محددات الدور: الإستراتيجية الإيرانية بشأن محاربة "داعش"
الخميس 16/أبريل/2015 - 10:41 ص
رانيا مكرم
دفع خطر تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" سابقا، و"تنظيم الدولة الإسلامية" حاليا القوى الدولية والإقليمية إلى الاتفاق على تشكيل تحالف دولي مؤلف من 60 دولة، يهدف إلى القضاء على هذا التنظيم وتجفيف منابعه، في كل من العراق وسوريا، وعلى الرغم مما أولته هذه القوى من اهتمام لضم الأطراف الإقليمية كافة التي يمكنها المساعدة في هذا الشأن تحت لواء التحالف، فقد تم استبعاد دولة إقليمية تعد رقمًا صعبًا في معادلة محاربة التنظيم على الأراضي العراقية والسورية على حد سواء، هي إيران التي لها من الدراية بالأوضاع في كلتا الدولتين وما تمتلكه من نفوذ على الأرض ولدى نظاميهما ما يؤهلها إلى لعب دور رئيس ومهم في هذا التحالف الدولي ضد "داعش".
غير أن ذلك الاستبعاد من جانب الغرب لإيران بل والتفكير في إنشاء هذا التحالف ذاته، قد سبقه تحرك على الأرض من قبل إيران، التي استبقت القوى الدولية والإقليمية وقدمت العون العسكري للقوات العراقية عقب سقوط الموصل ومحافظات عراقية أخرى في وقت قصير جدا في يد تنظيم "داعش"، الأمر الذي يؤكد على أن العراق لا يزال له الأولوية في الإستراتيجية الأمنية لإيران، وأنه من الصعب إغفال دور الأخيرة في العراق بعد الحرب الأمريكية عليه عام 2003، وكذلك صعوبة اتخاذ قرار الاستغناء عن مساعداتها في هذا السياق، في الوقت الذي يثير الدور الذي تلعبه إيران منفردة على الأرض في محاربة التنظيم سواء منفردة أو من خلال دعم القوات العراقية تساؤلات عدة حول ماهية هذا الدور والأسباب التي دفعت إيران إلى الدخول بثقلها في الحرب على "داعش".
أولا- لماذا استبعدت إيران؟
في خطوة أثارت العديد من التساؤلات تم استبعاد إيران من التحالف الدولي لمحاربة "داعش" بقيادة الولايات المتحدة، وذلك بإعلان وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" في 11 سبتمبر الماضي 2014، أنه "سيكون من غير الملائم أن تشترك إيران في تحالف يسعى إلى قتال مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية"، على الرغم من إعلان كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية عن إمكانية التعاون فيما بينهما لمواجهة خطر "داعش"، عقب نجاحه في الاستيلاء على الموصل في 10 يونيو 2014.
غير أن ذلك الاستبعاد من جانب الغرب لإيران بل والتفكير في إنشاء هذا التحالف ذاته، قد سبقه تحرك على الأرض من قبل إيران، التي استبقت القوى الدولية والإقليمية وقدمت العون العسكري للقوات العراقية عقب سقوط الموصل ومحافظات عراقية أخرى في وقت قصير جدا في يد تنظيم "داعش"، الأمر الذي يؤكد على أن العراق لا يزال له الأولوية في الإستراتيجية الأمنية لإيران، وأنه من الصعب إغفال دور الأخيرة في العراق بعد الحرب الأمريكية عليه عام 2003، وكذلك صعوبة اتخاذ قرار الاستغناء عن مساعداتها في هذا السياق، في الوقت الذي يثير الدور الذي تلعبه إيران منفردة على الأرض في محاربة التنظيم سواء منفردة أو من خلال دعم القوات العراقية تساؤلات عدة حول ماهية هذا الدور والأسباب التي دفعت إيران إلى الدخول بثقلها في الحرب على "داعش".
أولا- لماذا استبعدت إيران؟
في خطوة أثارت العديد من التساؤلات تم استبعاد إيران من التحالف الدولي لمحاربة "داعش" بقيادة الولايات المتحدة، وذلك بإعلان وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" في 11 سبتمبر الماضي 2014، أنه "سيكون من غير الملائم أن تشترك إيران في تحالف يسعى إلى قتال مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية"، على الرغم من إعلان كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية عن إمكانية التعاون فيما بينهما لمواجهة خطر "داعش"، عقب نجاحه في الاستيلاء على الموصل في 10 يونيو 2014.
لا تخفي الأهمية الإستراتيجية لكل من العراق وسوريا بالنسبة لإيران، حيث يعد الأول بوابتها الغربية للعالم العربي، ونقطة تواصلها مع امتدادها الشيعي
وقد قابلت إيران هذا الاستبعاد من جانب القوي الدولية بالتشكيك نوايا التحالف وجديته في الدخول في مواجهات مع "داعش"، فيما أكد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية اللـه على خامنئي على أن طهران رفضت طلبين رسميين من واشنطن للانضمام إلى التحالف –واصفا إياه بـ "الأجوف" - وهو ما أعتبره البعض إشارة إلى أن إيران قد تسعى إلى وضع عقبات أمام التحالف.
ويمكن القول إن قرار استبعاد إيران التحالف قد جاء بناء على ثلاثة عوامل أساسية، تتمثل في:
1- أن القوي الدولية التي استطاعت تكوين التحالف الدولي ضد "داعش" قد هدفت من وراء هذا التحالف إلى إعادة ترتيب الأدوار الإقليمية لدول المنطقة بعيدا عن إيران، من خلال التركيز على إيجاد محور "عربي –سني"، وهو الهدف الذي عبر عنه مباشرة المتحدث باسم البيض الأبيض جوش أرنيست في 30 أغسطس الماضي 2014، مؤكدا على أن هذا التحالف هو تحالف بين "الدول السنية"، جاء ذلك فيما يبدو كوسيلة لضمان مواقف إيجابية من التحالف والمشاركة فيه بشكل فاعل من جانب الدول العربية لاسيما الخليجية، والتي يثير التقارب مع إيران حفيظتها، على خلفية وجود عدد من القضايا الخلافية مع إيران، لعل أبرزها حاليا الموقف من سوريا والبحرين، لاسيما وأن المملكة العربية السعودية تعد شريكا أساسيا في التحالف، كما كانت نواة التحالف الأولى نتاجًا لمؤتمر جدة.
2- العمل على تجنب اشتعال صراع مسلح شيعي سني في المنطقة المشتعلة بالأساس، إذا ما تم ضم إيران إلى التحالف بشكل رسمي، يكون السبب فيه التحالف ذاته، لاسيما مع تنصيف المواقف الإيرانية من قضايا المنطقة على أساس طائفي بحت، وبشكل خاص موقفها من دعم الشيعة في البحرين، ومساندة نظام الأسد في سوريا.
3:- تأكد القوى الإقليمية أن إيران ستعمل على استغلال وجودها في التحالف وتوظيف هذا الوجود والمشاركة لخدمة موقفها التفاوضي وتقويته، وبالتاليإطالة أمد التفاوض الذي يتيح عادة فرصة لإيران لتحقيق إنجاز نووي ما، وإن كان يسيرا، في الوقت الذي تثار فيه الشكوك حول نجاح المفاوضات الإيرانية مع الغرب في الداخل الأمريكي.
ثانيا- العراق في الإستراتيجية الأمنية الإيرانية
يقع العراق في القلب من الإستراتيجية التوسعية لإيران، وبالتإلى فإن المساس بأمن العراق ومحاولة تغيير تركيبته الديمغرافية والسياسية الحالية، والتي سعت إيران إلى خلقها والمحافظة عليها منذ الحرب الأمريكية على العراق، يعد مساسًا بالمصالح الإيرانية وما تعتبره أمنها الإستراتيجي، وهو بالفعل ما تسعى إليه "داعش" في العراق، حيث تسعى لاستعادة السلطة التي فقدتها السنة منذ عام 2003، وتغيير التركيبة الديمغرافية للمحافظات التي تستطيع الاستيلاء عليها، عبر تهجير المسيحيين واستهداف الشيعة، وخلق واقع جديد لا يتناسب بأي حال مع المصالح الإيرانية في العراق.
لا تخفى الأهمية الإستراتيجية لكل من العراق وسوريا بالنسبة لإيران، حيث يعد الأول بوابتها الغربية للعالم العربي، ونقطة تواصلها مع امتدادها الشيعي في المنطقة، فيما يعد النظام السوري الحاليالحليف التقليدي لها، إلا أن العراق يظل أحد أكبر مراكز نفوذها، وأهم أوراق ضغطها مع الغرب في ملفها النووي، الأمر الذي أسهم في جعله منصة لمحاربة "داعش" وليس سوريا، وذلك لاعتبارات ثلاثةهي: توسع التنظيم بشكل كبير في العراق المتاخم لحدودها الجغرافية. بالإضافة إلى إمكانية الاستفادة من نفوذها الفعليفي العراق الذي أسسته بعد الحرب الأمريكية عليه، ودرايتها بمجمل الأوضاع فيه، والاستعانة بحلفائها والتعاون معهم في إنجاز مهمتها، من ناحية، وصعوبة الوضع على الأرض في سوريا، واتساع جبهات المواجهة التي يمكن أن تتورط فيها إيران هناك، من ناحية أخرى.
ويمكن القول إن قرار استبعاد إيران التحالف قد جاء بناء على ثلاثة عوامل أساسية، تتمثل في:
1- أن القوي الدولية التي استطاعت تكوين التحالف الدولي ضد "داعش" قد هدفت من وراء هذا التحالف إلى إعادة ترتيب الأدوار الإقليمية لدول المنطقة بعيدا عن إيران، من خلال التركيز على إيجاد محور "عربي –سني"، وهو الهدف الذي عبر عنه مباشرة المتحدث باسم البيض الأبيض جوش أرنيست في 30 أغسطس الماضي 2014، مؤكدا على أن هذا التحالف هو تحالف بين "الدول السنية"، جاء ذلك فيما يبدو كوسيلة لضمان مواقف إيجابية من التحالف والمشاركة فيه بشكل فاعل من جانب الدول العربية لاسيما الخليجية، والتي يثير التقارب مع إيران حفيظتها، على خلفية وجود عدد من القضايا الخلافية مع إيران، لعل أبرزها حاليا الموقف من سوريا والبحرين، لاسيما وأن المملكة العربية السعودية تعد شريكا أساسيا في التحالف، كما كانت نواة التحالف الأولى نتاجًا لمؤتمر جدة.
2- العمل على تجنب اشتعال صراع مسلح شيعي سني في المنطقة المشتعلة بالأساس، إذا ما تم ضم إيران إلى التحالف بشكل رسمي، يكون السبب فيه التحالف ذاته، لاسيما مع تنصيف المواقف الإيرانية من قضايا المنطقة على أساس طائفي بحت، وبشكل خاص موقفها من دعم الشيعة في البحرين، ومساندة نظام الأسد في سوريا.
3:- تأكد القوى الإقليمية أن إيران ستعمل على استغلال وجودها في التحالف وتوظيف هذا الوجود والمشاركة لخدمة موقفها التفاوضي وتقويته، وبالتاليإطالة أمد التفاوض الذي يتيح عادة فرصة لإيران لتحقيق إنجاز نووي ما، وإن كان يسيرا، في الوقت الذي تثار فيه الشكوك حول نجاح المفاوضات الإيرانية مع الغرب في الداخل الأمريكي.
ثانيا- العراق في الإستراتيجية الأمنية الإيرانية
يقع العراق في القلب من الإستراتيجية التوسعية لإيران، وبالتإلى فإن المساس بأمن العراق ومحاولة تغيير تركيبته الديمغرافية والسياسية الحالية، والتي سعت إيران إلى خلقها والمحافظة عليها منذ الحرب الأمريكية على العراق، يعد مساسًا بالمصالح الإيرانية وما تعتبره أمنها الإستراتيجي، وهو بالفعل ما تسعى إليه "داعش" في العراق، حيث تسعى لاستعادة السلطة التي فقدتها السنة منذ عام 2003، وتغيير التركيبة الديمغرافية للمحافظات التي تستطيع الاستيلاء عليها، عبر تهجير المسيحيين واستهداف الشيعة، وخلق واقع جديد لا يتناسب بأي حال مع المصالح الإيرانية في العراق.
لا تخفى الأهمية الإستراتيجية لكل من العراق وسوريا بالنسبة لإيران، حيث يعد الأول بوابتها الغربية للعالم العربي، ونقطة تواصلها مع امتدادها الشيعي في المنطقة، فيما يعد النظام السوري الحاليالحليف التقليدي لها، إلا أن العراق يظل أحد أكبر مراكز نفوذها، وأهم أوراق ضغطها مع الغرب في ملفها النووي، الأمر الذي أسهم في جعله منصة لمحاربة "داعش" وليس سوريا، وذلك لاعتبارات ثلاثةهي: توسع التنظيم بشكل كبير في العراق المتاخم لحدودها الجغرافية. بالإضافة إلى إمكانية الاستفادة من نفوذها الفعليفي العراق الذي أسسته بعد الحرب الأمريكية عليه، ودرايتها بمجمل الأوضاع فيه، والاستعانة بحلفائها والتعاون معهم في إنجاز مهمتها، من ناحية، وصعوبة الوضع على الأرض في سوريا، واتساع جبهات المواجهة التي يمكن أن تتورط فيها إيران هناك، من ناحية أخرى.
تعتبر إيران أن السيطرة على الحوزة الدينية في النجف وكربلاء وجعلها تابعة للحوزة الدينية في قم أمر من شأنه أن يسمح بتدعيم النفوذ الإيراني لدى باقي الشيعة في المنطقة
وربما كان من المفيد الرجوع إلى الأسباب التي تدعو إيران إلى صياغة إستراتيجية أمنية وعسكرية حاليا للمحافظة على العراق من هجوم تنظيم "داعش"، حيث لا تتمثل المصالح الإيرانية في العراق فقط في بقاء الشيعة على رأس السلطة في العراق وإنما تتعدد المصالح الإيرانية في العراق لتشمل:
- بقاء حال العراق كما هي عليها منذ خروج القوات الأمريكية من أراضية، وضمانعدم عودة عراق قوي بعيد عن سيطرتها، بشرط ألا يتحول لدولة ضعيفة غير قادرة على صد التهديدات على حدودها وبالتاليتصديرها لها عبر الحدود، إلى جانب ضمان تشكيل حكومة مستقرة موالية لإيران.
فقد كان العراق ولا يزال أحد أهم محددات صياغة العلاقة البينية بين إيران ومحيطها العربي، حيث مثل العراق سابقا حائط صد للأهداف الإيرانية التوسعية وسياسات التغلغل في الجوار العربي، واعتبر فاصلا قويا بين إيران والعالم العربي الذي يعد العراق بوابة العبور له، فكان العراق البعيد عن السيطرة الإيرانية عازلا لإيران عن امتدادها الشيعي في بعض دول الخليج وسوريا ولبنان.
- المحافظة على ثقلها في العراق، وبالتاليأهم أوراق ضغطها في تفاوضها مع الغرب حول ملفاتها الخلافية، وبصفه خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، إذ سعت إيران في كثير من الأحيان إلى استخدام سياسة التلويح باستخدام القوة الخشنة من خلال وكلائها في العراق والمنطقة للإضرار بالمصالح الغربية والأمريكية علىوجه الخصوص هناك، وذلك لتحقيق مكاسب في ملفها النووي. وقد برعت إيران خلال فترة الاحتلال الأمريكي للعراق في استخدام سياسة العصا والجزرة، وحققت بفضلها تقدما في قدرتها النووية، واكتسبت قوة في موقفها التفاوضي خلال هذه الفترة. وإلى جانب ذلك ما يمثله العراق لإيران من متنفس باعتباره أقرب الأسواق لتصريف البضائع الإيرانية في ظل العقوبات المفروضة عليها من الغرب.
- تحقق لإيران مكسب لا يقدر بثمن تمثل في التخلص من نظام صدام حسين الذي مثل لها تهديدا مستمرا على تخومها، تمثل هذا التهديد في وجود نظام عربي– قومي– سني في مواجهة نظامها الفارسي– الشيعي، الذي حال طوال وجوده دون تواصلها مع امتدادها الشيعي داخل الأراضي العراقية، وخارجها، في الوقت الذي تولي فيه إيران أهمية خاصة للحوزة الدينية في العراق، وتعتبر أن السيطرة على الحوزة الدينية في النجف وكربلاء وجعلها تابعة للحوزة الدينية في قم، أمر من شأنه أن يسمح بتدعيم النفوذ الإيراني لدي باقي الشيعة في المنطقة. وقد ظهر التوجه الإيراني من خلال سعيها إلى توحيد الكتلة الشيعية في العراق الجديد ليتحول وزنهم الديمغرافي إلى وزن سياسي، يمكن الشيعة من السيطرة على الحكومة العراقية، حيث قامت خلال انتخابات 2005 و2010 التشريعية و2009 البلدية، بدعم المرشحين الشيعة، وبالتإلى فإن ترك هذه المكاسب ليعبث بها تنظيم "داعش" أمرا صعب.
- إن المجهود الذي بذلته إيران في العراق خلال فترة الاحتلال الأمريكي له وبعد خروج القوات الأمريكية السياسي والاقتصادي قد استطاعت من خلاله إلهاء الداخل الإيراني الذي تعصف به المشكلات الاقتصادية جراء تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية على مجمل مفاصل الاقتصاد الإيراني، ويشهد صراعات سياسية بين التيارين الرئيسيين المحافظ والإصلاحي، بل وداخل التيار المحافظ نفسه صراعا بين جناحيه المتشدد والمعتدل.
واستطاعت من خلال نجاحها في توفيق أوضاع العراق حسب إستراتيجيتها التي خططت لها أن تواجه الضغوط الغربية المحكمة عليها، واستطاعت أن تبقيه كورقة ضغط أخيرة بعد أن سعي الغرب لتفكيك تحالفاتها التقليدية في المنطقة، مع حزب اللـه اللبناني والنظام السوري الحالي، لا سيما وأن ورقة الحوثيين في اليمن لم تختبر إيران قوتها حتى الآن.
ثالثا- لماذا تحارب إيران "داعش"؟
منذ ظهور تنظيم "داعش" علىالأرض مطلع عام 2013، واستيلائه على مدينة الرقة السورية في الخامس من مارس 2013، وإعلانها في وقت لاحق تحت سيطرة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" بشكل كامل، وتحديدا في التاسع من إبريل 2013. وهو التاريخ ذاته الذي تم إعلان ما سمي بـ "الدولة الإسلامية في العراق والشام" مع كلمة صوتية بثتها قناة الجزيرة. فرضت جدلية العلاقة بين تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)" وإيران نفسها على الساحة السياسية، وذلك اعتماد على عدد من المؤشرات، أهمها:
- ما يعتبره البعض علاقة تاريخية بين إيران وتنظيم "القاعدة" الذي استطاع إنشاء مجلس تأسيسي له في طهران عام 2002 لدعم التنظيم في باكستان وأفغانستان، بمساعدة الحرس الثوري الإيراني.
- تصريح المتحدث باسم تنظيم "داعش" أبو محمد العدناني في مايو الماضي 2014، بأن "للقاعدة دينًا ثمينًا في عنق إيران" وتأكيده على أن التنظيم ملتزما بالابتعاد تماماً عن توجيه أية ضربة لإيران حفاظا على وحدة كلمة المجاهدين" –على حد تعبيره- إلى جانب تصريح قائد القوات البرية للجيش الإيراني العميد أحمد رضا بوردستان في يناير الماضي 2015، بأن "تنظيم "داعش" قد استجاب للتحذير الإيراني من الاقتراب من الحدود الإيرانية مسافة 40 كم، وذلك بانسحاب مسلحي التنظيم عقب تلقي التحذير".
في حين اعتبرت إيران أن تنظيم "داعش" صنيعة غربية، حيث أشار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية عليخامنئي في إحدى خطبه يوم الجمعة إلى أن "داعش ما هي إلا صنيعة بريطانيا بهدف القضاء على الصحوة الإسلامية، كما صنعت قبلها القاعدة، وإن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها يسعون لبث الفرقة وإيجاد العداء بين المسلمين". في حين أشار نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي، إلى أن تنظيم "داعش" قد جاء "نتاجا لتقاطع إستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول المنطقة".
وبدخول "داعش" العراق في التاسع من يونيو 2014، واحتلاله للموصل سارعت إيران إلى تسليح أكراد الموصل لمحاربة التنظيم، كما قامت بإرسال مستشارين عسكريين لدعم القوات العراقية في بغداد، وذلك قبل أن تتخذ محاربة إيران "لداعش" في العراق أنماطا أكثف من التعاون.
- بقاء حال العراق كما هي عليها منذ خروج القوات الأمريكية من أراضية، وضمانعدم عودة عراق قوي بعيد عن سيطرتها، بشرط ألا يتحول لدولة ضعيفة غير قادرة على صد التهديدات على حدودها وبالتاليتصديرها لها عبر الحدود، إلى جانب ضمان تشكيل حكومة مستقرة موالية لإيران.
فقد كان العراق ولا يزال أحد أهم محددات صياغة العلاقة البينية بين إيران ومحيطها العربي، حيث مثل العراق سابقا حائط صد للأهداف الإيرانية التوسعية وسياسات التغلغل في الجوار العربي، واعتبر فاصلا قويا بين إيران والعالم العربي الذي يعد العراق بوابة العبور له، فكان العراق البعيد عن السيطرة الإيرانية عازلا لإيران عن امتدادها الشيعي في بعض دول الخليج وسوريا ولبنان.
- المحافظة على ثقلها في العراق، وبالتاليأهم أوراق ضغطها في تفاوضها مع الغرب حول ملفاتها الخلافية، وبصفه خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، إذ سعت إيران في كثير من الأحيان إلى استخدام سياسة التلويح باستخدام القوة الخشنة من خلال وكلائها في العراق والمنطقة للإضرار بالمصالح الغربية والأمريكية علىوجه الخصوص هناك، وذلك لتحقيق مكاسب في ملفها النووي. وقد برعت إيران خلال فترة الاحتلال الأمريكي للعراق في استخدام سياسة العصا والجزرة، وحققت بفضلها تقدما في قدرتها النووية، واكتسبت قوة في موقفها التفاوضي خلال هذه الفترة. وإلى جانب ذلك ما يمثله العراق لإيران من متنفس باعتباره أقرب الأسواق لتصريف البضائع الإيرانية في ظل العقوبات المفروضة عليها من الغرب.
- تحقق لإيران مكسب لا يقدر بثمن تمثل في التخلص من نظام صدام حسين الذي مثل لها تهديدا مستمرا على تخومها، تمثل هذا التهديد في وجود نظام عربي– قومي– سني في مواجهة نظامها الفارسي– الشيعي، الذي حال طوال وجوده دون تواصلها مع امتدادها الشيعي داخل الأراضي العراقية، وخارجها، في الوقت الذي تولي فيه إيران أهمية خاصة للحوزة الدينية في العراق، وتعتبر أن السيطرة على الحوزة الدينية في النجف وكربلاء وجعلها تابعة للحوزة الدينية في قم، أمر من شأنه أن يسمح بتدعيم النفوذ الإيراني لدي باقي الشيعة في المنطقة. وقد ظهر التوجه الإيراني من خلال سعيها إلى توحيد الكتلة الشيعية في العراق الجديد ليتحول وزنهم الديمغرافي إلى وزن سياسي، يمكن الشيعة من السيطرة على الحكومة العراقية، حيث قامت خلال انتخابات 2005 و2010 التشريعية و2009 البلدية، بدعم المرشحين الشيعة، وبالتإلى فإن ترك هذه المكاسب ليعبث بها تنظيم "داعش" أمرا صعب.
- إن المجهود الذي بذلته إيران في العراق خلال فترة الاحتلال الأمريكي له وبعد خروج القوات الأمريكية السياسي والاقتصادي قد استطاعت من خلاله إلهاء الداخل الإيراني الذي تعصف به المشكلات الاقتصادية جراء تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية على مجمل مفاصل الاقتصاد الإيراني، ويشهد صراعات سياسية بين التيارين الرئيسيين المحافظ والإصلاحي، بل وداخل التيار المحافظ نفسه صراعا بين جناحيه المتشدد والمعتدل.
واستطاعت من خلال نجاحها في توفيق أوضاع العراق حسب إستراتيجيتها التي خططت لها أن تواجه الضغوط الغربية المحكمة عليها، واستطاعت أن تبقيه كورقة ضغط أخيرة بعد أن سعي الغرب لتفكيك تحالفاتها التقليدية في المنطقة، مع حزب اللـه اللبناني والنظام السوري الحالي، لا سيما وأن ورقة الحوثيين في اليمن لم تختبر إيران قوتها حتى الآن.
ثالثا- لماذا تحارب إيران "داعش"؟
منذ ظهور تنظيم "داعش" علىالأرض مطلع عام 2013، واستيلائه على مدينة الرقة السورية في الخامس من مارس 2013، وإعلانها في وقت لاحق تحت سيطرة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" بشكل كامل، وتحديدا في التاسع من إبريل 2013. وهو التاريخ ذاته الذي تم إعلان ما سمي بـ "الدولة الإسلامية في العراق والشام" مع كلمة صوتية بثتها قناة الجزيرة. فرضت جدلية العلاقة بين تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)" وإيران نفسها على الساحة السياسية، وذلك اعتماد على عدد من المؤشرات، أهمها:
- ما يعتبره البعض علاقة تاريخية بين إيران وتنظيم "القاعدة" الذي استطاع إنشاء مجلس تأسيسي له في طهران عام 2002 لدعم التنظيم في باكستان وأفغانستان، بمساعدة الحرس الثوري الإيراني.
- تصريح المتحدث باسم تنظيم "داعش" أبو محمد العدناني في مايو الماضي 2014، بأن "للقاعدة دينًا ثمينًا في عنق إيران" وتأكيده على أن التنظيم ملتزما بالابتعاد تماماً عن توجيه أية ضربة لإيران حفاظا على وحدة كلمة المجاهدين" –على حد تعبيره- إلى جانب تصريح قائد القوات البرية للجيش الإيراني العميد أحمد رضا بوردستان في يناير الماضي 2015، بأن "تنظيم "داعش" قد استجاب للتحذير الإيراني من الاقتراب من الحدود الإيرانية مسافة 40 كم، وذلك بانسحاب مسلحي التنظيم عقب تلقي التحذير".
في حين اعتبرت إيران أن تنظيم "داعش" صنيعة غربية، حيث أشار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية عليخامنئي في إحدى خطبه يوم الجمعة إلى أن "داعش ما هي إلا صنيعة بريطانيا بهدف القضاء على الصحوة الإسلامية، كما صنعت قبلها القاعدة، وإن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها يسعون لبث الفرقة وإيجاد العداء بين المسلمين". في حين أشار نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي، إلى أن تنظيم "داعش" قد جاء "نتاجا لتقاطع إستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول المنطقة".
وبدخول "داعش" العراق في التاسع من يونيو 2014، واحتلاله للموصل سارعت إيران إلى تسليح أكراد الموصل لمحاربة التنظيم، كما قامت بإرسال مستشارين عسكريين لدعم القوات العراقية في بغداد، وذلك قبل أن تتخذ محاربة إيران "لداعش" في العراق أنماطا أكثف من التعاون.
قامت القوات الإيرانية منفردة بشن غارات جوية على التنظيم شرق العراق نهاية العام الماضي 2014، أنكرتها في البداية ثم أقرت بتنفيذها بعد ذلك
ويمكن القول بأن تفوق"داعش"وقدرته على احتلال ما يقرب من 50 % من الأراضي العراقية المتمثلة في أربع محافظات عراقية هي (الموصل ونينوي والأنبار وصلاح الدين) خلال يومين فقط، في الوقت الذي قدرت فيه بعض الإحصائيات قوات "داعش" بنحو3000 جندي مقاتل مسلح بتسليح خفيف إلى متوسط، قد أثار تخوفات عدة لدي النظام الإيراني الذي يرى عدد من المخاطر في انتشار "داعش" بهذا الشكل في العراق، يتمثل أهم هذه التخوفات؛ في امتداد ظاهرة استيلاء التنظيمات الجهادية وفي القلب منها "داعش" عبر الإقليم، لاسيما في دول الجوار الإيراني وبصفة خاصة في باكستان وأفغانستان، اللتان شهدتا بالفعل إعلان لتنظيمات جهادية محلية ولاءها لداعش، بدافع من نجاح نموذج تنظيم "داعش" في العراق، فيما أعلن "داعش" رسميًّا تمدده إلى لبنان، متبنيًا التفجير الانتحاري الذي وقع في 26 يونيو 2014 في منطقة الروشة بالعاصمة بيروت.
في الوقت الذي يمكن أن تجني فيه إيران مكاسب عدة إذا ما استطاعت دحر التنظيم من العراق إلى جانب القوات العراقية، يأتي في مقدمتها؛ تعزيز النفوذ الإيراني في العراق، في مقابل انحسار النفوذ التركي، ففي الوقت الذي طرحت فيه إيران نفسها كبديل لتأخر القوي الإقليمية وعلى رأسها الولايات المتحدة في اتخاذ قرار محاربة "داعش" في العراق، جاء الموقف التركي مثيرا للتساؤل والاستياء من أطراف عراقية وإقليمية، وحتى بعد اتخاذ قرار تشكيل تحالف دولي لمحاربة التنظيم، إذ لم تتخذ تركيا سياسات واضحة ضد "داعش" حتى الآن، لا سيما في ظل نجاح أكراد العراق في توظيف المواجهات مع "داعش"، وتعزيز سيطرتهم ونفوذهم على الأرض، على نحو قد يمهد، وفق بعض التقديرات، لقيام دولة كردية في شمال العراق، قد تقلص من النفوذ التركي هناك.
بالإضافة إلى احتمالية تحقيق مكسب آخر على الساحة السورية يتمثل في إمكانية إكساب التصور الإيراني والسوري وتصويرهما لواقع الأحداث في سوريا على أنها حرب على الإرهاب وليس حراك شعبي ضد النظام بعض الوجاهة، لاسيما في ظل نشاط تنظيم "داعش" في العراق وسوريا.
رابعا- محددات الدور الإيراني في محاربة "داعش" في العراق
يمكن القول بأن ثمة تغييرًا واضحًا في الإستراتيجية الإيرانية العسكرية في العراق، يتمثل هذا التغيير في التحول من الكتمان حول نشاطها العسكري في العراق وإنكاره إلى الإفصاح عنه وإعطاء المعلومات عن تفاصيله بهدف التأكيد على دورها المحوري في محاربة تنظيم "داعش" في العراق منفردة على الرغم من استبعاد التحالف الدولي لها، فقد ظل الوجود العسكري الإيراني من خلال الحرس الثوري سريا لفترة طويلة، غير أن إعلانها عنه مؤخرا قد تزامن مع هجمات تنظيم "داعش" على العراق، وسيطرته على عدد من المحافظات العراقية، حيث شاركت القوات الإيرانية في القتال ضد "داعش" إلى جانب القوات العراقية، وفي ظل غياب تنسيق أمريكي مع العراق بشأن هذه المواجهات، قامت القوات الإيرانية منفردة بشن غارات جوية على التنظيم شرق العراق نهاية العام الماضي 2014، أنكرتها في البداية ثم أقرت بتنفيذها بعد ذلك، على لسان مساعد وزير الخارجية الإيراني إبراهيم رحيم بور.
كما تمثل هذا التحول في إعلان قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد عليجعفري، عن أن إيران مستمرة بما أسماه "الجهاد المسلح" خارج البلاد، وأن المرشد الأعلى الإيراني عليخامنئي، قد أمر بإبقاء العناصر العسكرية في كل من العراق وسوريا ولبنان، وذلك لحماية الأمن القومي الإيراني. ومنذ سيطرة "داعش"على مدينة الموصل، وقيامه بالتهديد باقتحام العتبات المقدسة، كثفت إيران وجودها العسكري بقوة في الداخل العراقي، فيما قامت مواقع عراقية ببث صور ومقاطع فيديو للجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في مدينة أميرلي، أثناء احتفاله مع مجموعات شيعية مسلحة بضرب مقرات لداعش، تلك المقاطع التي أثارت جدلا واسعًا حول النفوذ الإيراني في العراق، ويستخدمها"داعش"للدعاية له لدي السنة، مخاطبا إياهم "هل ترضون أن يرقص القاسمي في مدنكم؟" في حين أشار تقرير لـصحيفة "ديلي بيست" الأمريكية أن العملية الأمريكية في مدينة أميرلي كانت بالاشتراك مع جماعة "عصائب أهل الحق" الشيعية المدعومة من إيران، والتي يقوم القادة العسكريين الإيرانيين بتدريب أفرادها وقيادتهم في عملياتها التي تقوم بها منفردة في شمال العراق.
كما أعلنت إيران في سابقه من نوعها عن مقتل عدد من العسكريين الإيرانيين الكبار التابعين لفيلق القدس، في اشتباكات مع "داعش" حيث يقود هؤلاء المجموعات العراقية الشيعية المسلحة، المسماة بقوات "الحشد الشعبي"، كان آخرهم اللواء محمد رضا حسيني مقدم، الذي قتل أثناء معارك مع التنظيم في سامراء، بمحافظة صلاح الدين مطلع الشهر الحالي فبراير 2015.
وفي هذا الإطار يطرح تساؤلا مهمًا مفاده: هل ينجح التحالف الدولي بدون إيران؟ وتأتي الإجابة عنهذا التساؤل من خلال ملاحظة التطورات علىالأرض فيما يخص تحركات كلا الجانبين – أي إيران من جهة، والتحالف الدولي من جهة أخرى- في حربهما على التنظيم، إذ لا يمكن إغفال تفوق إيران عن قوات التحالف الدولي لمحاربة "داعش" بوجود قوات برية لها على أرض المعركة، بعكس الأخيرة التي تعتمد علىشن الهجمات الجوية على مواقع تظن أنها تابعة للتنظيم في سوريا والعراق، الأمر الذي تنتج عنه نتائج كارثية ناحية إصابة المدنيين، بل وعدم تحقيق مكاسب تذكر لبعض هذه الغارات وخلو الأماكن المستهدفة من عناصر للتنظيم، نظرًا لعدم وجود عناصر استخباراتية على الأرض يمكنها تحديد المواقع والأهداف، بعكس الحال مع إيران في العراق التي توجد بشكل فعليإما من خلال عناصرها أو من خلال وكلائها وحلفائها من القوات الشيعية المسلحة، فضلا عن قدرة إيران على إدارة حروب العصابات بامتياز، وبالتالي تحدث الاشتباكات بين الطرفين بشكل مباشر، كما يمكنها من خلال عناصرها الاستخباراتية تحديد مواقع التنظيم والقيام بغارات جوية ناجحة لمهاجمته، كما حدث بالفعل في الغارة الجوية التي شنتها خلال ديسمبر الماضي 2014 شرق العراق.
وبالمثل فإن جهود إيران وحدها غير كافية للقضاء نهائيا على التنظيم في العراق، لاسيما بعد أن قارب التنظيم على الانتشار في المحيط الجغرافي لإيران، وظهور موالين له في باكستان وأفغانستان – كما سبقت الإشارة - الأمر الذي يشير إلى أهمية وجود تنسيق ما فيما بين قوات التحالف وإيران، غير أن الملفات الخلافية بين الأخيرة والغرب تعطل مثل هذه الخطوة.
لكنه مع استقراء التاريخ القريب، يلاحظ أنه لا يوجد ما يمنع بشكل قطعي وجود تعاون بين إيران والغرب وبصفة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية في القضايا تحمل اهتمامات مشتركة بين إيران من جانب، والغرب بقيادة أمريكية من جانب آخر، حيث أقدمت إيران على مساندة الولايات المتحدة الأمريكية في حربها أولا على أفغانستان، حيث كشفت بعض التقارير عن قيام طهران باعتقال عدد من أعضاء تنظيم "القاعدة" المقيمين في أراضيها، وأنها قد قدمت للولايات المتحدة خرائط توضح مواقع تنظيم "طالبان" في أفغانستان، وطبقًا لهذه التقارير أيضا قدمت إيران عروضا بتدريب القوات الأفغانية كجزء من برامج تقودها الولايات المتحدة لإعادة بناء الجيش الأفغاني، كما ساندتها في مؤتمر بون في أغسطس عام 2001، بهدف اختيار القيادة الأفغانية المؤقتة، في الوقت الذي اعترفت فيه الولايات المتحدة بحاجتها إلى إيران في مواجهة حركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة"، مثلما حدث من قبل، ففي السنوات الأولى بعد وصول القوات الدولية إلى أفغانستان في عام 2001، كما تكرر السيناريو ذاته في الحرب الأمريكية على العراق، حيث التنسيق الأمني بين الطرفين. الأمر الذي لا ينفي نهائيا إمكانية لعب إيران دور الشريك الإجرائي في ظل التسليم بصعوبة إلحاق الهزيمة بتنظيم "داعش" في المنطقة من دون تعاون أو تنسيق بين قوات التحالف بقيادة أمريكية، وإيران من ناحية، وبدون تعاون مع إيران والحكومة العراقية من ناحية أخرى.
*باحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية
في الوقت الذي يمكن أن تجني فيه إيران مكاسب عدة إذا ما استطاعت دحر التنظيم من العراق إلى جانب القوات العراقية، يأتي في مقدمتها؛ تعزيز النفوذ الإيراني في العراق، في مقابل انحسار النفوذ التركي، ففي الوقت الذي طرحت فيه إيران نفسها كبديل لتأخر القوي الإقليمية وعلى رأسها الولايات المتحدة في اتخاذ قرار محاربة "داعش" في العراق، جاء الموقف التركي مثيرا للتساؤل والاستياء من أطراف عراقية وإقليمية، وحتى بعد اتخاذ قرار تشكيل تحالف دولي لمحاربة التنظيم، إذ لم تتخذ تركيا سياسات واضحة ضد "داعش" حتى الآن، لا سيما في ظل نجاح أكراد العراق في توظيف المواجهات مع "داعش"، وتعزيز سيطرتهم ونفوذهم على الأرض، على نحو قد يمهد، وفق بعض التقديرات، لقيام دولة كردية في شمال العراق، قد تقلص من النفوذ التركي هناك.
بالإضافة إلى احتمالية تحقيق مكسب آخر على الساحة السورية يتمثل في إمكانية إكساب التصور الإيراني والسوري وتصويرهما لواقع الأحداث في سوريا على أنها حرب على الإرهاب وليس حراك شعبي ضد النظام بعض الوجاهة، لاسيما في ظل نشاط تنظيم "داعش" في العراق وسوريا.
رابعا- محددات الدور الإيراني في محاربة "داعش" في العراق
يمكن القول بأن ثمة تغييرًا واضحًا في الإستراتيجية الإيرانية العسكرية في العراق، يتمثل هذا التغيير في التحول من الكتمان حول نشاطها العسكري في العراق وإنكاره إلى الإفصاح عنه وإعطاء المعلومات عن تفاصيله بهدف التأكيد على دورها المحوري في محاربة تنظيم "داعش" في العراق منفردة على الرغم من استبعاد التحالف الدولي لها، فقد ظل الوجود العسكري الإيراني من خلال الحرس الثوري سريا لفترة طويلة، غير أن إعلانها عنه مؤخرا قد تزامن مع هجمات تنظيم "داعش" على العراق، وسيطرته على عدد من المحافظات العراقية، حيث شاركت القوات الإيرانية في القتال ضد "داعش" إلى جانب القوات العراقية، وفي ظل غياب تنسيق أمريكي مع العراق بشأن هذه المواجهات، قامت القوات الإيرانية منفردة بشن غارات جوية على التنظيم شرق العراق نهاية العام الماضي 2014، أنكرتها في البداية ثم أقرت بتنفيذها بعد ذلك، على لسان مساعد وزير الخارجية الإيراني إبراهيم رحيم بور.
كما تمثل هذا التحول في إعلان قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد عليجعفري، عن أن إيران مستمرة بما أسماه "الجهاد المسلح" خارج البلاد، وأن المرشد الأعلى الإيراني عليخامنئي، قد أمر بإبقاء العناصر العسكرية في كل من العراق وسوريا ولبنان، وذلك لحماية الأمن القومي الإيراني. ومنذ سيطرة "داعش"على مدينة الموصل، وقيامه بالتهديد باقتحام العتبات المقدسة، كثفت إيران وجودها العسكري بقوة في الداخل العراقي، فيما قامت مواقع عراقية ببث صور ومقاطع فيديو للجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في مدينة أميرلي، أثناء احتفاله مع مجموعات شيعية مسلحة بضرب مقرات لداعش، تلك المقاطع التي أثارت جدلا واسعًا حول النفوذ الإيراني في العراق، ويستخدمها"داعش"للدعاية له لدي السنة، مخاطبا إياهم "هل ترضون أن يرقص القاسمي في مدنكم؟" في حين أشار تقرير لـصحيفة "ديلي بيست" الأمريكية أن العملية الأمريكية في مدينة أميرلي كانت بالاشتراك مع جماعة "عصائب أهل الحق" الشيعية المدعومة من إيران، والتي يقوم القادة العسكريين الإيرانيين بتدريب أفرادها وقيادتهم في عملياتها التي تقوم بها منفردة في شمال العراق.
كما أعلنت إيران في سابقه من نوعها عن مقتل عدد من العسكريين الإيرانيين الكبار التابعين لفيلق القدس، في اشتباكات مع "داعش" حيث يقود هؤلاء المجموعات العراقية الشيعية المسلحة، المسماة بقوات "الحشد الشعبي"، كان آخرهم اللواء محمد رضا حسيني مقدم، الذي قتل أثناء معارك مع التنظيم في سامراء، بمحافظة صلاح الدين مطلع الشهر الحالي فبراير 2015.
وفي هذا الإطار يطرح تساؤلا مهمًا مفاده: هل ينجح التحالف الدولي بدون إيران؟ وتأتي الإجابة عنهذا التساؤل من خلال ملاحظة التطورات علىالأرض فيما يخص تحركات كلا الجانبين – أي إيران من جهة، والتحالف الدولي من جهة أخرى- في حربهما على التنظيم، إذ لا يمكن إغفال تفوق إيران عن قوات التحالف الدولي لمحاربة "داعش" بوجود قوات برية لها على أرض المعركة، بعكس الأخيرة التي تعتمد علىشن الهجمات الجوية على مواقع تظن أنها تابعة للتنظيم في سوريا والعراق، الأمر الذي تنتج عنه نتائج كارثية ناحية إصابة المدنيين، بل وعدم تحقيق مكاسب تذكر لبعض هذه الغارات وخلو الأماكن المستهدفة من عناصر للتنظيم، نظرًا لعدم وجود عناصر استخباراتية على الأرض يمكنها تحديد المواقع والأهداف، بعكس الحال مع إيران في العراق التي توجد بشكل فعليإما من خلال عناصرها أو من خلال وكلائها وحلفائها من القوات الشيعية المسلحة، فضلا عن قدرة إيران على إدارة حروب العصابات بامتياز، وبالتالي تحدث الاشتباكات بين الطرفين بشكل مباشر، كما يمكنها من خلال عناصرها الاستخباراتية تحديد مواقع التنظيم والقيام بغارات جوية ناجحة لمهاجمته، كما حدث بالفعل في الغارة الجوية التي شنتها خلال ديسمبر الماضي 2014 شرق العراق.
وبالمثل فإن جهود إيران وحدها غير كافية للقضاء نهائيا على التنظيم في العراق، لاسيما بعد أن قارب التنظيم على الانتشار في المحيط الجغرافي لإيران، وظهور موالين له في باكستان وأفغانستان – كما سبقت الإشارة - الأمر الذي يشير إلى أهمية وجود تنسيق ما فيما بين قوات التحالف وإيران، غير أن الملفات الخلافية بين الأخيرة والغرب تعطل مثل هذه الخطوة.
لكنه مع استقراء التاريخ القريب، يلاحظ أنه لا يوجد ما يمنع بشكل قطعي وجود تعاون بين إيران والغرب وبصفة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية في القضايا تحمل اهتمامات مشتركة بين إيران من جانب، والغرب بقيادة أمريكية من جانب آخر، حيث أقدمت إيران على مساندة الولايات المتحدة الأمريكية في حربها أولا على أفغانستان، حيث كشفت بعض التقارير عن قيام طهران باعتقال عدد من أعضاء تنظيم "القاعدة" المقيمين في أراضيها، وأنها قد قدمت للولايات المتحدة خرائط توضح مواقع تنظيم "طالبان" في أفغانستان، وطبقًا لهذه التقارير أيضا قدمت إيران عروضا بتدريب القوات الأفغانية كجزء من برامج تقودها الولايات المتحدة لإعادة بناء الجيش الأفغاني، كما ساندتها في مؤتمر بون في أغسطس عام 2001، بهدف اختيار القيادة الأفغانية المؤقتة، في الوقت الذي اعترفت فيه الولايات المتحدة بحاجتها إلى إيران في مواجهة حركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة"، مثلما حدث من قبل، ففي السنوات الأولى بعد وصول القوات الدولية إلى أفغانستان في عام 2001، كما تكرر السيناريو ذاته في الحرب الأمريكية على العراق، حيث التنسيق الأمني بين الطرفين. الأمر الذي لا ينفي نهائيا إمكانية لعب إيران دور الشريك الإجرائي في ظل التسليم بصعوبة إلحاق الهزيمة بتنظيم "داعش" في المنطقة من دون تعاون أو تنسيق بين قوات التحالف بقيادة أمريكية، وإيران من ناحية، وبدون تعاون مع إيران والحكومة العراقية من ناحية أخرى.
*باحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية