القمة العربية ومُفارقة يوم الأرض
اختُتمت القمة العربية
الخامسة والعشرون في الكويت بإصدار "إعلان الكويت" الذي لم يتضمن جديدًا
عربيًا بالنسبة للقضية الفلسطينية، في وقت يستعد فيه الكيان الصهيوني للإجهاز على
"اتفاق الإطار" الأمريكي، الذي يُشرف عليه وزير الخارجية جون كيري، الذي
يهدف إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من "حل الدولتين" الذي تبنّته حتى الآن ثلاث
إدارات أمريكية متعاقبة دون أن تستطيع تحقيقه (إدارة بيل كلينتون وإدارة جورج دبليو
بوش وإدارة أوباما) من خلال إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، إلى
جانب الدولة الإسرائيلية.
قبل أن تُعقد القمة
بأيام قلائل كان كل من بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، ومحمود عباس، رئيس
السلطة الفلسطينية، قد زار واشنطن بشكل متعاقب، وكانت المحصلة النهائية هي؛ الفشل في
إنجاح أو التوافق على إنجاح "اتفاق الإطار" الأمريكي الذي لم يظهر بعد إلى
العلن، لكن فشل نتنياهو جعله يعود بقناعة لم يستطع الرئيس الأمريكي أن يختلف معه حولها،
لكن فشل محمود عباس جعله يعود من واشنطن ليواجه عقوبات إسرائيلية، أقلها الرفض المطلق
لإطلاق الدفعة الأخيرة المُتفق عليها من الأسرى الفلسطينيين.
كان جوهر اختلاف نتنياهو
مع أوباما يتركز حول الموقف من المحادثات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني بين
"مجموعة دول 5+1" وإيران، حيث كان نتنياهو يرمي إلى إفشال الاتفاق المرحلي
الذي جرى توقيعه في جنيف (24 نوفمبر 2013) بين الدول الست وإيران، والحيلولة دون التوصل
إلى اتفاق نهائي حول البرنامج النووي الإيراني يعطى لإيران الحق في الاحتفاظ ببرنامج
نووي سلمي، والاستمرار في جهود تخصيب اليورانيوم داخل إيران، والمُضي في تصعيد العقوبات
المشددة ضد إيران حتى تمتثل إلى المطالب الدولية وخصوصًا تصفية برنامجها النووي، وإذا
رفضت فيكون إحياء الخيار العسكري هو الحل والرد الأمثل.
لم يستطع نتنياهو
إقناع الرئيس الأمريكي بمطالبه خصوصًا مع صراحة الرئيس الأمريكي في إعلان أن من حق
إيران امتلاك برنامج نووي سلمي، ومن حق المجتمع الدولي منع إيران من امتلاك سلاح نووي.
لذلك عاد نتنياهو بعد أن فرض على أوباما مقايضة الملف الفلسطيني بالملف الإيراني، أي
طالما لن يحدث تحريك على هوى إسرائيل بخصوص ملف إيران النووي، فمن حق إسرائيل تجميد
الملف الفلسطيني.
وهكذا، عاد نتنياهو
ليصعّد من تشدّده بخصوص شرط الاعتراف الفلسطيني والعربي بـ "يهودية" الكيان
الصهيوني، ليس هذا فقط بل والاعتراف بأن هذه الدولة اليهودية هي وطن كل الشعب اليهودي
في العالم، أيًا كان موطنه الذي يعيش فيه.
عقدت القمة العربية
في هذه الظروف، ولم يصدر عنها إلا التأكيد على أن "السلام العادل والشامل هو الخيار
الإستراتيجي، وأن عملية السلام عملية شاملة لا يمكن تجزئتها، والتأكيد على أن السلام
العادل والشامل لا يتحقق إلا من خلال الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية
والعربية المحتلة، بما في ذلك الجولان، وحتى خط الرابع من يونيو 1967، وكذلك الأراضي
التي لا تزال محتلة في الجنوب اللبناني، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين".
كما أكدت القمة على رفض جميع أشكال التوطين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات السيادة
وعاصمتها القدس الشرقية، وأكدت أيضًا الرفض المطلق والقاطع للاعتراف بإسرائيل دولة
يهودية، ورفض جميع الضغوطات التي تمارس على القيادة الفلسطينية في هذا الشأن.
أولا- ذكرى
يوم الأرض: جدية الاختبار
ما خرجت به القمة
من رفض وتأكيدات ليس لها أي معنى أو تأثير على مجرى الصراع الذي يتجذر داخل فلسطين
حول الأرض وهويتها، حيث كان التجاهل العربي التام لذكرى يوم الأرض. فقد مرت ذكرى
"يوم الأرض" الفلسطيني خافتة وباهتة في كل أنحاء الوطن العربي وبشكل لا يقارن
أبدًا من تفاعلات العالم مع ما يُعرف بحملة "ساعة الأرض" التي لم يفصل بين
الحدثين زمنيًا غير ساعات قليلة. فقد أُطفِئت الأنوار في نحو سبعة آلاف مدينة في
157 دولة مساء السبت "ساعة الأرض" التي تهدف إلى لفت الانتباه إلى مخاطر
"التبدُّل المناخي، والتوعية بالمخاطر المُحدقة بالبيئة، وتذكير الناس بالحاجة
إلى رد دولي على مسألة التغير المناخي.
حملة "ساعة الأرض"
التي بدأت من سنغافورة عام 2007 من تنظيم الصندوق الدولي للطبيعة حققت هذا العام نجاحًا
كبيرًا من خلال مشاركة ملايين البشر في التفاعل معها، لكن "يوم الأرض" الفلسطيني
لم يجد من يشارك في إحياء معاني الصمود البطولية للدفاع عن أرض فلسطين، وهويتها العربية
التي تتعرض لأعنف حملة إبادة على أيدي حكومة الكيان الصهيوني، وتخاذل العرب عن إدراك
معنى تصفية الهوية العربية لأرض فلسطين، والسماح بتهويدها وتفريغها من شعبها.
لقد شكل يوم الأرض
الفلسطيني، الذي ارتبط بأحداث صمود بطولية نادرة لعرب فلسطين 1948 وانتفاضتهم داخل
الكيان الصهيوني يوم 30 مارس/ آذار عام 1976، علامة فارقة في تاريخ النضال الفلسطيني
باعتباره اليوم الذي أعلن فيه الفلسطينيون تمسكهم بهويتهم الوطنية والقومية، وحقهم
في الدفاع عن وجودهم رغم عمليات القتل والتنكيل التي تمارسها سلطات الاحتلال بحقهم
دون توقف.
ففي يوم السبت الموافق
30 مارس/ آذار عام 1976، وبعد ثمانية وعشرين عامًا تحت الحكم الصهيوني الذي استهدف
اقتلاع كل الجذور الفلسطينية من تربتها الوطنية، وغرس بذور صهيونية شيطانية مكانها،
ورغم كل ما تعرض له أبناء الشعب الفلسطيني الذين رفضوا اللجوء، وتشبثوا بتراب الوطن،
ورغم كل عمليات التمييز العنصري الممنهج وطمس الهوية واغتصاب الأرض والبيوت والمدن
والقرى، رغم كل ذلك، وبعد كل ذلك صدم الشعب الفلسطيني عدوّه عندما نفض عن كاهله كل
ركام المذلة والهوان، وهب ليعلن بأعلى صوته: "أنا عربي.. أنا فلسطيني" لم
يكن نداء بل وصرخة "أنا عربي.. أنا فلسطيني.. الأرض أرضي، والأرض عرضي" موجّهة
للعدو المغتصب، ولكنها كانت موجّهة للتاريخ كي يسجل في صحائفه، أن شعب فلسطين لن يفرط
في أرض، ولن يفرط في عرض، ولن يفرط في هوية، ولن يفرط في حق، ولن يسمح للكون كله أن
يُنسيه أنه صاحب الأرض، وأنه صاحب الحق، وأنه قادر على أن يحمي الأرض ويسترد الحق.
كانت هذه هي صرخة
يوم الأرض، وكان هذا هو معنى الإحياء السنوي لذكرى يوم الأرض، الذي مر هذا العام دون
ذكرى ودون مشاركة عربية تقارن بمشاركة العرب والعالم في فاعليات حملة "ساعة الأرض".
طبيعي أن يعطي لنا
العالم ظهره ولا يشاركنا الدفاع عن حقوقنا المهدرة، حتى ولو كان الدفاع رمزيًا على
نحو احتفالات العالم ومشاركته لـ "ساعة الأرض" التي بدأتها سنغافورة وحرصت
على الحفاظ عليها منذ عام 2007، وأثبتت مصداقيةً في الدفاع عن هدف يحظى باحترام العالم.
ثانيا:
ماذا يعني إهدارنا للمعاني الرمزية في نضالنا؟
السؤال مهم لأنه يعبر
عن "حالة يأس" عربية في الحاضر وفي المستقبل، وهو يأس مردوده سلبي ولا يحظى
بأدنى درجة من أي احترام، يأس يعكس العزوف عن الفعل حتى ولو كان رمزيًا.
أشياء كثيرة يستطيع
المواطن العربي أن يفعلها بعيدًا عن انتظار أدوار الحكومات. ماذا سنخسر لو أعطينا يوم
الأرض كل المعاني الجميلة، وتحدثنا عنه مع العالم لنجعله عيدًا لاحترام الأرض – الوطن،
كل الأرض وكل الوطن، ليحتفل كل شعب وكل مواطن بأرضه وبهوية هذه الأرض، وهذا ليس مستحيلاً
إذا استطعنا أن نقنع العالم باحترام دعوتنا.
أتذكر أن العالم كان
لسنوات طويلة يحتفل بما يسمى بـ "يوم الطالب العالمي". كان اتحاد الطلاب
العالمي، وهو منظمة كانت تنتمي إلى المعسكر الاشتراكي ومقره في مدينة "براغ"
"تشيكوسلوفاكيا" هو من يقود دعوة الاحتفال بيوم الطالب العالمي. كان هذا
الاحتفال يوم 21 فبراير/ شباط، من كل عام، وكان دافعه هو إحياء ذكرى استشهاد الطلاب
المصريين في هذا اليوم من عام 1946، يوم أن خرج طلاب جامعة القاهرة يتظاهرون ضد حكومة
"إسماعيل صدقي"، الذي أعطى الأوامر لقوات الأمن بأن تفتح كوبري عباس، وإطلاق
الرصاص على الطلاب المتظاهرين الذين وجدوا أنفسهم محاصرين فوق الكوبري (الجسر) بين
ضفتي نهر النيل، فسقط منهم الشهداء والمصابون، تخليد الحركة الطلابية المصرية لهؤلاء
الشهداء على مدى سنوات، هو ما أقنع اتحاد الطلاب العالمي بجعل هذا اليوم يومًا للطالب
في كل أنحاء العالم. وعندما قام الرئيس السادات بتصفية الحركة الطلابية المصرية، وحل
الاتحاد العام لطلاب مصر، ومنع النشاط السياسي في الجامعات، توقفت احتفالات الطلاب
بيومهم واندثرت الذكرى، تمامًا كما هو حادث اليوم بالنسبة لذكرى يوم الأرض الفلسطيني.
ثالثا:
هوية الأرض بين نتنياهو وليبرمان
إحياء الشعب العربي
لهذا اليوم ضرورة وطنية وقومية، وفي مقدورنا أن نجعله يومًا يحتفل به العالم ويحترمه
شرط أن نحترمه نحن، والاحترام لن يكون فقط بالاحتفالات والمهرجانات، ولكن بالإصرار
على المعاني التي خرج أهل فلسطين في ذلك اليوم المشهود يدافعون عن أرضهم وهويتهم. أن
نعلي شأن الهوية الوطنية الفلسطينية، وأن نؤكد على عروبة فلسطين، وجذرية الصراع مع
الكيان الصهيوني باعتباره صراعًا بين مشروعين وهويتين: المشروع الحضاري العربي والمشروع
الصهيوني الاستعماري الغربي، صراع حول الوجود، صراع شعبين على أرض واحدة.
هم داخل الكيان يؤكدون
أنهم يخوضون معنا صراع وجود، هم ينبذون ويحقرون من دعوة حل الدولتين، ويؤكدون أن
"إسرائيل" (وليس فلسطين) دولة واحدة لشعب واحد هو الشعب "اليهودي".
نعم يقولون الآن الشعب اليهودي وليس "الإسرائيلي" ضمن حرب الهويات التي تخوضها
حكومة نتنياهو التي تصر على اعتراف الفلسطينيين والعرب بأن "إسرائيل" دولة
يهودية لكل الشعب اليهودي في كل أنحاء العالم. فاليهود الحقيقيون، كما يرى نتنياهو،
هم فقط أولئك الذين تنبع إسرائيليتهم من يهوديتهم، والإسرائيلية لا يمكن أن تكون، من
وجهة نظرهم، سوى يهودية. لذلك هو يطالب اليهود الحقيقيين أن يحاربوا بكل ما أوتوا من
قوة الدعوة الخبيئة التي ترفع شعار "دولة كل مواطنيها"، لأنها دعوة هدفها
دمج غير اليهودي من المقيمين في هذه الدولة ضمن شعبها، الذي يجب أن يكون يهوديًا وفقط
يهوديًا.
الرسالة التي يريد
نتنياهو أن تصل لليهود داخل الكيان أن الدولة لهم دون غيرهم من سكان "إسرائيل"
أي من العرب، ومن هنا جاء تحرك وزير خارجيته أفيجدور ليبرمان لإعداد فتوى قانونية تسوّغ
فكرة "تبادل السكان وتبادل الأراضي" بأن يتم تحريك حدود الكيان شرقًا إلى
الضفة الغربية المحتلة، وضم المستوطنات إلى الكيان الصهيوني من ناحية، وتعويض الفلسطينيين
بمناطق بديلة في منطقة المثلث ووادي عارة بضمهما إلى الدولة الفلسطينية المقترحة، شرط
أن يتم نقل كل الفلسطينيين المقيمين داخل الكيان إلى مناطق الدولة الفلسطينية المقترحة،
كي تكون "إسرائيل" دولة يهودية خالصة.
ليبرمان، وكما أوضحت
صحيفة "هاآرتس" الصهيونية أوضح أن "الشرط لتسوية شاملة مع الفلسطينيين
هو ترتيب موضوع عرب "إسرائيل"، وشدد على أن خطته لتبادل الأراضي والسكان
ليست "ترانسفير"، كما أن هدفها ليس طرد السكان أو سلبهم أملاكهم، بل ببساطة
"تحريك الحدود".
هذا النوع من التفكير
يتطور ويتحول إلى إجراءات في ظل صمت عربي وفلسطيني، حيث نشرت صحيفة "هاآرتس"
أن المستشار القانوني لوزارة الخارجية "الإسرائيلية" رفع في 17 فبراير/ شباط
الماضي، إلى ليبرمان وثيقة تقع في 18 صفحة تحت عنوان: "تبادل الأراضي- نقل السيادة
على أرض مأهولة في إطار تسوية دائمة مع الفلسطينيين- جوانب قانونية".
هكذا يخططون ويتحركون
في الاتجاه المعاكس تمامًا لكل المعاني والقيم النبيلة التي يتضمنها يوم الأرض الفلسطيني
الذي تجاهلناه، وتناسينا سهوًا أو عمدًا، أننا بقدر ما نتجاهل اليوم بقدر ما نتجاهل
معانيه.