البحث عن بدائل: فشل الحرب العالمية الرابعة على الإرهاب
الأربعاء 11/مارس/2015 - 10:53 ص
د . يسري العزباوي
في ظل انتصارات متتالية للقوات العراقية على الأرض ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام والمعروف إعلاميًا باسم "داعش" يثور عدة تساؤلات عن الحرب العالمية المزعومة ضد الإرهاب، وعن القدرة الحقيقية للجيش العراقي، ومستقبل التنظيمات المسلحة في العراق، بعد نجاح العراق في القضاء على داعش.
ما أشبه الليلة بالبارحة، هذه المقولة تنطبق على الطريقة التي تحاول بها الولايات المتحدة تشكيل تحالفها الدولي لمحاربة إرهاب تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، وهو ما أعاد للأذهان تحالف عام 2003 للتخلص من نظام صدام حسين، بحجة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل وانتهاك حقوق الإنسان وبناء عراق ديمقراطي يكون نموذجاً يحتذى في المنطقة العربية . وبعد أن حقق اليمين المسيحي المتطرف داخل الإدارة الأمريكية أهدافه من الحرب المذمومة من تقسيم العراق على أسس مذهبية وعرقية وجغرافية ووضع دستور طائفي، عادوا واعترفوا بأنهم كانوا مخطئين وأن العراق لم يمتلك أسلحة دمار من الأصل .
بالمنهج نفسه، نجحت الولايات المتحدة في إصدار القرار رقم 1270 من مجلس الأمن بالإجماع، الذي يدعو إلى تشكيل فريق مراقبة ورصد لمدى تنفيذ سلة عقوبات واسعة ضد تنظيم "داعش" وجبهة النصرة في العراق والشام، ومدى تعاون الدول الأعضاء في تطبيق هذا القرار، على أن يقدم الفريق تقريراً إلى لجنة العقوبات في غضون 90 يوماً عن الخطر الذي يشكله التنظيمان، وعن مصادر أسلحتهما وتمويلهما والتجنيد في صفوفهما وتركيبتهما الديموغرافية .
أولا- التأخر الأمريكى في محاربة الإرهاب
ويثير التدخل الأمريكي المتأخر لضرب "داعش" التساؤل في العالم العربي عن أسباب هذا التأخر، ولماذا التركيز على "داعش" في العراق وسوريا دون الجماعات التكفيرية في ليبيا وتونس واليمن ومصر ونيجيريا ومالي؟ واللافت أنه عندما تولى أوباما سدة الحكم في الولايات المتحدة، كانت هناك فرحة عارمة في بعض بلدان العالم الإسلامي خاصة بعد خطابه في جامعة القاهرة، الذي وعد الأمريكيين بعودة جنودهم من العراق وأفغانستان، وهو ما حدث إلى حد ما . ولكن سرعان ما حنث أوباما بوعوده حيث تقوم القوات الجوية الأمريكية بشن غارات مستمرة على تنظيم "داعش" في العراق بعدما صعد أوباما من حشد قواته العسكرية، والتقى في اجتماعات موسعة مع جنرالات من الجيش الأمريكي، بعدما وفّر، ولو شكلياً، حلفاً من 40 دولة من مختلف قارات العالم . وأكد في خطاب من القيادة الوسطى في فلوريدا أنه "سواء كانوا في العراق وسوريا، سيكتشف "داعش" أن بمقدورنا الوصول، وأنهم لن ينعموا بملاذ آمن" .
يأتي التحرك الأمريكي ضمن استراتيجية أوسع نطاقاً، عنوانها الأبرز استهداف وإضعاف قدرات "داعش" وتدميره، وتقوم على عدة محاور: الأول، القيام بحملة منظمة من الضربات الجوية ضد "داعش"، بالعمل والتنسيق مع الحكومة العراقية التي تقوم قواتها بالهجوم برياً، ومطاردة "داعش" وفلولها في سوريا . الثاني، إرسال قوة تدريبية من الخبراء العسكريين إلى العراق، من أجل مساندة القوات العراقية والكردية في مجالات التدريب وتأهيل قوات الحرس الوطني العراقي . أما المحور الثالث، فيتمثل في تشكيل ائتلاف دولي تلعب القوى الإقليمية دورها الحاسم فيه عبر خطوط متعددة، من بينها: الدعم العسكري للعراقيين، ووقف المقاتلين الأجانب، ومجابهة تمويل "داعش"، وموارده المالية، وكشف زيف دعاوى "داعش" الدينية .
وفي إطار تسويق الاستراتيجية الأمريكية عالمياً، حمل رئيس جهاز المخابرات البريطانية "إم آي 6" الغرب مسؤولية ظهور تنظيم "داعش"، لأنه أساء تقدير مخاطر "الربيع العربي"، وتجاهل تداعيات الصراع السوري، والطريقة التي تعامل بها الغرب مع الحروب الأهلية في دول أخرى تسببت بإشعال أزمات حقيقية فيها . في الوقت ذاته تعتزم الحكومة الأسترالية طرح حزمة من القوانين الجديدة لمكافحة الإرهاب على البرلمان، من شأنها توسيع صلاحيات رئيس الوزراء لردع الإرهاب، وهي الإجراءات نفسها التي اتُبعت في دول أوروبية كثيرة . في الوقت الذي رصدت فيه صحيفة "واشنطن بوست" اتساع الهوة بين أوباما والجيش الأمريكي حول استراتيجية عدم إرسال قوات برية لخوض الحرب ضد "داعش" .
وبغض الطرف عن تقييمنا لمحاور الاستراتيجية الأمريكية، التي اتسمت بالعمومية الشديدة، وفي ظل الاجتماعات والتصريحات التي تخرج علينا من الحين إلى الآخر، والتفاعلات البينية في دوائر صنع القرار داخل الولايات المتحدة، فإن ساعة الحرب قد اقتربت، وتقرع الآن طبولها، خاصة بعد شل يد إيران وروسيا تجاه التفاعلات الدولية لشن الحرب العالمية الثالثة ضد الإرهاب، بل وموافقة روسيا على التنسيق والدعم اللوجستي في هذه الحرب . ثانياً، تهديد أوباما ووزير دفاعه للنظام السوري بضرب قواعد ومنصات إطلاق الصواريخ السورية في حال إذا ما سولت له نفسه اتخاذ قرار بضرب إحدى طائرات التحالف . ثالثاً، انسحاب القوات التابعة للأمم المتحدة من هضبة الجولان السورية .
ثانيا- جدية الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب
والسؤال هنا: هل الولايات المتحدة جادة في محاربة الإرهاب؟ وإذا لم تكن كذلك فما هي أهدافها الخفية من هذه الحرب؟ والإجابة الأكثر وضوحاً عن هذا السؤال أن الولايات المتحدة غير جادة في حربها المستمرة على الإرهاب، والتي تخوضها منذ 11 سبتمبر 2011 حتى الآن، والدليل على ذلك ما يلي:
أولاً: أن الولايات المتحدة لا تمتلك استراتيجية محددة المعالم في حربها على الإرهاب، وتتعامل بسياسة "القطعة" مع بؤر الإرهاب التي تظهر في مناطق من العالم بين الفينة والأخرى . ففي الوقت الذي تتحمس فيه لمحاربة الإرهاب في العراق وسوريا تترك جماعات جهادية أخرى في بلدان إفريقيا مثل جماعة "بوكو حرام" في نيجيريا، وبعض الجماعات الجهادية المتطرفة في شمالي مالي .
ثانياً: لا تريد الولايات المتحدة أن تمد حربها إلى ليبيا على الرغم من إعلان الجماعات الجهادية والتكفيرية فيها مبايعة أبو بكر البغدادي قائد التنظيم في العراق خليفة للمؤمنين .
ثالثاً: الموقف الداعم لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهي التي خرج من رحمها كل الجماعات التكفيرية والجهادية في العالم، بما فيها تنظيم القاعدة، الذي ساعدها على القضاء على الاتحاد السوفييتي .
رابعاً: إن الولايات المتحدة مستفيدة من وجود مثل هذه الجماعات التكفيرية لاستمرار توحيد الأمة الأمريكية في الداخل وقيادة العالم في الخارج، ومواجهة أي قوة عالمية جديدة بازغة تريد أن تلعب دوراً على الساحة السياسية العالمية .
خامساً: استمرار وجودها في أغلب دول منطقة الشرق الأوسط، المصدر الأول للبترول والغاز على مستوى العالم حتى هذه اللحظات، من خلال تغذية النعرات الطائفية والدينية في المنطقة، وهو المنهج نفسه الذي استخدمته بريطانيا من قبل .
سادساً: عدم جدية الولايات المتحدة في حل القضية الفلسطينية، أمّ القضايا العربية، التي مازالت على رأس الأولويات العربية والإسلامية، بزعم أن "إسرائيل" هي هدف الجماعات المتطرفة، علماً بأنه لا يوجد تنظيم واحد منها استطاع أن يصل إلى "إسرائيل"، بل هي لا توجد بالأساس على أجندتها، الأكثر من ذلك أنه تم اختراق أغلبها من "إسرائيل" التي استطاعت أن توجهها لما يخدم مصالحها في المنطقة .
سابعاً: إن الولايات المتحدة، كأمة، لا تستطيع أن تعيش متماسكة من دون وجود خطر خارجي يهددها، حتى إن كان مزعوماً، وقد وجدت إدارة أوباما ضالتها فيما يسمى بالحرب على الإرهاب، التي يبدو أنها سوف تستمر إلى فترة ليست بالقصيرة، خاصة بعد أعمال العنف والاضطرابات الداخلية التي شهدتها بعض الولايات الأمريكية . يضاف إلى ما سبق، الضغط الذي يُمارس من قبل لوبي صناعة السلاح والكيان الصهيوني على إدارة أوباما لكي تتدخل عسكرياً، لأنهما يعلمان حجم الفوائد التي سيجنيانها جراء هذه الحرب .
ثالثا- فشل المواجهة العسكرية
وبناء عليه، يثور تساؤل حول إمكانية هزيمة الولايات المتحدة للإرهاب أو القضاء على التنظيمات الجهادية والتكفيرية في العالم، وهل الحرب العسكرية هي الطريق الأفضل للتخلص من هذه الجماعات؟ بالتأكيد ليست الحرب هي الأداة الناجعة لمحاربة الإرهاب، حيث توجد طرق أخرى عدة لمواجهة الإرهاب، منها على سبيل المثال: أولاً، التنسيق الدولي لتضييق الخناق على تمويل الجماعات الإرهابية وملاحقة مموليها . ثانياً، إحداث تنمية اقتصادية وسياسية حقيقية في تلك البلدان التي تشكل أرضاً خصبة لنمو مثل تلك الجماعات التكفيرية . ثالثاً، التنسيق معلوماتياً وعسكرياً، مع الجماعات المحلية والوطنية في تلك البلدان التي يوجد فيها تكفيريون . ونعتقد أن الولايات المتحدة لها تجربة ناجحة في ذلك، حينما شكلت "مجالس الصحوات" في غرب ووسط العراق خلال عامي 2006 و2007 . رابعاً، المواجهة الثقافية الدينية، وتفعيل مبادرة الأمين العام السابق لحوار الحضارات والأديان . وهنا يمكن أن تلعب المؤسسات الدينية والثقافية مثل الأزهر الشريف والفاتيكان والمرجعيات الدينية في النجف وقُم دوراً مهماً، لانتشال مئات الشباب من الأفكار التكفيرية والجهادية . وأخيراً، تفعيل أجهزة الأمم المتحدة المعنية بمحاربة الإرهاب والجرائم ضد الإنسانية والفقر والتنمية، ليس في منطقة الشرق الوسط فقط، لكن في إفريقيا وغيرها من قارات العالم أيضاً، بما في ذلك مواجهة محاولات التطهير العرقي التي مورست في بعض البلدان الآسيوية ضد الأقليات المسلمة.
والخلاصة، أن ما سبق، يؤكد على ضرورة أن يتخذ أبناء الأمة العربية حزمة من السياسات البديلة عن سياسات القوى الكبرى لمواجهة المخاطر التي تهدد الأمن القومى العربي، خاصة الحركات الجهادية والتي ستظهر علينا بعد دحر داعش، وذلك من خلال تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك أو عبر أطر إقليمية عربية عربية جديدة.
ما أشبه الليلة بالبارحة، هذه المقولة تنطبق على الطريقة التي تحاول بها الولايات المتحدة تشكيل تحالفها الدولي لمحاربة إرهاب تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، وهو ما أعاد للأذهان تحالف عام 2003 للتخلص من نظام صدام حسين، بحجة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل وانتهاك حقوق الإنسان وبناء عراق ديمقراطي يكون نموذجاً يحتذى في المنطقة العربية . وبعد أن حقق اليمين المسيحي المتطرف داخل الإدارة الأمريكية أهدافه من الحرب المذمومة من تقسيم العراق على أسس مذهبية وعرقية وجغرافية ووضع دستور طائفي، عادوا واعترفوا بأنهم كانوا مخطئين وأن العراق لم يمتلك أسلحة دمار من الأصل .
بالمنهج نفسه، نجحت الولايات المتحدة في إصدار القرار رقم 1270 من مجلس الأمن بالإجماع، الذي يدعو إلى تشكيل فريق مراقبة ورصد لمدى تنفيذ سلة عقوبات واسعة ضد تنظيم "داعش" وجبهة النصرة في العراق والشام، ومدى تعاون الدول الأعضاء في تطبيق هذا القرار، على أن يقدم الفريق تقريراً إلى لجنة العقوبات في غضون 90 يوماً عن الخطر الذي يشكله التنظيمان، وعن مصادر أسلحتهما وتمويلهما والتجنيد في صفوفهما وتركيبتهما الديموغرافية .
أولا- التأخر الأمريكى في محاربة الإرهاب
ويثير التدخل الأمريكي المتأخر لضرب "داعش" التساؤل في العالم العربي عن أسباب هذا التأخر، ولماذا التركيز على "داعش" في العراق وسوريا دون الجماعات التكفيرية في ليبيا وتونس واليمن ومصر ونيجيريا ومالي؟ واللافت أنه عندما تولى أوباما سدة الحكم في الولايات المتحدة، كانت هناك فرحة عارمة في بعض بلدان العالم الإسلامي خاصة بعد خطابه في جامعة القاهرة، الذي وعد الأمريكيين بعودة جنودهم من العراق وأفغانستان، وهو ما حدث إلى حد ما . ولكن سرعان ما حنث أوباما بوعوده حيث تقوم القوات الجوية الأمريكية بشن غارات مستمرة على تنظيم "داعش" في العراق بعدما صعد أوباما من حشد قواته العسكرية، والتقى في اجتماعات موسعة مع جنرالات من الجيش الأمريكي، بعدما وفّر، ولو شكلياً، حلفاً من 40 دولة من مختلف قارات العالم . وأكد في خطاب من القيادة الوسطى في فلوريدا أنه "سواء كانوا في العراق وسوريا، سيكتشف "داعش" أن بمقدورنا الوصول، وأنهم لن ينعموا بملاذ آمن" .
يأتي التحرك الأمريكي ضمن استراتيجية أوسع نطاقاً، عنوانها الأبرز استهداف وإضعاف قدرات "داعش" وتدميره، وتقوم على عدة محاور: الأول، القيام بحملة منظمة من الضربات الجوية ضد "داعش"، بالعمل والتنسيق مع الحكومة العراقية التي تقوم قواتها بالهجوم برياً، ومطاردة "داعش" وفلولها في سوريا . الثاني، إرسال قوة تدريبية من الخبراء العسكريين إلى العراق، من أجل مساندة القوات العراقية والكردية في مجالات التدريب وتأهيل قوات الحرس الوطني العراقي . أما المحور الثالث، فيتمثل في تشكيل ائتلاف دولي تلعب القوى الإقليمية دورها الحاسم فيه عبر خطوط متعددة، من بينها: الدعم العسكري للعراقيين، ووقف المقاتلين الأجانب، ومجابهة تمويل "داعش"، وموارده المالية، وكشف زيف دعاوى "داعش" الدينية .
وفي إطار تسويق الاستراتيجية الأمريكية عالمياً، حمل رئيس جهاز المخابرات البريطانية "إم آي 6" الغرب مسؤولية ظهور تنظيم "داعش"، لأنه أساء تقدير مخاطر "الربيع العربي"، وتجاهل تداعيات الصراع السوري، والطريقة التي تعامل بها الغرب مع الحروب الأهلية في دول أخرى تسببت بإشعال أزمات حقيقية فيها . في الوقت ذاته تعتزم الحكومة الأسترالية طرح حزمة من القوانين الجديدة لمكافحة الإرهاب على البرلمان، من شأنها توسيع صلاحيات رئيس الوزراء لردع الإرهاب، وهي الإجراءات نفسها التي اتُبعت في دول أوروبية كثيرة . في الوقت الذي رصدت فيه صحيفة "واشنطن بوست" اتساع الهوة بين أوباما والجيش الأمريكي حول استراتيجية عدم إرسال قوات برية لخوض الحرب ضد "داعش" .
وبغض الطرف عن تقييمنا لمحاور الاستراتيجية الأمريكية، التي اتسمت بالعمومية الشديدة، وفي ظل الاجتماعات والتصريحات التي تخرج علينا من الحين إلى الآخر، والتفاعلات البينية في دوائر صنع القرار داخل الولايات المتحدة، فإن ساعة الحرب قد اقتربت، وتقرع الآن طبولها، خاصة بعد شل يد إيران وروسيا تجاه التفاعلات الدولية لشن الحرب العالمية الثالثة ضد الإرهاب، بل وموافقة روسيا على التنسيق والدعم اللوجستي في هذه الحرب . ثانياً، تهديد أوباما ووزير دفاعه للنظام السوري بضرب قواعد ومنصات إطلاق الصواريخ السورية في حال إذا ما سولت له نفسه اتخاذ قرار بضرب إحدى طائرات التحالف . ثالثاً، انسحاب القوات التابعة للأمم المتحدة من هضبة الجولان السورية .
ثانيا- جدية الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب
والسؤال هنا: هل الولايات المتحدة جادة في محاربة الإرهاب؟ وإذا لم تكن كذلك فما هي أهدافها الخفية من هذه الحرب؟ والإجابة الأكثر وضوحاً عن هذا السؤال أن الولايات المتحدة غير جادة في حربها المستمرة على الإرهاب، والتي تخوضها منذ 11 سبتمبر 2011 حتى الآن، والدليل على ذلك ما يلي:
أولاً: أن الولايات المتحدة لا تمتلك استراتيجية محددة المعالم في حربها على الإرهاب، وتتعامل بسياسة "القطعة" مع بؤر الإرهاب التي تظهر في مناطق من العالم بين الفينة والأخرى . ففي الوقت الذي تتحمس فيه لمحاربة الإرهاب في العراق وسوريا تترك جماعات جهادية أخرى في بلدان إفريقيا مثل جماعة "بوكو حرام" في نيجيريا، وبعض الجماعات الجهادية المتطرفة في شمالي مالي .
ثانياً: لا تريد الولايات المتحدة أن تمد حربها إلى ليبيا على الرغم من إعلان الجماعات الجهادية والتكفيرية فيها مبايعة أبو بكر البغدادي قائد التنظيم في العراق خليفة للمؤمنين .
ثالثاً: الموقف الداعم لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهي التي خرج من رحمها كل الجماعات التكفيرية والجهادية في العالم، بما فيها تنظيم القاعدة، الذي ساعدها على القضاء على الاتحاد السوفييتي .
رابعاً: إن الولايات المتحدة مستفيدة من وجود مثل هذه الجماعات التكفيرية لاستمرار توحيد الأمة الأمريكية في الداخل وقيادة العالم في الخارج، ومواجهة أي قوة عالمية جديدة بازغة تريد أن تلعب دوراً على الساحة السياسية العالمية .
خامساً: استمرار وجودها في أغلب دول منطقة الشرق الأوسط، المصدر الأول للبترول والغاز على مستوى العالم حتى هذه اللحظات، من خلال تغذية النعرات الطائفية والدينية في المنطقة، وهو المنهج نفسه الذي استخدمته بريطانيا من قبل .
سادساً: عدم جدية الولايات المتحدة في حل القضية الفلسطينية، أمّ القضايا العربية، التي مازالت على رأس الأولويات العربية والإسلامية، بزعم أن "إسرائيل" هي هدف الجماعات المتطرفة، علماً بأنه لا يوجد تنظيم واحد منها استطاع أن يصل إلى "إسرائيل"، بل هي لا توجد بالأساس على أجندتها، الأكثر من ذلك أنه تم اختراق أغلبها من "إسرائيل" التي استطاعت أن توجهها لما يخدم مصالحها في المنطقة .
سابعاً: إن الولايات المتحدة، كأمة، لا تستطيع أن تعيش متماسكة من دون وجود خطر خارجي يهددها، حتى إن كان مزعوماً، وقد وجدت إدارة أوباما ضالتها فيما يسمى بالحرب على الإرهاب، التي يبدو أنها سوف تستمر إلى فترة ليست بالقصيرة، خاصة بعد أعمال العنف والاضطرابات الداخلية التي شهدتها بعض الولايات الأمريكية . يضاف إلى ما سبق، الضغط الذي يُمارس من قبل لوبي صناعة السلاح والكيان الصهيوني على إدارة أوباما لكي تتدخل عسكرياً، لأنهما يعلمان حجم الفوائد التي سيجنيانها جراء هذه الحرب .
ثالثا- فشل المواجهة العسكرية
وبناء عليه، يثور تساؤل حول إمكانية هزيمة الولايات المتحدة للإرهاب أو القضاء على التنظيمات الجهادية والتكفيرية في العالم، وهل الحرب العسكرية هي الطريق الأفضل للتخلص من هذه الجماعات؟ بالتأكيد ليست الحرب هي الأداة الناجعة لمحاربة الإرهاب، حيث توجد طرق أخرى عدة لمواجهة الإرهاب، منها على سبيل المثال: أولاً، التنسيق الدولي لتضييق الخناق على تمويل الجماعات الإرهابية وملاحقة مموليها . ثانياً، إحداث تنمية اقتصادية وسياسية حقيقية في تلك البلدان التي تشكل أرضاً خصبة لنمو مثل تلك الجماعات التكفيرية . ثالثاً، التنسيق معلوماتياً وعسكرياً، مع الجماعات المحلية والوطنية في تلك البلدان التي يوجد فيها تكفيريون . ونعتقد أن الولايات المتحدة لها تجربة ناجحة في ذلك، حينما شكلت "مجالس الصحوات" في غرب ووسط العراق خلال عامي 2006 و2007 . رابعاً، المواجهة الثقافية الدينية، وتفعيل مبادرة الأمين العام السابق لحوار الحضارات والأديان . وهنا يمكن أن تلعب المؤسسات الدينية والثقافية مثل الأزهر الشريف والفاتيكان والمرجعيات الدينية في النجف وقُم دوراً مهماً، لانتشال مئات الشباب من الأفكار التكفيرية والجهادية . وأخيراً، تفعيل أجهزة الأمم المتحدة المعنية بمحاربة الإرهاب والجرائم ضد الإنسانية والفقر والتنمية، ليس في منطقة الشرق الوسط فقط، لكن في إفريقيا وغيرها من قارات العالم أيضاً، بما في ذلك مواجهة محاولات التطهير العرقي التي مورست في بعض البلدان الآسيوية ضد الأقليات المسلمة.
والخلاصة، أن ما سبق، يؤكد على ضرورة أن يتخذ أبناء الأمة العربية حزمة من السياسات البديلة عن سياسات القوى الكبرى لمواجهة المخاطر التي تهدد الأمن القومى العربي، خاصة الحركات الجهادية والتي ستظهر علينا بعد دحر داعش، وذلك من خلال تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك أو عبر أطر إقليمية عربية عربية جديدة.