حلقةٍ مُفرغة: جهـود إنهـاء الانقسـام واستعـادة الـوحـدة الـوطنية الفلسطينيـة
الثلاثاء 07/يوليو/2015 - 10:55 ص
عزام شعث
في منتصف العام الحالي 2015، يُتِم الانقسام الفلسطيني عامه الثامن، دون أن تحرز الوساطات الإقليمية والمحلية، على كثرتها، أي تقدم على صعيد إتمام المصالحة الفلسطينية بين الحركتين الفلسطينيتين الأكبر "فتح" و"حماس"، أو توحيد النظام السياسي الفلسطيني المنقسم إلى نظامين: أحدهما في الضفة الغربية والثاني في قطاع غزة، منذ أحداث غزة في الرابع عشر من تموز (يوليو) 2007، والتي انتهت بسيطرة حركة "حماس" على مؤسسات السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية معًا.
وعلى الرغم من توقيع الحركتين في 23 نيسان (أبريل) 2014، على بنود اتفاق تنص على تشكيل حكومة توافق وطني، تعمل على تهيئة الأجواء لإجراء انتخابات متزامنة لمنصب رئيس السلطة الفلسطينية، المجلس التشريعي والمجلس الوطني لمنظمة التحرير، وتفويض الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بالتشاور مع القوى السياسية والفاعليات الوطنية، بتحديد موعد إجراء الانتخابات بعد مرور ستة أشهر على تشكيل الحكومة، واستئناف عمل لجنتي المصالحة المجتمعية والحريات العامة التي جرى تشكيلهما في اتفاق القاهرة، فإنه لم يجرِ سوى تنفيذ بند واحد وهو المتعلق بحكومة التوافق الوطني التي أدت اليمين الدستورية بعد مرور قرابة شهرين على الاتفاق، وهي التي لم تُمكن من القيام بمهامها في قطاع غزة حتى بعد مرور عام كامل على تشكيلها.
وعلى الرغم من توقيع الحركتين في 23 نيسان (أبريل) 2014، على بنود اتفاق تنص على تشكيل حكومة توافق وطني، تعمل على تهيئة الأجواء لإجراء انتخابات متزامنة لمنصب رئيس السلطة الفلسطينية، المجلس التشريعي والمجلس الوطني لمنظمة التحرير، وتفويض الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بالتشاور مع القوى السياسية والفاعليات الوطنية، بتحديد موعد إجراء الانتخابات بعد مرور ستة أشهر على تشكيل الحكومة، واستئناف عمل لجنتي المصالحة المجتمعية والحريات العامة التي جرى تشكيلهما في اتفاق القاهرة، فإنه لم يجرِ سوى تنفيذ بند واحد وهو المتعلق بحكومة التوافق الوطني التي أدت اليمين الدستورية بعد مرور قرابة شهرين على الاتفاق، وهي التي لم تُمكن من القيام بمهامها في قطاع غزة حتى بعد مرور عام كامل على تشكيلها.
إن فوز "الإخوان المسلمين" في مصر، لم يحقق لحركة "حماس" الآمال العريضة التي توقعتها
أولًا: الاتفاق الفلسطيني- الفلسطيني: البيئة والظروف الضاغطة
1. حصار غزة وعزلة "حماس"
حتى مطلع العام 2006، لم تكن حركة "حماس" جزءًا من النظام السياسي الفلسطيني، حيث عزَفت الحركة عن المشاركة في مكونات النظام السياسي. وكان لها أن رفضت العروض التي تلقتها للانضمام لأطر منظمة التحرير الفلسطينية، واستمرت على ذات الموقف، وقاطعت الانتخابات الفلسطينية الأولى (الرئاسية والتشريعية) عام 1996، لأسباب سياسية، عزتها إلى كون أن الانتخابات هي أحد إفرازات اتفاقية أوسلو وتجري تحت سقف الاتفاق الذي سبق لها أن عارضته. كما قاطعت "حماس" الانتخابات الرئاسية التي جرت بتاريخ 9 (كانون الثاني) يناير2005، وفاز فيها الرئيس محمود عباس مرشح حركة " فتح" بنسبة 62% من عدد أصوات المقترعين، إلا أنها وافقت على المشاركة في الانتخابات التشريعية الثانية في 25 (كانون الثاني) يناير 2006، بدعوى أن الانتخابات تجري، هذه المرة، استنادًا إلى إعلان القاهرة 2005، وقد حصدت الحركة (76) مقعدًا من مقاعد المجلس التشريعي البالغ عددها (132) مقعدًا.
بإعلان فوزها بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي انتقلت حركة "حماس" من المعارضة إلى السلطة. وعلى إثر ذلك، اضطلعت الحركة بمهمة تشكيل الحكومة برئاسة "إسماعيل هنية"، دون أن تفلح في إقناع أو استمالة أيٍ من الكتل البرلمانية بالمشاركة معها في تشكيلها، وكان ثمن ذلك ما تعرضت له من حصار ومقاطعة خارجيين ومن جدل حول الوضع الحكومي المأزقي داخليًا.
عقب سيطرة "حماس" على قطاع غزة منتصف العام 2007، وصفت الحكومة الإسرائيلية الحركة بــ" تنظيم إرهابي سيطر على القطاع وحوله إلى منطقة معادية"، ومن ثم أمعنت إسرائيل في إطباق حصارها على القطاع، وادعت أنها ملتزمة فقط بالاتفاقيات التي وقعت عليها مع السلطة الفلسطينية، وأن انسحابها من القطاع عام 2005، يعفيها من مسؤولياتها القانونية رغم أنها ما تزال، في حقيقة الأمر، تسيطر على حدود القطاع ومياهه ومجاله الجوي.
تجلت أبرز مظاهر الحصار على قطاع غزة في احكام السلطات الإسرائيلية سيطرتها على حركة المعابر التجارية بين القطاع وإسرائيل، ومنع توريد أصناف عديدة من البضائع والمواد الأساسية ومستلزمات البنية التحتية إلى قطاع، فضلًا عن إغلاقها لمعبر رفح لفترات طويلة عقب وقوع الانقسام الفلسطيني الداخلي، ومن ثم تقييد حركة المسافرين منه وإليه، ووضع قائمة سوداء للممنوعين من السفر، قبل أن تُدخل الحكومة المصرية تحسينات على أعداد المسافرين من وإلى القطاع.
شكّل انبعاث الثورات العربية أواخر العام 2010، اختبارًا صعبًا وتحديًا كبيرًا أمام حركة "حماس"، الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة حيال المستقبل السياسي للحركة، لا سيما في ظل صعود تيار الإسلام السياسي وتوليه الحكم في بعض الدول العربية. ففي حين قلل بعض المراقبين من الآمال المرجوة لجهة نصرة "حماس" التي تعيش عزلة سياسية وحصارًا مُحكمًا، فإن آخرين رأوا أن صعود التيار الإسلامي في (مصر، تونس والمغرب) يصب مباشرة في صالح الحركة ويهيئ لها الفضاء لإنهاء الحصار السياسي والاقتصادي.
الواقع، أن فوز "الإخوان المسلمين" في هذه الدول، وخصوصًا في مصر، لم يحقق لحركة "حماس" الآمال العريضة التي توقعتها، فهو من ناحية لم ينهِ حصار قطاع غزة، ومن ناحية أخرى لم يفتح الآفاق أمام الحكومة لزيادة فاعليتها على الصعيد السياسي، فمصر "مرسي" لم تبدِ استعدادها لقطع علاقاتها بإسرائيل، أو التخلي عن معاهدة السلام الموقعة معها، ولا لتغيير سياستها تجاه غزة. إن أكثر ما قدمته مصر طيلة حكم مرسي رعايتها لاتفاق التهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في 21(تشرين الثاني) نوفمبر 2012.
تعمقت أزمة "حماس" وحكومتها في غزة مع تجدد الثورة الشعبية المصرية في 30(حزيران) يونيو 2013، وعزل الرئيس المصري "محمد مرسي"، حيث واجهت الحركة اتهامات من قِبل دوائر رسمية مصرية، بالتورط في استهداف الجيش المصري ومساندة إخوان مصر. كان سلوك "حماس" تجاه مصر واضحًا ولا يحتاج إلى أدلة وذلك بالنظر إلى تورطها السياسي والإعلامي في الشئون المصرية الداخلية، الأمر الذي دفع محكمة القاهرة للأمور المستعجلة اتخاذ قرارًا يقضي بحظر أنشطة الحركة ومصادرة ممتلكاتها وجمعياتها.
لم تتوقف "حماس" طوال الفترة الماضية عن التدخل في الشؤون المصرية الداخلية، وكذلك لم تقم بالدور المطلوب من أجل التقارب مع مصر وإرساء علاقات التعاون معها، رغم النصائح العديدة التي تلقتها في هذا الجانب، ربما لأنها لم تُدرك أنه لا غنى لغزة أو للفلسطينيين عن مصر بحكم التاريخ المشترك والمصير الواحد.
لقد بات من المؤكد القول بأن عزلة "حماس" على المستويين الإقليمي والدولي، وعدم قدرة حكومتها في غزة على تقديم النموذج الأمثل في الحكم، كان ذلك دافعًا قويًا أدى إلى موافقة الحركة على استقبال وفد منظمة التحرير الفلسطينية في غزة وتوقيع اتفاقًا للمصالحة لإنهاء حالة الانقسام المرير بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
2. تعثر مسار التسوية السياسية
بعد انقطاع دام لأكثر من ثلاث سنوات، قررت الإدارة الأمريكية معاودة المحادثات السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ووضعت مدة زمنية للتوصل إلى اتفاق لا يتجاوز التسعة الأشهر بدءًا من 29 (تموز) يوليو 2013. منذ ذلك الوقت واجه مسار المفاوضات الكثير من العقبات والصعوبات، وكادت المفاوضات أن تنهار بسبب إصرار الحكومة الإسرائيلية على مواصلة أعمال البناء في مستوطنات الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة.
رغم التحديات الكبيرة التي واجهها مسار التسوية السياسية مع إسرائيل، أصّرت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على العودة إلى المفاوضات بتلبية ثلاثة شروط: وقف الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، وأن تكون هناك مرجعية واضحة ومحددة للتفاوض مبنية على اعتراف إسرائيل بحل الدولتين على حدود 1967، وإطلاق سراح الأسرى وخصوصًا القدامى الذين أسروا قبل توقيع اتفاق أوسلو عام 1993.
انقضت مهلة التفاوض المحددة بتسعة أشهر دون تحقيق مطلبين أسياسيين من المطالب الثلاثة التي وضعتها القيادة الفلسطينية وهما، وقف الاستيطان في المناطق المحتلة عام 1967، واعتبار حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، أساسًا للمفاوضات، فقد رفضت إسرائيل تنفيذ هذين المطلبين، لكنها استجابت للمطلب الثالث، وهو إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين القدامى، والبالغ عددهم (104) أسرى. وجرى الاتفاق على أن يُطلق سراح الأسرى على أربع مراحل، يجري تنفيذ المرحلة الرابعة منها بعد ثمانية شهور من بدء المفاوضات، مقابل التزام القيادة الفلسطينية بعدم التوجه إلى هيئات الأمم المتحدة طوال هذه المفاوضات.
حلت مدة الشهور التسعة دون أن تلتزم حكومة إسرائيل بإطلاق سراح أسرى الدفعة الرابعة، أو الالتزام بتلبية استحقاقات التسوية السياسية، في غياب الضغط الجدي والفاعل من قبل الولايات المتحدة على إسرائيل لحثها على التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. أرادت إسرائيل تمديد المفاوضات قبل إطلاق سراح أسرى الدفعة الرابعة، إلا أن الجانب الفلسطيني رفض على اعتبار أن الملفين منفصلان، ورد على إسرائيل باتخاذ إجراءات عملية لجهة تفعيل عضوية دولة فلسطين في المؤسسات الدولية، ومن بينها إعلان الانضمام باسم دولة فلسطين إلى (15) اتفاقية ومعاهدة دولية.
ردت حكومة نتنياهو بإجراءات عقابية ضد السلطة الفلسطينية، فحجبت أموال الضرائب التي تقدر بنحو 1.5 مليار سنويًا، كما هددت باتخاذ إجراءات عقابية في حال إتمام المصالحة بين "فتح" و"حماس"، ووصل الأمر برئيس حكومة إسرائيل تخيير الرئيس الفلسطيني بين المفاوضات وعملية السلام وبين الشراكة مع حركة "حماس".
الواقع أن السلطة الفلسطينية أدركت مبكرًا المأزق الخطر الذي تواجهه عملية التسوية السياسية بفعل تعنت الحكومة الإسرائيلية وعدم جديتها في التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الصراع العربي الإسرائيلي الممتد منذ ما يزيد على خمسة وستين عامًا، فضلًا عن إدراكها بعدم جدية الإدارة الأمريكية في الضغط على إسرائيل لإلزامها بتلبية شروط ومتطلبات عملية السلام، وهي تدرك أن الإدارة الأمريكية لديها من السلطة والنفوذ ما يمكنها من تحقيق ذلك. لم تستجب السلطة الفلسطينية للاتهامات الإسرائيلية، ولم تنصاع للضغوط الأمريكية والإسرائيلية معًا الرامية إلى إلزامها بالتراجع عن مسار المصالحة الفلسطينية، والإبقاء على القطيعة بين الضفة الغربية وقطاع غزة. عزّزت القيادة الفلسطينية من دورها باتجاه تحقيق المصالحة مع حركة "حماس"، وقد بذلت الجهد الكبير في سبيل التوصل إلى تفاهمات بشأن تطبيق المصالحة الفلسطينية على أرض الواقع.
المعنى، أن القيادة الفلسطينية تدرك أنه لا طائل من وراء المفاوضات في ظل حكومة نتنياهو، وتتجه بكل قوة لمعالجة الأوضاع الداخلية المتردية بفعل الانقسام السياسي المرير بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي التي عقدت اتفاقًا مع حركة "حماس" أملًا في عودة الهيبة والاعتبار للنظام السياسي الفلسطيني والتأسيس لشراكة بين القوى السياسية الفلسطينية.
1. حصار غزة وعزلة "حماس"
حتى مطلع العام 2006، لم تكن حركة "حماس" جزءًا من النظام السياسي الفلسطيني، حيث عزَفت الحركة عن المشاركة في مكونات النظام السياسي. وكان لها أن رفضت العروض التي تلقتها للانضمام لأطر منظمة التحرير الفلسطينية، واستمرت على ذات الموقف، وقاطعت الانتخابات الفلسطينية الأولى (الرئاسية والتشريعية) عام 1996، لأسباب سياسية، عزتها إلى كون أن الانتخابات هي أحد إفرازات اتفاقية أوسلو وتجري تحت سقف الاتفاق الذي سبق لها أن عارضته. كما قاطعت "حماس" الانتخابات الرئاسية التي جرت بتاريخ 9 (كانون الثاني) يناير2005، وفاز فيها الرئيس محمود عباس مرشح حركة " فتح" بنسبة 62% من عدد أصوات المقترعين، إلا أنها وافقت على المشاركة في الانتخابات التشريعية الثانية في 25 (كانون الثاني) يناير 2006، بدعوى أن الانتخابات تجري، هذه المرة، استنادًا إلى إعلان القاهرة 2005، وقد حصدت الحركة (76) مقعدًا من مقاعد المجلس التشريعي البالغ عددها (132) مقعدًا.
بإعلان فوزها بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي انتقلت حركة "حماس" من المعارضة إلى السلطة. وعلى إثر ذلك، اضطلعت الحركة بمهمة تشكيل الحكومة برئاسة "إسماعيل هنية"، دون أن تفلح في إقناع أو استمالة أيٍ من الكتل البرلمانية بالمشاركة معها في تشكيلها، وكان ثمن ذلك ما تعرضت له من حصار ومقاطعة خارجيين ومن جدل حول الوضع الحكومي المأزقي داخليًا.
عقب سيطرة "حماس" على قطاع غزة منتصف العام 2007، وصفت الحكومة الإسرائيلية الحركة بــ" تنظيم إرهابي سيطر على القطاع وحوله إلى منطقة معادية"، ومن ثم أمعنت إسرائيل في إطباق حصارها على القطاع، وادعت أنها ملتزمة فقط بالاتفاقيات التي وقعت عليها مع السلطة الفلسطينية، وأن انسحابها من القطاع عام 2005، يعفيها من مسؤولياتها القانونية رغم أنها ما تزال، في حقيقة الأمر، تسيطر على حدود القطاع ومياهه ومجاله الجوي.
تجلت أبرز مظاهر الحصار على قطاع غزة في احكام السلطات الإسرائيلية سيطرتها على حركة المعابر التجارية بين القطاع وإسرائيل، ومنع توريد أصناف عديدة من البضائع والمواد الأساسية ومستلزمات البنية التحتية إلى قطاع، فضلًا عن إغلاقها لمعبر رفح لفترات طويلة عقب وقوع الانقسام الفلسطيني الداخلي، ومن ثم تقييد حركة المسافرين منه وإليه، ووضع قائمة سوداء للممنوعين من السفر، قبل أن تُدخل الحكومة المصرية تحسينات على أعداد المسافرين من وإلى القطاع.
شكّل انبعاث الثورات العربية أواخر العام 2010، اختبارًا صعبًا وتحديًا كبيرًا أمام حركة "حماس"، الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة حيال المستقبل السياسي للحركة، لا سيما في ظل صعود تيار الإسلام السياسي وتوليه الحكم في بعض الدول العربية. ففي حين قلل بعض المراقبين من الآمال المرجوة لجهة نصرة "حماس" التي تعيش عزلة سياسية وحصارًا مُحكمًا، فإن آخرين رأوا أن صعود التيار الإسلامي في (مصر، تونس والمغرب) يصب مباشرة في صالح الحركة ويهيئ لها الفضاء لإنهاء الحصار السياسي والاقتصادي.
الواقع، أن فوز "الإخوان المسلمين" في هذه الدول، وخصوصًا في مصر، لم يحقق لحركة "حماس" الآمال العريضة التي توقعتها، فهو من ناحية لم ينهِ حصار قطاع غزة، ومن ناحية أخرى لم يفتح الآفاق أمام الحكومة لزيادة فاعليتها على الصعيد السياسي، فمصر "مرسي" لم تبدِ استعدادها لقطع علاقاتها بإسرائيل، أو التخلي عن معاهدة السلام الموقعة معها، ولا لتغيير سياستها تجاه غزة. إن أكثر ما قدمته مصر طيلة حكم مرسي رعايتها لاتفاق التهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في 21(تشرين الثاني) نوفمبر 2012.
تعمقت أزمة "حماس" وحكومتها في غزة مع تجدد الثورة الشعبية المصرية في 30(حزيران) يونيو 2013، وعزل الرئيس المصري "محمد مرسي"، حيث واجهت الحركة اتهامات من قِبل دوائر رسمية مصرية، بالتورط في استهداف الجيش المصري ومساندة إخوان مصر. كان سلوك "حماس" تجاه مصر واضحًا ولا يحتاج إلى أدلة وذلك بالنظر إلى تورطها السياسي والإعلامي في الشئون المصرية الداخلية، الأمر الذي دفع محكمة القاهرة للأمور المستعجلة اتخاذ قرارًا يقضي بحظر أنشطة الحركة ومصادرة ممتلكاتها وجمعياتها.
لم تتوقف "حماس" طوال الفترة الماضية عن التدخل في الشؤون المصرية الداخلية، وكذلك لم تقم بالدور المطلوب من أجل التقارب مع مصر وإرساء علاقات التعاون معها، رغم النصائح العديدة التي تلقتها في هذا الجانب، ربما لأنها لم تُدرك أنه لا غنى لغزة أو للفلسطينيين عن مصر بحكم التاريخ المشترك والمصير الواحد.
لقد بات من المؤكد القول بأن عزلة "حماس" على المستويين الإقليمي والدولي، وعدم قدرة حكومتها في غزة على تقديم النموذج الأمثل في الحكم، كان ذلك دافعًا قويًا أدى إلى موافقة الحركة على استقبال وفد منظمة التحرير الفلسطينية في غزة وتوقيع اتفاقًا للمصالحة لإنهاء حالة الانقسام المرير بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
2. تعثر مسار التسوية السياسية
بعد انقطاع دام لأكثر من ثلاث سنوات، قررت الإدارة الأمريكية معاودة المحادثات السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ووضعت مدة زمنية للتوصل إلى اتفاق لا يتجاوز التسعة الأشهر بدءًا من 29 (تموز) يوليو 2013. منذ ذلك الوقت واجه مسار المفاوضات الكثير من العقبات والصعوبات، وكادت المفاوضات أن تنهار بسبب إصرار الحكومة الإسرائيلية على مواصلة أعمال البناء في مستوطنات الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة.
رغم التحديات الكبيرة التي واجهها مسار التسوية السياسية مع إسرائيل، أصّرت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على العودة إلى المفاوضات بتلبية ثلاثة شروط: وقف الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، وأن تكون هناك مرجعية واضحة ومحددة للتفاوض مبنية على اعتراف إسرائيل بحل الدولتين على حدود 1967، وإطلاق سراح الأسرى وخصوصًا القدامى الذين أسروا قبل توقيع اتفاق أوسلو عام 1993.
انقضت مهلة التفاوض المحددة بتسعة أشهر دون تحقيق مطلبين أسياسيين من المطالب الثلاثة التي وضعتها القيادة الفلسطينية وهما، وقف الاستيطان في المناطق المحتلة عام 1967، واعتبار حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، أساسًا للمفاوضات، فقد رفضت إسرائيل تنفيذ هذين المطلبين، لكنها استجابت للمطلب الثالث، وهو إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين القدامى، والبالغ عددهم (104) أسرى. وجرى الاتفاق على أن يُطلق سراح الأسرى على أربع مراحل، يجري تنفيذ المرحلة الرابعة منها بعد ثمانية شهور من بدء المفاوضات، مقابل التزام القيادة الفلسطينية بعدم التوجه إلى هيئات الأمم المتحدة طوال هذه المفاوضات.
حلت مدة الشهور التسعة دون أن تلتزم حكومة إسرائيل بإطلاق سراح أسرى الدفعة الرابعة، أو الالتزام بتلبية استحقاقات التسوية السياسية، في غياب الضغط الجدي والفاعل من قبل الولايات المتحدة على إسرائيل لحثها على التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. أرادت إسرائيل تمديد المفاوضات قبل إطلاق سراح أسرى الدفعة الرابعة، إلا أن الجانب الفلسطيني رفض على اعتبار أن الملفين منفصلان، ورد على إسرائيل باتخاذ إجراءات عملية لجهة تفعيل عضوية دولة فلسطين في المؤسسات الدولية، ومن بينها إعلان الانضمام باسم دولة فلسطين إلى (15) اتفاقية ومعاهدة دولية.
ردت حكومة نتنياهو بإجراءات عقابية ضد السلطة الفلسطينية، فحجبت أموال الضرائب التي تقدر بنحو 1.5 مليار سنويًا، كما هددت باتخاذ إجراءات عقابية في حال إتمام المصالحة بين "فتح" و"حماس"، ووصل الأمر برئيس حكومة إسرائيل تخيير الرئيس الفلسطيني بين المفاوضات وعملية السلام وبين الشراكة مع حركة "حماس".
الواقع أن السلطة الفلسطينية أدركت مبكرًا المأزق الخطر الذي تواجهه عملية التسوية السياسية بفعل تعنت الحكومة الإسرائيلية وعدم جديتها في التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الصراع العربي الإسرائيلي الممتد منذ ما يزيد على خمسة وستين عامًا، فضلًا عن إدراكها بعدم جدية الإدارة الأمريكية في الضغط على إسرائيل لإلزامها بتلبية شروط ومتطلبات عملية السلام، وهي تدرك أن الإدارة الأمريكية لديها من السلطة والنفوذ ما يمكنها من تحقيق ذلك. لم تستجب السلطة الفلسطينية للاتهامات الإسرائيلية، ولم تنصاع للضغوط الأمريكية والإسرائيلية معًا الرامية إلى إلزامها بالتراجع عن مسار المصالحة الفلسطينية، والإبقاء على القطيعة بين الضفة الغربية وقطاع غزة. عزّزت القيادة الفلسطينية من دورها باتجاه تحقيق المصالحة مع حركة "حماس"، وقد بذلت الجهد الكبير في سبيل التوصل إلى تفاهمات بشأن تطبيق المصالحة الفلسطينية على أرض الواقع.
المعنى، أن القيادة الفلسطينية تدرك أنه لا طائل من وراء المفاوضات في ظل حكومة نتنياهو، وتتجه بكل قوة لمعالجة الأوضاع الداخلية المتردية بفعل الانقسام السياسي المرير بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي التي عقدت اتفاقًا مع حركة "حماس" أملًا في عودة الهيبة والاعتبار للنظام السياسي الفلسطيني والتأسيس لشراكة بين القوى السياسية الفلسطينية.
إن السلطة الفلسطينية أدركت مبكرًا تعنت الحكومة الإسرائيلية وعدم جديتها في التوصل إلى اتفاق سلام، فضلًا عن إدراكها عدم جدية الإدارة الأمريكية في الضغط على إسرائيل
ثانيًا: معوقات إنهاء الانقسام الفلسطيني
1- عدم تمكين حكومة التوافق من العمل في غزة
اكتسبت حكومة التوافق الوطني أهميتها من المشاورات الداخلية المعمقة التي أجرتها القوى والفصائل الفلسطينية، في ظل القناعة بأن الحكومة تُشكل استجابةً حقيقة ومخرجًا ملحًا لمعالجة الواقع المأزوم الناجم عن انقسام المجال السياسي الفلسطيني. رحبت دول عربية وأجنبية ومنظمات دولية عديدة أهمها، مصر وجامعة الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة والاتحاد الأوربي باتفاق المصالحة الفلسطينية وتشكيل حكومة التوافق الوطني، وعقد الفلسطينيون آمالًا عريضة على الاتفاق الذي ينهي حالة الانقسام الذي اكتووا بنارها طوال السنوات السبع الماضية، كذلك فإنهم تطلعوا إلى تشكيل حكومة التوافق باعتبارها الخطوة الأولى لاستعادة وتوحيد النظام السياسي الفلسطيني. غير أن الحكومة، ومنذ أيامها الأولى، واجهت الكثير من العقبات، ففي الوقت الذي بسطت نفوذها وامتدت فيه ولايتها على المؤسسات الحكومية في الضفة الغربية، فإن حركة "حماس" لم تمكنها من العمل بحرية في قطاع غزة، حتى أن الوزراء الأربعة الذين تم تعيينهم من قطاع غزة لم يتمكنوا من مزاولة مهامهم، كذلك فإن حركة "حماس" لم تسمح للعاملين في السلطة الفلسطينية المعينين قبل العام 2007، بالعودة إلى وزاراتهم رغم قرار مجلس الوزراء الذي دعاهم في اليوم التالي لتشكيل الحكومة لاستئناف أعمالهم. فضلًا عن ذلك فإن حركة "حماس" واصلت سيطرتها على قطاع غزة واحتفظت بالمهام الأمنية، ولم تتح للحكومة أية دور في المجال الشرطي والأمني.
2- استيعاب موظفي القطاع الحكومي
يُرجع المتابعون للشأن الفلسطيني موافقة قيادة "حماس" على التوقيع على اتفاق المصالحة إلى نواياهم المُضمرة حيال اعتماد وتمكين موظفي القطاع الحكومي، الذين جرى تعيينهم بعد العام 2007 ( يقدر عددهم بـ 45.000 موظف)، من العمل في مؤسسات السلطة الفلسطينية، وبالتالي ضمان انخراط عدد معتبر من الموالين للحركة في صفوف السلطة الفلسطينية. كان ذلك واضحًا منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة، وكانت قضية استيعاب الموظفين أحد الشروط القاسية التي قذفتها "حماس" في وجه الحكومة. السلطة الفلسطينية وافقت على استيعاب أعداد كبيرة من هؤلاء الموظفين بعد خضوعهم لمعايير خاصة تقرها اللجنة الإدارية والقانونية المشكلة لهذا الغرض، أما "حماس" فقد اشترطت أن يتم الدمج والاستيعاب قبل تمكين الحكومة من العمل في قطاع غزة، وقبل الحديث حتى عن عودة موظفي السلطة الفلسطينية القدامى إلى أعمالهم.
1- عدم تمكين حكومة التوافق من العمل في غزة
اكتسبت حكومة التوافق الوطني أهميتها من المشاورات الداخلية المعمقة التي أجرتها القوى والفصائل الفلسطينية، في ظل القناعة بأن الحكومة تُشكل استجابةً حقيقة ومخرجًا ملحًا لمعالجة الواقع المأزوم الناجم عن انقسام المجال السياسي الفلسطيني. رحبت دول عربية وأجنبية ومنظمات دولية عديدة أهمها، مصر وجامعة الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة والاتحاد الأوربي باتفاق المصالحة الفلسطينية وتشكيل حكومة التوافق الوطني، وعقد الفلسطينيون آمالًا عريضة على الاتفاق الذي ينهي حالة الانقسام الذي اكتووا بنارها طوال السنوات السبع الماضية، كذلك فإنهم تطلعوا إلى تشكيل حكومة التوافق باعتبارها الخطوة الأولى لاستعادة وتوحيد النظام السياسي الفلسطيني. غير أن الحكومة، ومنذ أيامها الأولى، واجهت الكثير من العقبات، ففي الوقت الذي بسطت نفوذها وامتدت فيه ولايتها على المؤسسات الحكومية في الضفة الغربية، فإن حركة "حماس" لم تمكنها من العمل بحرية في قطاع غزة، حتى أن الوزراء الأربعة الذين تم تعيينهم من قطاع غزة لم يتمكنوا من مزاولة مهامهم، كذلك فإن حركة "حماس" لم تسمح للعاملين في السلطة الفلسطينية المعينين قبل العام 2007، بالعودة إلى وزاراتهم رغم قرار مجلس الوزراء الذي دعاهم في اليوم التالي لتشكيل الحكومة لاستئناف أعمالهم. فضلًا عن ذلك فإن حركة "حماس" واصلت سيطرتها على قطاع غزة واحتفظت بالمهام الأمنية، ولم تتح للحكومة أية دور في المجال الشرطي والأمني.
2- استيعاب موظفي القطاع الحكومي
يُرجع المتابعون للشأن الفلسطيني موافقة قيادة "حماس" على التوقيع على اتفاق المصالحة إلى نواياهم المُضمرة حيال اعتماد وتمكين موظفي القطاع الحكومي، الذين جرى تعيينهم بعد العام 2007 ( يقدر عددهم بـ 45.000 موظف)، من العمل في مؤسسات السلطة الفلسطينية، وبالتالي ضمان انخراط عدد معتبر من الموالين للحركة في صفوف السلطة الفلسطينية. كان ذلك واضحًا منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة، وكانت قضية استيعاب الموظفين أحد الشروط القاسية التي قذفتها "حماس" في وجه الحكومة. السلطة الفلسطينية وافقت على استيعاب أعداد كبيرة من هؤلاء الموظفين بعد خضوعهم لمعايير خاصة تقرها اللجنة الإدارية والقانونية المشكلة لهذا الغرض، أما "حماس" فقد اشترطت أن يتم الدمج والاستيعاب قبل تمكين الحكومة من العمل في قطاع غزة، وقبل الحديث حتى عن عودة موظفي السلطة الفلسطينية القدامى إلى أعمالهم.
لا تزال هناك فرص أمام طرفي الانقسام لاستعادة الثقة المفقودة بينهما، وتطبيق بنود الاتفاق الموقع بينهما لإنهاء حالة الانقسام السياسي والجغرافي، وتوحيد النظام السياسي الفلسطيني
ثالثًا: آفاق المصالحة الفلسطينية واحتمالاتها
رغم تعدد العقبات التي تعترض مسار المصالحة الفلسطينية، إلا أنه لا تزال هناك فرص أمام طرفي الانقسام لاستعادة الثقة المفقودة بينهما، وتطبيق بنود الاتفاق الموقع بينهما لإنهاء حالة الانقسام السياسي والجغرافي، وتوحيد النظام السياسي الفلسطيني، لا سيما في ظل الإدراك بأن استمرار حالة الانقسام سوف تنتج تداعيات سلبية ليس فقط على مستوى العلاقات الفلسطينية- الفلسطينية، ولا على مستوى تراجع دور ومكانة المؤسسة الرسمية الفلسطينية، وإنما على مستوى المشروع الوطني الشامل الذي يُمكن من رسم ملامح المستقبل الفلسطيني ومستقبل الدولة العتيدة.
وفي هذا السياق، يتأرجح مستقبل المصالحة وإنهاء الانقسام السياسي والجغرافي بين ثلاثة احتمالات رئيسية:
الاحتمال الأول: النجاح الشامل، والذي يمكن أن يتحقق في حال تغليب المصلحة الوطنية العليا، وتطبيق بنود الاتفاق الذي جرى توقيعه والتوصل إلى تفاهمات مشتركة بشأن القضايا الخلافية تقود إلى استعادة الوحدة الوطنية، وذلك عبر: إعادة بناء وتوحيد مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية. إلى جانب تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات العامة (المجلس الوطني لمنظمة التحرير، رئاسة السلطة والمجلس التشريعي) وفقًا لما أقرته التفاهمات الفلسطينية في إعلان القاهرة كانون الثاني (يناير) 2005، ووثيقة الوفاق الوطني آذار (مارس) 2006، والورقة المصرية للمصالحة كانون الأول (ديسمبر) 2011، واتفاق الدوحة شباط (فبراير) 2012، واتفاق غزة نيسان (أبريل) 2014.
الاحتمال الثاني: إدارة الانقسام، ويعني ذلك استمرار الوضع القائم. وضمن هذا السيناريو يمكن أن ينجح طرفي الانقسام في إيجاد نوع من التعايش مع الانقسام وإدارته وليس حله، عبر تأليف لجنة مشتركة تتولى مهمة التنسيق بين ورام اللـه وغزة في أمور الحياة اليومية.
الاحتمال الثالث: الفشل والانهيار الكامل، وذلك في حالة استمرار كل طرف في تمسكه برؤيته دون تغليب المصلحة الوطنية العليا، الأمر الذي يعني ديمومة حالة الانقسام. وفي المحصلة فإن هذا الأمر سيطيح بالوحدة الوطنية وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، كما أنه سيضعف قدرة الفلسطينيين على مواجهة التحديات الخارجية التي تستهدف المشروع الوطني برمته، وتجعلهم غير قادرين على تحقيق تطلعاتهم في التحرر والاستقلال الوطني.
*باحث في الشئون الفلسطينية- طالب دكتوراه في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية في جامعة محمد الخامس بالرباط.
رغم تعدد العقبات التي تعترض مسار المصالحة الفلسطينية، إلا أنه لا تزال هناك فرص أمام طرفي الانقسام لاستعادة الثقة المفقودة بينهما، وتطبيق بنود الاتفاق الموقع بينهما لإنهاء حالة الانقسام السياسي والجغرافي، وتوحيد النظام السياسي الفلسطيني، لا سيما في ظل الإدراك بأن استمرار حالة الانقسام سوف تنتج تداعيات سلبية ليس فقط على مستوى العلاقات الفلسطينية- الفلسطينية، ولا على مستوى تراجع دور ومكانة المؤسسة الرسمية الفلسطينية، وإنما على مستوى المشروع الوطني الشامل الذي يُمكن من رسم ملامح المستقبل الفلسطيني ومستقبل الدولة العتيدة.
وفي هذا السياق، يتأرجح مستقبل المصالحة وإنهاء الانقسام السياسي والجغرافي بين ثلاثة احتمالات رئيسية:
الاحتمال الأول: النجاح الشامل، والذي يمكن أن يتحقق في حال تغليب المصلحة الوطنية العليا، وتطبيق بنود الاتفاق الذي جرى توقيعه والتوصل إلى تفاهمات مشتركة بشأن القضايا الخلافية تقود إلى استعادة الوحدة الوطنية، وذلك عبر: إعادة بناء وتوحيد مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية. إلى جانب تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات العامة (المجلس الوطني لمنظمة التحرير، رئاسة السلطة والمجلس التشريعي) وفقًا لما أقرته التفاهمات الفلسطينية في إعلان القاهرة كانون الثاني (يناير) 2005، ووثيقة الوفاق الوطني آذار (مارس) 2006، والورقة المصرية للمصالحة كانون الأول (ديسمبر) 2011، واتفاق الدوحة شباط (فبراير) 2012، واتفاق غزة نيسان (أبريل) 2014.
الاحتمال الثاني: إدارة الانقسام، ويعني ذلك استمرار الوضع القائم. وضمن هذا السيناريو يمكن أن ينجح طرفي الانقسام في إيجاد نوع من التعايش مع الانقسام وإدارته وليس حله، عبر تأليف لجنة مشتركة تتولى مهمة التنسيق بين ورام اللـه وغزة في أمور الحياة اليومية.
الاحتمال الثالث: الفشل والانهيار الكامل، وذلك في حالة استمرار كل طرف في تمسكه برؤيته دون تغليب المصلحة الوطنية العليا، الأمر الذي يعني ديمومة حالة الانقسام. وفي المحصلة فإن هذا الأمر سيطيح بالوحدة الوطنية وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، كما أنه سيضعف قدرة الفلسطينيين على مواجهة التحديات الخارجية التي تستهدف المشروع الوطني برمته، وتجعلهم غير قادرين على تحقيق تطلعاتهم في التحرر والاستقلال الوطني.
*باحث في الشئون الفلسطينية- طالب دكتوراه في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية في جامعة محمد الخامس بالرباط.