الدولة النموذج: ماذا يعنى المؤتمر الاقتصادي بالنسبة لوضع مصر في إقليم الشرق الأوسط؟
الأربعاء 03/يونيو/2015 - 10:58 ص
د.إيمان رجب
رغم الطابع الاقتصادي لمؤتمر "تنمية الاقتصاد المصري" الذي عقد في شرم الشيخ منتصف مارس 2015، فإنه يحمل العديد من الدلالات السياسية الخاصة بوضع مصر في إقليم الشرق الأوسط. والحديث عن هذه الدلالات يعد امتدادا لظاهرة ترسخت بعد ثورة 25 يناير 2011، وتتعلق بأن الدعم الاقتصادي الذي تحصل عليه مصر من الدول الرئيسية في الإقليم، يتأثر عادة بتقييمات الدول لمن يحكم مصر.
ويكشف تحليل سياسات الدول في الإقليم تجاه مصر منذ ثورة 25 يناير 2011، عن أن هذه التقييمات مستمرة ومتغيرة وتتأثر بالسياسات الداخلية والخارجية للنظام المصري. فعلى سبيل المثال، تحدث رئيس الوزراء المصري، كمال الجنزوري أثناء المرحلة الانتقالية الأولى في بيانه الأول أمام مجلس الشعب المصري، عن أن الدول العربية والغربية التي وعدت مصر بمساعدتها بعد الثورة "لم تف بوعدها". حيث استنادا لوزيرة التعاون الدولي حينها فايزة أبو النجا، بلغ إجمالي المساعدات العربية المعلنة لمصر بعد ثورة 25 يناير 2011، والبالغة قيمتها 8.2 مليار دولار، خاصة من قبل السعودية والإمارات، لم تحصل منها مصر سوى على 500 مليون دولار من السعودية(1).
وتختلف حالة قطر عن السعودية والإمارات، فنظرا لأن قطر لم تصور جماعة الإخوان على أنها مصدر تهديد لأمنها أو نفوذها في المنطقة، فقد سعت لدعمها وإنجاح تجربتها في الحكم، باعتبارها القناة التي من خلالها تستطيع أن تتحكم في مسار التغيير، وارتبط دوما تأخر ضخ استثمارات قطرية جديدة في مصر بعد الثورة، بالوضع السياسي فيها بالدرجة الأولى، حيث فضلت قطر خلال الفترة السابقة على الانتخابات الرئاسية يونيو 2012، الانتظار حتى استكمال هياكل الدولة المصرية، والانتهاء من انتخابات الرئاسة. وبعد الانتخابات الرئاسية، عملت على ضخ استثمارات من خلال شراء سندات بقيمة خمسة مليارات دولار، ثم أعلنت في أبريل 2013، عن عزمها شراء سندات أخرى بقيمة 3 مليارات دولار، ولكن لا توجد معلومات محددة حول ما إذا كانت قد قامت بالشراء فعلا.
واستمرت دول الخليج في تبني هذه السياسة تجاه مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013، حيث اتجهت كل من الإمارات والسعودية بصورة رئيسية لضخ استثمارات ومساعدات عينية للدولة المصرية دعما للنظام الجديد(2)، سواء من خلال التنفيذ المباشر للمشروعات التي تؤثر على الحياة اليومية للمواطن المصري كما في حالة الإمارات، أو من خلال تقديمها للحكومة المصرية، حيث أعلنت السعودية تقديم خمسة مليارات دولار، منها مليارا دولار وديعة في البنك المركزي، ومليار دولار نقدا، وتوفير نفط وغاز بقيمة ملياري دولار(3). كما قدمت دولة الإمارات 9 مليارات و600 ألف دولار لمصر، منها ثلاثة مليارات أعلن عنها بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين مباشرة، وذلك إلى جانب استثمارات القطاع الخاص الإماراتي، والتي تبلغ 7 مليارات دولار(4)، مع حرص من جانب الدولة على متابعة تنفيذ هذه المشاريع من خلال لجنة معنية بذلك تتبع الحكومة الإماراتية، ويرأسها وزير الدولة سلطان الجابر.
ويكشف تحليل حجم التمثيل الإقليمي في مؤتمر شرم الشيخ، فضلا عن حجم المشاريع التي تم الاتفاق عليها مع الدول والشركات المشاركة فيه والقطاعات التي تستهدفها والتي بلغت قيمتها الإجمالية 138 مليار دولار(5)، عن استمرار "تسييس" الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية لمصر، وهو ما سيؤثر على مجالات الحركة الخارجية المتاحة لمصر خلال الفترة المقبلة.
ويكشف تحليل سياسات الدول في الإقليم تجاه مصر منذ ثورة 25 يناير 2011، عن أن هذه التقييمات مستمرة ومتغيرة وتتأثر بالسياسات الداخلية والخارجية للنظام المصري. فعلى سبيل المثال، تحدث رئيس الوزراء المصري، كمال الجنزوري أثناء المرحلة الانتقالية الأولى في بيانه الأول أمام مجلس الشعب المصري، عن أن الدول العربية والغربية التي وعدت مصر بمساعدتها بعد الثورة "لم تف بوعدها". حيث استنادا لوزيرة التعاون الدولي حينها فايزة أبو النجا، بلغ إجمالي المساعدات العربية المعلنة لمصر بعد ثورة 25 يناير 2011، والبالغة قيمتها 8.2 مليار دولار، خاصة من قبل السعودية والإمارات، لم تحصل منها مصر سوى على 500 مليون دولار من السعودية(1).
وتختلف حالة قطر عن السعودية والإمارات، فنظرا لأن قطر لم تصور جماعة الإخوان على أنها مصدر تهديد لأمنها أو نفوذها في المنطقة، فقد سعت لدعمها وإنجاح تجربتها في الحكم، باعتبارها القناة التي من خلالها تستطيع أن تتحكم في مسار التغيير، وارتبط دوما تأخر ضخ استثمارات قطرية جديدة في مصر بعد الثورة، بالوضع السياسي فيها بالدرجة الأولى، حيث فضلت قطر خلال الفترة السابقة على الانتخابات الرئاسية يونيو 2012، الانتظار حتى استكمال هياكل الدولة المصرية، والانتهاء من انتخابات الرئاسة. وبعد الانتخابات الرئاسية، عملت على ضخ استثمارات من خلال شراء سندات بقيمة خمسة مليارات دولار، ثم أعلنت في أبريل 2013، عن عزمها شراء سندات أخرى بقيمة 3 مليارات دولار، ولكن لا توجد معلومات محددة حول ما إذا كانت قد قامت بالشراء فعلا.
واستمرت دول الخليج في تبني هذه السياسة تجاه مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013، حيث اتجهت كل من الإمارات والسعودية بصورة رئيسية لضخ استثمارات ومساعدات عينية للدولة المصرية دعما للنظام الجديد(2)، سواء من خلال التنفيذ المباشر للمشروعات التي تؤثر على الحياة اليومية للمواطن المصري كما في حالة الإمارات، أو من خلال تقديمها للحكومة المصرية، حيث أعلنت السعودية تقديم خمسة مليارات دولار، منها مليارا دولار وديعة في البنك المركزي، ومليار دولار نقدا، وتوفير نفط وغاز بقيمة ملياري دولار(3). كما قدمت دولة الإمارات 9 مليارات و600 ألف دولار لمصر، منها ثلاثة مليارات أعلن عنها بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين مباشرة، وذلك إلى جانب استثمارات القطاع الخاص الإماراتي، والتي تبلغ 7 مليارات دولار(4)، مع حرص من جانب الدولة على متابعة تنفيذ هذه المشاريع من خلال لجنة معنية بذلك تتبع الحكومة الإماراتية، ويرأسها وزير الدولة سلطان الجابر.
ويكشف تحليل حجم التمثيل الإقليمي في مؤتمر شرم الشيخ، فضلا عن حجم المشاريع التي تم الاتفاق عليها مع الدول والشركات المشاركة فيه والقطاعات التي تستهدفها والتي بلغت قيمتها الإجمالية 138 مليار دولار(5)، عن استمرار "تسييس" الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية لمصر، وهو ما سيؤثر على مجالات الحركة الخارجية المتاحة لمصر خلال الفترة المقبلة.
اتجهت القيادة السياسية خلال هذا المؤتمر، لطرح نفسها كنموذج في المنطقة، يجمع بين الطبيعة "الشعبوية" للقيادة populist، وبين الداعم للتنمية المستدامة القائمة على الاستثمارات
أولا- استمرار التوتر مع الدول "المثيرة للمشاكل"
تتمثل الدلالة السياسية الأولى للمؤتمر الاقتصادي، في عدم حدوث تحول هيكلي في موقف الدول التي تبنت موقف سلبي من النظام الجديد في مصر، لكونها من الدول "الخاسرة" من سقوط حكم الإخوان، والتي لا تزال تتبنى سياسات تضر بالمصالح المصرية، على نحو يجعلها خلال المرحلة الحالية من الدول "المثيرة للمشاكل" trouble maker بالنسبة لمصر، وبالتبعية تظل قراراتها الاقتصادية متأثرة بتقييمها لبنية الحكم في مصر، ومدى خدمتها لمصالحها. فمن ناحية، رغم توجيه مصر دعوة لقطر للمشاركة في هذا المؤتمر، كان مستوى مشاركتها بوفد يرأسه مساعد وزير التجارة والصناعة القطرية، ولم يتم الإعلان عن تعهد قطر بتنفيذ أي مشاريع استثمارية في مصر. ولعل حرص قطر على المشاركة في هذا المؤتمر بمستوى تمثيل ضعيف، وعدم مقاطعته، مرتبط بضغوط ما تمارسها بعض دول الخليج من أجل التقريب بين مصر وقطر، لاسيما بعد تراجع قطر عن المصالحة التي قادها الملك عبد اللـه بعد وفاته.
ورغم ذلك، يظل استمرار الاستثمارات القطرية على مستواها الحالي أفضل من تراجعها، حيث يبلغ حجم هذه الاستثمارات خلال الفترة يوليو- مارس من العام المالي 2013/2014 نحو 89.9 مليون دولار، وتتركز وفق بيانات الهيئة العامة للاستعلامات(6) في القطاعين العقاري والسياحي، ومنها مشروعات الشركات العقارية القطرية مثل شركة ديار في جنوب سيناء والبحر الأحمر، بالإضافة إلى بعض الاستثمارات في قطاع الصناعة من خلال المساهمة في رؤوس أموال شركات الحديد والصلب مثل ناشيونال ستيل، ويونايتد ستيل، وحديد المصريين.
ويعد مستقبل الاستثمارات القطرية في مصر مرهونا بالعلاقات السياسية بين الجانبين، وبدرجة تغير السياسات القطرية تجاه مصر، خاصة وأنه قد تم تجميد مجلس الأعمال المصري- القطري منذ أغسطس 2014، كما تراجعت هذه الاستثمارات بنسبة 80% بعد ثورة 30 يونيو 2013 مقارنة بالفترة السابقة عليها(7).
إلى جانب ذلك، لم توجه الحكومة المصرية دعوة لتركيا للمشاركة في هذا المؤتمر، ووفق تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي، فإن ذلك يرجع إلى عدم استيفائها الشروط المتعلقة بحجم الاستثمارات في مصر وعضويتها في المنظمات الاقتصادية الدولية، خاصة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية )OECD8).
ويمكن فهم هذا التبرير في إطار التبريرات الدبلوماسية، حيث تعد تركيا عضو في هذه المنظمة، كما أن الاستثمارات التركية في مصر بلغت قيمتها خلال فترة الرئيس الأسبق محمد مرسي 2 مليار دولار، تنفذها 250 شركة تعمل في قطاع النسيج، وأصبحت مصر الوجهة رقم 13 بالنسبة للصادرات التركية والتي بلغت قيمتها 3.8 مليار دولار سنويا(9).
ويمكن تفسير عدم دعوة تركيا للمؤتمر، باستمرار القضايا الخلافية بينها ومصر، وأهمها الموقف من جماعة الإخوان ومن النظام الجديد في مصر، حيث يتبنى الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان منذ أن كان رئيسا للوزراء، موقفا داعما للجماعة، ويرى أن النظام الجديد غير شرعي، وذلك على خلاف موقف رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو. ورغم ذلك، هناك حرص بألا ينتج عن الخلافات السياسية سحب الاستثمارات التركية الموجودة حاليا في مصر، وذلك رغم وجود بعض القضايا التي قد تدفع المستثمرين الأتراك لعدم التوسع في استثماراتهم من قبيل قضية إغراق سوق الحديد، ومراجعة الاتفاقيات التي أبرمتها تركيا مع الرئيس الأسبق محمد مرسي حول الاستثمار في قناة السويس(10).
ثانيا- استمرار التحالف "الثلاثي"
يرتبط نجاح انعقاد هذا المؤتمر بدرجة عالية من المهنية بكفاءة "اللجنة التوجيهية" القائمة على تنظيمه، والتي ضمت إلى جانب الحكومة المصرية، ممثل عن حكومة الإمارات، ممثلا في وزير الدولة سلطان الجابر، فضلا عن ممثل عن السعودية ممثلا في وزير المالية إبراهيم العساف.
ويحمل تشكيل هذه اللجنة استمرار التزام كل من السعودية والإمارات، بدعم مصر اقتصاديا، باعتبار أن ذلك هو المدخل من أجل تحقيق الاستقرار في مصر خلال الفترة المقبلة، وذلك استمرارا للسياسات التي تبنتها هاتان الدولتان منذ ثورة 30 يونيو 2013.
وقد انعكس هذا الالتزام في مستوى تمثيل هاتين الدولتين في المؤتمر، فضلا عن المشاريع التي أعلنتا عنها، حيث حرص ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد على الوجود المبكر في شرم الشيخ، رغم أنه لم يمثل بلاده في المؤتمر، ومثل الدولة في المؤتمر وفد يرأسه محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس الوزراء وحاكم دبي، وقد تعهدت الإمارات بتقديم 4 مليارات دولار كمنحة لمصر، فضلا عن تنفيذ عدة مشاريع عملاقة في مصر، تعاقدت عليها العديد من الشركات الإماراتية في قطاعي الطاقة والإسكان.
إلى جانب ذلك، أعلن ولي عهد السعودية، مقرن بن عبد العزيز، عن تقديم السعودية مساعدات بقيمة 4 مليارات دولار، وذلك إلى جانب المشاركة في مشاريع استثمارية في قطاع الطاقة والكهرباء. كما أعلن أمير الكويت في المؤتمر عن تقديم 4 مليارات دولار لمصر، وعمان عن 500 مليون دولار.
تتمثل الدلالة السياسية الأولى للمؤتمر الاقتصادي، في عدم حدوث تحول هيكلي في موقف الدول التي تبنت موقف سلبي من النظام الجديد في مصر، لكونها من الدول "الخاسرة" من سقوط حكم الإخوان، والتي لا تزال تتبنى سياسات تضر بالمصالح المصرية، على نحو يجعلها خلال المرحلة الحالية من الدول "المثيرة للمشاكل" trouble maker بالنسبة لمصر، وبالتبعية تظل قراراتها الاقتصادية متأثرة بتقييمها لبنية الحكم في مصر، ومدى خدمتها لمصالحها. فمن ناحية، رغم توجيه مصر دعوة لقطر للمشاركة في هذا المؤتمر، كان مستوى مشاركتها بوفد يرأسه مساعد وزير التجارة والصناعة القطرية، ولم يتم الإعلان عن تعهد قطر بتنفيذ أي مشاريع استثمارية في مصر. ولعل حرص قطر على المشاركة في هذا المؤتمر بمستوى تمثيل ضعيف، وعدم مقاطعته، مرتبط بضغوط ما تمارسها بعض دول الخليج من أجل التقريب بين مصر وقطر، لاسيما بعد تراجع قطر عن المصالحة التي قادها الملك عبد اللـه بعد وفاته.
ورغم ذلك، يظل استمرار الاستثمارات القطرية على مستواها الحالي أفضل من تراجعها، حيث يبلغ حجم هذه الاستثمارات خلال الفترة يوليو- مارس من العام المالي 2013/2014 نحو 89.9 مليون دولار، وتتركز وفق بيانات الهيئة العامة للاستعلامات(6) في القطاعين العقاري والسياحي، ومنها مشروعات الشركات العقارية القطرية مثل شركة ديار في جنوب سيناء والبحر الأحمر، بالإضافة إلى بعض الاستثمارات في قطاع الصناعة من خلال المساهمة في رؤوس أموال شركات الحديد والصلب مثل ناشيونال ستيل، ويونايتد ستيل، وحديد المصريين.
ويعد مستقبل الاستثمارات القطرية في مصر مرهونا بالعلاقات السياسية بين الجانبين، وبدرجة تغير السياسات القطرية تجاه مصر، خاصة وأنه قد تم تجميد مجلس الأعمال المصري- القطري منذ أغسطس 2014، كما تراجعت هذه الاستثمارات بنسبة 80% بعد ثورة 30 يونيو 2013 مقارنة بالفترة السابقة عليها(7).
إلى جانب ذلك، لم توجه الحكومة المصرية دعوة لتركيا للمشاركة في هذا المؤتمر، ووفق تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي، فإن ذلك يرجع إلى عدم استيفائها الشروط المتعلقة بحجم الاستثمارات في مصر وعضويتها في المنظمات الاقتصادية الدولية، خاصة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية )OECD8).
ويمكن فهم هذا التبرير في إطار التبريرات الدبلوماسية، حيث تعد تركيا عضو في هذه المنظمة، كما أن الاستثمارات التركية في مصر بلغت قيمتها خلال فترة الرئيس الأسبق محمد مرسي 2 مليار دولار، تنفذها 250 شركة تعمل في قطاع النسيج، وأصبحت مصر الوجهة رقم 13 بالنسبة للصادرات التركية والتي بلغت قيمتها 3.8 مليار دولار سنويا(9).
ويمكن تفسير عدم دعوة تركيا للمؤتمر، باستمرار القضايا الخلافية بينها ومصر، وأهمها الموقف من جماعة الإخوان ومن النظام الجديد في مصر، حيث يتبنى الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان منذ أن كان رئيسا للوزراء، موقفا داعما للجماعة، ويرى أن النظام الجديد غير شرعي، وذلك على خلاف موقف رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو. ورغم ذلك، هناك حرص بألا ينتج عن الخلافات السياسية سحب الاستثمارات التركية الموجودة حاليا في مصر، وذلك رغم وجود بعض القضايا التي قد تدفع المستثمرين الأتراك لعدم التوسع في استثماراتهم من قبيل قضية إغراق سوق الحديد، ومراجعة الاتفاقيات التي أبرمتها تركيا مع الرئيس الأسبق محمد مرسي حول الاستثمار في قناة السويس(10).
ثانيا- استمرار التحالف "الثلاثي"
يرتبط نجاح انعقاد هذا المؤتمر بدرجة عالية من المهنية بكفاءة "اللجنة التوجيهية" القائمة على تنظيمه، والتي ضمت إلى جانب الحكومة المصرية، ممثل عن حكومة الإمارات، ممثلا في وزير الدولة سلطان الجابر، فضلا عن ممثل عن السعودية ممثلا في وزير المالية إبراهيم العساف.
ويحمل تشكيل هذه اللجنة استمرار التزام كل من السعودية والإمارات، بدعم مصر اقتصاديا، باعتبار أن ذلك هو المدخل من أجل تحقيق الاستقرار في مصر خلال الفترة المقبلة، وذلك استمرارا للسياسات التي تبنتها هاتان الدولتان منذ ثورة 30 يونيو 2013.
وقد انعكس هذا الالتزام في مستوى تمثيل هاتين الدولتين في المؤتمر، فضلا عن المشاريع التي أعلنتا عنها، حيث حرص ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد على الوجود المبكر في شرم الشيخ، رغم أنه لم يمثل بلاده في المؤتمر، ومثل الدولة في المؤتمر وفد يرأسه محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس الوزراء وحاكم دبي، وقد تعهدت الإمارات بتقديم 4 مليارات دولار كمنحة لمصر، فضلا عن تنفيذ عدة مشاريع عملاقة في مصر، تعاقدت عليها العديد من الشركات الإماراتية في قطاعي الطاقة والإسكان.
إلى جانب ذلك، أعلن ولي عهد السعودية، مقرن بن عبد العزيز، عن تقديم السعودية مساعدات بقيمة 4 مليارات دولار، وذلك إلى جانب المشاركة في مشاريع استثمارية في قطاع الطاقة والكهرباء. كما أعلن أمير الكويت في المؤتمر عن تقديم 4 مليارات دولار لمصر، وعمان عن 500 مليون دولار.
أن التنسيق بين مصر والسعودية والإمارات منذ ثورة 30 يونيو 2013، أصبح يضع أسقفًا معينة للسياسة الخارجية لمصر، أو لعله يقلص مساحات الحركة المتاحة لها تجاه قضايا إقليمية محددة
ثالثا- مصر دولة "نموذج"
اتجهت القيادة السياسية خلال هذا المؤتمر، لطرح نفسها كنموذج في المنطقة، يجمع بين الطبيعة "الشعبوية" للقيادة populist، وبين الداعم للتنمية المستدامة القائمة على الاستثمارات الأجنبية التي يتم توجيهها لقطاعات نوعية، ومثل هذا النموذج سعت العديد من دول المنطقة للاقتراب منه خلال العقد الماضي، ولكن الأزمة المالية العالمية 2008-2009 أثرت على فرص اكتمال تلك النماذج.
وقد كشف المؤتمر الاقتصادي عددا من التطورات التي تعزز من هذا النموذج، ومنها صورة "سيلفي الرئيس" مع الشباب المشارك في تنظيم المؤتمر، ورغم أنها لم تكن السيلفي الأولى للرئيس السيسي، فإنها الأولى التي تؤخذ على الهواء وأمام الوفود الرسمية المشاركة في المؤتمر.
وتظل مشكلة الطبيعة الشعبوية للقيادة، أنها بحاجة إلى دعم قطاع واسع من الشعب، بفئاته المختلفة، وهو غير متحقق بصورة كبيرة حاليا، فعلى سبيل المثال، تظل "سيلفي الرئيس" تعكس انحيازا يشعر به كل شاب لم يتواجد في هذا المؤتمر، ولا يرى في الأفق فرصة مماثلة لأخذ "السيلفي" مع الرئيس، حتى إن بعض الشباب العاملين في عدة وزارات لها علاقة بتنظيم هذا المؤتمر، رأوا أن عدم حضورهم هذا المؤتمر جعلهم لا يشاركون في "لحظة كتابة التاريخ في مصر" وفق تصورهم. ورغم ذلك، إلا أن هذه الصورة كان لها تداعيات إقليمية، حيث استدعت ردود فعل من بعض شعوب الخليج لأخذ صور سيلفي مع قياداتها، كما فعل الشباب المصري.
إلى جانب ذلك، حرص الرئيس السيسي على إظهار دعمه القوي لفكرة هذا المؤتمر، والتي أطلقها الملك عبد اللـه ملك السعودية، وذلك من خلال حرصه على توجيه الشكر له وللدعم الذي تقدمه السعودية لمصر طوال المؤتمر، وحرصه على الوجود طوال فترة انعقاده، وعلى المشاركة في المفاوضات الخاصة بعدة مشاريع استثمارية، مثل تلك التي ستنفذها شركة سيمينز، لاسيما وأنه المؤتمر الأول الذي نجح في حشد عدد كبير من المستثمرين الراغبين في الاستثمار في مصر، منذ المؤتمر الذي استضافته القاهرة في 1996 تحت عنوان "مؤتمر القاهرة الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، ومؤتمر 1982 الذي عقده الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بعد توليه الحكم.
ورغم حرص اللجنة المنظمة للمؤتمر، على تحديد القطاعات التي بحاجة لاستثمارات ضخمة، حيث حصل قطاع الطاقة والكهرباء على تعاقدات بلغت قيمتها 23 مليار دولار، وقطاع البترول على تعاقدات بقيمة 21 مليار دولار، والعقارات بقيمة تقدر بنحو 60 مليار دولار. وذلك بالإضافة إلى مذكرة تفاهم لإنشاء عاصمة إدارية جديدة بقيمة 45 مليار دولار، فإن إمكانية تنفيذ هذه التعاقدات، وانتقال النجاح في إبرامها إلى برامج تنفيذية، ينفذها الجهاز البيروقراطي للدولة، لا يزال محل اختبار.
رابعا- إشكاليات مستمرة
يظل هناك بُعد آخر لنجاح المؤتمر، مرتبط بحجم القيود التي يفرضها على السياسات الخارجية لمصر، وحجم المناورة المحتملة المتاحة لها في القضايا التي تعد محل خلاف بين مصر وكل من الإمارات والسعودية اللتين لا تزالان الداعم الرئيسي لمصر.
يرتبط القيد الأول بالعلاقات مع إيران، حيث لم يتم توجيه دعوة لإيران للمشاركة في هذا المؤتمر، ويمكن تفسير ذلك، بعاملين، يتمثل العامل الأول في وجود قضايا هيكلية هي محط خلاف بين مصر وإيران، وأثرت طوال الفترة السابقة على ثورة 25 يناير 2011، أكثر من غيرها على فرص التقارب بين إيران ومصر، وهي قضايا ذات طبيعة أمنية، فضلا عن موقف التيارات السلفية من أي تعاون اقتصادي مع إيران.
وينصرف العامل الثاني إلى أن التنسيق بين مصر وكل من السعودية والإمارات منذ ثورة 30 يونيو 2013، أصبح يضع أسقفًا معينة للسياسة الخارجية لمصر، أو لعله يقلص مساحات الحركة المتاحة لها تجاه قضايا إقليمية محددة، ويبدو أن العلاقات مع إيران تقع ضمن هذا النوع من القضايا، وتحكمها وفق تعبير وزير الخارجية نبيل فهمي، أثناء لقائه بالأكاديميين المصريين في ديسمبر 2013،» مصالح أصدقاء مصر في المرحلة الحالية»، والتي أصبحت وفق تعبيره أيضا جزءا من مصالح الدولة المصرية.
ورغم أن حجم الاستثمارات الإيرانية في مصر محدود، وقدرتها على تنفيذ مشاريع محدودة بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، لا سيما مع التزام مصر بتلك العقوبات، وارتباط نشاطها الاقتصادي المحتمل في مصر بالسياحة، فإن عدم دعوتها للمؤتمر تعد رسالة واضحة بأن موضوع العلاقات مع إيران مؤجل إلى حين.
وتبنّي هذا التوجه، في الوقت الذي يتم فيه ترتيب الأوضاع في المنطقة من قبل الولايات المتحدة، على نحو يمنح شرعية كبيرة للدور الإقليمي لإيران الممارس فعليا، وذلك بموجب المفاوضات بينها ومجموعة 5+1 والتي تم التوصل في إطارها إلى اتفاق لوزان في 2 أبريل 2015، قد يعني من الناحية الواقعية، التزام مصر بتوجهات لا تخدم المصالح المصرية في الإقليم.
وينصرف القيد الثاني، إلى التزام مصر بتقديم الدعم للتحركات السعودية في اليمن، وذلك رغم عدم دعم السعودية للتحرك المصري في ليبيا، ورغم أن المخاطر التي قد تترتب على تدخل مصر عسكريا في اليمن، تفوق المكاسب التي يمكن أن تحققها. وإذا كانت الظروف الحالية مكنت النظام المصري من المناورة، من خلال ربط المشاركة الفعلية في عملية عاصفة الحزم باستيفاء الشروط الدستورية، والتي تتمثل وفق نص المادة 152 من الدستور المصري، في الحصول على موافقة مجلس الدفاع الوطني وموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، و" إذا كان مجلس النواب غير قائم، يجب أخذ رأى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وموافقة كل من مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني"، ولم يتم حتى الربع الأسبوع الأول من أبريل 2015، استيفاء هذه الشروط ، وبالتالي اكتفت مصر بالوجود في باب المندب من خلال 4 قطع بحرية.
تظل حقيقة أن "المال يأتي بشروطه" مهمة في تحليل تداعيات المؤتمر الاقتصادي على وضع مصر في الإقليم، حيث ستضع قيود سياسية على حركتها الخارجية، والإشكال الذي تواجهه أصبح مرتبطًا بقدرتها على أن تدير هذه القيود على نحو لا يؤثر على المصالح الإستراتيجية لها، لا سيما فيما يتعلق بالصراعات المشتعلة في الإقليم.
__________________________________________
المراجع:
1- للمزيد حول هذه المساعدات خلال هذه الفترة، انظر:
EmanRagab , " A Formative Stage: Relations between GCC and North African Countries
after the Arab Spring", in: Silvia Colombo (ed.), The GCC in the Mediterranean in Light of the Arab Spring,Mediterranean Paper Series 2012, The German Marshall Fund of the United States,December 2012, pp.15-16.
2- خالد الدخيل،" ما بعد الإخوان: إعادة بناء جديدة للعلاقات المصرية-الخليجية"، السياسة الدولية،عدد 194، أكتوبر 2013.
1- "الإمارات والسعودية تمنحان مصر مساعدات وودائع بقيمة 8 ملياردولار"، فرانس 24، 9 يوليو 2013:http://www.france24.com/ar/20130709-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-
مهرة المهيري، "الإمارات تدعم مصر حبا لها"،الأهرام،8 أبريل 2014.
2- " Egypt’s Sisi Closes Economic Conference With Call for Further Investment", The Wall Street Journal, March 15, 2015: http://www.wsj.com/articles/egypts-sisi-closes-economic-conference-with-call-for-further-investment-1426439594
6-كان ذلك قبل أن يتم إلغاء القسم الخاص بالعلاقات مع قطرمن موقع الهيئة نهاية2014.
7-Hanan Solayman ,"Who's Investing in Egypt? A Look at Economic Trends Following the Revolution",-
Wamda , June 9, 2013: http://www.wamda.com/2013/06/who-s-investing-in-egypt-economic-trends-after-revolution-report
8- انظر نص التصريح كما نشر في اليوم السابع:"الخارجية: قطر تشارك بالمؤتمرالاقتصادى.. ولم ندع إيران وتركيا وإسرائيل"، موقع اليوم السابع،13 مارس 2015:
http://www.youm7.com/story/2015/3/13/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9--%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%89-%D9%88%D9%84%D9%85-%D9%86%D8%AF%D8%B9-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-/2103826#.VR_I6I6CZLM
9-OguzKaramuk, "Will Erdogan's Policies Endanger Turkish Investments in Egypt?", Al-Monitor, July 10, 2013: http://www.al-monitor.com/pulse/business/2013/07/turkey-businessmen-egypt-fear-erdogan-support-morsi.html##ixzz3WLsOor9c
-10 Andrew Leber, "Trade or Aid?: Egypt-Turkey Economic Ties in Context",Muftah, February 21st, 2014:http://muftah.org/trade-aid-egypt-turkey-economic-ties-context/#.VR69jJn8KUk
اتجهت القيادة السياسية خلال هذا المؤتمر، لطرح نفسها كنموذج في المنطقة، يجمع بين الطبيعة "الشعبوية" للقيادة populist، وبين الداعم للتنمية المستدامة القائمة على الاستثمارات الأجنبية التي يتم توجيهها لقطاعات نوعية، ومثل هذا النموذج سعت العديد من دول المنطقة للاقتراب منه خلال العقد الماضي، ولكن الأزمة المالية العالمية 2008-2009 أثرت على فرص اكتمال تلك النماذج.
وقد كشف المؤتمر الاقتصادي عددا من التطورات التي تعزز من هذا النموذج، ومنها صورة "سيلفي الرئيس" مع الشباب المشارك في تنظيم المؤتمر، ورغم أنها لم تكن السيلفي الأولى للرئيس السيسي، فإنها الأولى التي تؤخذ على الهواء وأمام الوفود الرسمية المشاركة في المؤتمر.
وتظل مشكلة الطبيعة الشعبوية للقيادة، أنها بحاجة إلى دعم قطاع واسع من الشعب، بفئاته المختلفة، وهو غير متحقق بصورة كبيرة حاليا، فعلى سبيل المثال، تظل "سيلفي الرئيس" تعكس انحيازا يشعر به كل شاب لم يتواجد في هذا المؤتمر، ولا يرى في الأفق فرصة مماثلة لأخذ "السيلفي" مع الرئيس، حتى إن بعض الشباب العاملين في عدة وزارات لها علاقة بتنظيم هذا المؤتمر، رأوا أن عدم حضورهم هذا المؤتمر جعلهم لا يشاركون في "لحظة كتابة التاريخ في مصر" وفق تصورهم. ورغم ذلك، إلا أن هذه الصورة كان لها تداعيات إقليمية، حيث استدعت ردود فعل من بعض شعوب الخليج لأخذ صور سيلفي مع قياداتها، كما فعل الشباب المصري.
إلى جانب ذلك، حرص الرئيس السيسي على إظهار دعمه القوي لفكرة هذا المؤتمر، والتي أطلقها الملك عبد اللـه ملك السعودية، وذلك من خلال حرصه على توجيه الشكر له وللدعم الذي تقدمه السعودية لمصر طوال المؤتمر، وحرصه على الوجود طوال فترة انعقاده، وعلى المشاركة في المفاوضات الخاصة بعدة مشاريع استثمارية، مثل تلك التي ستنفذها شركة سيمينز، لاسيما وأنه المؤتمر الأول الذي نجح في حشد عدد كبير من المستثمرين الراغبين في الاستثمار في مصر، منذ المؤتمر الذي استضافته القاهرة في 1996 تحت عنوان "مؤتمر القاهرة الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، ومؤتمر 1982 الذي عقده الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بعد توليه الحكم.
ورغم حرص اللجنة المنظمة للمؤتمر، على تحديد القطاعات التي بحاجة لاستثمارات ضخمة، حيث حصل قطاع الطاقة والكهرباء على تعاقدات بلغت قيمتها 23 مليار دولار، وقطاع البترول على تعاقدات بقيمة 21 مليار دولار، والعقارات بقيمة تقدر بنحو 60 مليار دولار. وذلك بالإضافة إلى مذكرة تفاهم لإنشاء عاصمة إدارية جديدة بقيمة 45 مليار دولار، فإن إمكانية تنفيذ هذه التعاقدات، وانتقال النجاح في إبرامها إلى برامج تنفيذية، ينفذها الجهاز البيروقراطي للدولة، لا يزال محل اختبار.
رابعا- إشكاليات مستمرة
يظل هناك بُعد آخر لنجاح المؤتمر، مرتبط بحجم القيود التي يفرضها على السياسات الخارجية لمصر، وحجم المناورة المحتملة المتاحة لها في القضايا التي تعد محل خلاف بين مصر وكل من الإمارات والسعودية اللتين لا تزالان الداعم الرئيسي لمصر.
يرتبط القيد الأول بالعلاقات مع إيران، حيث لم يتم توجيه دعوة لإيران للمشاركة في هذا المؤتمر، ويمكن تفسير ذلك، بعاملين، يتمثل العامل الأول في وجود قضايا هيكلية هي محط خلاف بين مصر وإيران، وأثرت طوال الفترة السابقة على ثورة 25 يناير 2011، أكثر من غيرها على فرص التقارب بين إيران ومصر، وهي قضايا ذات طبيعة أمنية، فضلا عن موقف التيارات السلفية من أي تعاون اقتصادي مع إيران.
وينصرف العامل الثاني إلى أن التنسيق بين مصر وكل من السعودية والإمارات منذ ثورة 30 يونيو 2013، أصبح يضع أسقفًا معينة للسياسة الخارجية لمصر، أو لعله يقلص مساحات الحركة المتاحة لها تجاه قضايا إقليمية محددة، ويبدو أن العلاقات مع إيران تقع ضمن هذا النوع من القضايا، وتحكمها وفق تعبير وزير الخارجية نبيل فهمي، أثناء لقائه بالأكاديميين المصريين في ديسمبر 2013،» مصالح أصدقاء مصر في المرحلة الحالية»، والتي أصبحت وفق تعبيره أيضا جزءا من مصالح الدولة المصرية.
ورغم أن حجم الاستثمارات الإيرانية في مصر محدود، وقدرتها على تنفيذ مشاريع محدودة بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، لا سيما مع التزام مصر بتلك العقوبات، وارتباط نشاطها الاقتصادي المحتمل في مصر بالسياحة، فإن عدم دعوتها للمؤتمر تعد رسالة واضحة بأن موضوع العلاقات مع إيران مؤجل إلى حين.
وتبنّي هذا التوجه، في الوقت الذي يتم فيه ترتيب الأوضاع في المنطقة من قبل الولايات المتحدة، على نحو يمنح شرعية كبيرة للدور الإقليمي لإيران الممارس فعليا، وذلك بموجب المفاوضات بينها ومجموعة 5+1 والتي تم التوصل في إطارها إلى اتفاق لوزان في 2 أبريل 2015، قد يعني من الناحية الواقعية، التزام مصر بتوجهات لا تخدم المصالح المصرية في الإقليم.
وينصرف القيد الثاني، إلى التزام مصر بتقديم الدعم للتحركات السعودية في اليمن، وذلك رغم عدم دعم السعودية للتحرك المصري في ليبيا، ورغم أن المخاطر التي قد تترتب على تدخل مصر عسكريا في اليمن، تفوق المكاسب التي يمكن أن تحققها. وإذا كانت الظروف الحالية مكنت النظام المصري من المناورة، من خلال ربط المشاركة الفعلية في عملية عاصفة الحزم باستيفاء الشروط الدستورية، والتي تتمثل وفق نص المادة 152 من الدستور المصري، في الحصول على موافقة مجلس الدفاع الوطني وموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، و" إذا كان مجلس النواب غير قائم، يجب أخذ رأى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وموافقة كل من مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني"، ولم يتم حتى الربع الأسبوع الأول من أبريل 2015، استيفاء هذه الشروط ، وبالتالي اكتفت مصر بالوجود في باب المندب من خلال 4 قطع بحرية.
تظل حقيقة أن "المال يأتي بشروطه" مهمة في تحليل تداعيات المؤتمر الاقتصادي على وضع مصر في الإقليم، حيث ستضع قيود سياسية على حركتها الخارجية، والإشكال الذي تواجهه أصبح مرتبطًا بقدرتها على أن تدير هذه القيود على نحو لا يؤثر على المصالح الإستراتيجية لها، لا سيما فيما يتعلق بالصراعات المشتعلة في الإقليم.
__________________________________________
- خبير في وحدة الدراسات الأمنية، ورئيس تحرير دورية "بدائل"
- مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية
المراجع:
1- للمزيد حول هذه المساعدات خلال هذه الفترة، انظر:
EmanRagab , " A Formative Stage: Relations between GCC and North African Countries
after the Arab Spring", in: Silvia Colombo (ed.), The GCC in the Mediterranean in Light of the Arab Spring,Mediterranean Paper Series 2012, The German Marshall Fund of the United States,December 2012, pp.15-16.
2- خالد الدخيل،" ما بعد الإخوان: إعادة بناء جديدة للعلاقات المصرية-الخليجية"، السياسة الدولية،عدد 194، أكتوبر 2013.
1- "الإمارات والسعودية تمنحان مصر مساعدات وودائع بقيمة 8 ملياردولار"، فرانس 24، 9 يوليو 2013:http://www.france24.com/ar/20130709-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-
مهرة المهيري، "الإمارات تدعم مصر حبا لها"،الأهرام،8 أبريل 2014.
2- " Egypt’s Sisi Closes Economic Conference With Call for Further Investment", The Wall Street Journal, March 15, 2015: http://www.wsj.com/articles/egypts-sisi-closes-economic-conference-with-call-for-further-investment-1426439594
6-كان ذلك قبل أن يتم إلغاء القسم الخاص بالعلاقات مع قطرمن موقع الهيئة نهاية2014.
7-Hanan Solayman ,"Who's Investing in Egypt? A Look at Economic Trends Following the Revolution",-
Wamda , June 9, 2013: http://www.wamda.com/2013/06/who-s-investing-in-egypt-economic-trends-after-revolution-report
8- انظر نص التصريح كما نشر في اليوم السابع:"الخارجية: قطر تشارك بالمؤتمرالاقتصادى.. ولم ندع إيران وتركيا وإسرائيل"، موقع اليوم السابع،13 مارس 2015:
http://www.youm7.com/story/2015/3/13/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9--%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%89-%D9%88%D9%84%D9%85-%D9%86%D8%AF%D8%B9-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-/2103826#.VR_I6I6CZLM
9-OguzKaramuk, "Will Erdogan's Policies Endanger Turkish Investments in Egypt?", Al-Monitor, July 10, 2013: http://www.al-monitor.com/pulse/business/2013/07/turkey-businessmen-egypt-fear-erdogan-support-morsi.html##ixzz3WLsOor9c
-10 Andrew Leber, "Trade or Aid?: Egypt-Turkey Economic Ties in Context",Muftah, February 21st, 2014:http://muftah.org/trade-aid-egypt-turkey-economic-ties-context/#.VR69jJn8KUk