الدولة والتعليم: أمة فى خطر!
الخميس 14/مايو/2015 - 11:28 ص
نبيل عبدالفتاح
الخطاب حول تحديث وتقدم مصر كانت تشير إليه كأحد عوامل النهوض فى الدولة وأجهزتها وسياساتها! الخطاب حول أسباب التأخر التاريخى، تقود أيضا إليه! نعم إنه التعليم وتطوره هو أحد أبرز محركات التغير الاجتماعى والسياسى والثقافى أو التخلف.الخطاب التاريخى حول مصر الحديثة والمعاصرة، فى تناولها المجمل والقطاعى لأسباب خروج مصر من وهدة التخلف التاريخى فى مراحل ما قبل وصول محمد على إلى السلطة، كانت ولا تزال تشير إلى تخلف العملية التعليمية، واعتمادها على إعادة إنتاج العقل النقلى، والشفاهية وبعض الكتابية، لأن الكتابة كانت حكراً على ذوى القدرة والإمكانية للتأليف والتدوين، ولم تكن متاحة للعموم. كان التعليم الحرفى فى إطار نظام الطوائف لديه أساليبه الموروثة فى تكوين الحرفى فى صناعة ما أو مهنة ما كالنحاسين، والنجارين.. الخ، تلك التى تساعدهم على العمل فى إطارها. من بين هذه الأطر كان يظهر بعض النابهين القادرين على تطوير جزئى فى بعض هذه المهن، إلا أن النظام التعليمى الدينى حول الأزهر الشريف هو الذى شكل عقلية وذهنية القلة المتميزة من المتعلمين من النبهاء، وكانت أغلبيتهم الساحقة هى أحد أبرز مخرجات التكوين النقلى الذى يعتمد على الحفظ والتكرار والتلاوة الشفاهية، والقياس، وبعض من الكتابية.
كانت البعثات هى المدخل لتكوين نخبة جديدة ذات تعليم حديث ومتطور هى التى استطاعت أن تشكل نواة نخبة الدولة الحديثة
أولا- التعليم في عهد محمد على
مع تأسيس الدولة الحديث وبناء مؤسساتها وقوانينها كان تحديث التعليم هو أحد أهم المهام التى قام بها محمد على ثم إسماعيل باشا، من خلال بناء المؤسسة العسكرية ونظام جديد للتعليم العسكرى وصناعة السلاح، من ناحية أخرى مدرسة للطب، ثم كانت البعثات هى المدخل لتكوين نخبة جديدة ذات تعليم حديث ومتطور هى التى استطاعت أن تشكل نواة نخبة الدولة الحديثة.
مع تشكل الجامعات الحديثة، أصبح لدى مصر مصانع لإنتاج العقول القادرة على تحريك الدولة وأجهزتها، وتكوين نخبة مثقفة، وجماعة ثقافية "حداثية" على إطلاع على تطور المعارف فى العلوم الاجتماعية، لاسيما فى القانون والآداب، والفنون التشكيلية، والموسيقى، والتى تطورت فى إطار الصحف والمجلات الأسبوعية والشهرية، ثم الإذاعة وقبلها الأوبرا، على نحو أحدث نقلة نوعية فى الثقافة المصرية والعربية، فى إطار هجرة الشوام اللبنانيين وغيرهم ليكونوا جزءا من الفضاء الكوزموبوليتانى والعربى فى المدن المصرية لاسيما حول القاهرة والإسكندرية.
مع تأسيس الدولة الحديث وبناء مؤسساتها وقوانينها كان تحديث التعليم هو أحد أهم المهام التى قام بها محمد على ثم إسماعيل باشا، من خلال بناء المؤسسة العسكرية ونظام جديد للتعليم العسكرى وصناعة السلاح، من ناحية أخرى مدرسة للطب، ثم كانت البعثات هى المدخل لتكوين نخبة جديدة ذات تعليم حديث ومتطور هى التى استطاعت أن تشكل نواة نخبة الدولة الحديثة.
مع تشكل الجامعات الحديثة، أصبح لدى مصر مصانع لإنتاج العقول القادرة على تحريك الدولة وأجهزتها، وتكوين نخبة مثقفة، وجماعة ثقافية "حداثية" على إطلاع على تطور المعارف فى العلوم الاجتماعية، لاسيما فى القانون والآداب، والفنون التشكيلية، والموسيقى، والتى تطورت فى إطار الصحف والمجلات الأسبوعية والشهرية، ثم الإذاعة وقبلها الأوبرا، على نحو أحدث نقلة نوعية فى الثقافة المصرية والعربية، فى إطار هجرة الشوام اللبنانيين وغيرهم ليكونوا جزءا من الفضاء الكوزموبوليتانى والعربى فى المدن المصرية لاسيما حول القاهرة والإسكندرية.
لم تستطع الدولة أن تواجه الاختلالات البنائية فى النظام التعليمى وسياساته، ما بين اتساع قاعدة التعليم مع تدنى محتوى المناهج، والاعتماد على عقلية الحفظ والاستذكار والتلاوة
ثانيا- التعليم في المرحلة شبه الليبرالية
كان التعليم أحد محركات تطور مصر شبه الليبرالية، ولكن أحد أخطر أزماته الممتدة تمثلت فى ازدواجيات النظام التعليمى إلى دينى، وتعليم مدنى حديث إلى جانب التعليم العسكرى الحديث-، والأخطر داخل النظام التعليمى الحديث ما بين التعليم الرسمى التابع للدولة والتعليم الأجنبى، الذى أحدث شروخاً فى تكوين مخرجات النظام التعليمى كله، وفى إعادة إنتاج التمايزات الاجتماعية بين خريجى كلا النظامين، وحظوظهم فى هيكل الفرص، لاسيما بعد تدهور نظامنا التعليمى بدءاً من نهاية عقد الستينيات واستمر هذا التوجه فى ظل التطورات السياسية عقب هزيمة يونيو 1967، حتى أكتوبر 1973. مذَّاك وإلى الآن، هناك تدهور متزايد ومفرط وخطير، ولم تستطع الدولة أن تواجه الاختلالات البنائية فى النظام التعليمى وسياساته، ما بين اتساع قاعدة التعليم مع تدنى محتوى المناهج، وعملية التنشئة التعليمية، والاعتماد على عقلية الحفظ والاستذكار والتلاوة، والميل إلى تقديم مواد سطحية ومبسطة وقديمة وتتنافى مع التطور فى العلوم الاجتماعية والطبيعية، فى ظل ابتسارات، وتقديم بعضها فى إطار من التعليم التلقينى القائم على نفى العقل الناقد، بل ربط المدرسين والمدرسات من ذوى الميل للتيار الإسلامى السياسى والسلفى بين هذه الدروس، وبين بعض المقولات الدينية الوضعية التى تلقوها فى إطار الدرس الدينى والدعوى لهذه الجماعات، وهو ما أدى إلى التباسات وخلط بين التعليمى والعلمى، وبين السياسى الدينى والدعوى. الأخطر أن هذا النمط من السياسات التعليمية ومناهجها أدت إلى تسييد منطق ثنائية الحلال والحرام فى مقاربة النظريات العلمية، والمواد فى العلوم الاجتماعية.
كان التعليم أحد محركات تطور مصر شبه الليبرالية، ولكن أحد أخطر أزماته الممتدة تمثلت فى ازدواجيات النظام التعليمى إلى دينى، وتعليم مدنى حديث إلى جانب التعليم العسكرى الحديث-، والأخطر داخل النظام التعليمى الحديث ما بين التعليم الرسمى التابع للدولة والتعليم الأجنبى، الذى أحدث شروخاً فى تكوين مخرجات النظام التعليمى كله، وفى إعادة إنتاج التمايزات الاجتماعية بين خريجى كلا النظامين، وحظوظهم فى هيكل الفرص، لاسيما بعد تدهور نظامنا التعليمى بدءاً من نهاية عقد الستينيات واستمر هذا التوجه فى ظل التطورات السياسية عقب هزيمة يونيو 1967، حتى أكتوبر 1973. مذَّاك وإلى الآن، هناك تدهور متزايد ومفرط وخطير، ولم تستطع الدولة أن تواجه الاختلالات البنائية فى النظام التعليمى وسياساته، ما بين اتساع قاعدة التعليم مع تدنى محتوى المناهج، وعملية التنشئة التعليمية، والاعتماد على عقلية الحفظ والاستذكار والتلاوة، والميل إلى تقديم مواد سطحية ومبسطة وقديمة وتتنافى مع التطور فى العلوم الاجتماعية والطبيعية، فى ظل ابتسارات، وتقديم بعضها فى إطار من التعليم التلقينى القائم على نفى العقل الناقد، بل ربط المدرسين والمدرسات من ذوى الميل للتيار الإسلامى السياسى والسلفى بين هذه الدروس، وبين بعض المقولات الدينية الوضعية التى تلقوها فى إطار الدرس الدينى والدعوى لهذه الجماعات، وهو ما أدى إلى التباسات وخلط بين التعليمى والعلمى، وبين السياسى الدينى والدعوى. الأخطر أن هذا النمط من السياسات التعليمية ومناهجها أدت إلى تسييد منطق ثنائية الحلال والحرام فى مقاربة النظريات العلمية، والمواد فى العلوم الاجتماعية.
إن ظاهرة الدروس الخصوصية المستمرة منذ عقد الستينيات من القرن الماضى تكشف إلى أى مدى تدهور التعليم
ثالثا- تداعت صورة المدرس والمدرسة
الأخطر أن الدولة والنظام التسلطى اعتمدا على النظام التعليمى الرسمى بوصفه أحد أجهزة الدولة فى تنشئة الأجيال الجديدة من المصريين- فى إطار تعليمها- على قيم الطاعة والإذعان وتمجيد النظام ومقولاته الأيديولوجية والدينية، وذلك كأحد أنظمة الضبط الاجتماعى والسياسى.
إن ظاهرة الدروس الخصوصية المستمرة منذ عقد الستينيات من القرن الماضى تكشف إلى أى مدى تدهور التعليم لأن ذلك أدى إلى خصخصة للمهنة التعليمية، وازدواجية بين التكوين الرسمى المجانى وبين التعليم الخصوصى.
مليارات تنفقها الأسر المصرية سنويا على تعليم أبنائها من الباطن لأن المدرسين والمدرسات، وأساتذة الجامعات لا يؤدى غالبهم الأعمال المطلوبة منهم والذين يتقاضون أجورهم عليها، لمصلحة أدائها على نحو خاص لطلابهم.
تداعت صورة المدرس والمدرسة ذات الهيبة والاحترام، ومعها صورة أستاذ الجامعة فى الإدراك شبه الجمعى للمصريين، ولا أحد يتعامل مع المشكلة كأحد أخطر مشكلات الدولة والمجتمع معا فى مصر. لا يوجد رابط بين التعليم وقطاعاته ومناهجه وبين احتياجات التنمية أن وجدت أصلاً- ومتطلبات سوق العمل المعاق، ومن هنا تتالى موجات الخريجين من غير ذوى التخصص والكفاءة إلى سوق البطالة والاغتراب الاجتماعى والسياسى، ويذهب بعضهم إلى سوق الجريمة مضطرا، أو إلى سوق التطرف الدينى السياسى والسلفيات الجهادية والإخوان سعيا وراء توازن نفسى واجتماعى ما إزاء واقع سياسى مضطرب ومختل ونظام تعليمى متخلف.
من هنا لابد من إعداد مؤتمر دولى حول تجارب التعليم الناجحة عالميا ثم إعداد دراسات حول مشكلات نظام تعليمى يهدر الإمكانات والطاقات الجيلية فى مصر، وذلك كمدخل لمؤتمر محدود العدد لإعداد سياسة تعليمية جديدة لمصر، تكون مدخلاً للتنمية. التعليم اخطر من أن يترك للتربويين وبيروقراطيين وزارتى التربية والتعليم والتعليم العالى!
الأخطر أن الدولة والنظام التسلطى اعتمدا على النظام التعليمى الرسمى بوصفه أحد أجهزة الدولة فى تنشئة الأجيال الجديدة من المصريين- فى إطار تعليمها- على قيم الطاعة والإذعان وتمجيد النظام ومقولاته الأيديولوجية والدينية، وذلك كأحد أنظمة الضبط الاجتماعى والسياسى.
إن ظاهرة الدروس الخصوصية المستمرة منذ عقد الستينيات من القرن الماضى تكشف إلى أى مدى تدهور التعليم لأن ذلك أدى إلى خصخصة للمهنة التعليمية، وازدواجية بين التكوين الرسمى المجانى وبين التعليم الخصوصى.
مليارات تنفقها الأسر المصرية سنويا على تعليم أبنائها من الباطن لأن المدرسين والمدرسات، وأساتذة الجامعات لا يؤدى غالبهم الأعمال المطلوبة منهم والذين يتقاضون أجورهم عليها، لمصلحة أدائها على نحو خاص لطلابهم.
تداعت صورة المدرس والمدرسة ذات الهيبة والاحترام، ومعها صورة أستاذ الجامعة فى الإدراك شبه الجمعى للمصريين، ولا أحد يتعامل مع المشكلة كأحد أخطر مشكلات الدولة والمجتمع معا فى مصر. لا يوجد رابط بين التعليم وقطاعاته ومناهجه وبين احتياجات التنمية أن وجدت أصلاً- ومتطلبات سوق العمل المعاق، ومن هنا تتالى موجات الخريجين من غير ذوى التخصص والكفاءة إلى سوق البطالة والاغتراب الاجتماعى والسياسى، ويذهب بعضهم إلى سوق الجريمة مضطرا، أو إلى سوق التطرف الدينى السياسى والسلفيات الجهادية والإخوان سعيا وراء توازن نفسى واجتماعى ما إزاء واقع سياسى مضطرب ومختل ونظام تعليمى متخلف.
من هنا لابد من إعداد مؤتمر دولى حول تجارب التعليم الناجحة عالميا ثم إعداد دراسات حول مشكلات نظام تعليمى يهدر الإمكانات والطاقات الجيلية فى مصر، وذلك كمدخل لمؤتمر محدود العدد لإعداد سياسة تعليمية جديدة لمصر، تكون مدخلاً للتنمية. التعليم اخطر من أن يترك للتربويين وبيروقراطيين وزارتى التربية والتعليم والتعليم العالى!