التحديات والمأمول: قراءة في بيئة انعقاد القمة العربية (26)
تنعقد القمة العربية الدورية المقبلة فى شرم الشيخ يومى السبت والأحد المقبلين (28 و29 مارس الحالي) بعد ما يقرب من أسبوعين لانعقاد «مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري) بشرم الشيخ، لكن شتان بين ما استطاع «مؤتمر دعم وتنمية الاقتصادى المصري» تحقيقه من نتائج مبهرة وبين ما يواجهه مؤتمر القمة العربية من فرص محدودة للتوافق العربى بسبب كثافة ما يواجهه النظام العربى من تحديات وبسبب تباعد الرؤى بين الدول العربية فى إدراك أولوية التهديدات وسبل مواجهتها.
أولا- التحديات التي توجه القمة
فمؤتمر القمة العربية يأتى فى ظروف تتصاعد فيها ثلاثة تحديات أساسية، أولها التداعيات الأمنية والاقتصادية الخطيرة الناتجة عن فشل، أو على الأقل، تعثر موجة الثورات العربية فى تحقيق الأهداف التى تفجرت من أجلها، وثانيها التداعيات الناتجة عن تفاقم الخطر الإرهابى التكفيرى المتحالف مع أبرز فصائل تيار «الإسلام السياسي» خاصة الإخوان والسلفية الجهادية، وتعاطف ما يُعرف بـ «السلفية الدعوية» التى لم تستطع أن تنأى بنفسها عن هذا التعاطف رغم إنكارها له.
أما التحدى الثالث الذى سوف تتضاعف وتتراكم تداعياته ابتداءً من الآن، فهو تجديد فوز بنيامين نيتانياهو فى الانتخابات التشريعية الإسرائيلية التى أجريت فى الأسبوع الماضى وعزمه على تشكيل حكومة يمين متطرف هدفها الأساسى تحويل إسرائيل إلى «دولة يهودية» وتصفية فرص أى حل سلمى يقوم على «خيار حل الدولتين»، أى الرفض القاطع لدعوة إقامة دولة فلسطينية على الأراضى التى احتلت عام 1967، ما يعنى فرض خيار «دولة واحدة لشعب واحد» أى جعل فلسطين بحدودها التاريخية هى حدود تلك الدولة اليهودية.
ثانيا- بيئة عربية مغايرة
مؤتمر القمة العربية سوف يُعقد فى ظروف لا يمتلك فيها النظام العربى رؤى واستراتيجيات وسياسات متفقا عليها بين الدول العربية لمواجهة هذه التحديات، ليس هذا فقط، لكنه يعقد أيضاً فى ظل ثلاث حقائق تفرض نفسها بقوة على النظام العربى والدول العربية، وتعتبر محددات يصعب تجاهلها بالنسبة لأى جهد عربى يستهدف مواجهة أى من هذه التحديات.
أولى هذه الحقائق أن النظام العربى وصل إلى درجة من الانفراط غير المسبوق، وافتقد القدر الأكبر من تماسكه، مع غياب القيادة القادرة على إدارة وضبط تفاعلاته وحسم أولويات أجندة عمله. وكانت النتيجة أن النظام العربى اضطر إلى تصدير أزماته للخارج، وأضحى أكثر اختراقاً إقليمياً ودولياً، لدرجة باتت فيها أبرز ملفات هذا النظام تدار من جانب القوى الإقليمية الثلاث المتصارعة: إيران وتركيا وإسرائيل.
ثانية هذه الحقائق، أن النظام الإقليمى الشرق أوسطى سيظل تحت سيطرة التفاعلات الصراعية والتنافسية بين المشروع الإيرانى والمشروع الإسرائيلى والمشروع التركي، وأن أغلب صراعات هذه المشروعات الثلاثة تدار على أرض الوطن العربى وعلى حساب المصالح العربية والأمن القومى العربي، وهذا بدوره يباعد من فرص العرب وقدراتهم فى حل أزماتهم وتحقيق استقرارهم لتفاقم تورط هذه القوى الإقليمية فى تلك الأزمات.
ثالثة هذه الحقائق أن القوى الدولية الكبرى باتت منشغلة عن أزمات ومشكلات الشرق الأوسط، إما لانغماسها فى مشكلاتها الداخلية وتحديات إستراتيجيتها الدولية وإما لانشغالها بتنافساتها المشتركة. فالولايات المتحدة تتجه إلى «انطواء تكتيكى» ربما أملاً فى استعادة القدرة على امتلاك المبادرة والهيمنة الإستراتيجية مستقبلاً، لكن الجديد فى هذه التفاعلات هو ذلك التحول فى الموقف الأمريكى بالنسبة للعلاقة مع إيران. فواشنطن ليست حريصة فقط على إيجاد تسوية مقبولة للأزمة المثارة حول البرنامج النووى الإيرانى تعطى لإيران حق امتلاك برنامج نووى سلمى وتمنعها من امتلاك برنامج نووى عسكري، لكنها أيضاً، باتت مستعدة لتفاهمات مع إيران.
ثالثا- نحو رؤية جديدة لمواجهة التحديات
من الضرورى التوصل إلى رؤى وتفاهمات عربية تعيد للنظام العربى تماسكه وتحول دون انفراطه وتضع حداً لكل ما يتعرض له من اختراقات. وأتصور أن الاقتراح المصرى الذى قدمه الرئيس عبدالفتاح السيسى وأعاد تأكيده الدكتور نبيل العربى الأمين العام لجامعة الدول العربية بتأسيس «قوة عسكرية عربية مشتركة» للدفاع عن الأمن القومى العربى ومحاربة الإرهاب يمكن أن يكون مدخلاً مهماً لتحقيق «اختراق عربى لطوق الأزمات» الذى يتهدد العرب لأنه من ناحية يستعيد وحدة الموقف العربي، ويجدد الأمل من ناحية أخرى بمفهوم «القيادة المشتركة» التى يمكن أن تبدأ عسكرية وتتطور إلى أن تكون اقتصادية وسياسية، وهى القيادة التى بات النظام العربى فى أمس الحاجة إليها لاستعادة دوره وتماسكه.
مشكلة هذا الاقتراح أنه يتناقض مع سياسات واستراتيجيات الدول الغربية، كما أنه يتعارض مع مصالح القوى الإقليمية فى المنطقة: إسرائيل وإيران وتركيا. فكل هذه الأطراف تفضل أن تتعامل مع الدول العربية منقسمة ومتنافسة، إن لم تكن متصارعة، كى يسهل اختراقها والسيطرة عليها، لكن المشكلة الأصعب التى تواجه هذا الاقتراح هى الانقسام العربى حوله.
هناك من يتساءلون: إذا كان الهدف من تشكيل هذه القوة العسكرية محاربة الإرهاب فما هو الإرهاب الذى ستحاربه: هل هو «الإرهاب السُني» أى تنظيم «داعش» وتنظيم «القاعدة» وتوابعهما كما تريد مصر، أم هو «الإرهاب الشيعي» المتمثل فى التدخل الإيرانى السافر فى العديد من الدول العربية خاصة فى العراق وسوريا ولبنان وأخيراً فى اليمن كما تريد السعودية؟
هذا النوع من «التفكير الشيطاني» هو بيت الداء فهو يتعمد فرض الصراع الطائفى كبديل للصراع السياسي، لأن إرهاب «داعش» ليس إرهاباً سُنياً، فهو يقتل السنة فى العراق وسوريا أكثر مما يقتل من الشيعة، كما أن التدخل الإيرانى فى العراق وسوريا واليمن ولبنان ليس «إرهاباً شيعياً»، ولكنه تدخل يهدف إلى توسيع النفوذ الإيرانى على حساب مصالح عربية وعلى حساب الأمن القومى العربي، وإيران عندما تستخدم «التشيع» فإنها تستخدمه لخدمة أهداف مشروعها السياسي.
كما أن هذا التفكير الشيطانى يستهدف إجهاض فكرة تأسيس قوة عسكرية عربية مشتركة فى مهدها لأنه يدعو إلى تأسيس «تحالف سُني» لمواجهة «الخطر الشيعي» وذلك بالتحالف مع تركيا حتى لو أدى ذلك إلى الخضوع لكل المطالب التركية وبالذات مطلبها بوقف الحرب على الإخوان وإعادة دمجهم سياسياً والتحالف معهم، ومطلبها بفرض هيمنتها على الشمال السوري.
فكرة التحالف مع تركيا فاشلة لأن تركيا لن تتحالف مع العرب ضد إيران، فمصالح تركيا مع إيران لا تقل عن مصالحها مع دول الخليج،ولأنها تتحالف مع «داعش» فى سوريا وليبيا وتدعم الإخوان ضد مصر.
التحالف الحقيقى الذى يحتاجه العرب هو أن يتحالفوا مع أنفسهم، وأن يحاربوا الإرهاب، أى إرهاب يهدد أمنهم ومستقبلهم بالبدء فى تشكيل القوة العسكرية المشتركة، فليس هناك إرهاب إسلامى سواء كان سنياً أو شيعياً، الإرهاب الذى يحاربنا إرهاب تكفيرى للسنة والشيعة معاً، ويطرح مشروع الخلافة كبديل للنظام العربى، وهذه مسئولية القمة العربية.