أرض الجهاد: تونس في مرمى العمليات الإرهابية
الأربعاء 16/سبتمبر/2015 - 10:59 ص
د.أحمد موسى بدوي (*) صفوان الطرابلسي(**)
انطلقت ثورات الربيع العربي من تونس ضد الأنظمة الفاسدة، وتحولت المنطقة إلى سوق كبير، تتصارع فيه قوى سياسية مدنية ودينية، كل منها يطمع في تركة الحكم. وبقيت تونس أقل البلدان تضررًا من موجة الإرهاب التي ضربت المنطقة في أعقاب الربيع العربي. وفي تصعيد مفاجئ، تعيش تونس خلال عامي 2014-2015، أعنف موجة إرهابية في تاريخها المعاصر، وتمسي "أرض جهاد" بعدما كانت معبرًا للعناصر الإرهابية. وفي هذا المقال يحاول الكاتبان فهم هذا التحول وأسبابه، ورد فعل الدولة والمجتمع تجاهه.
لم يدخل بورقيبة في خصومة مباشرة مع الإسلام، كما فعل كمال أتاتورك في تركيا، ولكنه أخضع الدين للدولة فأصبحت المتحكمة فيه مؤسسيًا وثقافيا
أولا: إعادة بعث المجال الديني في تونس
على الرغم من أن عهد بورقيبة (1956-1987) اتسم بالشمولية التي تقيد الحرية السياسية، فإنه استطاع أن ينقل تونس نقلة حداثية مقدرة في كل المجالات. لم يدخل بورقيبة في خصومة مباشرة مع الإسلام، كما فعل كمال أتاتورك في تركيا، ولكنه أخضع الدين للدولة فأصبحت المتحكمة فيه مؤسسيًا وثقافيا. وجاء عهد بن علي (1987-2011)، مقدمًا الوعود بتحقيق التحول الديمقراطي، غير أن وقائع الفاعليات السياسية منذ إصدار قانون الأحزاب السياسية عام 1988، وحتى آخر انتخابات عام 2009، تشير جميعا إلى كذب تلك الوعود، واجتمع على قصعة الموارد والمشروعات، ثلة من رجال الأعمال على رأسهم منتسبين لعائلة بن علي، التهمت عوائد التنمية، فاستشرى الظلم الاجتماعي الطبقي والجهوي، وأمست الدولة التونسية مرتعًا للفساد بكل أنواعه، دون محاسبة. في مثل هذه الظروف، تنشأ الحاجة إلى بديل، غالبا ما يكون بالعودة إلى أصول المجتمع التقليدي قبل الحداثي.
يذهب فؤاد غربالي، في دراسته حول الشباب والتدين في تونس (مجلة إضافات، عدد23-24، خريف 2013)، إلى أن صعود الإسلام السياسي في تونس، يأتي ضمن محاولة لإعادة أسلمة المجتمع، أو أسلمة المشروع التحديثي لبورقيبة. كانت عودة التدين إلى مجال الممارسات الاجتماعية، مصحوبة باتهام وتشكيك في المؤسسة الدينية الرسمية التي غرقت في خضم المد العلماني الذي تتبناه النخبة الحاكمة التونسية. ما أفقد شيوخ المساجد والعلماء الرسميين، التبجيل الذي طالما حظوا به عبر الزمن، ويخرجون رويدًا رويدًا من دائرة التأثير في المجال الديني التونسي، ليحل محلهما طائفة جديدة من الفاعلين، بعضها يعد امتدادًا للفكر الإصلاحي الديني الذي ظهر في تونس قبل الاستقلال، وظهر هذا التيار في أواخر الستينيات من القرن الماضي، وبعضها ارتبط بمرجعيات سلفية أو إخوانية من خارج المجتمع التونسي وتأخر ظهور هذا التيار إلى الثمانينيات من القرن الماضي خلال فترة تولي محمد مزالي رئاسة الوزراء، والذي انتهج سياسة إبدال القوى الإسلامية محل القوى اليسارية الشيوعية ذات التأثير القوي داخل الجامعة والتشكيلات النقابية، تماما كما فعل الرئيس السادات عقب توليه الحكم في مصر. وبين الفترتين تظهر على الساحة "حركة الاتجاه الإسلامي" التي ستغير اسمها مع نهاية الثمانينيات إلى "حركة النهضة"، إضافة إلى مجموعات محدودة من السلفيين. وكلما استشرى الفساد، وتدهورت الأحوال الاقتصادية، واختفت العدالة والمساواة من المجتمع، كلما زاد الحيز الذي تؤثر فيها التيارات الدينية.
ثانيا: إدارة المرحلة الانتقالية بعد الثورة التونسية
انطلقت الثورة التونسية من الجنوب المهمش، عبر حدث استثنائي، سرعان ما تحول إلى انتفاضة تعبر عن غليان شعبي، وجمر متقد تحت الرماد. تحركت كتلة الثورة من الجنوب والوسط إلى الساحل والعاصمة، في ملحمة، بطلها الشعب التونسي، وقائدها الاتحاد العام التونسي للشغل، وسقط نظام بن علي.
والحق أن القوى السياسية – المدنية والدينية- قد نجحت في الاتفاق على آليات واضحة لإدارة المرحلة الانتقالية، تبدأ بانتخاب مجلس وطني تأسيسي، لإدارة هذه المرحلة: مهمته تشكيل حكومة انتقالية وكتابة دستور جديد، ثم الإشراف على الانتخابات التشريعية فالرئاسية. هذا هو الخط المستقيم الذي سارت عليه مرحلة التحول في تونس. صحيح أن أزمات وعقبات وعراقيل وضعت في طريق هذا التحول إلا أن المحصلة النهائية هي تنفيذ مساره.
ثالثا- تطور العمليات الإرهابية
لدينا ثلاثة تحولات في نمو ظاهرة الإرهاب في تونس، بدأت (1) باستهداف رموز المعارضة التونسية لإرهاب القوى السياسية، وراح ضحيتها الناشطان السياسيان شكري بالعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ذو التوجهات اليسارية ومحمد البراهمي أمين عام التيار الشعبي ذو التوجهات القومية. ثم انتقلت إلى (2) استهداف مستمر لقوات الأمن والجيش، بعد أن بدأت الأخيرة التضييق على الجماعات الجهادية، والحيلولة دون خروجها أو عودتها من مسرح القتال في ليبيا، أو سوريا. ثم التحول النوعي الأخير (3) باستهداف مرافق السياحة، التي تعد المورد الرئيسي للنقد الأجنبي، والعمود الفقري للاقتصاد التونسي، وأكبر مصادر التوظيف بعد قطاع الزراعة.
وقد تلاحقت العمليات خلال عامي (2014-2015)، مستخدمة وسائل نوعية جديدة عن العمليات التي نفذت خلال الفترة (2011-2013) مخلفة خسائر بشرية ومادية أكبر. إذْ سقط خلال عام 2014، 36 شهيد أمن القوات الأمنية والعسكريّة التي تمكنت من القضاء على 32 إرهابيًا. أما عام 2015 فقد شهدت العمليتان الأكثر شهرة وتأثيرًا وهما عمليتا متحف باردو، بتونس العاصمة يوم 18 مارس 2015 والتي سقط خلالها 23 سائحًا وجُرح 47 آخرون، ثم عملية نُزُل " إبري المرحبا "، بمدينة سوسة السياحية يوم 26 يونيه 2015والتي أسفرت عن مقتل 38 سائحا وجرْح 39 آخرين.
يشير التطور في العمليات التي تمت في تونس حتى الآن، إلى وجود نوع من تقدير خاص للمواقف والتدرج في الفعل الإرهابي بحسب هذا التقدير. فخلال فترة حكم الترويكا التي تقودها النهضة، اقتصرت العمليات على المسار السياسي، ثم تطورت إلى المستوى الأمني، بعد زيادة حدة الاحتجاجات على الترويكا الحاكمة. ويبدو أن التحول النوعي الأخير في العمليات الإرهابية، ارتبط بأمرين: الأول إقرار الدستور الجديد لتونس، دون إشارة صريحة إلى اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرًا أساسيًا للتشريع، ما يجعل الدستور ومن أقره خارج دائرة الإيمان من وجهة نظر التيارات الدينية المتطرفة. كما ارتبط هذا التطور ثانيا، بخروج حركة النهضة من الحكم، بعد خسارتها في الانتخابات البرلمانية، وفوز مرشح نداء تونس في الانتخابات الرئاسية.
على الرغم من أن عهد بورقيبة (1956-1987) اتسم بالشمولية التي تقيد الحرية السياسية، فإنه استطاع أن ينقل تونس نقلة حداثية مقدرة في كل المجالات. لم يدخل بورقيبة في خصومة مباشرة مع الإسلام، كما فعل كمال أتاتورك في تركيا، ولكنه أخضع الدين للدولة فأصبحت المتحكمة فيه مؤسسيًا وثقافيا. وجاء عهد بن علي (1987-2011)، مقدمًا الوعود بتحقيق التحول الديمقراطي، غير أن وقائع الفاعليات السياسية منذ إصدار قانون الأحزاب السياسية عام 1988، وحتى آخر انتخابات عام 2009، تشير جميعا إلى كذب تلك الوعود، واجتمع على قصعة الموارد والمشروعات، ثلة من رجال الأعمال على رأسهم منتسبين لعائلة بن علي، التهمت عوائد التنمية، فاستشرى الظلم الاجتماعي الطبقي والجهوي، وأمست الدولة التونسية مرتعًا للفساد بكل أنواعه، دون محاسبة. في مثل هذه الظروف، تنشأ الحاجة إلى بديل، غالبا ما يكون بالعودة إلى أصول المجتمع التقليدي قبل الحداثي.
يذهب فؤاد غربالي، في دراسته حول الشباب والتدين في تونس (مجلة إضافات، عدد23-24، خريف 2013)، إلى أن صعود الإسلام السياسي في تونس، يأتي ضمن محاولة لإعادة أسلمة المجتمع، أو أسلمة المشروع التحديثي لبورقيبة. كانت عودة التدين إلى مجال الممارسات الاجتماعية، مصحوبة باتهام وتشكيك في المؤسسة الدينية الرسمية التي غرقت في خضم المد العلماني الذي تتبناه النخبة الحاكمة التونسية. ما أفقد شيوخ المساجد والعلماء الرسميين، التبجيل الذي طالما حظوا به عبر الزمن، ويخرجون رويدًا رويدًا من دائرة التأثير في المجال الديني التونسي، ليحل محلهما طائفة جديدة من الفاعلين، بعضها يعد امتدادًا للفكر الإصلاحي الديني الذي ظهر في تونس قبل الاستقلال، وظهر هذا التيار في أواخر الستينيات من القرن الماضي، وبعضها ارتبط بمرجعيات سلفية أو إخوانية من خارج المجتمع التونسي وتأخر ظهور هذا التيار إلى الثمانينيات من القرن الماضي خلال فترة تولي محمد مزالي رئاسة الوزراء، والذي انتهج سياسة إبدال القوى الإسلامية محل القوى اليسارية الشيوعية ذات التأثير القوي داخل الجامعة والتشكيلات النقابية، تماما كما فعل الرئيس السادات عقب توليه الحكم في مصر. وبين الفترتين تظهر على الساحة "حركة الاتجاه الإسلامي" التي ستغير اسمها مع نهاية الثمانينيات إلى "حركة النهضة"، إضافة إلى مجموعات محدودة من السلفيين. وكلما استشرى الفساد، وتدهورت الأحوال الاقتصادية، واختفت العدالة والمساواة من المجتمع، كلما زاد الحيز الذي تؤثر فيها التيارات الدينية.
ثانيا: إدارة المرحلة الانتقالية بعد الثورة التونسية
انطلقت الثورة التونسية من الجنوب المهمش، عبر حدث استثنائي، سرعان ما تحول إلى انتفاضة تعبر عن غليان شعبي، وجمر متقد تحت الرماد. تحركت كتلة الثورة من الجنوب والوسط إلى الساحل والعاصمة، في ملحمة، بطلها الشعب التونسي، وقائدها الاتحاد العام التونسي للشغل، وسقط نظام بن علي.
والحق أن القوى السياسية – المدنية والدينية- قد نجحت في الاتفاق على آليات واضحة لإدارة المرحلة الانتقالية، تبدأ بانتخاب مجلس وطني تأسيسي، لإدارة هذه المرحلة: مهمته تشكيل حكومة انتقالية وكتابة دستور جديد، ثم الإشراف على الانتخابات التشريعية فالرئاسية. هذا هو الخط المستقيم الذي سارت عليه مرحلة التحول في تونس. صحيح أن أزمات وعقبات وعراقيل وضعت في طريق هذا التحول إلا أن المحصلة النهائية هي تنفيذ مساره.
ثالثا- تطور العمليات الإرهابية
لدينا ثلاثة تحولات في نمو ظاهرة الإرهاب في تونس، بدأت (1) باستهداف رموز المعارضة التونسية لإرهاب القوى السياسية، وراح ضحيتها الناشطان السياسيان شكري بالعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ذو التوجهات اليسارية ومحمد البراهمي أمين عام التيار الشعبي ذو التوجهات القومية. ثم انتقلت إلى (2) استهداف مستمر لقوات الأمن والجيش، بعد أن بدأت الأخيرة التضييق على الجماعات الجهادية، والحيلولة دون خروجها أو عودتها من مسرح القتال في ليبيا، أو سوريا. ثم التحول النوعي الأخير (3) باستهداف مرافق السياحة، التي تعد المورد الرئيسي للنقد الأجنبي، والعمود الفقري للاقتصاد التونسي، وأكبر مصادر التوظيف بعد قطاع الزراعة.
وقد تلاحقت العمليات خلال عامي (2014-2015)، مستخدمة وسائل نوعية جديدة عن العمليات التي نفذت خلال الفترة (2011-2013) مخلفة خسائر بشرية ومادية أكبر. إذْ سقط خلال عام 2014، 36 شهيد أمن القوات الأمنية والعسكريّة التي تمكنت من القضاء على 32 إرهابيًا. أما عام 2015 فقد شهدت العمليتان الأكثر شهرة وتأثيرًا وهما عمليتا متحف باردو، بتونس العاصمة يوم 18 مارس 2015 والتي سقط خلالها 23 سائحًا وجُرح 47 آخرون، ثم عملية نُزُل " إبري المرحبا "، بمدينة سوسة السياحية يوم 26 يونيه 2015والتي أسفرت عن مقتل 38 سائحا وجرْح 39 آخرين.
يشير التطور في العمليات التي تمت في تونس حتى الآن، إلى وجود نوع من تقدير خاص للمواقف والتدرج في الفعل الإرهابي بحسب هذا التقدير. فخلال فترة حكم الترويكا التي تقودها النهضة، اقتصرت العمليات على المسار السياسي، ثم تطورت إلى المستوى الأمني، بعد زيادة حدة الاحتجاجات على الترويكا الحاكمة. ويبدو أن التحول النوعي الأخير في العمليات الإرهابية، ارتبط بأمرين: الأول إقرار الدستور الجديد لتونس، دون إشارة صريحة إلى اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرًا أساسيًا للتشريع، ما يجعل الدستور ومن أقره خارج دائرة الإيمان من وجهة نظر التيارات الدينية المتطرفة. كما ارتبط هذا التطور ثانيا، بخروج حركة النهضة من الحكم، بعد خسارتها في الانتخابات البرلمانية، وفوز مرشح نداء تونس في الانتخابات الرئاسية.
شهدت تونس ثلاثة تحولات في نمو ظاهرة الإرهاب، بدأت باستهداف رموز المعارضة التونسية لإرهاب القوى السياسية
وعلى الرغم من ارتباك الخطاب النهضوي في تعاطيه مع ظاهرة المد السلفي، والتناقض المستمر في تصريحات الغنوشي الداعمة لمدنية الدولة، والبيانات الرسمية للحركة المتحفظة، ما يدل على وجود صراع بين تيارين داخل الحركة، أحدهما أصولي سلفي، والآخر معتدل منفتح على العلمانية، فإننا مع ذلك لا نميل إلى الاتهام الصريح لحركة النهضة، الذي يتبناه عدد من المحللين، وإنما نرى أن الجماعات المتطرفة كانت تفضل وجود النهضة في الحكم عن نداء تونس، وأنها ربما أصيبت باليأس من إمكانية تأسيس الدولة الإسلامية في تونس، بعد إقرار الدستور، وخسارة النهضة، وإعلان الحكومة الجديدة عزمها على محاربة الجماعات الإرهابية في تونس، وتفكيك قواعد انطلاقها إلى خارج تونس.
رابعا: الإجراءات الحكومية بعد عملية سوسة الإرهابية
ما نستنتجه من خلال معاينتنا لرد فعل الدولة والجهات الرسمية، أن تدخل الدولة اشتمل على الجوانب الدبلوماسية والسياسية والأمنية. فبعد عملية متحف باردو حرصت الجهات الرسمية، وبالتحديد رئاسة الجمهورية على حشد الدعم الدولي لمناصرة تونس في حربها على الإرهاب من خلال إعداد مسيرة تضامن حضرها عديد الشخصيات المؤثرة على الصعيد الدولي (على شاكلة المسيرة التي شهدتها فرنسا عقب الهجوم الإرهابي على جريدة "شارلي إبدو"). وبالمثل بعد عملية سوسة، شهدت تونس عديد الزيارات لشخصيات سياسية وأمنية أوربية، من قبيل وزراء داخلية فرنسا وألمانيا وبريطانيا وذلك في حركة تستهدف حشد مزيد الدّعم وحث الأوربيين على تطوير التعاون الأمني مع تونس.
وعلى الجانب السياسي، استغلت النخبة الحاكمة في تونس إثر العمليتين الإرهابيتين من أجل مهاجمة الخصوم السياسيين، والحركات الاجتماعية التي برزت على الساحة بعد تولي السبسي الحكم، واتضح ذلك في الخطاب الذي ألقاه الباجي قائد السبسي في مسرح جريمة سوسة مساء الحادثة، والذي وجه فيه اتهامات شبه مباشرة لحركة " وينو البترول " وحزب التحرير السلفي.
على الصعيد الأمني، سعت الدولة للتحرك من خلال مجموعة من الإجراءات الفورية القاضية بتكثيف المتابعة للخلايا الإرهابية، وتوسيع دائرة الاشتباه، ورفع مستوى جاهزية الوحدات الأمنية. بالإضافة إلى التنسيق مع السلطات الأمنية الجزائرية، للسيطرة على الحدود بين البلدين. ما أدى، كما تشير التقارير الرسمية، إلى تنفيذ مئات المداهمات في الإمكان التي يشتبه في إيوائها لخلايا إرهابية أسفرت عن القبض على 1020 عنصرا من بينهم 125 مطلوبين على ذمة قضايا إرهابية.
ونتوقف قليلا أمام الإجراءات الهامة التي أقرتها لجنة الأزمة برئاسة الوزير الأول الحبيب الصيد، خلال اجتماعها عشية الحادث الإرهابي بسوسة، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية: (1) فتح تحقيق وإجراء تقييم شامل للواقعة وتحديد المسئوليات واتخاذ ما يلزم بناء على ذلك. (2) غلق كل المساجد الخارجة عن القانون خلال أسبوع والبالغ عددهم 80 جامعًا. (حتى الآن لم تتمكن الحكومة من غلق بعضها). (3) اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الأحزاب والجمعيات المخالفة لأحكام الدستور بما في ذلك إجراءات الحل. (4) إعادة النظر في المرسوم المنظم للجمعيات خاصة فيما يتعلق بالتمويل وإخضاعها للرقابة المالية للدولة تفاديا لأي شكل من إشكال تمويل الإرهاب. (5) دعوة جيش الاحتياط لتعزيز الوجود الأمني في المناطق الحساسة، وإعلان بعض المناطق الجبلية التي يتحصن بها (الإرهابيّون) مناطق عسكرية مغلقة. (6) إعادة النظر في نظم تأمين المناطق السياحية والمزارات الأثرية. (7) الدعوة لمؤتمر وطني لمقاومة الإرهاب، بمشاركة كل مكونات المجتمع المدني والأحزاب والمنظمات.
وفي أعقاب اجتماع لجنة الأزمة المذكور، واستكمالا لقراراتها (8) قام رئيس الجمهورية في 4 يوليو 2015، بإعلان حالة الطوارئ لمدة شهر، وفي نهاية يوليو أعلن عن تمديد حالة الطوارئ لمدة شهرين إضافيين.(9) تم الإعلان عن البدء في بناء جدار رملي فاصل على الحدود الليبية-التونسية بطول 168 كيلومترا، وذلك بهدف مقاومة التهريب والحد من تسلل الإرهابيين عبر الخط الحدودي. واكتملت الإجراءات الحكومية لمواجهة الإرهاب، يوم السبت 25 يوليو 2015، وهو نفس اليوم الذي تحتفل به تونس بعيد الجمهورية (10) بمصادقة مجلس نواب الشعب على قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، وقد صوت لصالح القانون 174 نائبا مع امتناع 10 عن التصويت، ودون معارضة أي نائب.
رابعا: الإجراءات الحكومية بعد عملية سوسة الإرهابية
ما نستنتجه من خلال معاينتنا لرد فعل الدولة والجهات الرسمية، أن تدخل الدولة اشتمل على الجوانب الدبلوماسية والسياسية والأمنية. فبعد عملية متحف باردو حرصت الجهات الرسمية، وبالتحديد رئاسة الجمهورية على حشد الدعم الدولي لمناصرة تونس في حربها على الإرهاب من خلال إعداد مسيرة تضامن حضرها عديد الشخصيات المؤثرة على الصعيد الدولي (على شاكلة المسيرة التي شهدتها فرنسا عقب الهجوم الإرهابي على جريدة "شارلي إبدو"). وبالمثل بعد عملية سوسة، شهدت تونس عديد الزيارات لشخصيات سياسية وأمنية أوربية، من قبيل وزراء داخلية فرنسا وألمانيا وبريطانيا وذلك في حركة تستهدف حشد مزيد الدّعم وحث الأوربيين على تطوير التعاون الأمني مع تونس.
وعلى الجانب السياسي، استغلت النخبة الحاكمة في تونس إثر العمليتين الإرهابيتين من أجل مهاجمة الخصوم السياسيين، والحركات الاجتماعية التي برزت على الساحة بعد تولي السبسي الحكم، واتضح ذلك في الخطاب الذي ألقاه الباجي قائد السبسي في مسرح جريمة سوسة مساء الحادثة، والذي وجه فيه اتهامات شبه مباشرة لحركة " وينو البترول " وحزب التحرير السلفي.
على الصعيد الأمني، سعت الدولة للتحرك من خلال مجموعة من الإجراءات الفورية القاضية بتكثيف المتابعة للخلايا الإرهابية، وتوسيع دائرة الاشتباه، ورفع مستوى جاهزية الوحدات الأمنية. بالإضافة إلى التنسيق مع السلطات الأمنية الجزائرية، للسيطرة على الحدود بين البلدين. ما أدى، كما تشير التقارير الرسمية، إلى تنفيذ مئات المداهمات في الإمكان التي يشتبه في إيوائها لخلايا إرهابية أسفرت عن القبض على 1020 عنصرا من بينهم 125 مطلوبين على ذمة قضايا إرهابية.
ونتوقف قليلا أمام الإجراءات الهامة التي أقرتها لجنة الأزمة برئاسة الوزير الأول الحبيب الصيد، خلال اجتماعها عشية الحادث الإرهابي بسوسة، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية: (1) فتح تحقيق وإجراء تقييم شامل للواقعة وتحديد المسئوليات واتخاذ ما يلزم بناء على ذلك. (2) غلق كل المساجد الخارجة عن القانون خلال أسبوع والبالغ عددهم 80 جامعًا. (حتى الآن لم تتمكن الحكومة من غلق بعضها). (3) اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الأحزاب والجمعيات المخالفة لأحكام الدستور بما في ذلك إجراءات الحل. (4) إعادة النظر في المرسوم المنظم للجمعيات خاصة فيما يتعلق بالتمويل وإخضاعها للرقابة المالية للدولة تفاديا لأي شكل من إشكال تمويل الإرهاب. (5) دعوة جيش الاحتياط لتعزيز الوجود الأمني في المناطق الحساسة، وإعلان بعض المناطق الجبلية التي يتحصن بها (الإرهابيّون) مناطق عسكرية مغلقة. (6) إعادة النظر في نظم تأمين المناطق السياحية والمزارات الأثرية. (7) الدعوة لمؤتمر وطني لمقاومة الإرهاب، بمشاركة كل مكونات المجتمع المدني والأحزاب والمنظمات.
وفي أعقاب اجتماع لجنة الأزمة المذكور، واستكمالا لقراراتها (8) قام رئيس الجمهورية في 4 يوليو 2015، بإعلان حالة الطوارئ لمدة شهر، وفي نهاية يوليو أعلن عن تمديد حالة الطوارئ لمدة شهرين إضافيين.(9) تم الإعلان عن البدء في بناء جدار رملي فاصل على الحدود الليبية-التونسية بطول 168 كيلومترا، وذلك بهدف مقاومة التهريب والحد من تسلل الإرهابيين عبر الخط الحدودي. واكتملت الإجراءات الحكومية لمواجهة الإرهاب، يوم السبت 25 يوليو 2015، وهو نفس اليوم الذي تحتفل به تونس بعيد الجمهورية (10) بمصادقة مجلس نواب الشعب على قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، وقد صوت لصالح القانون 174 نائبا مع امتناع 10 عن التصويت، ودون معارضة أي نائب.
إن الجماعات المتطرفة كانت تفضل وجود النهضة في الحكم عن نداء تونس، وأنها ربما أصيبت باليأس من إمكانية تأسيس الدولة الإسلامية في تونس، بعد إقرار الدستور، وخسارة النهضة
خامسا: الجدل السياسي والتوتر بعد إعلان حالة الطوارئ
لا شك في أن الغالبية العظمى من التونسيين، يباركون الإجراءات المهمة والمتلاحقة التي اتخذتها الحكومة لمواجهة التطرف ومحاربة الإرهاب، غير أن التقييم السلبي لأداء الحكومة في الملفات المختلفة، في أشهرها الثلاثة الأولى، يثير مزيدًا من الجدل والتوتر خاصة بعد إعلان حالة الطوارئ، الذي يترتب عليه توسيع صلاحيات الضبط لكل السلطات الإدارية دون استثناء، ويمكن استغلال الإعلان في تقييد ممارسة بعض الحريات العامة ( التجمع، التظاهر التنقل، حرية الصناعة والتجارة...إلخ). ويزيد من مخاوف القوى السياسية أن الساحة السياسية تموج بالفعل، وقبل إعلان حالة الطوارئ، بالعديد من مظاهر الاحتجاجات النقابية والحركية، والصراعات داخل الحزب الحاكم، التي نوجز أهمها فيما يلي:
(1) الاحتجاجات النقابية: شهدت تونس خلال العام 2015 سلسلة من الإضرابات في مختلف القطاعات الحساسة. من أهمها سلسلة إضرابات المدرسين في التعليم الأساسي، والتعليم الثانوي، ما جعل الوزارة مضطرة للاستجابة لبعض المطالب، ولا تزال الأزمة قائمة حتى الآن، والمتابع للشأن التونسي يعلم أن نقابات التعليم تعتبر من أقوى النقابات، كما أن الأزمات الاجتماعية المرتبطة بهذا القطاع تؤثر بشكل كبير على المواطن التونسي ودائما ما تحقق نوعًا من الحركية السياسية والاجتماعية. بالإضافة إلى إضرابات قطاعات أخرى، منها قطاع القضاء والنقل العمومي وقطاع الصحة، وجميع هذه الفاعليات أحدثت أزمة بين التشكيلات النقابية وبين الحكومة الجديدة.
(2) الاحتجاجات الجهوية-الاجتماعية: تجدد أزمة شركة فوسفات "قفصة" (تعود الأزمة لاعتصام 2008)، ويعتبر الفوسفات من أهم القطاعات الصناعية في تونس، كما تعتبر الشركة المصدر الوحيد للعمل في منطقة قفصة. وتنحصر مطالب سكان المنطقة بقصر العمل على أبناء الجهة. والتوسع في برامج التشغيل، لاستيعاب أعداد أكبر من العاطلين عن العمل هناك.
(3) الاحتجاجات الجهوية-السياسية: وهي الاحتجاجات التي قامت بها حركة "وينو البترول" (أين البترول) وهي حركة تنسب لحركة شعب المواطنين التي يقودها الرئيس السابق محمد منصف المرزوقي وتهدف هذه الاحتجاجات للضغط على الحكومة لفتح ملف الطاقة والبترول، وإعادة النظر في سياسات تونس في هذا المجال من خلال التدقيق في الرخص الممنوحة للتنقيب واستغلال الآبار ومحاسبة المتورطين في قضايا الفساد. وقد أدت هذه الحملة الاحتجاجية إلى عدة مواجهات مع قوات الأمن خصوصًا في بعض المدن الجنوبية على الحدود مع ليبيا.
(4) الصراع النقابي البيني: يتمثل في عودة الخلافات بين الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية الأكبر في البلاد) واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف) بالإضافة إلى عودة الخلافات بين المركزية النقابية والحكومة حول المفاوضات الاجتماعية ومسألة الزيادة في الأجور.
(5) الصراع داخل الحزب الحاكم: حيث يدور داخل كواليس حزب نداء تونس، توتر متصاعد، ينبئ عن انشقاقات قادمة، بسبب الموقف من حزب النهضة، فهناك تيار يوافق على التحالف مع النهضة، وتيار يرفض بشدة هذا التحالف، ويعتبره نوعًا من خيانة إرادة الناخبين. كما أن هناك خلافًا آخر مرتبطًا بشخص الحبيب الصيد رئيس الحكومة الذي يعتبر مستقلًا، وقد رفضت بعض القيادات ذلك، بحجة لها وجاهتها، وهي كيف ينفذ رئيس الوزراء المستقل برنامج حزب لا ينتمي إليه. وقد ازدادت الجفوة والتوتر بين الجانبين، بعد التراجع الملحوظ لنفوذ الباجي قائد السبسي وزيادة نفوذ مستشاره السابق وأمين عام الحزب الحالي محسن مرزوق.
ولا يمكن الاستهانة بهذه المخاوف التي يثيرها إعلان حالة الطوارئ، وفي ذات الوقت لا يمكن الاستهانة بالآثار الناجمة عن الحوادث الإرهابية، ما يفرض على الحكومة نوعًا من الأداء المسئول، وإشاعة مناخ من الثقة المتبادلة بين الحكومة والأحزاب والنقابات، وكافة منظمات المجتمع المدني، يتيح للجميع الوقوف في مواجهة الإرهاب.
خاتمة
استعرضنا في المقال، تطورات ظاهرة الإرهاب في تونس، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الظاهرة، والظروف السياسية والاجتماعية التي تمر بها تونس، والتي يمكن أن تؤثر في النتائج المرجوة من مكافحة الإرهاب. ويتضح للقارئ، أن هذه الإجراءات، لا تختلف كثيرًا عن تلك التي تتخذها العديد من الدول العربية لمواجهة الظاهرة، فهي جميعا تفتقر للمعالجة الشاملة للظاهرة، خاصة في البعدين الاجتماعي والاقتصادي، فلا تزال معظم المحاولات العربية، غير قادرة على تفكيك منظومة الفساد التي أدت – ضمن عوامل أخرى - إلى نشأة الإحباط واليأس لدى قطاعات كبيرة من الناس، وخاصة الشباب. وقد غابت عن الإجراءات التونسية، الدعوة الصريحة إلى تجديد الخطاب الديني، وتحرير عمل المؤسسة الدينية الرسمية، مع تسخير الإمكانات لها، من أجل ضبط المجال الديني، وتقليص دوائر الفكر المتطرف داخل المجتمع. وربما يثار هذا الموضوع في جلسات المؤتمر الوطني لمكافحة الإرهاب الذي دعت له لجنة الأزمة.
كما لم يتضح من جملة الإجراءات، أي تغيير في السياسة الخارجية التونسية تجاه الأزمة الليبية وثيقة الصلة بما يحدث في الداخل التونسي، رغم حدوث تغير ملحوظ من الأزمة السورية، فقد جرى أخيرًا تعيين قنصل عام لتونس بدمشق. أما ما يخص الأزمة الليبية، فما زالت تونس متمسكة بسياسة الحياد الإيجابي، القائمة على دعم الحل السياسي، ورفض التدخل العسكري الخارجي، ولم تتضح في أعقاب الحوادث الإرهابية التي ضربت تونس، بوادر تغيير تذكر في هذه السياسة، على الرغم من أن الدولة تبنت خيار بناء جدار فاصل على الحدود بين البلدين، على معنى أن تونس تعتبر تدهور الأوضاع الأمنية وتفشي ظاهرة الإرهاب في ليبيا، مصدر التهديد الأول على الأمن الوطني التونسي. وربما تضطر تونس إلى تبني مواقف جديدة من الأزمة الليبية في الأيام القادمة، خاصة بعد رفض البرلمان الليبي المنتهية ولايته التوقيع على وثيقة السلام الأممية، لأن الظاهرة الإرهابية لا تعرف الحدود والجنسيات، ولا بد أن تتعامل الدول المهددة بالإرهاب مع هذه الحقيقة المؤكدة.
(*) خبير بالمركز العربي للبحوث والدراسات
(**) باحث سوسيولوجي (تونس)
لا شك في أن الغالبية العظمى من التونسيين، يباركون الإجراءات المهمة والمتلاحقة التي اتخذتها الحكومة لمواجهة التطرف ومحاربة الإرهاب، غير أن التقييم السلبي لأداء الحكومة في الملفات المختلفة، في أشهرها الثلاثة الأولى، يثير مزيدًا من الجدل والتوتر خاصة بعد إعلان حالة الطوارئ، الذي يترتب عليه توسيع صلاحيات الضبط لكل السلطات الإدارية دون استثناء، ويمكن استغلال الإعلان في تقييد ممارسة بعض الحريات العامة ( التجمع، التظاهر التنقل، حرية الصناعة والتجارة...إلخ). ويزيد من مخاوف القوى السياسية أن الساحة السياسية تموج بالفعل، وقبل إعلان حالة الطوارئ، بالعديد من مظاهر الاحتجاجات النقابية والحركية، والصراعات داخل الحزب الحاكم، التي نوجز أهمها فيما يلي:
(1) الاحتجاجات النقابية: شهدت تونس خلال العام 2015 سلسلة من الإضرابات في مختلف القطاعات الحساسة. من أهمها سلسلة إضرابات المدرسين في التعليم الأساسي، والتعليم الثانوي، ما جعل الوزارة مضطرة للاستجابة لبعض المطالب، ولا تزال الأزمة قائمة حتى الآن، والمتابع للشأن التونسي يعلم أن نقابات التعليم تعتبر من أقوى النقابات، كما أن الأزمات الاجتماعية المرتبطة بهذا القطاع تؤثر بشكل كبير على المواطن التونسي ودائما ما تحقق نوعًا من الحركية السياسية والاجتماعية. بالإضافة إلى إضرابات قطاعات أخرى، منها قطاع القضاء والنقل العمومي وقطاع الصحة، وجميع هذه الفاعليات أحدثت أزمة بين التشكيلات النقابية وبين الحكومة الجديدة.
(2) الاحتجاجات الجهوية-الاجتماعية: تجدد أزمة شركة فوسفات "قفصة" (تعود الأزمة لاعتصام 2008)، ويعتبر الفوسفات من أهم القطاعات الصناعية في تونس، كما تعتبر الشركة المصدر الوحيد للعمل في منطقة قفصة. وتنحصر مطالب سكان المنطقة بقصر العمل على أبناء الجهة. والتوسع في برامج التشغيل، لاستيعاب أعداد أكبر من العاطلين عن العمل هناك.
(3) الاحتجاجات الجهوية-السياسية: وهي الاحتجاجات التي قامت بها حركة "وينو البترول" (أين البترول) وهي حركة تنسب لحركة شعب المواطنين التي يقودها الرئيس السابق محمد منصف المرزوقي وتهدف هذه الاحتجاجات للضغط على الحكومة لفتح ملف الطاقة والبترول، وإعادة النظر في سياسات تونس في هذا المجال من خلال التدقيق في الرخص الممنوحة للتنقيب واستغلال الآبار ومحاسبة المتورطين في قضايا الفساد. وقد أدت هذه الحملة الاحتجاجية إلى عدة مواجهات مع قوات الأمن خصوصًا في بعض المدن الجنوبية على الحدود مع ليبيا.
(4) الصراع النقابي البيني: يتمثل في عودة الخلافات بين الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية الأكبر في البلاد) واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف) بالإضافة إلى عودة الخلافات بين المركزية النقابية والحكومة حول المفاوضات الاجتماعية ومسألة الزيادة في الأجور.
(5) الصراع داخل الحزب الحاكم: حيث يدور داخل كواليس حزب نداء تونس، توتر متصاعد، ينبئ عن انشقاقات قادمة، بسبب الموقف من حزب النهضة، فهناك تيار يوافق على التحالف مع النهضة، وتيار يرفض بشدة هذا التحالف، ويعتبره نوعًا من خيانة إرادة الناخبين. كما أن هناك خلافًا آخر مرتبطًا بشخص الحبيب الصيد رئيس الحكومة الذي يعتبر مستقلًا، وقد رفضت بعض القيادات ذلك، بحجة لها وجاهتها، وهي كيف ينفذ رئيس الوزراء المستقل برنامج حزب لا ينتمي إليه. وقد ازدادت الجفوة والتوتر بين الجانبين، بعد التراجع الملحوظ لنفوذ الباجي قائد السبسي وزيادة نفوذ مستشاره السابق وأمين عام الحزب الحالي محسن مرزوق.
ولا يمكن الاستهانة بهذه المخاوف التي يثيرها إعلان حالة الطوارئ، وفي ذات الوقت لا يمكن الاستهانة بالآثار الناجمة عن الحوادث الإرهابية، ما يفرض على الحكومة نوعًا من الأداء المسئول، وإشاعة مناخ من الثقة المتبادلة بين الحكومة والأحزاب والنقابات، وكافة منظمات المجتمع المدني، يتيح للجميع الوقوف في مواجهة الإرهاب.
خاتمة
استعرضنا في المقال، تطورات ظاهرة الإرهاب في تونس، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الظاهرة، والظروف السياسية والاجتماعية التي تمر بها تونس، والتي يمكن أن تؤثر في النتائج المرجوة من مكافحة الإرهاب. ويتضح للقارئ، أن هذه الإجراءات، لا تختلف كثيرًا عن تلك التي تتخذها العديد من الدول العربية لمواجهة الظاهرة، فهي جميعا تفتقر للمعالجة الشاملة للظاهرة، خاصة في البعدين الاجتماعي والاقتصادي، فلا تزال معظم المحاولات العربية، غير قادرة على تفكيك منظومة الفساد التي أدت – ضمن عوامل أخرى - إلى نشأة الإحباط واليأس لدى قطاعات كبيرة من الناس، وخاصة الشباب. وقد غابت عن الإجراءات التونسية، الدعوة الصريحة إلى تجديد الخطاب الديني، وتحرير عمل المؤسسة الدينية الرسمية، مع تسخير الإمكانات لها، من أجل ضبط المجال الديني، وتقليص دوائر الفكر المتطرف داخل المجتمع. وربما يثار هذا الموضوع في جلسات المؤتمر الوطني لمكافحة الإرهاب الذي دعت له لجنة الأزمة.
كما لم يتضح من جملة الإجراءات، أي تغيير في السياسة الخارجية التونسية تجاه الأزمة الليبية وثيقة الصلة بما يحدث في الداخل التونسي، رغم حدوث تغير ملحوظ من الأزمة السورية، فقد جرى أخيرًا تعيين قنصل عام لتونس بدمشق. أما ما يخص الأزمة الليبية، فما زالت تونس متمسكة بسياسة الحياد الإيجابي، القائمة على دعم الحل السياسي، ورفض التدخل العسكري الخارجي، ولم تتضح في أعقاب الحوادث الإرهابية التي ضربت تونس، بوادر تغيير تذكر في هذه السياسة، على الرغم من أن الدولة تبنت خيار بناء جدار فاصل على الحدود بين البلدين، على معنى أن تونس تعتبر تدهور الأوضاع الأمنية وتفشي ظاهرة الإرهاب في ليبيا، مصدر التهديد الأول على الأمن الوطني التونسي. وربما تضطر تونس إلى تبني مواقف جديدة من الأزمة الليبية في الأيام القادمة، خاصة بعد رفض البرلمان الليبي المنتهية ولايته التوقيع على وثيقة السلام الأممية، لأن الظاهرة الإرهابية لا تعرف الحدود والجنسيات، ولا بد أن تتعامل الدول المهددة بالإرهاب مع هذه الحقيقة المؤكدة.
(*) خبير بالمركز العربي للبحوث والدراسات
(**) باحث سوسيولوجي (تونس)