المتحدة لاعتراض الصواريخ طويلة المدى التي يمكنها تزويدها برؤوس حربية كيماوية أو بيولوجية أو نووية.
الخلاصة
ما بين الإستراتيجيات التاريخية ومنطلقاتها، والتحولات الكبرى وضروراتها، والقلق السياسي ومخاوفه، والمشاكل الفنية وتعقيداتها، تبقى مبادرة الدرع الصاروخي، والتي تدخل بين كل فترة وأخرى في دورة حياة سياسية تتراوح بين الولادة والنضوج ثم الموت، هي الملمح الاستراتيجي الابرز والأكثر تبلورا للترتيبات الأمنية في مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي بين الغرب وإيران، ولعل الخلفية والسوابق التاريخية لتلك المبادرة وادوار ومواقف الفاعلين فيها، وإشكاليات وعوائق اتمامها تفترض سيناريوهين رئيسيين:
الأول: خروج مشروع الدرع الصاروخي للنور بعد عامين من الآن، عقب ضغوط أمريكية على الحلفاء الخليجيين لجسر تباينات المواقف بينهم، ودفعهم لمزيد من التعاون والتنسيق مع القادة العسكريين الأمريكيين والناتو، في مقابل توجه إيراني نحو مضاعفة الجهد لتطوير القدرات الباليستية، وبالتالي صياغة معادلة امنية جديدة في المنطقة.
الثاني: فتور الحماس الأمريكي حيال تلك المبادرة، وانقطاع آخر شعرة ثقة بين واشنطن وحلفائها الخليجيين، من ثم اتجاه المنطقة إلى سباق تسلح نووي جديد، قد تقوده المملكة العربية السعودية في ضوء قدراتها المالية العالية وعلاقاتها بباكستان التي تمتلك مقدرات نووية، أو التوجه نحو روسيا للحصول على هذه التكنولوجيا.
ومع هذا العرض لمواقف الفاعلين والمستهدفين بهذه المبادرة الامريكية التي يبدو أن طرحها يرتهن دائما بترتيبات ما بعد التحولات المفصلية في المنطقة (حرب الخليج الثانية، غزو العراق، وأحداث الربيع العربي)، يبدو واضحا أن القلق والحذر هو القاسم المشترك والسجادة الكبيرة التي تسير عليها جميع الأطراف، فالولايات المتحدة ـ ورغم توقيعها الاتفاق النووي مع طهران ـ لا تزال تنظر بعين القلق لمساعي إيران لزيادة قدراتها العسكرية في مجال الصواريخ الباليستية، كما تتخوف من إقدام الخليجيين على الشروع الجدي في امتلاك برنامج نووي يخل بميزان الرعب النووي الذي يصب في صالح إسرائيل، أما إيران فتتخوف من تزايد القدرات العسكرية الأمريكية في المنطقة مما يهدد مصادر الطاقة المتدفقة، علاوة على احتمالية تعرضها لهجوم من الخليجيين مع صعود العامل العسكري في معادلة القوة الخليجية خلال عملية عاصفة الحزم الأخيرة، في الوقت نفسه فإن انعدام الثقة بين دول مجلس التعاون وبين كل من إيران والولايات المتحدة يبقى هو العامل الأهم في التقييم، هذا إذا ما وضع بجانب خلافات الخليجيين بعضهم بعضا.
في هذه الغضون، تبدو الصعوبات الاستراتيجية والفنية عائقا كبيرًا نحو وضع المبادرة الأمريكية موضع التنفيذ على المدى القريب، في سياق "الحيرة الاستراتيجية“ والاتجاه إلى السعي للردع الصاروخي مقابل التخريب الدولي (الحروب بالوكالة) التي تمارسها إيران، وعلاوة على الخلافات الخليجية ـ الخليجية التي ظهرت خلال اجتماع القادة العسكريين الخليجيين بالكويت، فإن التكاليف الباهظة للمشروع تطرح إشكالية أمام الخليجيين الذين يواجهون تداعيات أزمة انخفاض أسعار النفط العالمية فيما يجري تسمين الانفاق العسكري، هذا إذا علمنا أن سعر بطارية الصواريخ الواحدة يبلغ نصف مليار دولار، فضلاً عن المشكلات الفنية لعمل هذا النظام التي ثبتت بالتجربة تشكل تحديا للقوة الردعية المحتملة لهذا الدرع.
ففي مطلع فبراير 2010، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" فشل أول محاولة أمريكية لإسقاط صاروخ طويل المدى في محاكاة لهجوم قادم من إيران، بعد عطل في رادار صنعته شركة ريثيون. والرادار" إس.بي.إكس" من المكونات الأساسية في نظام الدفاع الصاروخي الأرضي لاعتراض الصواريخ في منتصف مسارها وهو حائط الصد الوحيد للولايات المتحدة لاعتراض الصواريخ طويلة المدى التي يمكنها تزويدها برؤوس حربية كيماوية أو بيولوجية أو نووية.
الخلاصة
ما بين الإستراتيجيات التاريخية ومنطلقاتها، والتحولات الكبرى وضروراتها، والقلق السياسي ومخاوفه، والمشاكل الفنية وتعقيداتها، تبقى مبادرة الدرع الصاروخي، والتي تدخل بين كل فترة وأخرى في دورة حياة سياسية تتراوح بين الولادة والنضوج ثم الموت، هي الملمح الاستراتيجي الابرز والأكثر تبلورا للترتيبات الأمنية في مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي بين الغرب وإيران، ولعل الخلفية والسوابق التاريخية لتلك المبادرة وادوار ومواقف الفاعلين فيها، وإشكاليات وعوائق اتمامها تفترض سيناريوهين رئيسيين:
الأول: خروج مشروع الدرع الصاروخي للنور بعد عامين من الآن، عقب ضغوط أمريكية على الحلفاء الخليجيين لجسر تباينات المواقف بينهم، ودفعهم لمزيد من التعاون والتنسيق مع القادة العسكريين الأمريكيين والناتو، في مقابل توجه إيراني نحو مضاعفة الجهد لتطوير القدرات الباليستية، وبالتالي صياغة معادلة امنية جديدة في المنطقة.
الثاني: فتور الحماس الأمريكي حيال تلك المبادرة، وانقطاع آخر شعرة ثقة بين واشنطن وحلفائها الخليجيين، من ثم اتجاه المنطقة إلى سباق تسلح نووي جديد، قد تقوده المملكة العربية السعودية في ضوء قدراتها المالية العالية وعلاقاتها بباكستان التي تمتلك مقدرات نووية، أو التوجه نحو روسيا للحصول على هذه التكنولوجيا.